المذاهب الفقهية السنية والمشترك الأصولي

المذاهب الفقهية السنية والمشترك الأصولي

مداخلة بعنوان “المذاهب الفقهية السنية والمشترك الأصولي ”  للأستاذ محمد الأمين توري رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ورئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية غامبيا خلال الدورة التواصلية الثانية للمؤسسة في موضوع: «الثوابت الدينية في إفريقيا: الواقع والآفاق» المنعقدة أيام 6 و7 و8 رمضان 1439هـ الموافق لـ 22 و23 و24 ماي 2018م بالرباط.

الأستاذ محمد الأمين توري رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ورئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية غامبيا
الأستاذ محمد الأمين توري رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ورئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية غامبيا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى آثارهم إلى يوم الدين.

أما بعد،

فإن علم الفقه من أفضل وأجل العلوم وأشرفها؛ إذ به تصح العبادات التي هي الغاية من خلق الإنسان، قال تعالى ﴿: وَمَا خَلقَتُ الجن والإنس إلَّا ليعبُدُونِ﴾[1]. وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام فقه العبد في الدين عنوان إرادة الله به خيرا، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»[2].

فعظمة هذا العلم تعظم عن الوصف والإحاطة؛ ذلك أن أحكامه تساير الإنسان المسلم وتلازمه في جميع مسالك حياته، سواء فيما بينه وبين ربه عز وجل، أو فيما بينه وبين الخلق.

الشريعة الإسلامية كاملة في أصولها متغيرة في فروعها

والشريعة الإسلامية التي نعبد الله بها كاملة في أصولها وثوابتها، ومتغيرة في فروعها حسب الزمان والمكان، قال الله تعالى:﴿ اليَوْمَ أكْمَلتُ لكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَليْكُمْ نعمَتِي وَرَضِيتُ لكُمُ الإْسلَامَ دِينًا[3]. وكلها ترجع إلى قول واحد في أصولها وفي فروعها كذلك وإن كثر الخلاف، ولا يساغ فيها غير ذلك لأدلة كثيرة، منها:

الدليل الأول

قوله تعالى:﴿  اَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ اَ۬لْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اِ۬للَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اِ۪خْتِلَٰفاٗ كَثِيراٗ﴾[4].

وقوله تعالى:﴿ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِي شَيءٖ فَرُدُّوهُ إِلَي اَ۬للَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُومِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِ[5].

وقوله تعالى:﴿وَلَا تَكُونُواْ كَالذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ اُ۬لْبَيِّنَٰتُۖ[6].

والآيات القرآنية في ذم الاختلاف والأمر بالرجوع إلى القرآن والسنة كثيرة وكلها تدل دلالة قاطعة على منع الاختلاف في الدين.

وقال المزني صاحب الإمام الشافعي: «ذم الله الاختلاف وأمر عنده العودة إلى الكتاب والسنة».

الدليل الثاني

أن الجمهور من علماء الشريعة أثبتوا في القرآن والسنة الناسخ والمنسوخ على الجملة، والمعلوم أن الناسخ والمنسوخ يكون بين دليلين يتعارضان بحيث لا يصح اجتماعهما بحال من الأحوال، فلو كان الاختلاف في الدين مساغا لما كان في إثبات الناسخ والمنسوخ فائدة، وإذا قلنا بصحة العمل بكلا الدليلين على أساس أن الاختلاف أصل من أصول الدين لأدى ذلك إلى التعارض والتناقض في الدين وذلك فاسد إجماعا، فثبت أن الاختلاف لا أصل له في الشريعة الإسلامية.

الدليل الثالث

أن علماء الأصول اتفقوا على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة إذا لم يمكن الجمع، وأنه لا يصح إعمال أحد الدليلين المتعارضين جزافا من غير نظر في ترجيحه على الآخر. والقول بثبوت الخلاف في الشريعة يرفع باب الترجيح وذلك فاسد أيضا.

المذاهب السنية

وهي عبارة عن المذاهب الفقهية التابعة للأئمة الأعلام، العلماء الأجلاء، الذين كرسوا جهودا كبيرة لنشر هذا الدين الإسلامي حتى انتشرت مذاهبهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

وهذه المذاهب كثيرة من أشهرها:

أولا: المذهب الحنفي – نسبته إلى الإمام الجليل أبي حنيفة – رحمه الله-

نسبه ومولده

هو النُّعمان، واسم أبيه: ثابت بن المَرْزُبان. أمّا أبو حنيفة فهو كُنية للنّعمان، أصله فارسيّ من بلاد فارس، ويعود نَسَبُه إلى أسرة شريفة عريقةٍ من قومه، وتعود أصوله الأولى إلى مدينة كابل عاصمة دولة أفغانستان في الوقت الحاليّ. وأما جَدُّه المرزُبان فقد أسلم في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثمّ انتقل إلى الكوفة، وسكن فيها.

وُلِد الإمام أبو حنيفة النعمان- رحمه الله- في مدينة الكوفة في العراق؛ حيث أقام جدّه فيها، وكان مولده في سنة ستّمائة وتسعة وتسعين للميلاد على الرّاجح، الموافق للعام ثمانين من الهجرة النبويّة الشريفة، وقد كان الإمام أبو حنيفة النعمان وحيد أبوَيْه حيث لم يُنجبا سواه كما يظهر، وكان مولد أبي حنيفة في حياة صغار الصّحابة رضوان الله عنهم، فأدرك منهم أنساً بن مالك رضي الله عنه، الذي قدِم إلى الكوفة حينها.

فقهه وأصول مذهبه

رُوي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: «آخذ بكتاب الله تعالى، فإن لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول الصحابة، آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت منهم، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين، والحسن وعطاء وسعيد بن المسيب وعدَّد رجالاً فقوم اجتهدوا، فأجتهد كما اجتهدوا».

وقال سهل بن مزاحم: «كلام أبي حنيفة أخذ بالثقة وفرارٌ من القبح، والنظر في معاملات الناس وما استقاموا عليه وصلح عليه أمورهم، يمضي الأمور على القياس، فإذا قبح القياس أمضاها على الاستحسان، ما دام يمضي له، فإذا لم يمض له رجع إلى ما يتعامل المسلمون به، وكان يؤصل الحديث المعروف الذي قد أجمع عليه، ثم يقيس عليه ما دام القياس سائغاً، ثم يرجع إلى الاستحسان أيهما كان أوفق رجع إليه».

فهذه النقول وغيرها تدل على مجموع مصادر الاستدلال عند الإمام أبي حنيفة، فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعُرف والعادة.

جهوده في نشر العلم

لم يؤثر عن أبي حنيفة أنه كتب كتاباً في الفقه يجمع آراءه وفتاواه، وهذا لا ينفي أنه كان يملي ذلك على تلاميذه، ثم يراجعه بعد إتمام كتابته، ليقر منه ما يراه صالحاً أو يحذف ما دون ذلك، أو يغيّر ما يحتاج إلى تغيير، ولكن مذهبه بقي وانتشر ولم يندثر كما اندثرت مذاهب كثيرة لفقهاء سبقوه أو عاصروه، وذلك بفضل تلاميذهِ الموهوبين الذين دونوا المذهب وحفظوا كثيرا من آراء إمامهم بأقواله وكان أشهر هؤلاء: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفى سنة 183) ه.) ومحمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة 189) ه.) وهما اللذان قعدا القواعد وأصلا الأصول للمذهب الحنفي.

وقد وصلت إلينا كتب محمد بن الحسن الشيباني كاملة، وكان منها ما أطلق عليه العلماء كتب ظاهر الرواية؛ وهي كتب المبسوط والزيادات، والجامع الكبير والجامع الصغير، والسير الكبير والسير الصغير. وسميت بكتب ظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن الثقات من تلاميذه، فهي ثابتة عنه إما بالتواتر أو بالشهرة.

وحيث إن وقت الإمام لم يعرف بكثرة التدوين وأكثر علمه نقل عن طلابه، فقد عرف للإمام بعض المؤلفات في الفقه الإسلامي منها:

  • الفقه الأكبر، برواية حماد بن أبي حنيفة.
  • الفقه الأكبر، برواية أبي مطيع البلخي.
  • العالم والمتعلم، برواية أبي مقاتل السمرقندي.
  • رسالة الإمام أبي حنيفة إلى عثمان البتي.
  • الوصية، برواية أبي يوسف.

وفاة أبي حنيفة النعمان

توفي الإمام أبو حنيفة النعمان في سنة مئة وخمسين 150 للهجرة في شهر رجب، وقيل إنّه توفّي سنة مئة وإحدى وخمسين 151هـ، وقيل: توفّي سنة مئة وثلاث وخمسين 153ه، والأصوب في ذلك هو الرأي الأول.

وكان أبو حنيفة حين وفاته يبلغ من العمر سبعين سنةً، وممّا رُوِي في حاله قبل وفاته أنّه مكث أربعين سنةً يُصلّي الفجر بوضوء العشاء، وقيل إنّه قرأ القرآن في الموضع الذي مات فيه سبعة الآف مرّة؛ حيث كان شديد التعلُّق بكتاب الله؛ فقد كان يصلّي الليل ويقرأ القرآن في كلّ ليلة، وقد صُلِّي عليه في مدينة بغداد عدّة مرّات، قيل إنّها بلغت ستّاً؛ لكثرة الزّحام في جنازته، وقد دُفِن فيها.

ثانيا:  المذهب المالكي – نسبته إلى الإمام الجليل مالك – رحمه الله-

نسبه ومولده

هو مالك بن أنس بن مالك، بن أبي عامر (اسمه نافع) بن عمرو بن الحارث، بن غيمان، بن خُثيل، بن عمرو، بن الحارث -ذي أصبح، بن عوف، بن مالك، بن زيد، بن شدّاد، بن زرعة، وهو من يعرب بن قحطان. أبوه هو: أنس بن مالك أحد رواة الحديث، أمّا جدّه مالك فهو من كبار التابعين، وقد كان جدّه من أفاضل الناس وعلمائهم في عصره، وكان ممّن يكتبون المصاحف عندما جمع عثمان المصاحف، وهو أحد الأربعة الذين حملوا عثمان بن عفّان إلى قبره ليلاً، وغسّلوه، ودفنوه بعد مقتله رحمهم الله جميعاً ورضي عنهم، أمّا أمّه فاسمها العالية بنت شريك بن عبد الرحمن بن شريك الأزديّة.

مولده

اختلف العلماءُ في السنة التي وُلد فيها الإمام مالك، والأكثر على أنه وُلد سنة 93ه في خلافة الوليد بن عبد الملك، ورُوي أن مالكاً قال: «وُلدت سنة ثلاث وتسعين».

علم الإمام مالك وصبره

الإمام مالك- رحمه الله- من أسرة فيها الأب والجدّ وأب الجدّ؛ جامعون لحديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد تلهّى الإمام مالك في مطلع حياته بتربية الحمام، فاستنهضه والده لطلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ولعلّ نقطة التحوُّل في حياته كانت عندما عرض والده عليه وعلى أخيه مسألةً فأصاب أخوه، وأخطأ هو، فقال له والده: ألهتك الحمام عن طلب العلم، فغضب مالك لذلك، وانقطع إلى ابن هرمز يطلب منه العلم سبع سنين، ثمّ انتقل يطلب العلم على يد ربيعة الرّأي، وقيل إنّه بدأ بطلب العلم عند ربيعة الرأي؛ حيث كانت أمّه توصيه بأن يذهب إليه؛ ليتعلّم من أدبه قبل علمه.

كان الإمام مالك حريصاً على تلقّي العلم من العلماء الكبار، وقد منحه الله -سبحانه وتعالى- مواهب تُعينه على طلب العلم؛ أهمّها الحفظ والفهم، في وقتٍ ساء فيه حفظ الناس؛ فقد كان- رحمه الله- يذهب إلى سعيد بن المسيب، وعروة ،والقاسم، وحميد، وغيرهم، يسمع من كلّ واحد منهم نحو خمسين حديثاً إلى مئة، ثمّ ينصرف وقد حفِظها من غير أن يخلط بينها، ولم يعتمد على ضبط صدره فقط فيما يرويه، بل اعتمد على الكتابة أيضاً، فقد رُوِي عنه أنّه قال: كتبتُ بيدي نحو مئة ألف حديث. ولم يقتصر الإمام مالك على علمَي الحديث والفقه، فقد برع في القرآن الكريم، وتفسيره، وتجويده وقراءته، وغير ذلك..

أصول مذهبه

لم تكن للإمام مالك أصولٌ فقهية بالمعنى المعروف، ولم يأخذ عنه أحد من أصحابه منهاجاً أو أصلاً مما عليه فقهه، ولكن استطاع أصحابه ثم أصحابهم من بعدهم أن يستقصوا فقهه، وينتزعوا منه الأصول التي بنى عليها.

ومن أهم أصول المذهب المالكي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع ،وعمل أهل المدينة،  والقياس،  والمصالح المرسلة،  والاستحسان،  والعرف والعادات،  وسد الذرائع،  والاستصحاب.

جهوده في نشر العلم

يُعد كتاب الموطأ من أوائل كتب الحديث وأشهرها في ترتيبه وتركيبه، وفي اجتهاده ونقله، وفي حديثه وفقهه، وقد كان أعظمَ مرجع في عصره وأقدمَه، قال القاضي عياض: «لم يُعتنَ بكتاب من كتب الفقه والحديث اعتناءَ الناس بالموطأ ،فإن الموافق والمخالف أجمع على تقديمه وتفضيله وروايته وتقديم حديثه وتصحيحه، وقد اعتنى بالكلام على رجاله وحديثه والتصنيف في ذلك عددٌ كثيرٌ من المالكيين وغيرهم من أصحاب الحديث والعربية ،وقد أثنى كثيرٌ من العلماء على الموطأ، قال الإمام الشافعي:« ما في الأرض كتاب بعد كتاب الله عز وجل أنفع من موطأ مالك، وإذا جاء الأثر من كتاب مالك فهو الثُّريَّا». وقال أيضاً: «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك». وقال ابن مهدي: «لا أعلم من علم الإسلام بعد القرآن أصح من موطأ مالك»، وقال ابن وهب: «من كتب موطأ مالك فلا عليه أن يكتب من الحلال والحرام شيئاً»، وسُئل الإمام أحمد بن حنبل عن كتاب مالك بن أنس فقال: «ما أحسنه لمن تَديَّن به.»

ومن مؤلفات الإمام مالك كذلك ما يأتي:

  • كتابه في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر.
  • رسالته في الأقضية.
  • رسالته في الفتوى.
  • رسالته إلى هارون الرشيد في الآداب والمواعظ.

وفاته

مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يوماً، ثم جاءته المنية، وأكثر الرواة على أنه مات سنة 179ه، وقد قال فيه القاضي عياض: «إنه الصحيح الذي عليه الجمهور». واختلفوا في أي وقت منها، والأكثرون على أنه مات في الليلة الرابعة عشرة من ربيع الثاني منها. وفي رواية عن بكر بن سليم الصراف قال: دخلنا على مالك في العشية التي قبض فيها، فقلنا: «يا أبا عبد الله كيف تجدك؟»، قال: «ما أدري ما أقول لكم، ألا إنكم ستعاينون غداً من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب». قال: «ما برحنا حتى أغمضناه، وتوفي رحمه الله يوم الأحد لعشر خلون من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومئة». وصلى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم أميرُ المدينة، وحضر جنازته ماشياً، وكان أحدَ من حمل نعشَه. وكانت وصية الإمام مالك أن يُكفَّن في ثياب بيض، ويُصلى عليه بموضع الجنائز، فنُفِّذت وصيته، ودُفن بالبقيع.

ثالثا: المذهب الشافعي – نسبته إلى الإمام الجليل محمد بن إدريس رحمه الله

نسبه ومولده

هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ. ولد الإمام الشافعي في مدينة غزة في فلسطين عام 150 هجري، وهو ثالث أئمة المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة، كما أنّه من أوائل منكتب في أصول الفقه، ولعل أهم ما يُميزه هو ذكاؤه، وحكمه العادل بين الناس، وفصاحة لسانه. وقد أثنى العديد من العلماء عليه وخصوصاً الإمام أحمد حيث قال: «كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس».

وكان واحداً من الرماة المحترفين في ذلك الوقت، ورحالاً في طلب العلم، وله أربعة أبناء وهم؛ محمد، وفاطمة، وزينب، ومحمد.

جهوده العلمية

للشافعي الكثير من المصنفات في أصول الفقه وفروعه، أما الكتب التي تجمع أصول الفقه وتدل على الفروع فهي:

  • كتاب الرسالة القديمة كتبه في بغداد.
  • كتاب الرسالة الجديدة كتبه في مصر
  • كتاب اختلاف الأحاديث.
  • كتاب جمَّاع العلم.
  • كتاب إبطال الاستحسان.
  • كتاب أحكام القرآن.
  • كتاب بيان فرض الله عز وجل.
  • كتاب صفة الأمر والنهي.
  • كتاب اختلاف مالك والشافعي.
  • كتاب اختلاف العراقيين.
  • كتاب الرد على محمد بن الحسن.
  • كتاب علي وعبد الله.
  • كتاب فضائل قريش.

وهناك كتب مصنفة في الفروع، وقد جمعت كلها في كتاب واحد اسمه «كتاب الأم». وله كتاب في الطهارة، وكتاب في الصلاة، وكتاب في الزكاة، وكتاب في الحج، وكتاب في النكاح وما في معناه، وكتاب في الطلاق وما في معناه، وفي الإيلاء والظهار واللعان والنفقات، أملاها على أصحابه، ورواها عنه الربيع بن سليمان المرادي.

أصول مذهب الشافعية

من أقوال الإمام الشافعي الدالة على أصول مذهبه:

قوله في كتابه «الأم»: «إنما الحُجَّة في كتاب، أو سنة، أو أثر عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو قول عامة المسلمين؛ لم يختلفوا فيه، أو قياس داخل في معنى بعض هذا».

وقال أيضاً: «والعلم من وجهَيْن: اتباع أو استنباط. والاتباع: اتباع كتاب، فإن لم يكن؛ فسنة؛ فإن لم تكن؛ فقول عامة من سَلَفَنا لا نعلم له مخالفاً؛ فإن لم يكن؛ فقياس على كتاب الله جل وعز؛ فإن لم يكن؛ فقياس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم يكن؛ فقياس على قول عامة من سَلَف لا مخالف له».

إذاً؛ فمن أهم الأصول الفقهية للمذهب الشافعي ما يأتي:

  • الأصل الأول: القرآن.
  • الأصل الثاني: السنة.
  • الأصل الثالث: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة.
  • الأصل الرابع: قول الصحابي إذا لميُعْلَم له مخالف.
  • الأصل الخامس: القياس.

وفاة الإمام الشافعي

مرض الإمام الشافعي قبل وفاته مرضاً شديداً، وخلال مرضه دخل عليه تلميذه المزني فقال: كيف أصبحت؟ قال: «أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله جلّ ذكره وارداً، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنِّئها، أو إلى النار فأعزّيها»، ثمّ بكى. وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة بعد صلاة العشاء، في آخر يوم من شهر رجب، وكان يبلغ من العمر عند وفاته أربعة وخمسين عاماً، ودفن في القاهرة في الأول من شهر شعبان، يوم الجمعة عام) 204ه- 820م.(

رابعا: المذهب الحنبلي-نسبته إلى الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله-

 نسبه ومولده

هو: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي ، فقيه ومحدِّث ،ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي .

اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من العلماء؛ منهم الإمام الشافعي بقوله: «خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل». ويُعدُّ كتابه «المسند» من أشهر كتب الحديث وأوسعها.

وُلد أحمد بن حنبل سنة 164ه في بغداد ونشأ فيها يتيماً، وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة ،وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلى طلب العلم.

وقد اختلف المؤرخون في موطن ميلاده، فقيل إنه وُلد بمرو في بلاد فارس حيث كان يعمل أبوه وجده من قبل، وقيل إنه وُلد ببغداد بعد أن جاءت أمه حاملاً به من مدينة مرو التي كان بها أبوه، وهذا الأخير هو القول الراجح عند جمهرة المؤرخين، فقد روي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: سمعت أبي يقول:

«قدمت بي أمي حاملاً من خراسان، وولدت سنة أربع وستين ومئة».

طلب الإمام أحمد الحديث النبوي في بغداد عند شيخه هُشَيم بن بشير الواسطي حتى توفي سنة 183ه، فظل في بغداد يطلب الحديث حتى سنة 186ه، ثم رحل طلباً للحديث، فسافر إلى الحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين، وعندما بلغ أربعين عاماً في سنة 204ه، جلس للتحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف.

أصول مذهبه

إن أصول الاستنباط التي اتبعها أحمد بن حنبل وبنى فتاويه عليها، ثم صارت أصولاً للمذهب الحنبلي وأصحابه من بعده هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية ،وفتوى الصحابي، والإجماع، والقياس، والاستصحاب، والمصالح، والذرائع. وقد ذكر ابن القيم أن الأصول التي بنى عليها الإمام أحمد فتاويه خمسة وهي:

أولاً: النصوص، فإذا وجد النص أفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه، ولذلك قدم النص على فتاوى الصحابة.

ثانياً: ما أفتى به الصحابة ولا يُعلم مخالف فيه.

ثالثاً: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف ولم يجزم بقول، قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: قيل لأبي عبد الله: «يكون الرجل في قومه فيُسأل عن الشيء فيه اختلاف»، قال: «يفتي بما وافق الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه».

رابعاً: الأخذ بالحديث المرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه.

خامساً: القياس، فإذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص، ولا قول صحابي، ولا أثر مرسل أو ضعيف، ذهب إلى القياس، فاستعمله للضرورة كما قال ابن القيم، وقد رُوي عن الإمام أحمد أنه قال: «سألت الشافعي عن القياس فقال: إنما يُصار إليه عند الضرورة».

جهوده العلمية

كان أحمد بن حنبل منقطعاً إلى العلم بصفة عامة وللحديث بصفة خاصة، ولذلك فإنه ترك رصيداً نفيساً من المؤلفات تندرج جميعاً تحت باب الحديث أكثر من اندراجها تحت أي باب آخر من العلوم الدينية، وحتى تلك التي لا يدل اسمها على أنها كتب حديث تعتمد أكثر ما تعتمد على الأحاديث النبوية، تأخذ منها مادتها وتنسج منها موضوعاتها.

وأما الكتب التي تنسب للإمام أحمد فهي:

  • المسند: وقد قام الإمام أحمد بجمعه طوال أيام حياته، وضمَّنه ثلاثين ألف حديث حسب رواية أبي الحسن بن المناوي، وذهب قوم إلى أن عدد أحاديث المسند أربعون ألفاً، على أن أحاديث المسند قد انتقيت من سبع مئة وخمسين ألف حديث رويت عن أكثر من سبع مئة صحابي، وكان الإمام أحمد يُملي الأحاديث على خاصته وخصوصاً ولده عبد الله، كما كان يسجل بعضها في كثير من الأحيان بنفسه، ولكنه توفي قبل أن يُخرج العمل الكبير للناس بنفسه، فقام ابنه عبد الله على إعداده، وإضافة بعض ما سمع من أحاديث صحيحة نصَّ على أنه أضافها بعد وفاة أبيه.
  • العلل ومعرفة الرجال، برواية ابنه عبد الله .
  • الأسامي والكنى .
  • سؤالات أبي داود .
  • العلل ومعرفة الرجال، برواية المروذي وغيره .
  • مسائل الإمام أحمد، برواية ابنه عبد الله، وآخر برواية ابنه أبي الفضل صالح،  وآخر برواية أبي داود السجستاني .
  • أصول السنة .
  • العقيدة، برواية أبي بكر الخلال .
  • الورع، برواية المروزي.
  • الرد على الجهمية والزنادقة .
  • الزهد .
  • العلل ومعرفة الرجال، برواية المروذي وغيره .
  • الأشربة .
  • فضائل الصحابة .
  • سؤالات الأثرم لأحمد بن حنبل .
  • أحكام النساء.

وفاته

مات أحمد بن حنبل في وقت الضحى من يوم الجمعة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 241ه، وهو ابن سبع وسبعين سنة، ودُفن بعد العصر، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: «توفي أبي في يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين».

ودفن في بمقبرة «باب حرب» وهذا ما أكده العديد من المؤرخين؛ منهم الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وياقوت الحموي، وابن الجوزي في المنتظم، و»باب حرب». والمتواتر عند أهل بغداد نقل رفات الإمام أحمد بن حنبل أيام فيضان نهر دجلة سنة 1937م إلى مسجد عارف أغا في منطقة الحيدرخانة ببغداد في «مسجد عارف أغا» الواقع بالقرب من جامع «حسن باشا» وقد كتب عليه ضريح أحمد بن حنبل.

المشترك الأصولي لدى المذاهب السنية

بعد دراسة متأنية ومتأملة في طريقة تعامل أصوليي المذاهب السنية مع أدلة الاستنباط المعتبر، يلاحظ بأنهم جميعا يسعون من خلال عرض مسالكهم الدلالية إلى غاية موحدة، تتلخص في محاولة كل واحد منهم إصابة مراد الشارع في النازلة بالسبل التي يقررها الشرع  بعيدين عن السبل المفضية إلى اتباع الهوى والقول في شرع الله بغير علم، ويعني ذلك أن الخلاف بينهم خلاف تصور لا يتجاوز الأبعاد الاصطلاحية، أو طرق إعمال بعض الأدلة التفصيلية ،أو تحصيل موارد القرائن الحالية والمقالية مادام الغرض هو خدمة القضايا الشرعية بالمنهج الذى تحدده طبيعة الدراسات الأصولية. وبه يعلم أن دعوى القول بالمشترك الأصولي بين المذاهب السنية متحققة في المباحث العقدية والفقهية لمن تأمله.

الهوامش

[1] سورة الذاريات، الآية: 56.

[2] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، رقم: 71. وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، رقم: 1037.

[3] سورة المائدة، الآية:3.

[4] سورة النساء، الآية: 81.

[5] سورة النساء، الآية: 58.

[6] سورة آل عمران، الآية: 105.

المصادر المعتمدة

  • القرآن الكريم.
  • صحيح البخاري .
  • صحيح مسلم.
  • الجامع لأحكام القرآن، الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي.
  •  جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الإمام محمد بن جرير الطبري.
  •  نيل الأوطار، الإمام محمد بن علي الشوكاني.
  • الرسالة، الإمام الشافعي.
  • أوجز المسالك إلى موطأ مالك، الإمام محمد زكريا الكاندهلوي.
  • المستصفى، أبو حامد الغرالي.
  • الموافقات، الإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي.
  • أصول السرخسي ، أحمد بن سهل السرخسي.
  • المغني ، أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة.
  • إعلام الموقعين، محمد بن أبي بكر المشهور بابن قيم الجوزية.
  • الإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن الآمدي.