قول العلماء الأعلام في ما بين العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي من تكامل وانسجام

قول العلماء الأعلام في ما بين العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي من تكامل وانسجام

ذ. عبد الرحيم الأمين كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- أكدال- الرباط.
ذ. عبد الرحيم الأمين كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- أكدال- الرباط.

ألقيت هذه الكلمة خلال الندوة العلمية الدولية التي نظمها، بفاس، موقع الثوابت الدينية المغربية الإفريقية بالتعاون مع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع “قول العلماء في الثوابت الدينية المغربية الإفريقية”، يومي السبت والأحد 25 و26 ذي القعدة 1443هـ الموافق لـ 25 و26 يونيو 2022م.

الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين، وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فقد عُرف المغاربة عبر تاريخهم المشرق بتعلقهم بالدين الإسلامي الحنيف  والتزامهم بتعاليمه وأحكامه، كما عُرفوا بالدفاع عنه وبنشره في بلادهم وخارجها، خاصة في محيطه الإفريقي والأوروبي، ومما هو معلوم أن الدين الإسلامي الحنيف جاء شاملا لكل حاجيات الإنسان الروحية والمادية، العقدية والعملية والسلوكية، ذلك أن الإسلام عقيدة، وشريعة، إيمان وإسلام وإحسان، وهي العناصر الأساسية التي علمنا إياها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور الذي قال في ختامه بعد بيان مفهوم الإيمان والإسلام والإحسان: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ»[1].

لكن مع عصر تدوين العلوم الإسلامية تمايزت العناصر على مستوى التنظير، واستقل بعضها عن بعض في التصنيف، تيسيرا لتأليفها وعرض قضاياها، وتسهيلا لحفظها وتحصيل مسائلها، وبذلك انقسمت علوم الشريعة بحسب موضوعها إلى أقسام ثلاثة أساسية وهي: العقيدة، والفقه، والسلوك أو التصوف. فصاحب هذا الاستقلالَ ظهورُ فرق عقدية كثيرة، ومذاهب فقهية وفيرة، انتشرت في أرجاء البلدان الإسلامية، فاستقر كل بلد على المذهب العقدي والفقهي الذي توفرت الأسباب العلمية والتاريخية لتعلق الناس به، وتدينهم وفق أصوله وفروعه، فأصبح وجها من وجوه الهوية الدينية لهذا البلد أو ذاك. وقد تمثلت هذه الهوية عند المغاربة في جانبها العقدي في عقيدة أهل السنة والجماعة وفق منهج الإمام أبي الحسن الأشعري، وفي جانبها الفقهي في فقه المدينة وفق مذهب الإمام مالك ابن أنس، حيث تلقاها المغاربة بالقبول، وأصبحت ثوابت لهذه المملكة الشريفة، يتلقاها المغاربة في مدارسهم ومؤسساتهم التعليمية، ويمارسون وفق أصولها وفروعها شعائرهم الدينية، ويحتكمون إليها في المحاكم الشرعية، وبذلك غدت عنوانا لوحدة المغاربة وامتدادا للعلاقات الروحية والروابط الدينية التي تجمع المملكة بمحيطها الإفريقي والأوروبي.

ولعل من أسباب اختيار هذين المذهبين: العقدي والفقهي في المغرب والكثير من البلدان الإفريقية ما بينهما من التكامل والانسجام، وسأحاول في هذه المداخلة رصد أسباب التكامل والانسجام بين المذهبين ومظاهره وآثاره، وذلك من خلال ثلاثة محاور أساسية:

المحور الأول: أسباب التكامل والانسجام بين العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي.

المحور الثاني: مظاهر التكامل والانسجام بين العقيدة والمذهب

المحور الثالث: آثار التكامل والانسجام بين العقيدة والمذهب.

المحور الأول: أسباب التكامل والانسجام بين العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي

إن المتتبع لقضايا العقيدة الأشعرية ومسائل الفقه المالكي ليدرك بجلاء ما بين المذهبين من تكامل وانسجام، سواء على مستوى التنظير أو التنزيل، ولا شك أن هناك أسبابا موضوعية ومنهجية أسهمت في التقاء المذهبين وتكاملهما، وسأقتصر على ثلاثة أسباب منها، وهي:

أولا: انتماؤهما معا إلى أهل السنة والجماعة

العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي ينتميان معا إلى أهل السنة والجماعة، إذ هذا الاصطلاح يحمل بعدا عقديا حين يأتي في سياق مقابلة أهل الاعتزال والخوارج وغيرهما من الفرق العقدية، كما يحمل بعدا فقهيا حينما يأتي في سياق مقابلة المذاهب الفقهية الشيعية وغيرها من المذاهب الإسلامية التي خرجت عن جماعة أهل السنة، يقول تاج الدين السبكي رحمه الله: «وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة يد واحدة، كلُّهم على رأي أهل السنة والجماعة يدينون بطريقة شيخ السنة أبي الحسن الأشعري لا يحيد عنها إلا رُعاعٌ من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورُعاعٌ من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية فلم يُرَ مالكي إلا أشعري العقيدة»[2].

أما الأشاعرة فهم عيون أهل السنة والجماعة، وإليهم ينصرف اللفظ عند الإطلاق، ولا عبرة بما يروِّجه بعض من يحاولون احتكار شرف الانتساب لأهل السنة والجماعة والانتماء للسلف الصالح لأنفسهم، حيث ينسبون الأشاعرة لكل نقيصة وزيغ وضلال.

وَلَيْسَ كلُّ خِلافٍ جاءَ مُعتَبَراً … إِلا خِلافٌ لَه حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ

وهذا التشكيك في سنية الأشاعرة وسلامة منهجهم العقدي ليس أمرا مستحدثا، وإنما هو قديم قدم التدافع والتناظر العقدي الذي عرفته حقب كثيرة من تاريخ الإسلام، وفي سبيل رفع اللبس عن هذه الدعاوى الباطلة واستجلاء قول العلماء فيها، فلقد حصلت استفتاءات كثيرة حول الإمام الأشعري وما جاء به، منها  استفتاء الأستاذ أبي القاسم القشيري بخراسان بخصوص حال الشيخ أبي الحسن الأشعري، فكان جوابه رحمه الله: «اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كان إماما من أئمة أصحاب الحديث، ومذهبُهُ مذهب أصحاب الحديث، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين من الملة سيفا مسلولا، ومن طَعَنَ فيه أو قدح أو لعنه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة»[3].

وحصل استفتاء آخر في بغداد عمن يطعن في علماء الأشاعرة، ونصه: «ما قول السادة الأئمة الجِلَّة في قوم اجتمعوا على لعن فرقة الأشعري وتكفيرهم، ما الذي يجب عليهم؟». فأجاب قاضي القضاة أبو عبد الله الدَّامَغَانِيُّ الحنفي بما نصه: «قد ابتدع وارتكب ما لا يجوز، وعلى الناظر في الأمور أعز الله أنصاره الإنكار عليه وتأديبه بما يرتدع به هو وأمثاله عن ارتكاب مثله»[4].

وأما الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله فأجاب عن نفس السؤال بقوله: «الأشعرية أعيان أهل السنة وأنصار الشريعة، انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية والرافضة وغيرهم، فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السنة، وإذا رُفع أمر من يفعل ذلك إلى الناظر في أمر المسلمين وجب عليه تأديبه بما يرتدع به كل أحد»[5].

وفي نفس الموضوع ورد سؤال من أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين إلى القاضي أبى الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، فأجاب بقوله: «تصفحت- عصمنا الله وإياك- سؤالك هذا ووقفت عليه. وهؤلاء الذين سَمَّيتَ من العلماء أئمةُ خير، وممن يجب بهم الاقتداء؛ لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالة، وأوضحوا المشكلات، وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات، فهم بمعرفتهم بأصول الديانات، العلماءُ على الحقيقة، لعلمهم بالله عز وجل، وما يجب له، وما يجوز عليه، وما ينتفي عنه، إذ لا تعلم الفروع إلا بعد معرفة الأصول، فمن الواجب أن يُعترفَ بفضائلهم، ويُقَرَّ لهم بسوابقهم، فهم الذين عَنَى رسول الله صلى الله عليه وسلم- والله أعلم- بقوله: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»، فلا يَعتقد أنهم على ضلالة إلا غبي جاهل، أو مبتدع زائغ، عن الحق مائل، ولا يسبهم وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق، وقد قال الله عز وجل: «والذين يوذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا»، فيجب أن يبصر الجاهل منهم، ويؤدبَ الفاسق، ويستتابَ المبتدع الزائغ عن الحق، إذا كان مستسهلا ببدعته، فإن تاب وإلا ضرب أبدا، حتى يتوب، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بصَبِيغ المتهم في اعتقاده، من ضربه إياه حتى قال: «يا أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضع الداء، وإن كنت تريد قتلي فأجهز علي فخلى سبيله. والله أسأله العصمة والتوفيق، برحمته، قاله محمد بن رشد»[6].

وقال القاضي عياض عن أبي الحسن الأشعري: «وصنّف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته وقِدَمِ كلامه وقدرته، وأمور السمع الواردة من الصراط والميزان والشفاعة والحوض، وفتنة القبر التي نفته المعتزلة، وغيرِ ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المبتدعة ومن بعدهم من الملحدة والرافضة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة… فلما كثرت تواليفه وانتفع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذبُّه عن السنن والدين، تعلق بكتبه أهلُ السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه لتعلم تلك الطرق في الذَّب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة في نصر الملة، فسموا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم فعُرفوا بذلك، وإنما كانوا يُعرفون قبل ذلك بالمثبتة، سمة عَرَفَتهم بها المعتزلةُ، إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه»[7].

هذه النصوص وغيرها تدل على انتماء المذهبين الأشعري في العقيدة والمالكي في الفقه إلى أهل السنة والجماعة، ولا شك أن ذلك الانتماء كان له أثره الواضح في التكامل والانسجام بين المذهبين كما سنقف على ذلك في مظاهر التوافق بين المذهبين.

ثانيا: اشتراك أئمة المذهبين وعلمائهما في العقيدة والمذهب

من تتبع أئمة المالكية وكبار علمائهم وجد أغلبهم أشاعرة، ومن تتبع أئمة الأشاعرة ورموزهم وجد أغلبهم مالكية أو شافعية، وهذا ما صرح به غير واحد من العلماء الأعلام، كتاج الدين السبكي وغيره، ويكفي أن نذكر من هؤلاء الأعلام:

  1. الإمام أبا الحسن الأشعري

أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه الذي هو إمام الأشاعرة ومؤسس مذهبهم العقدي، كان مالكيا في الفروع، وهو ما صرح به عدد من العلماء، ومنهم القاضي عياض في ترتيب المدارك، وابن فرحون في الديباج، وغيرهما، قال القاضي عياض: «ذكر محمد بن موسى بن عمران في رسالته أنه كان مالكيا، قال: وذكر لي بعض الشافعية أنه شافعي، حتى لقيت الشيخ الفاضل الفقيه رَافِعاً الحمالَ الشافعي فذكر لي عن شيوخه أن أبا الحسن كان مالكيا»[8].

وقال ابن عساكر: «وَكَانَ فِي مذْهبه مالكيًّا على مَذْهَب مَالك بن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ»[9].

وهذا ما أكده غير واحد ممن ألف في التراجم والعقائد من المالكية، كابن فرحون في الديباج الذي استند إلى كلام القاضي عياض وأكد على مالكية أبي الحسن الأشعري، وكذا شروح متن ابن عاشر والسنوسية وغيرهما، كالشيخ ميارة في شرحه الصغير على المرشد المعين.

وورد في كتاب اختصار المباحث العقلية لأبي عمران موسى الجزولي: وهو يؤرخ للإمام الأشعري قوله: «وهو مالكي المذهب. وكان على مذهب مالك في العراق»[10].

وقال الحسن بن محمد الهداجي الدرعي في شرح أم البراهين، في سياق ترجمة الأشعري: إنه كان «مالكي المذهب، وإليه تنسب جماعة أهل السنة، ويلقبون بالأشاعرة والأشعرية»[11].

وإذا كانت مالكية الشيخ المؤسس أبي الحسن الأشعري قد تنازعها أهل المذاهب، ونسبه كل إلى مذهبه[12]، فإن مما يرجح مالكيته أن مذهب مالك رحمه الله كان فاشيا بالعراق في عهده أيام القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي قاضي بغداد.

ويُرجع بعض الباحثين سبب اختلاف أهل المذاهب الفقهية في انتمائه المذهبي إلى عدم تأليفه كتاباً في الأحكام يستفاد منه أنه مقتد بأحد الأئمة، أو أنه مستقل النظر في الأحكام.

ويرى بعض الباحثين أن أبا الحسن الأشعري كان مجتهدا؛ لأن مثله لا يكون مقلدا في الفروع، يقول الحجوي في (الفكر السامي) بعد أن ذكر اختلاف العلماء في مذهبه: «ولا بُعد في أن يكون مجتهدا لا هو شافعي ولا مالكي؛ لما كان عليه من العلم الواسع، والفكر الشاسع، ويبعد أن يكون مثله مقلدا في ذلك العصر»[13].

  1. القاضي أبو بكر الباقلاني

يعد القاضي أبو بكر الباقلاني (ت. 403ﻫ) المؤسس الثاني أو المؤسس الحقيقي للعقيدة الأشعرية، وأحد رموز المذهب الأشعري في الاعتقاد، وهو تلميذ لتلامذة الأشعري، فهو قريب العهد به.

فعلى الرغم من أن تلامذة أبي الحسن الأشعري كانوا أقوياء وذوي تأثير واسع، إلا أن أي أحد منهم لم يبلغ ما وصل إليه أبو بكر الباقلاني، الذي ربط اسمه بالأشعري، فصار علماً عليه يُذكر في نسبه، فيقال: أبو بكر بن الطيب الباقلاني الأشعري، وهذا موجود في الكتب التي ترجمت له، وفي صور عناوين مخطوطات كتبه، ولحماسته في الانتساب إلى الأشعري ونصرة مذهبه عده الأشاعرة مجدد المائة الرابعة، بعد الأشعري الذي يعتبرونه مجدد المائة الثالثة.

وقد كان للباقلاني دور كبير وأثر واضح في تطوير المذهب الأشعري، فهو الذي هذب ما جاء به شيخه أبو الحسن من مقدمات وقواعد وأدلة عقلية ونقلية، قال ابن خلدون: «وكثر أتباع الشّيخ أبي الحسن الأشعريّ واقتفى طريقته من بعده تلاميذه كابن مجاهد وغيره. وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلانيّ فتصدّر للإمامة في طريقتهم وهذّبها، ووضع المقدّمات العقلية التي تتوقّف عليها الأدلّة والأنظار، وذلك مثل: إثبات الجوهر الفرد، والخلاء. وأنّ العرض لا يقوم بالعرض، وأنّه لا يبقى زمانين. وأمثال ذلك ممّا تتوقّف عليه أدلّتهم»[14].

وقد كان أبو بكر الباقلاني مالكي المذهب، ولذا كان مالكية المغرب والأندلس والقيروان يشدون إليه الرحال، فيأخذون عنه العقيدة الأشعرية وفقه مالك. (ومن أشهر هؤلاء: أبو عبد الله الأذري، وأبو طاهر البغدادي، وأبو عمران الفاسي).

ولذلك أسهم الباقلاني بقسط كبير في ربط العقيدة الأشعرية بالمذهب المالكي تنظيرا وتنزيلا تأصيلا وتفريعا؛ باعتباره منظرا ومجددا للعقيدة الأشعرية ومؤسسا للتأليف في أصول الفقه عند المالكية.

  1. الإمام مالك بن أنس

مما هو معلوم ضرورة أن الإمام مالكا كان على منهج المتقدمين من أهل السنة والجماعة، وهو المنهج المقابل للفرق العقدية الأخرى التي كانت سائدة في عصره، وعلى الأخص الخوارج والمعتزلة[15].

وهذا المنهج السني الذي كان عليه الإمام مالك هو الذي جمع شتاته وقعد قواعده ورتب مسائله وأقام الحجج والبراهين العقلية عليه الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله، يقول ابن السبكي رحمه الله: «اعْلَم أَن أَبَا الْحسن لم يبدع رَأيا وَلم ينشئ مذهبا، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَرِّر لمذاهب السّلف، مناضلٌ عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ صحابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فالانتساب إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار أَنه عَقَدَ على طَرِيق السّلف نطاقا وَتمسك بِهِ، وَأقَام الْحجَج والبراهين عَلَيْهِ، فَصَارَ المقتَدِي بِهِ في ذَلِك السالكُ سَبيله في الدَّلَائِل يُسمى أشعريا»[16].

فقد دافع أبو الحسن الأشعري عن عقيدة السلف من أهل السنة بالأدلة النقلية والبراهين العقلية، حتى سمي شيخ أهل السنة والجماعة. يقول السبكي رحمه الله: «شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى، الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري شيخ طريقة أهل السنة والجماعة، وإمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين، والذاب عن الدين، والساعي في حفظ عقائد المسلمين، سعيا يبقى أثره إلى يومٍ يقوم الناس لرب العالمين، إمامٌ حَبْرٌ، وتقي بَرٌ، حَمَى جناب الشرع من الحديث المفترى، وقام في نصرة ملة الإسلام فنصرها نصرا مؤزرا….»[17].

وهكذا فرغم تأخره عن الإمام مالك- حيث ولد أبو الحسن بعد سنة من وفاة الإمام مالك-، إلا أن عقيدتهما في المجمل واحدة، ومنهجهما في الاعتقاد واحد، وهو منهج أهل السنة والجماعة.

وبخصوص قضية التأويل والتفويض في الصفات التي دائما تعتبر الحد الفاصل بين منهج السلف والخلف: «فقد نسب الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي- وهو من كبار علماء المالكية الأندلسيين- لمالك القول بالتأويل، ونسب له غيره القول بالتفويض»[18].

ومن أشهر ما روي عن مالك رحمه الله في التفويض ما أجاب به حين سٌئل عن الاستواء على العرش، فقال: «الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة»[19].

قال الشيخ زروق: «سئل عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}، فقال: الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فقوله: (معلوم)، يعني في كلام العرب له مصارف. وقوله: (والكيف غير معقول)، نفي لما يتوهم فيه من محتملاته الحسية؛ إذ لا تعقل في حقه تعالى. وقوله: (والإيمان به واجب)؛ لأنه ورد نصاً في القرآن. وقوله: (والسؤال عنه بدعة)، يعني أنه من تتبع المشكل الذي وقع النهي عنه»[20].

وإذا كان هذا هو منهج المتقدمين من أهل السنة، فإن ظروف المتأخرين ممن جاؤوا بعدهم من أيام الأشعري كانوا مُلزمين بالعودة إلى تلك النصوص من الكتاب والسنة، ليؤولوها بما تقتضيه عقيدة التوحيد، التي فطر الله الناس عليها، بحكم ما انتشر بين الناس من جدل وبحث في هذه القضايا العقديّة. قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره المشهور- في قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} -: هذه المسألة للفقهاء فيها كلام. ثم ذكر أقوال المتكلمين، ثم قال: وقد كان السلف الأول لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى، كما نطق به في كتابه، وأخبرت به رسلُه، ولم يُنكر أحدٌ من السلف الصالح أنَّه استوى على عرشه حقيقة، وإنَّما جهلوا كيفية الاستواء، كما قال مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول[21].

وقال ابن جزي: {اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} حيث وقع، حَملَه قوم على ظاهره، منهم ابن أبي زيد وغيره.

وتأوّله قوم بمعنى: َقَصَدَ، كقوله: {ثم استوى إلى السماء}، ولو كان كذلك لقال: ثم استوى إلى العرش. وتأوّلها الأشعرية، أنّ معنى استوى: استولى بالملك والقدرة،

والقول الحق: الإيمان به من غير تكييف، فإنّ السلامة في التسليم. ولله در مالك بن أنس في قوله للذي سأله عن ذلك: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عن هذا بدعة. وقد روي مثل قول مالك عن أبي حنيفة، وجعفر الصادق، والحسن البصري. ولم يتكلم الصحابة ولا التابعون في معنى الاستواء، بل أمسكوا عنه، ولذلك قال مالك: السؤال عنه بدعة»[22].

من خلال ما تقدم نستنتج أن التفويض هو المنهج الغالب على المتقدمين من الأشاعرة، والقول بالتأويل هو منهج المتأخرين منهم لاعتبارات لم تكن موجودة لدى المتقدمين، وقد سلك المتقدمون من أهل المغرب والأندلس مسلك التفويض، إلى أن استقرت به العقيدة الأشعرية، خاصة في عهد دولة الموحدين، فأصبح المنهج  السائد هو منهج التأويل. يقول أبو العباس أحمد بن خالد الناصري عن حال المغاربة في العقيدة: ”وَأما حَالهم فِي الْأُصُول والاعتقادات، فَبعد أَن طهرهم الله تَعَالَى من نَزعَة الخارجية أَولا، والرافضية ثَانِيًا، أَقَامُوا على مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، مقلدين لِلْجُمْهُورِ من السّلف رَضِي الله عَنْهُم فِي الْإِيمَان بالمتشابه، وَعدم التَّعَرُّض لَهُ بالتأويل مَعَ التَّنْزِيه عَن الظَّاهِر (…) وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك مُدَّة، إِلَى أَن ظهر مُحَمَّد بن تومرت مهْدي الْمُوَحِّدين[23] فِي صدر الْمِائَة السَّادِسَة، فَرَحل إِلَى الْمشرق وَأخذ عَن علمائه مَذْهَب الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ومتأخري أَصْحَابه من الْجَزْم بعقيدة السّلف مَعَ تَأْوِيل الْمُتَشَابه من الْكتاب وَالسّنة وتخريجه على مَا عرف فِي كَلَام الْعَرَب من فنون مجازاتها وضروب بلاغاتها، مِمَّا يُوَافق عَلَيْهِ النَّقْل وَالشَّرْع ويسلمه الْعقل والطبع. ثمَّ عَاد مُحَمَّد بن تومرت إِلَى الْمغرب، ودعا النَّاس إِلَى سلوك هَذِه الطَّرِيقَة، وَجزم بتضليل من خالفها“.

  1. شهاب الدين القرافي

معظم الفقهاء المالكية كانوا أشاعرة، مثل: أبي الوليد الباجي، وابن رشد، وابن العربي، والقاضي عياض، وابن الحاجب، وغيرهم كثير. وسأخص منهم بالحديث الإمام شهاب الدين القرافي لمكانته في المذهب تأصيلا وتفريعا، ولما عرف عنه من تشبع بعقيدة الأشاعرة ودفاعه عنها في الأصول والفروع. ولقد أسهم القرافي رحمه الله ببعض مصنفاته في شرح المذهب الأشعري الذي يعتقده ويؤمن به، ومن ذلك شرحه لكتاب: «الأربعين في أصول الدين» للفخر الرازي، الذي هو من أكابر علماء الأشاعرة، ومن أعلامها المنظِّرين لها.

ومن قرأ كتب القرافي الأصولية والفقهية يجده من أشد الملتزمين بالعقيدة الأشعرية المدافعين عنها بكل استماتة، ويسميهم كغيره من العلماء بأهل الحق، وبأهل السنة. وهذه بعض النماذج من كلام القرافي، الدالة على انتسابه للعقيدة الأشعرية ودفاعه عنها:

قال في كتابه (نفائس الأصول): «وليس كما قال، لأنَّا- أيها الأشاعرة- نجوِّز تكليف مالا يطاق…»[24].

وقال في (شرح تنقيح الفصول): «لم يقل بالكلام النفسي إلا نحن، ولذلك تُصُوِّر- على مذهبنا- تعلُّقه بالأزل..»[25].

وقال في (الذخيرة)، بعد أن أورد مَقُولَة الشافعي: «لو وَجَدْتُ المتكلمين لضربتهم بالجريد» – قال: «قال لي بعض الشافعية- وهو مُتَعيِّن فيهم يومئذٍ- هذا يدل على أن مذهب الشافعي تحريم الاشتغال بأصول الدين. قلتُ له: ليس كذلك، فإن المتكلمين اليوم في عُرْفِنا إنما هم الأشعري وأصحابه، ولم يُدْرِكوا الشافعي ولا تلك الطبقة الأولى، وإنما كان في زمان الشافعي عَمْرو بن عُبيد وغيره من المعتزلة المبتدعة أهل الضلالة، ولو وجدناهم نحن ضربناهم بالسيف فضلاً عن الجريد، فكلامه (أي الشافعي) ذَمٌّ لأولئك لا لأصحابنا. وأما أصحابنا القائمون بحجة الله، والناصرون لدين الله، فينبغي أن يُعظَّموا ولا يُهْتَضَموا؛ لأنهم القائمون بفرض كفايةٍ عن الأمة..»[26].

وبالجملة فإن المالكية كلهم أو على الأقل جلهم أشاعرة، وهو ما يؤكده تاج الدين السبكي رحمه الله، حيث يقول: «اعلم أن المالكية كلهم أشاعرة لا أستثني أحدا، والشافعية غالبهم أشاعرة لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال ممن لا يعبأ الله به، والحنفية أكثرهم أشاعرة أعني يعتقدون عقد الأشعري لا يخرج منهم إلا من لحق منهم بالمعتزلة، والحنابلة أكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعري إلا من لحق بأهل التجسيم وهم في هذه الفرقة من الحنابلة أكثر من غيرهم»[27].

وقال أيضا: «حيث ذكروا أن الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة أشعريون، هذه عبارة ابن عبد السلام شيخ الشافعية وابن الحاجب شيخ المالكية والحصيري شيخ الحنفية، ومن كلام ابن عساكر حافظ هذه الأمة الثقة الثبت: هل من الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق الأشعري، ومنتسب إليه وراض بحميد سعيه في دين الله، ومثن بكثرة العلم عليه، غير شرذمة قليلة تضمر التشبيه وتعادي كل موحد يعتقد التنزيه، أو تضاهي قول المعتزلة في ذمه، وتباهي بإظهار جهرها بقدرة سعة علمه، ونحن نحكي لك هنا مقالات أخر لجماعة من معتبري القول من الفقهاء، ثم ننعطف إلى ما نحققه»[28].

وقال محمد حسن هيتو في تقريظه لكتاب (الأشعريّيْن): «فالمالكية كلهم أشاعرة، والشافعية كلهم أشاعرة، والحنفية كلهم أشاعرة أو ماتريدية، ولا خلاف بينهم»[29].

وإذا كنا لا ندعي الاستقراء التام الذي يتحقق به القطع واليقين في أشعرية كل المالكية، فإن أحدا لا يشك في أشعرية أغلبهم، وهو ما يتحقق بالنظر والاستقراء الناقص المفيد لغلبة الظن.

ثالثا: منهج المالكية في التأليف

من أسباب التكامل والانسجام بين ثابتي العقيدة والمذهب عند المغاربة، ذلك المنهج الفريد الذي اعتمده عدد غير يسير من الفقهاء المالكية، واتخذوه عادة ومنهجا لهم في التأليف، وهو ضم مسائل العقيدة إلى كتب الفقه المالكي، بعضهم يختتم به كتبه ضمن كتاب أو بابٍ يُسَمونه الكتابَ أو الباب الجامع، (أي الجامع لمسائل متفرقة من أبواب وموضوعات مختلفة)، وبعضهم يخصها بمبحث خاص في مستهل الكتاب، أو في ما يصطلح عليه بالمقدمات.

ويرجع السبق في هذا المنهج البديع إلى إمام المذهب مالك بن أنس رضي الله عنه في موطئه، حيث ختمه بكتاب جامع تناول فيه مجموعة من المسائل والآداب التي لا تدخل في صميم الأبواب الفقهية. يقول ابن العربي رحمه الله عن هذا الصنيع: «هذا كتاب اخترعه مالك رحمه الله في التصنيف. لفائدتين:

إحداهما: أنه خارج عن رسم التكليف المتعلق بالأحكام التي صنفها أبوابًا ورتبها أنواعاً.

والثانية: أنه لما لَاحَظَ الشريعة وأنواعها ورآها منقسمة إلى أمر ونهي، وإلى عبادة ومعاملة، وإلى جنايات وعبادات، نظمها أسلاكاً وربط كل نوع بجنسه، وشذت عنه من الشريعة معان مفردة لم يتفق نظمها في سلك واحد؛ لأنها متغايرة المعاني، ولا أمكن أن يجعل لكلٍ منها باباً لصغرها، ولا أراد هو أن يطيل القول فيما يمكن إطالة القول فيها، فجمعها أشتاتًا وسمّى نظامها (كتاب الجامع)، فطرق للمؤلفين ما لم يكونوا قبل ذلك به عالمين في هذه الأبواب كلها»[30].

ومن أشهر الكتب الفقهية التي تناولت قضايا العقيدة ضمن الباب الجامع:

(عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لابن شاس (ت. 616ﻫ). وقد أرجع المسائل التي تلحق عادة بكتاب الجامع- على سبيل الحصر- إلى ثلاثة أجناس: ما يتعلق بالعقيدة، وما يتعلق بالأقوال، وما يتعلق بالأفعال.

(الذخيرة) لشهاب الدين القرافي، حيث ختمها بكتاب جامع استعرض فيه مجمل اعتقاد مالك في الله وفي الأنبياء والصحابة، وفي التقليد في العقيدة، وفي البدع الكفرية. وقد صدره بقوله: «قال ابن القصار وغيره: مذهب مالك وجوب النظر، وامتناع التقليد في أصول الديانات»، وقال رحمه الله: “هذا الكتاب يختص بمذهب مالك، لا يوجد في تصانيف غيره من المذاهب، وهو من محاسن التصنيف؛ لأنه تقع فيه مسائل لا يناسب وضعها في ربع من أرباع الفقه، أعني العبادات والمعاملات والأقضية والجنايات، فجمعها المالكية في أواخر تصانيفهم وسموها بالجامع، أي جامع لأشتات من المسائل التي لا تناسب غيره من الكتب، وهي ثلاثة أجناس: ما يتعلق بالعقيدة، وما يتعلق بالأقوال، وما يتعلق بالأفعال»[31].

ومن أشهر الكتب الفقهية التي تناولت قضايا العقيدة في باب مستقل في مطلعها:

(الرسالة) لابن أبي زيد القيرواني:

صدر ابن أبي زيد رسالته بمبحث العقيدة، تحت عنوان: «باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات»[32].

(القوانين الفقهية) لابن جزي:

خصص ابن جزيّ رحمه الله بابا خاصا لمباحث العقيدة من كتابه (القوانين الفقهية)، قال في مقدمات هذا الكتاب: «اعْلَم أنني افتتحته بعقيدة سنية وجيزة تَقْدِيمًا للأهم، فَلَا جرم أَن الْأُصُول أهم من الْفُرُوع، وَمن الْحق تَأْخِير التَّابِع وَتَقْدِيم الْمَتْبُوع»[33]. ثم صدر كتابه بمسائل الاعتقاد فقال: «(الفاتحة) فيما يجب في الاعتقادات من أصول الديانات، ويشتمل على عشرة أبواب: خمسة في الإلهيات، وخمسة في السمعيات»[34].

(المرشد المعين على الضروري من علوم الدين) لابن عاشر:

أشار الإمام ابن عاشر رحمه الله إلى محتوى منظومته في مقدمتها، وأنها تضم أبواب العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف الجنيدي، حيث قال:

وَبَعْدُ فَالْعَونُ مِنْ الله الْمَجِيْد
فِي عَقْدِ الآشْعَرِي وفِقْهِ مَالِكِ
فِي نَظْمِ أَبْيَاٍت لِلاُمِّيِّ تُفِيدُ
وَفِي طَرِيقِةِ الْجُنَيْدِ السَّالِكِ

وقد صدر رحمه الله هذا النظم ب «مقدمة لكتاب الاعتقاد، معينة لقارئها على المراد».

وهذا المنهج ليس مبدأ عاما ولا قاعدة مطردة في التأليف العقدي عند المالكية، بل هناك كتب استقلت بالعقيد، على سبيل المثال ما ألفه القاضي أبو بكر الباقلاني، ك «الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به»، وكتابه «تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل»، وابن الحاجب في «عقيدته»، والسنوسي في «أم البراهين»، وغيرهم.

المحور الثاني: مظاهر التكامل والانسجام بين العقيدة والمذهب

بعد عرض بعض أسباب التوافق والتكامل بين العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي، نخصص هذا المحور لعرض أهم مظاهر هذا التوافق، سواء في الأصول أو في الفروع، أو في المنهج بشكل عام.

أولا: مظاهر التكامل بين العقيدة والمذهب في أصول الفقه

من المعلوم أن المالكية ينتمون في أصولهم إلى مدرسة المتكلمين، أو ما يصطلح عليه بمدرسة الشافعية في التأليف الأصولي، التي تقابل مدرسة الفقهاء، أو ما يسمى مدرسة الحنفية، وقد مثل هذا الانتماء المنهجي مظهرا من مظاهر التكامل بين المنهج الأشعري والمذهب المالكي، ذلك أن رموز الأشاعرة هم الذين أثروا المدرسة الأصولية المالكية بنفائس أفكارهم، وأغنوها بغزير مؤلفاتهم، خاصة منهم المالكية والشافعية، وذلك كالقاضي أبي بكر الباقلاني وأبي الوليد الباجي، ثم أبي المعالي عبد المالك الجويني وأبي حامد الغزالي، ثم فخر الدين الرازي وسيف الدين الآمدي. يقول ابن خلدون رحمه الله: «والمتكلّمون يجرّدون صور تلك المسائل عن الفقه ويميلون إلى الاستدلال العقليّ ما أمكن، لأنّه غالب فنونهم ومقتضى طريقتهم»[35]. وقال أيضا: « وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلّمون كتاب (البرهان) لإمام الحرمين و(المستصفى) للغزاليّ وهما من الأشعريّة، وكتاب (العمد) لعبد الجبّار وشرحه (المعتمد) لأبي الحسين البصريّ وهما من المعتزلة؛ وكانت الأربعة قواعد هذا الفنّ وأركانه. ثمّ لخّص هذه الكتب الأربعة فحلان من المتكلّمين المتأخّرين، وهما الإمام فخر الدّين بن الخطيب في كتاب (المحصول) وسيف الدّين الآمديّ في كتاب (الإحكام)»[36].

ونسجت على هذين الكتابين كتب كثيرة، مثل كتابي (التحصيل) و(الحاصل) اللذين لخصا (المحصول) للرازي و(الإحكام) للآمدي. قال: «واقتطف شهاب الدّين القرافيّ منهما مقدّمات وقواعد في كتاب صغير سمّاه (التّنقيحات)، وكذلك فعل البيضاويّ في كتاب (المنهاج)، وعُنِيَ المبتدؤون بهذين الكتابين وشَرَحَهُما كثير من النّاس»[37].

وقد كان لهؤلاء المتكلمين من الأشاعرة أثر بارز في علم أصول الفقه، حيث مزجوه بنظرياتهم العقدية ومنهجهم الأشعري ومناقشاتهم الكلامية؛ «لأن الفطام عن المألوف شديد، والنفوس عن الغريب نافرة»، كما يقول الغزالي رحمه الله[38].

ويتجلى هذا التأثير العقدي والكلامي في أصول الفقه في محور المقدمات، الذي يتناول فيه الأصوليون مجموعة من القضايا العقدية، مثل:

– قضية التحسين والتقبيح، هل هما بالشرع أو بالعقل، وما يترتب عنها من آثار في هذا العلم.

– الحكم قبل ورود الشرع، وما يترتب عنه من حكم أهل الفترة، وشرط بلوغ الدعوة في التكليف.

– هل كان النبي صلى الله عليه وسلم متعبدا بالشرائع السابقة: قال القرافي في تنقيح الفصول: «احتج القائلون بذلك، بأنه عليه الصلاة والسلام تناولته رسالة من قبله فيكون متعبداً بها، ولأنه عليه الصلاة والسلام كان يأكل اللحم ويركب البهيمة ويطوف بالبيت، وهذه أمور كلها لا بد له فيها من مستند، ولا مستند إلاّ الشرائع المتقدمة، خصوصاً على قول الأشاعرة: إن العقل لا يفيد الأحكام وإنما تفيدها الشرائع»[39].

– قضية التكليف بالمحال والتكليف بما لا يطاق، هل هما ممتنعان عقلا ووقعا؟ أو جائزان عقلا ممتنعان وقوعا؟ قال ابن السبكي: «مسألة: يَجُوز التكليف بالمحال مطلقاً، ومنع أكثر المعتزلة والشيخ أبو حامد والغزالي وابن دَقِيقِ العِيدِ ما ليس ممتنعاً، لتعلق العلم بعدم وقوعه، ومعتزلة بغداد والآمدي: المحال لذاته، وإمام الحرمين: كونه مطلوباً لا ورودَ صيغةِ الطلب»[40].

– قضية امتناع تكليف الغافل والمكره والملجأ بين العقل والشرع، قال ابن السبكي «والصواب امتناع تكليف الغافل والملجأ». وقد اختلف فيها الأصوليون بناء على أصولهم العقدية، «فذهب المعتزلة إلى امتناعه عقلا، ورجحه ابن السبكي في (جمع الجوامع)، وذهب الأشاعرة إلى جواز ذلك عقلا، وإليه رجع ابن السبكي آخرا. وأما الشرع، فأسقط التكليف بالإكراه في كثير من المسائل، منها البيع وتوابعه، ولم يسقطه في بعض المسائل. واختلف الفقهاء في إسقاطه للتكليف في بعض المسائل، لمدارك مذكورة في محلها ليس هذا محل تفصيلها»[41].

– قضية الأمر بواحد من أشياء، يوجب واحدا لا بعينه عند الأشاعرة. وقالت المعتزلة الجميع واجب. قال ابن الحاجب: «الأمر بواحد من أشياء. وقال بعض المعتزلة: الجميع واجب. وبعضهم: الواجب ما يفعل. وبعضهم: الواجب واحد معين، ويسقط به وبالآخر»[42].

ومنها ما هو مبثوث في مختلف محاور علم أصول الفقه، ومن ذلك على سبيل المثال:

– قضية تحديد مفهوم الكلام، وإثبات الكلام النفسي.

– قضية تحديد مفهوم العلة، وأنها معرفة للحكم وليست موجبة له. قال ابن السبكي: «العلة قال أهل الحق المعرف، وحكم الأصل ثابت بها لا بالنص، خلافاً للحنفية. وقيل: المؤثر بذاته. وقال الغزالي: بإذن الله. وقال الآمدي: الباعث»[43].

– قضية التوقيف والاجتهاد في أسماء الله عز وجل، يقول القرافي: «ما لم يرد السمع به وهو غير موهم، فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ أبي الحسن الأشعري، وهو مذهب مالك وجمهور الفقهاء»[44].

– قضية أن النهي لا يقتضي التحريم، بل يتوقف فيه إلى أن يرد الدليل.

– قضية إفادة خبر الآحاد الظن، وعدم الاحتجاج به في العقائد. فقد اتفق المالكية والأشاعرة على عدم قبول خبر الآحاد في العقائد. يقول القرافي في شرح التنقيح: «مسائل أصول الدين المطلوب فيها اليقين، وهو المكلف به فيها عند الجمهور، فإذا ورد ما يفيد الظن وفي الأدلة العقلية ما يقتضي ذلك المطلب بعينه حصل المقصود بذلك القطعي وبقى السَّمْعي مؤكِّداً له ومؤنِّساً؛ فإن اليقين بما ورد فيه السمع والعقل أشد بخلاف العقل وحده، وإن لم يكن غيره رُدَّ لعدم الفائدة فيه، لأن ما يفيده ذلك الخبر لا يعتبر، والذي هو معتبر لا يفيده ذلك الخبر، فيسقط اعتباره»[45].

– قضية جواز تخصيص العموم بالقياس، يقول شمس الدين الأصفهاني: «اختلفوا في جواز تخصيص العام بالقياس: فذهب الأئمة الأربعة، أعني الشافعي ومالكا وأبا حنيفة وأحمد والشيخ الأشعري- رضي الله عنهم- وأبو هاشم وأبو الحسين، إلى جواز تخصيص العموم بالقياس مطلقا»[46].

– قضية الإصابة والتخطئية في الاجتهاد في الظنيات، حيث يرى أبو الحسن الأشعري أن كل مجتهد مصيب، وهو مذهب المالكية. قال ابن رشد: «وقد تٌؤول القولان جميعا على مذهب مالك، ورويا أيضا عن أبي حنيفة وعن أبي الحسن الأشعري، والصحيح عنه أن كل مجتهد مصيب، وإلى هذا ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني، وعليه أصحاب الشافعي، وهو الحق والصواب؛ لأن المجتهد إذا اجتهد فيما لا نص فيه ولا إجماع، فأداه اجتهاده إلى تحليل أو تحريم يعلم قطعا أنه متعبد، بما أداه اجتهاده إليه من ذلك مأمور به، ولا يصح أن يأمر الله تعالى بشيء وبتعبده به وهو خطأ عنده، وبالله التوفيق»[47].

ثانيا: مظاهر التكامل والانسجام في الفروع

من الطبيعي أن التوافق بين العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي في الأصول يكون له أثر على مستوى الفروع، لما هو معلوم من انبناء الأصول على الفروع، وسأقتصر على بعض الأمثلة المجلية لهذا التوافق والانسجام:

المسألة الأولى: يرى الأشاعرة أن صفات الأفعال كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والبعث والنشور والسعادة والشقاء والهداية والإضلال والطاعة والمعصية والقبض والبسط حادثة، قال أبو الحسن شارح الرسالة: «صفات الأفعال كالخلق والرزق والإحياء والإماتة قديمة، وهو قول الحنفي، ومذهب الأشعري أنها حادثة أي متجددة؛ لأنها إضافات تعرض للقدرة، وهي تعلقاتها بوجودات المقدورات لأوقات وجوداتها،
ولا محذور في اتصاف الباري سبحانه بالإضافات، ككونه قبل العالم ومعه وبعده»[48].

وقد ترتب عن اعتقاد حدوث صفات الأفعال الذي هو مذهب الأشاعرة عدم انعقاد اليمين بها من الناحية الفقهية، قال الشيخ خليل في ما لا تنعقد به اليمين: «لا بِلَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ، أَوْ أُعْطِيكَ عَهْداً، وعَزَمْتُ عَلَيْكَ بِاللهِ، وحَاشَ اللهِ، ومَعَاذَ اللهِ، واللهُ رَاعِ أَوْ كَفِيلْ، والنَّبِيِّ والْكَعْبَةِ وَكَالْخَلْقِ، والإِمَاتَةِ»[49]،

قال ابن يونس: وصفات أفعاله، نحو الخلق والرزق والإحياء والإماتة، فلا كفارة على من حلف بشيء من صفات أفعاله. وأما لو قال: والخالق والرازق والمحيي والمميت؛ فهذا حالف بالله، فعليه الكفارة وإن كانت تسمية تقتضي صفات الفعل»[50]، قال الدردير شارحا كلام الشيخ خليل: «لأنها أمور اعتبارية تتجدد بتجدد المقدور، ولذا قال الأشاعرة: صفات الأفعال حادثة»[51]. وقال أيضا: «أي على مذهب الأشاعرة، وأما على مذهب الماتريدية فينعقد بها اليمين أيضاً؛ لأنها قديمة عندهم، ويسمونها بالتكوين»[52].

وقد علل القرافي رحمه الله عدم انعقاد اليمين بصفات الأفعال بأنه: «مبني على أن الصفات الفعلية أمور اعتبارية تتجدد بتجدد المقدور، وأنها حادثة كما يقول الأشاعرة. أما إن لوحظ المذهب الماتريدي من أنها قديمة ترجع إلى صفة التكوين، أو أريد مصدرها ومنشؤها وهو القدرة أو الاقتدار الراجع للصفة المعنوية، أي كونه قادرا، فتنعقد بها اليمين وتجب الكفارة مع الحنث، فلا تغفل»[53].

المسألة الثانية: الحكم بعدم كفر تارك الصلاة ومرتكب الكبيرة، وما يترتب عن ذلك من آثار فقهية من غسل ودفن في مقابر المسلمين وصحة زواج، وتوارث وغير ذلك، قال القرافي: «وفي التكفير بترك الصلاة قولان، قال مالك والشافعي: ليس كفرا»[54].

فأهل السنة لا يكفرون مرتكب المعصية، وإنما يعتبرونه مؤمنا عاصيا، تجري عليه أحكام المسلمين، وعليه أن يتوب إلى ربه. قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: «وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة»[55]، قال العدوي- رحمه الله- شارحا كلامه: «ما قاله هو مذهب جميع أهل السنة سلفا وخلفا، خلافا للخوارج، حيث قالوا: كل ذنب كبيرة، وكل كبيرة محبطة للعمل، ومرتكبها كافر. وخلافا للمعتزلة، حيث قالوا: كل كبيرة محبطة للعمل، ومرتكبها له منزلة بين منزلتين، لا يسمى مؤمنا ولا كافرا، وإنما يقال له فاسق. وهذا بناء منهم على تحسين العقل وتقبيحه»[56].

وهذه المسألة مبنية من الناحية العقدية على مسألة أخرى، وهي تحديد مفهوم الإيمان، وعلاقة الإيمان بالعمل، حيث يرى أهل السنة أن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح، إلا أن العمل إنما هو شرط كمال في الإيمان، وليس شرطا في صحته. جاء في (شرح الفواكه الدواني على الرسالة لابن أبي زيد القيرواني): «المعتمد أن عمل الجوارح شرط في كمال الإيمان على كلام أهل السنة، والمصنف جرى عليه، حيث قال: «ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل»، فمن صدق بقلبه ونطق بلسانه وترك الأعمال الواجبة كسلا، كان إيمانه صحيحا، إلا أنه ناقص»[57].

المسألة الثالثة: من مظاهر التوافق والانسجام بين الاختيارات العقدية الأشعرية والأحكام الفقهية عند المالكية، ما بناه بعض الفقهاء على مسألة الأمر بواحد من أشياء، أنه لا يوجب واحدا بعينه، الذي هو مذهب الأشاعرة والفقهاء، حيث بنى بعض الأصوليين على ذلك أنه: إذا تَرَك من وجبت عليه الكفارة جميع الخصال، وقلنا للإمام المطالبة بالكفارات؛ أجبر بمقتضى مذهب الجمهور على فعل واحدة منها بدون تعيين. أما على مذهب المعتزلة؛ فيصح جبره على واحد بعينه؛ لأن الواجب عندهم القدر المشترك، وهو يتأدى بأي خصلة فعلت»[58].

المسألة الرابعة: أن المؤمن تقبل توبته بعد ظهور علامات الموت والغرغرة، وهو موضوع خلافي، قال الزرقاني: «وهل كذا توبة المؤمن من ذنبه عند الغرغرة، وعليه ابن جماعة أولا، وعليه النووي، وهو ظاهر خبر: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، خلاف»[59]. قال البناني معلقا على كلام الزرقاني: «هذا قول الشيخ أبي الحسن الأشعري، ونسبه ابن جزي لجمهور العلماء»، ذكره عند قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ} [النساء: 17] [60].

وقد ناقش الفخر الرازي هذه المسألة، وخلص إلى أن المحققين من العلماء على أن «قرب الموت لا يمنع من قبول التوبة، بل المانع من قبول التوبة مشاهدة الأحوال التي عندها يحصل العلم بالله تعالى على سبيل الاضطرار»[61].

ثالثا: مظاهر التكامل والانسجام في المنهج

على الرغم من اختلاف الحقلين المعرفين العقدي والفقهي، فإن أوجه التشابه والتوافق بين المنهج الأشعري في الاعتقاد والمذهب المالكي في الفروع كثيرة، يكفي أن نذكر من ذلك في هذا المقام اعتماد المنهجين على المزاوجة والتوليف بين اعتماد النقل والعقل.

فبالرجوع إلى المذهب المالكي نجده أوسع المذاهب على مستوى مصادر التشريع، وأن مصادره تشمل المصادر النقلية، والتي يأتي على رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية وعمل أهل المدينة… والمصادر العقلية، وعلى رأسها القياس والاستصحاب والاستحسان وغيرها. وقد صح عن مالك أنه قال: «تسعة أعشار العلم الاستحسان»[62].

وإذا كان الحكم الشرعي لا يمكن أن يدرك بالعقل المحض لما هو مقرر من أن الحسن والقبح عند أهل السنة شرعي لا عقلي، فإن هذا لا يعني تعطيل العقل والاكتفاء بالنقل؛ لأن العقل هو الأداة لفهم النقل وتنزيله التنزيل السليم، يقول الغزالي رحمه الله: «وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع. وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل، فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد»[63].

وهذه الخاصية نفسها تميز بها المنهج الأشعري في الاعتقاد، ذلك أن الأشعري مؤمن بأن مصدر العقيدة هو كتاب الله وسنة رسوله، وهذا ما يخالف به منهج المعتزلة، ولكنه رغم ذلك يعتقد أن الدفاع عن العقيدة السليمة، ومناظرة الخصوم يتوقف على الأدلة العقلية والبراهين المنطقية؛ وبذلك فهو يعتمد ذلك المزج بين الأدلة العقلية والنقلية، لمجموعة من الاعتبارات، أهمها:

ما زخر به القرآن الكريم من التنويه بالعقل وإعماله، ومن الدعوة إلى النظر في الآيات الكونية لإثبات الوجود والبعث والإعادة.

أن الأدلة العقلية تفيد اليقين المطلوب في الاعتقاد، عكس الأدلة النقلية التي لا تفيد إلا الظن، ولا تفيد اليقين إلا بقرائن خارجية، قال ابن السبكي: «والحق أن الأدلة النقلية قد تفيد اليقين بانضمام تواتر أو غيره»[64]. ويقول السنوسي: «وأما من زعم أن الطريق بدأ إلى معرفة الحق، الكتاب والسنة، ويُحَرِّم ما سواهما، فالرد عليه أن حجيتهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي. وأيضا، فقد وقعت فيهما ظواهر، من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع»[65]. ويقول أيضا: «أصول الكفر ستة… قال في خامسها: التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية[66]، ويحكي الرازي أنه اختُلف في «الاستدلال بالخطاب هل يفيد القطع أم لا؟ منهم من أنكره وقال إن الاستدلال بالأدلة اللفظية مبني على مقدمات ظنية، والمبني على المقدمات الظنية ظني، فالاستدلال بالخطاب لا يفيد إلا الظن. وإنما قلنا إنه مبني على مقدمات ظنية، لأنه مبني على نقل اللغات، ونقل النحو والتصريف، وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والإضمار والتخصيص والتقديم والتأخير والناسخ والمعارض، وكل ذلك أمور ظنية»[67].

أن بعض الصفات لا يمكن إثباتها إلا بالأدلة العقلية؛ لأن النقل يتوقف على إثباتها كالوجود، قال الباقلاني: إن أحكام الدين على ثلاثة أضرب: ضرب لا يعلم إلا بالدليل العقلي، كحدوث العالم وإثبات محدثه، وما هو عليه من صفاته المتوقف عليها بالفعل، كقدرته تعالى وإرادته، وعلمه وحياته، ونبوة رسله. وضرب لا يعلم إلا من جهة الشرع، وهو الأحكام المشروعة، من الواجب والحرام والمباح. وضرب يصح أن يعلم تارة بدليل العقل، وتارة بالسمع، نحو الصفات التي لا تتوقف على العقل، كالسمع له تعالى والبصر والكلام، والعلم بجواز رؤيته تعالى، وجواز الغفران للمذنبين، وما أشبه ذلك.

وإذا كان الأصل أنه لا تعارض بين العقل والنقل، فإن النقل عند التعارض يقبل التأويل أو التفويض، على عكس الحكم العقلي فلا يقبل التخلف بحال، وهذا ما بينه الشيخ ابن فورك رحمة الله، فقال: «إذا تعارضت الأدلة العقلية مع الظواهر النقلية، فإن صدقناهما لزم الجمع بين النقيضين، وإن كذبناهما لزم رفعهما، وإن صدقنا الظواهر النقلية وكذبنا الأدلة العقلية، لزم الطعن في الظواهر النقلية؛ لأن الأدلة العقلية أصول الظواهر النقلية، وتصديق الفرع مع تكذيب أصله يفضي إلى تكذيبهما معا، فلم يبق إلا أن نقول بالأدلة العقلية، ونؤول الظواهر النقلية أو نفوض أمرهما إلى الله. ولأهل السنة قولان، فعلى القول بالتأويل إن وجدنا لها محلاً يسوغه العقل حملناها عليه، وإلا فوضنا أمرها إلى الله»[68].

المحور الثالث: آثار التكامل والانسجام بين العقيدة والمذهب

التكامل بين العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي له اَثار عملية كثيرة، أذكر ثلاثة منها في هذا المقام.

أولها: الالتزام بعقد البيعة الشرعية وتحريم الخروج على الإمام، ثانيهما: وسطية المنهجين واعتدالهما بالنظر إلى المذاهب الأخرى، ثالثها: تعايش المذهبين مع المخالفين في الدين والرأي.

أولا: الالتزام بعقد البيعة الشرعية

البيعة الشرعية هي عقد ديني واجتماعي وسياسي بين الراعي والرعية، تتجسد في مؤسسة إسلامية أصيلة، ألا وهي مؤسسة «إمارة المؤمنين» أو «الإمامة العظمى»، التي هي «خلافة النبوة لحراسة الدين وسياسة الدنيا»[69]، وبموجبها يسهر الإمام الأعظم على رئاسة الدولة، وممارسة صلاحياته الدينية والدنيوية.

وقد اتفقت المذاهب العقدية والفقهية المعتبرة على وجوب تنصيب الإمام وطاعة أمره، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[70] وقول النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي»[71].

إلا أنهم اختلفوا في طاعة الإمام الجائر وحكم الخروج عنه[72]، وقد اتفق الأشاعرة والمالكية في عدم جواز الخروج عليه رغم جوره وفسقه، حفاظا على تماسك الجماعة، وتحصينا للدماء، وعملا بقاعدة ارتكاب أخف الضررين، قَالَ ابن عبد البر: «ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج، وأما أهل الحق وهم أهل السنة، فقالوا: هذا هو الاختيار، أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا، فإن لم يكن فالصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه؛ لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف؛ ولأن ذلك يحمل على هراق الدماء وشن الغارات والفساد في الأرض، وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه، والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك»[73].

وَقَالَ عِيَاضٌ فِي إكْمَالِهِ: «وأحاديث مسلم التي أدخل في الباب، كلها حجة في منع الخروج على الأمراء الجورة، ولزوم طاعتهم›[74]. وقال أيضا: «جمهور أهل السنة من أهل الحديث والفقه والكلام: لا يخلع بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه»[75]؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»[76]. قال ابن عبد البر في شرحه لهذا الحديث: «ففي هذا الحديث أن من الدين النصح لأئمة المسلمين، وهذا أوجب ما يكون، فكل من واكلهم وجالسهم، وكل من أمكنه نصح السلطان لزمه ذلك، إذا رجا أن يسمع منه. وروى معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: قال رجل لعمر بن الخطاب: ألا أخاف في الله لومة لائم، خير لي أم أقبل على أمري؟ فقال: أما من ولي من أمر المسلمين شيئا فلا يخف في الله لومة لائم، ومن كان خلوا فليقبل على نفسه ولينصح لأميره. وسئل مالك بن أنس: أيأتي الرجل إلى السلطان فيعظه وينصح له ويندبه إلى الخير؟ فقال: إذا رجا أن يسمع منه، وإلا فليس ذلك عليه»[77].

وقال أبو عمر: «إن لم يكن يتمكن نصح السلطان، فالصبر والدعاء، فإنهم كانوا ينهون عن سب الأمراء»[78].

ثانيا: وسطية المنهجين واعتدالهما بالنظر إلى المذاهب الأخرى

تميز المنهج الأشعري في الاعتقاد بالوسطية والاعتدال، بالنظر إلى غيره من الفرق، كما تميز المذهب المالكي بالوسطية في التكاليف، مقارنة مع غيره من المذاهب الفقهية.

فمن وسطة الأشاعرة، نذكر:

الوسطية في مفهوم الإيمان: ذلك أن الجهمية قالوا إن الإيمان تصديق بالقلب فقط والكرَّامية قالوا إن الإيمان نطق باللسان فقط، وذهب الأشاعرة إلى أن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح، إلا أن عمل الجوارح شرط في كمال الإيمان وليس شرط صحة فيه لقول ابن أبي زيد القيرواني: «ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل»[79] فمن صدق بقلبه ونطق بلسانه وقصّر في الأعمال الواجبة كان إيمانه صحيحا إلا أنه ناقص.

الوسطية في حكم مرتكب الكبيرة بين الخوارج المكفرين له والمعتزلة الذين خلدوه في النار بوضعه إياه في المنزلة بين المنزلتين، أما الأشاعرة فقالوا إنه مسلم عاص وليس بكافر ويفوض أمره الأخروي إلى مولاه.

الوسطية في قضية التكليف والجبر والاختيار، حيث ذهب المعتزلة إلى الاختيار المطلق وأن الإنسان يخلق أفعاله، ويحاسب عليها، وذهب الجبرية إلى أن الإنسان مجبر، وليس له اختيار، وأنه لا قدرة له، وإنما هو كالريشة تحركها الرياح، وأما الأشاعرة فتوسطوا بين المذهبين، وقالوا بنظرية الكسب (الأفعال لله عز وجل، والإنسان لديه الكسب الذي يترتب عليه التكليف). قال ميارة بعد ذكره مذهب الجبرية والمعتزلة: «فتحقق مذهب أهل السنة بين هذين المذهبين الفاسدين، قد خرج من بين فرث ودم، لبناً خالصاً سائغاً للشاربين»[80].

قال في الجوهرة مشيرا للمذاهب الثلاث:

وعندنا للعبد كسب كلفا
فليس مجبورا ولا اختيارا
به ولكن لم يؤثر فاعرفا
وليس كلا يفعل اختيارا

الوسطية في إثبات صفات الله تعالى، ذلك أن هناك فرقا اتجهت إلى تعطيل الصفات، ومن هؤلاء المعتزلة الذين أنكروا صفات المعاني، وهناك طوائف ذهبوا إلى تجسيم الذات الإلهية تعلقا بظواهر النصوص، وذهب الأشاعرة إلى إثبات هذه الصفات وغيرها ثبوتا يليق بالذات العالية، فأثبتوا له سبحانه كل صفات الكمال، ومنها صفات المعاني القديمة، ونفوا عنه كل صفات النقص والمماثلة للحوادث، لذلك سلكوا مسلك التأويل المعتبر لكل النصوص التي توهم إثبات صفة لا تليق بالذات العالية، أو التفويض والتوقف فيها، وهم بذلك يرفضون ما يترتب على إثبات تلك الصفات من التجسيم الذي يفتح باب القول بالحدوث.

وأما المذهب المالكي فمظاهر الوسطية فيه كثيرة، يكفي أن أذكر منها: أنه مذهب وسط بين أهل الرأي وأهل الأثر، لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تشديد، ولا غرابة ولا شذوذ، ولا جمود ولا تعقيد، ولا تمرد ولا تكفير. يقول بالقياس ويحبذ الأخذ بالرخص، ويكره الأخذ بغرائب الأقوال وشواذ الأحكام، ويحب الاتباع ويكره الابتداع، ويحرم استعمال الحيل للتخلص من الواجبات أو التوصل إلى المحرمات، ويرفض نتائجها ويؤاخذ المحتال بنقيض قصده، ويحرمه من الاستفادة من حيلته، ويعاقبه على فعلته[81].

ثالثا: تعايش المذهبين مع المخالفين في الدين والرأي

يعد المنهج الأشعري في الاعتقاد أكثر المذاهب الإسلامية تعايشا مع المخالفين، لأنه يؤمن بعدم إكراه الناس على اعتناق الإسلام؛ لأن الخالق سبحانه وتعالى، كرّم الإنسان ووهبه العقل لإعماله في التفكر والتّدبر، وليميِّز به بين الخير والشرّ، وأعطاه الحرّية التي لا تَقِلّ أهمية عن العقل، والتي بها يكون مسؤولا عن أفعاله، فلا «مسؤولية بغير حرية»؛ ولذلك نجد النصوص الشرعية تؤسس دعوتها إلى الإسلام على الإقناع والقول الحسن، والمجادلة بالتي هي أحسن، وليس بالإكراه، قال تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[82]. وقال سبحانه: ﴿وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[83]. وقال جل وعلا: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[84].

فإذا  لم يكن الإنسان حرّا مختارا في إيمانه، فلا معنى لاعتباره مؤمنا باعتبار الظاهر، وهو يُخفي النفاق والكفر في الباطن، وهذا لا يمنع من النّصح له والإرشاد والتّوجيه ودعوته للحق، ولكن يبقى له القرار في الدخول في الإيمان أو عدمه، فيتحمل مسؤولية قراره، وسيجازى على أفعاله، ومن هنا يأتي مقصد الابتلاء، الذي هو تخيير الله للإنسان بين طريقين: طريق الطاعة، وطريق العصيان؛ ولذلك لم يعط حق الإكراه للأنبياء والرسل، فكيف بمن هو دونهم، وأن الأنبياء اكتفوا بالوعد والوعيد، وتركوا الحساب على الاختيار والعقائد والأفعال إلى الله عز وجل.

ومن مظاهر التعايش في العقيدة الأشعرية أيضا: إبطال بعض الفهوم المغلوطة لقضية الولاء والبراء مع غير المسلمين، والاعتقاد بأن الولاء يعني المولاةَ لله ورسوله والمومنين، وذلك بتوحيد الله وإخلاص العبادة له، ومحبة رسوله والمومنين، وتقوية آصرة المحبة والتعاون والتعايش بين المومنين. وأما البراء فيعني تبرؤ المسلم  من الكفر وكره الوقوع فيه باعتباره نقيض الإيمان. ولكن، لا يلزم من ذلك أن يكره غير المسلمين، ويمتنع عن معاملتهم ومشاركتهم ومداينتهم والزواج منهم وغير ذلك من وجوه التعامل، لقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين}[85].

ونفس الخاصية يتميز بها المذهب المالكي، حيث يؤسس لمبدأ التعايش مع المخالف والمؤالف، وذلك من خلال مجموعة من الخصائص، أهمها كما يقول أستاذنا محمد التاويل رحمه الله:

اتخاذ شرع من قبلنا شرعا لنا ما لم يرد ناسخ.

إباحته الاقتداء بالمخالف في الفروع، ولو ترك شرطا من شروط الصلاة أو ركنا من أركانها في الفقه المالكي، إذا كان الإمام لا يراه شرطا ولا ركنا في مذهبه.

في رفضه تكفير المسلمين بالذنب والهوى.

تصحيحه حكم المخالف لمذهب مالك، ومنع نقضه وإن خالف المشهور أو الراجح في المذهب المالكي.

قوله في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن المختلف فيه لا يجب فيه الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر.

قوله: إنه إذا لم يوجد نص للمالكية في النازلة المعروضة، فإنه يعمل فيها بالفقه الشافعي أو الحنفي على خلاف بينهم.

استحسانه العمل برأي المخالف ابتداء في بعض مواطن الخلاف، من باب الورع والخروج من الخلاف، قراءة البسملة سرا، وقراءة الفاتحة خلف الإمام للخروج من خلاف الشافعي[86].

قبوله رواية المبتدع إذا لم يكن داعية لمذهبه، ولم يكن ممن يستحل الكذب.

في إباحته الخروج عن المذهب والعمل بقول المخالف عند الحاجة، وفي بعض القضايا التي يصعب فيها الأخذ بالفقه المالكي، أو لغير ذلك من الأسباب.

من خلال ما تقدم من أسباب التوافق والانسجام بين أصول العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي ومظاهر هذا التوافق وآثاره، ندرك أن المذهبين متكاملان في أصولهما وفروعهما وقضاياهما، مما كان له انعكاس واضح على تدين المغاربة عقيدة وشريعة وسلوكا، تأثرا بما تميز به المذهبان من وسطية واعتدال وانفتاح، وبعد عن الغلو والتطرف ونبذ التكفير، والتعايش مع المخالف والمؤالف، ومراعاة الخلاف في الأصول والفروع، وهو ما أسهم في الاستقرار الفكري والعقدي في المغرب وامتداده الإفريقي، حيث يشاركه في هذه الثوابت العقدية والمذهبية العديد من البلدان الإفريقية الشقيقة.

وهذان الثابتان العقدي والمذهبي، إلى جانب باقي الثوابت، وخاصة إمارة المومنين والتصوف السني، كلها تعتبر صمام أمان للبلاد والعباد، وبها ومن خلالها تنعم المملكة المغربية بنعمة الأمن والأمان، والتعايش والتسامح والاستقرار، كما أنها صلة وصل بين المملكة المغربية الشريفة وعمقها الإفريقي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش

[1] – أبو عبد الله البخاري: صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة.

[2] – تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي: مفيد النعم ومبيد النقم، ص: 62.

[3] – تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 3/374.

[4] – تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية، ج 3، ص: 375.

[5]  – المصدر نفسه.

[6]  – ابن رشد، مسائل أبي الوليد بن  رشد الجد، ج 1، ص: 717.

[7] – أبو عمران موسى الجزولي: اختصار المباحث العقلية، مخطوط نسخة يوسف احنانة، ص: 5.

[8]  –  أبو الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصبي: ترتيب المدارك وتقريب المسالك، 5/24.

[9] – أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر: تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 117.

[10] – أبو عمران موسى الجزولي: اختصار المباحث العقلية، مخطوط نسخة يوسف احنانة، ص: 5.

[11] – الهداجي الدرعي: شرح أم البراهين، مخطوط نسخة يوسف احنانة، ص: 31.

[12] – قال تاج الدين السبكي: «وقد زعم بعض الناس أن الشيخ كان مالكي المذهب، وليس ذلك بصحيح، إنما كان شافعيا تفقه على أبي إسحاق المروزي، نص على ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك في طبقات المتكلمين، والأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، فيما نقله عنه الشيخ أبو محمد الجويني في شرح الرسالة. والمالكي هُوَ القاضي أَبُو بكر بن الباقلاني، شيخ الأشاعرة» [طبقات الشافعية الكبرى، 3/ 352].

[13] – محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الجعفري الفاسي: الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان، الطبعة: الأولى- 1416ﻫ- 1995م، 2/128.

[14] – عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، 1/589.

[15] – قال العلامة شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي: «أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية: وإمامهم أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى؛ والأشعرية: وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى؛ والماتريدية: وإمامهم أبو منصور الماتريدي». في لوامع الأنوار البهية، 1/73.

[16] – تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 3/365.

[17] – تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 3/347.

[18] – شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي، المعروف ب زروق: شرح زروق على متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، 1/46.

[19] – شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي، المعروف ب زروق: شرح زروق على متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، 1/46.

[20] – شرح الرسالة للشيخ زروق، وقال: «وفي بعض رواياته (والكيفية مجهولة)، وقد عدلنا عنها للرواية التي ذكرنا؛ لأن غير المعقول لا يمكن العلم به، والمجهول يمكن علمه، والمقصود نفي التعقل في ذلك. فرواية نفيه أولى، وإن كان غيرها أكثر رواية»، 1/46.

[21] – أبو عبد الله القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 7/219.

[22] – أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي: التسهيل لعلوم التنزيل، 1/290.

[23] – قال ابْن خلدون: «وانطوى هذا الإمام راجعا إلى المغرب بحرا متفجّرا من العلم، وشهابا واريا من الدين. وكان قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنّة، وأخذ عنهم واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفيّة والذبّ عنها بالحجج العقليّة الدافعة في صدر أهل البدعة. وذهب إلى رأيهم في تأويل المتشابه من الآي والأحاديث، بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن أتباعهم في التأويل والأخذ برأيهم فيه، اقتداء بالسلف في ترك التأويل وإقرار التشابهات كما جاءت. ففطن أهل المغرب في ذلك وحملهم على القول بالتأويل، والأخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم ووجوب تقليدهم، وألف العقائد على رأيهم، مثل المرشدة في التوحيد»، التاريخ 6/302.

[24] – شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: نفائس الأصول في شرح المحصول، 1/419.

[25]  – شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: شرح تنقيح الفصول، ص: 145.

[26]  – شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: الذخيرة، 13/244.

[27]  – تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 3/377.

[28]  – تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 3/373.

[29] – محمد حسن هيتو تقريظه لكتاب الأشعريّيْن ص: 7.

[30] – أبو بكر بن العربي، القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، 1/1082.

[31]  – شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: الذخيرة، 13/231.

[32]  – أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني: متن الرسالة، ص 5.

[33] – أبو القاسم محمد ابن جزي الكلبي الغرناطي: القوانين الفقهية، ص: 8.

[34] – أبو القاسم محمد ابن جزي الكلبي الغرناطي: القوانين الفقهية، ص: 9.

[35] – عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، 1/576.

[36] – عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، 1/576.

[37] – عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، 1/7/576.

[38] – أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، المستصفى، ص 9.

[39]  – شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، شرح تنقيح الفصول، 296.

[40]  – تاج الدين السبكي: متن جمع الجوامع، بشرح المحلي وحاشية العطار، 1/269.

[41] – أبو عبد الله محمد بن محمد الحطاب الرُّعيني المالكي: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، 4/245.

[42] – ابن الحاجب: مختصر ابن الحاجب، مع (رفع الحاجب) لتاج الدين السبكي،1/507.

[43] – تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي: متن جمع الجوامع، بشرح المحلي وحاشية العطار، 2272.

[44] – شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: الفروق، 3/57.

[45] – شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي: شرح تنقيح الفصول، ص 372.

[46] – شمس الدين الأصفهاني: بيان المختصر، شرح مختصر ابن الحاجب، 2/340.

[47] – أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، 18/290.

[48] – شهاب الدين النفراوي: الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القرواني، 1/408.

[49] – خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين الجندي المالكي المصري: مختصر خليل، ص 82.

[50] – أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي: الجامع لمسائل المدونة، 6/356.

[51] – أحمد الدردير: الشرح الصغير، هو شرح الشيخ الدردير لكتابه المسمى (أقرب المسالك لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ)، 2/202.

[52] – أحمد بن محمد الصاوي المالكي: بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، المعروف بحاشية الصاوي على الشرح الصغير، 1/328.

[53]– شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، الفروق (أنوار البروق في أنواء الفروق) ، 3/70.

[54] – شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، الفروق (أنوار البروق في أنواء الفروق)، 1/124.

[55] – أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني، متن الرسالة، ص: 8.

[56] – حاشية العدوي على شرح أبي الحسن على الرسالة: 1/102.

[57] – شهاب الدين النفراوي، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القرواني، 1/93.

[58] – أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، هامش تحقيق كتاب الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي، 1/40.

[59] – عبد الباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني المصري: شرح الزُّرقاني على مختصر خليل، 2/148.

[60] – محمَّد بن الحسن البناني: الفتح الرباني فيما ذهل عنه الزرقاني، 2/148.

[61] – فخر الدين الرازي: مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، 10/9.

[62] – أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، 5/58.

[63] – أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: المستصفى، ص: 4.

[64] – تاج الدين السبكي: متن جمع الجوامع، بشرح المحلي وحاشية العطار، 1/306.

[65] – السنوسي: شرح الكبرى، ص:82.

[66] – السنوسي: شرح الكبرى، ص:82.

[67] – فخر الدين الرازي: المحصول في علم الأصول، 1/390.

[68] – شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي، المعروف ب زروق: شرح زروق على متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، 1/46.

[69] – أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري بالماوردي: الأحكام السلطانية، ص 5.

[70] – سورة النساء: 58.

[71]– أبو عبد الله البخاري: صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى و{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59.

[72] – ذكر النووي ‹أن هذا الخلاف كان أوّلًا، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم». شرح صحيح مسلم، 12/229.

[73] – أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 23/279.

[74] – أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي: شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ، المُسَمَّى (إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم)، 6/256.

[75] – أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي: شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمِ، المُسَمَّى (إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم)، 6/247.

[76] – الإمام مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة.

[77] – أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 21/285.

[78] – أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 21/287.

[79] – أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني: متن الرسالة، ص 8.

[80] – محمد بن أحمد ميارة المالكي، الدر الثمين والمورد المعين (شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين)، ص: 55.

[81] – محمد التاويل: خصائص المذهب المالكي، درس حسني خلال شهر رمضان 1425 هجرية.

[82] – القرآن الكريم، سورة يونس، الآية: 99.

[83] – القرآن الكريم، سورة النحل، الآية: 125.

[84] – القرآن الكريم، سورة فصلت، الآية: 34.

[85] – الممتحنة، الآية: 8.

[86] – محمد التاويل: خصائص المذهب المالكي، درس حسني خلال شهر رمضان 1425 هجرية.

كلمات مفتاحية : ,