أهمية التواصل الرقمي في حماية الثوابت الدينية وتعزيز الروابط بين أعضاء المؤسسة وفروعها

أهمية التواصل الرقمي في حماية الثوابت الدينية وتعزيز الروابط بين أعضاء المؤسسة وفروعها

السيد أحمد التوفيق الرئيس المنتدب لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.
السيد أحمد التوفيق الرئيس المنتدب لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.

الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحابته الأكرمين.

السادة العلماء، السيدات العالمات؛

نحمد ﷲ تعالى على أن كتب لنا هذا الجمع مجددا بفضل ما نحن منضوون فيه في رواق هذه المؤسسة السامية، مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.

هنالك موضوعان، اختيـرا لهذا اللقاء، غيـر متكافئين لكن ثانيهما يخدم الأول: وهو حديث العلماء والعالمات عن إمارة المؤمنين، والثاني: إطلاق هذه الوسيلة التواصلية بين علماء المؤسسة وعالماتها في مختلف البلدان عن طريق الموقع الرقمي.

وكيف ما كانت مواضيع اللقاءات، لابد في بدايتها أن يكون هنالك موضوع ثابت بيننا وهو موضوع التواصي بالحق والتواصي بالصبر. ونحن في أشد الحاجة إلى العمل بهذا التوجيه الرباني، وينبغي أن نتفاهم حول ما نقصده بالذات بالنسبة لهذه المؤسسة من قضية التواصي؛ ذلك أننا نعيش في وقت نحتاج فيه دائما إلى أن نتساءل من نحن؟ أين نحن؟ ماذا نريد؟ ما هو الممكن؟ وما هو المستحيل؟

بالنسبة لهذه المؤسسة، استمعنا في بداية الشريط إلى خطاب أميـر المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه ﷲ بمناسبة تنصيب مجلس المؤسسة، وينبغي أن يكون هذا الخطاب دائما حاضرا في عقولنا وبين أعيننا وفي ضمائرنا، لأنه لا يترك مجالا لأي تردد في فهم المقصود ولا لأي غموض في الأهداف ولا في هوية هذه المؤسسة. وهذا هو المستند فيما قلنا من التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهذا أمر مولانا عز وجل.

قد ورد في هذا الكلام السامي لمولانا أميـر المؤمنين أن هذه المؤسسة هي إطار للتعاون بين العلماء، وعندما نقول علماء، لا نقول علماء المغرب ولا نقول علماء بلد من البلدان، إنما نقول علماء إفريقيا.

ثم إن الكلمة التأسيسية هذه توضح المقصود، وهو حماية الدين، هذه الحماية التي نحن مطالبون بها باستمرار لأن الدين جاء بيقظة وبالتأكيد على أن هذا الدين معرض في هشاشته، ككل شيء سام راق كامل طيب، حتى إن علماءنا كانوا يعبرون عن هذه الهشاشة بعبارة أو كلمة «بيضة الدين»، يقولون: «حماية بيضة الدين»، نظرا لشعورهم أو إشعارهم بأن هذه البيضة ينبغي أن تحمى، بمعنى أن هذه الهشاشة التي ينبغي أن يكون الجهاد الأكبر في حمايتها، وحمايتها في أنفسنا، وحمايتها في أهلنا، وحمايتها لتبليغ مقاصدها للناس أجمعين، وحمايتها من أجل هذه الإنسانية التي تتشوف إلى نموذج لهذه الأمة لكي تقتدي به، وهو أمر غيـر حاصل في وقتنا الحاضر، بالإضافة إلى ما الإسلام معرض له من الضغط والتشويه، فإننا لسنا بهذا المقام الذي ندافع فيه عن أنفسنا بل إننا منهمكون في إضعاف بعضنا البعض الآخر داخل الدين نفسه.

وهذه من جملة عناصر التشخيص التي تحفزنا على العمل وتشرح لنا هذا الكلام البليغ الجامع الذي ورد في إعلان مقاصد هذه المؤسسة على يد وعلى لسان مؤسسها مولانا أميـر المؤمنين.

ينبغي أن يكون هذا واضحا وأن نذكر به أنفسنا ويذكر به بعضنا البعض باستمرار باعتبار أنها إطار للتعاون، وأن التعاون هو مبدأ قرآني ديني كتب ﷲ لأهله الجزاء في الاستجابة لسعيهم في الدنيا وكتب لهم الخيـر في الآخرة. نحن إذا مجتمعون على مبدأ قرآني هو التعاون. وعلى كل واحد منا رجلا كان أو امرأة، أن يجرب هذا الأمر ويعرضه على عقله:

هل نحن متعاونون أم أن بعضنا له غرض في البعض الآخر؟

المغرب لا يحتاج سياسيا إلى شيء من هذا القبيل، ويكون من البهتان أن يظن مثل هذا الكلام. لم أسمعه، ولكن للتوضيح أريد أن أقول: إن الكلمة التي وردت في الخطاب المولوي للتعريف بالمؤسسة على أنها إطار التعاون هي الحقيقة التي ينبغي تحقيقها.

هل نحن بحاجة إلى التعاون؟ نحن بحاجة إلى التعاون لا لمجرد أن التعاون مبدأ قرآني وإرشاد إلى سبيل الخيـر الأعظم فقط، بل لأن أحوالنا التي نعيشها – المسلمين جميعا-، ونقصر الآن الكلام عن إفريقيا، تجعلنا أحوج ما نكون إلى التعاون والتشاور، والتفاهم والمذاكرة، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

ﷲ تعالى جعل للإنسان _وهو الذي خلقه لغاية_ ما يمكن أن يكون به عقله مستنيـرا عندما وصاه بالحق. الحق عليه دار تاريخ هذه الإنسانية في مواجهة الباطل، وعلى الصبر دار تاريخ هذه الإنسانية؛ لأن الصبر هو مادة الحكمة. إذا اجتمع الحق والحكمة فتلك الغاية، ولضعف الناس وضعف الإنسان يـريد أن يـرى الأمور أمامه في نماذج بشرية، هم العلماء والعالمات. نريد أن نتعاون لتبعث من جديد نماذج بشريه بين العلماء والعالمات يقتدي بهم الناس.

إن المسلمين أحوج ما يكونون إلى نماذج العلماء والعالمات لا من أصحاب الأهواء، فإن أئمة هذا الدين عندما ظهرت الأهواء، في عصرهم، حذروا منها وصنفوا أهلها وبينوا مزالقهم ومراميهم. واليوم الأمر أكثر استفحالا وتعقيدا، وبالتالي فالعمل ينبغي أن يكون أكبر وأعظم، وأدوم وأصدق ما يمكن أن يكون.

على هذا اجتمعنا، وعلى هذا نجتمع، وعلى هذا ينبغي أن يذكر بعضنا بعضا في كل مرة، وقبل الكلام عن المواضيع المطروحة للدورات سواء كانت علمية أو إخبارية، ينبغي دائما أننذكر أنفسنا أين وصلنا في استيعاب هذه الحقيقة التي هي بديهية، لكن تحقيقها أو استبطانها أو تمثلها وتشخيصها وتمثيلها كنموذج هو شيء لا ينتهي، كمال لا ينتهي.

نحن في هذه المؤسسة وفق ﷲ تعالى أن اجتمعنا بمبادرة من أميـر المؤمنين لكي نتكلم هذا الكلام، كلام التواصي بالحق والتواصي بالصبـر، ولكي نقتنع أن بلداننا الإسلامية محتاجة إليه، وأننا في إفريقيا أحوج لأننا معرضون لأهل الأهواء أكثر من غيـرنا لأننا أناس طيبون، عجم سعدنا بهذا الدين واستقبلناه وتبنيناه وأدخلناه في حياتنا وفي قلوبنا وفي إيماننا وفي صدورنا.

ولذلك يظن الناس أننا لحم على وضم، ولذلك نحن بحاجة إلى أن نشخص الحال ونعمل على خلق شخصية فريدة للمؤسسة بالخصوص أنها لا تسعى لتحقيق أمر له غاية دنيوية إلا ما أمر ﷲ به أن يتحقق من التواصي بالحق والتواصي بالصبر والذود عن هذا الدين.

هذا أمر دنيوي وأخروي في نفس الوقت، ما عدا ذلك ما اجتمعنا له ولن نجتمع له. دائما ينبغي التذكيـر بهذه الحقيقة لأنها مبدأ كل عمل صالح يمكن أن يوفقنا ﷲ تعالى إليه في المستقبل.

وبالتالي، فان الأمر لا يتعلق بإدارة مركزية في الرباط وبفروع في بلدان أخرى، إنما هي أمور يستدعيها التدبيـر وتستدعيها التفاهم والأسباب التي أمر ﷲ تعالى أن نتبعها لكي نعمل شيئا يقبله ويرضاه مسترشدين بأمره وحكمته ومكارم كتابه العزيز.

مهما كان الشخص رجلا أو امرأة، في عمق إفريقيا أو في أي مكان آخر منها والمغرب سواء، إنما هي أمور تدبيـرية ينبغي أن تكون هكذا، نرجو ﷲ أن يكون كل واحد منا- رجلا كان أو امرأة- أمة وحده لا يعتبر نفسه لا في الهامش المكاني ولا في الهامش التنظيمي يعمل بهذا الذي يقتنع به ويبادر ويفعل الخيـر.

نحن مجتمعون لفعل الخيـر لذلك ينبغي دائما أن نؤكد ونذكر بهذه الحقيقة بهذا المنطلق الذي سمعنا منطوقه ومضمونه في بداية كلمة أميـر المؤمنين التأسيسية أعزه ﷲ، بمعنى أن هذه المؤسسة لا تشبه جمعيات أخرى، لا نقدح في أحد ولا نتنافس مع أحد، ونحن نتعاون مع كل واحد؛ فيما بيننا ومع الناس وكل من له نفس المرامي والأهداف.

نتعاون معا ونخفض الجناح للجميع، وهذا هو المقصود بالصبر؛ بمعنى أننا نزرع السلم في أنفسنا وفي أرضنا وعند أهلنا، وكل واحد منا يستطيع أن يكون أمة وحده له هذا القدر وهذه القوة التي يستحقها أهلنا في البلدان الأفريقية.

ينبغي -بارك ﷲ فيكم رجالا ونساء- أن نحرص على هذا ونجدد إيماننا بما نحن فيه، هذا التجديد للإيمان ينبغي أن يكون له هذا المنطلق وأن تكون له هذه الغايات، وهو أمر لا ينبغي أن نكل منه ولا أن نمل. هذا هو تجديد الإيمان حتى لا ينسى الإنسان ما هو فيه وحتى يسد أبواب الوسواس الخناس.

ينبغي أن يكون هذا ما نتقوى به كي تكون لنا القوة؛ لأن النظائر التي في محيطنا بمعنى ما يشبهنا قد يقع أن تجتمع على الكلام، لسنا مجتمعين على الكلام، نحن مجتمعون على ما نستمده ونفهمه من أمر ﷲ تعالى ومن كتابه العزيز وسنة رسوله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام للعمل لنحمي أهلنا ونحمي أنفسنا ونكون نموذجيين في أمرنا.

أذكر وأكرر لأنني أشعر أننا بحاجة إلى أن نتمثل هذا المعنى في نفوسنا، نعم نحن مطالبون بنوع من الجد في السيـر والتقدم وألا نبطئ كثيـرا لأن الأحوال لا تنتظر، ولأن ما يحيط بهذا العالم من الأمور التي تتراءى في الأفق العالمي كله مذهلة ومخيفة، والمسلمون ينبغي أن يكون لهم وضوح في رؤيتهم، فيما بينهم ثم فيما بينهم وبين غيـرهم. علماء إفريقيا مطالبون بحماية أهلها وما يجلب لهم السلم وأن يطمئنوهم على ما هم فيه من الخيـرية والطيبوبة.

هذا في بداية ما أردت أن أشيـر إليه من ضرورة التشخيص الصحيح لكيلا ننسى على أي شيء نحن مجتمعون، وأن الأمر يتعلق بكل واحد منا وبقيمته الإنسانية وبقيمته الإيمانية وبقيمته في الصدق، لأن ذلك وحده كفيل بأن يجعله مشعا وأن يجعله مباركا مصدرا ومعينا للخيـر في أهله وفي غيـره. تحسب نفسك جرما صغيـرا وفيك انطوى العالم الأكبر كما قال الحكيم الذي قال: كل واحد منا عالم أكبر، إذا وفقه ﷲ وصدق ﷲ ما عليه فهو عليه.

يـرتبط هذا الكلام بالموضوع الأساسي في الدورة وهو إمارة المؤمنين. يـرى الناس في المغرب وفي إفريقيا وفي غيـرها أن ﷲ تعالى جعل لهذا البلد، والمنة تعالى، هذا التكريم بأن حافظ اسما ومسمى على هذا النموذج، نموذج الإمامة العظمى إمارة المؤمنين.

ما الذي يستفيده الإفريقي خارج المغرب من الكلام في هذا الموضوع ومن التأمل فيه؟ لكل بلد نظامه ولكل بلد إفريقي نظامه السياسي، دستوره وقوانينه وأعرافه وتوجهاته ومؤسساته، لكن المشترك بين الأفارقة كلهم هو هذا الدين.

كيف يأتي هذا الدين بالخيـر لكل بلد مهما كان نظامه ومهما كانت مؤسساته ومهما كانت قوانينه، لأن المسلمين في بلد إفريقي أو بلد آخر طالبهم الإسلام بنفس ما يطالب به المسلمين في العالم؛ وهو أن يكونوا سببا للنجاة والخيـر لأنفسهم ولغيـرهم. وهذا غاية ما تسعى إليه الأنظمة كيفما كانت، وهو أن يكون الناس بخيـر وأن يعمل بعضهم لخيـر البعض الآخر. هذا ما تسعى إليه كل الأنظمة مهما اختلفت الأسماء والأشكال. فلذلك عندما نتحدث عن إمارة المؤمنين لا نتحدث عن النظام السياسي، إنما نتحدث عن شيء فوق النظام السياسي يتعلق بالدين. المغرب له دستوره كما للبلدان الإفريقية دساتيـرها، وله مؤسساته كما للبلدان الأخرى. لكن إمارة المؤمنين هذه حافظنا عليها في التاريخ وهي نموذج حي ببيعتها.

علماء الإسلام والسلف رضوان ﷲ عليهم، جمعوا الفكر السياسي كله فكرا سياسيا عمليا في هذه الشروط التي وضعوها لبيعة إمارة المؤمنين عندما قالوا: إن واجباتها الكبرى؛ أي المبادئ الدستورية الكبرى هي أن هذه الإمامة مطالب منها أن تقوم بحفظ الدين، فأنتم عندما تحفظون الدين أو تحمونه تجدون أنفسكم موضوعيا في إمارة المؤمنين بقطع النظر عن النظام الذي أنتم فيه أو البلد الذي أنتم فيه فالأمر لا يستتبع تبعات سياسية ولا حاجة لذلك.

حماية الدين؛ هذا ما استنبطه العلماء ولخصوه أحسن تلخيص، وقالوا: حماية نفوس الناس بمعنى الأمن، والأمن مطلوب في كل مكان. وقالوا: حماية العقل، لم يقل العلماء كثيـرا في قضية حماية العقل ولكنهم انتبهوا إلى أن العقل هو أصل المعروف.

ليس هنالك عقل إلا وهنالك معروف، بمعنى هنالك مرجعيات، العنوان الذي تكرر على الشاشة فيه مرجعية. العقل لا بد له من مرجعيات، وهذه المرجعيات هي التي يختارها الناس، والمعروف ما تعارف عليه الناس. وبالنسبة للمسلمين ما يتعارفون عليه دون أن يكون في ذلك ما يناقض ما ليس فيه اجتهاد في دينهم.

حماية العقل، لأن الأمم تحصل لها أعطاب عقلية كما تحصل للأفراد، وربما العالم قد يحصل له عطب عقلي دون أن يشعر عندما يجد نفسه في حيـرة من أمره إلى أين هو سائر وعندما يقع له الالتباس والتلبيس، كتب بعض السلف «تلبيس إبليس» بمعنى ما يضر العقل، والتلبيس هو عندما لا ترى يعني ﴿وَإِذاَ أظْلمَ عَليْهِمْ قَامُوا﴾ [سورة البقرة:20] بمعنى أن الإنسان لا يـرى إلى أين هو سائر ولا يدري. لذلك هنالك حاجة في مختلف المستويات في العالم إلى حماية العقل، ولا ينتبه الناس كثيـرا إلى هذه المسألة، يظنون أن المسالة تتعلق بصحة الجسد أو صحة النفس لكن صحة العقل، والعقل لا يتعلق بفرد واحد، فالأمة لها عقلها عندما نتكلم عن المعروف فذلك هو عقل الأمة بمعنى أن يكون العقل وأن يحميه القانون.

ثم الشرط الثاني في مهمات الإمامة هو حماية المال، وأنتم تعرفون أن المال هو سبب الخيـر كله أو سبب الفتنه كلها، وفي الأخيـر حماية العرض، ولا يتوقف على عرض المرأة، العرض في الشعر العربي، كما تعلمون، يناسب ما نسميه اليوم بالكرامة بصفة عامة، نسمع في الأعوام الأخيـرة بعض الناس في الشارع في بلد أو بلدان يتكلمون عن شعور الاحتقار (الحكرة)، هذا من جملة التعبيـر عن المطالبة بحماية العرض بحماية آنفة التي ليست أنانية بل الكرامة أحسن تعبيـر ولفظ مناسب لذلك. لذلك عندما نتكلم عن إمارة المؤمنين نتكلم بوضوح عن هذه المطالب الخمسة وهذه الكليات بمعنى ما يجمع الأمر، ما هو كلي تتفرع عنه جزئيات هي مبثوثة في كتب الفقه وفي كتب الفضائل وفي شعب الإيمان. نحن بحاجة إلى أن نتوقف عند هذه المتطلبات في إمارة المؤمنين كمرجعية لا للحكم في المغرب، فالمغرب له حكمه وله تاريخه ولا يحتاج إلى أحد، لكن النموذج الذي يمثل مرجعية لهذا الأمر هو نموذج إمارة المؤمنين كمرجع أصلي جمع له العلماء أسسا سموها بالكليات لابد أن نسعى إليه. بمعنى نستطيع أن تدور خطبنا في الجمعة وخطبنا في الوعظ حول هذه الكليات أينما كنا، دون ربطها لا ببلد ولا بتاريخ. لو بقي فيها العلماء أو الخطباء أو الوعاظ ككليات لها فرعيات ولها جزئيات تتفرع منها لكان ذلك من أسلوب تربية الناس وتوعيتهم بما هو عليه. لأن الإسلام متهم في بعض العبادات وبعض الأشياء الظاهرة والناس يتناوشون في ذلك ويدخلون في الجزئيات إلى حد الغفلة أو الحمق. وهنالك كليات وهنالك أولويات، هذا الدين له أولويات سماها العلماء بالكليات، لذلك ينبغي أن نتكلم عن الكليات، بمعنى هل نحمي هذا الدين في أسسه؟ هل نحمي نفوسنا من المتطرفين ومن المعتدين؟ هل نحمي عقلنا بالمعروف وباحترام القانون؟ هل نحمي مالنا بالاعتدال؟ وهل نحمي كرامتنا؟

هذه هي المرجعيات الأساسية التي تصلح لكل زمان ومكان وترد على الذين يحجمون الدين والإسلام على أنه مسألة طقوس (Rituels)، جملة الإسلام بمعنى كليته وشموليته هي حول هذه الكليات وما عدا ذلك فهو فرع من كلية من الكليات.

لذلك فالكلام على إمارة المؤمنين إذا استمر فإننا لن نستنفذه لأننا بحاجة إلى أن نعيد صياغة عقلنا وتحصيننا ودفاعنا أمام ما يواجهنا. وما يواجهنا بأن عندنا مرجعيتنا في تعريف ديننا وما ينبغي أن يكون عليه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتربويا، لأن هذه الكليات تجمع بين السياسة وبين الحق وبين الاقتصاد وما بين التربية.

قد يكون هذا الموضوع موضوعا دائما بيننا لأنه فعلا منجم غزيـر له فائدة منهجية، وهي كيف ينبغي أن نتكلم عن الإسلام وأن لنا فيه مرجعية واضحة، ولا يتعلق الأمر بالنظام السياسي المغربي مرة أخرى؛ فالنظام السياسي المغربي له تاريخه وله أهله وله مشروعيته ولا يحتاج لغيـره.

 

لكن الكلام فيها يعيدنا إلى قضية: ما هو الإسلام؟ وكيف وضع للسياسة قواعد؟ وكيف أنها قواعد شاملة فيها السياسي والاقتصادي والقانوني القائم على الحق والتربوي والجانب النفسي والاجتماعي المتعلق بكرامة الناس؟

من جملة الأمور المقررة في هذا الجمع إطلاق موقع إلكتروني للمؤسسة، فنحن في بلدان متباعدة جغرافيا نحتاجه لنتواصل، والله عز وجل وفق الإنسان إلى ابتكار هذه الوسائل للتواصل وهي تصلح للأمرين معا: تصلح للخيـر كثيـرا وقد تصلح لغيـر ذلك.

ينبغي أن نستعملها في الخيـر وحبذا لو أننا وهو ما نحن عازمون عليه إن شاء ﷲ، أن تكون تقريبا للتواصل اليومي لا فقط فيما يتعلق بالإجراءات والتدبيـرات، ولكن بالتواصل فيما يتعلق بما نحن بحاجة إليه من مثل هذه المواضيع. هنالك إمكانيه الآن أن يجلس مثل هذا الجمع في كل بلد من البلدان الإفريقية، وأن يتواصلوا فيما بينهم ويتذاكروا على الأقل مرة في الشهر. لذلك وتطبيقا لتوصيات مجلسكم منذ سنة، فإننا سنطلق إن شاء ﷲ هذا الموقع لكي يخدم هذه الأغراض ويكون له مجلس للتقويم والتحريـر مكون من عدة علماء من بلدان مختلفة ويؤدي إن شاء ﷲ مهمته في التقريب وفي التوصيل، لأننا في حاجة إلى هذا التوصيل، وينبغي من الآن أن نمر إلى مرحلة نشخص فيها الأمور ونضع فيها سياسات حكيمة لكي ننفع أهلنا بأسرع ما يمكن. وقلنا إن أصل هذا النفع والانتفاع هو أن نعرف أين نحن ونشخص الأحوال بالنسبة لما نحن عليه وبالنسبة لمن حولنا.

نسأل ﷲ أن يوفقنا ويجعل نوايانا خالصة وصادقة وأعمالنا قاصدة إن شاء ﷲ، والسلام عليكم ورحمة ﷲ تعالى وبركاته.

كلمات مفتاحية : , ,