مراكز مخطوطات التراث الإسلامي في النيجر

مراكز مخطوطات التراث الإسلامي في النيجر

الدكتور أيوب غربا أستاذ بالجامعة الإسلامية بالنيجر، مراكز مخطوطات التراث الإسلامي في النيجر
الدكتور أيوب غربا أستاذ بالجامعة الإسلامية بالنيجر، مراكز مخطوطات التراث الإسلامي في النيجر

نص محاضرة “مراكز مخطوطات التراث الإسلامي في النيجر” للدكتور أيوب غربا أستاذ بالجامعة الإسلامية بالنيجر والتي ألقاها خلال اليوم الأول من الندوة العلمية الثانية التي نظمها فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في النيجر، تحت عنوان: التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر بين الماضي والحاضر وآفاق المستقبل،يومي: السبت والأحد 17-18 ذو القعدة 1440 هـ الموافق لـ 20-21 يوليوز 2019 م، في نيامي. 

الحمد الله الذي جعل الفناء سنة الحياة، والخلافة مؤشرا دالاً على الخالف، والصلاة والسلام على سيد البشرية محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..

فإن التراث الإسلامي في إفريقيا قديم قدم دخول الإسلام القارة، منذ فجر الإسلام الأول، وقد اصطحب الإسلام معه اللغة العربية فساعدته على فهم الدين والمقاصد الشرعيّة، وشدّ انتباه الأفارقة فاهتموا بتعلمها وتعليمها فبرعوا فيها، وحاكوا العرب في علومهم الدينية واللغوية والأدبية والاجتماعية وغيرها، فدوّنوها لتبقى ثمارها يانعة بعد موتهم، وأصبح هذا الموروث العلمي والثقافي والأدبي والروحي معروفا باسم التراث الإسلامي.

وسنحاول في هذه الورقة الوقوف على أهم مراكز هذا الكنز التراثي في النيجر، للإشارة إلى مظانها ومكانتها لدى الشعب النيجري، مركزين على المراكز العامة فحسب، لأنه يصعب جدا إن لم يكن مستحيلا حصر المكتبات التراثية بشكل عام في النيجر؛ لما حظيت به منطقة جنوب الصحراء من علماء وفقهاء ولغويين وأدباء أسهموا في التراث الإسلامي في هذه المنطقة وتناقلت الأجيال ما خلفوه جيلا بعد جيل، فحققوا النفيس منها ونفضوا عنه غبار الزمان والنسيان، وجعلوه في متناول الدارسين والباحثين في ميدان سباق العلوم والثقافات.

وقد تناول هذا البحث الموجز الموضوع من خلال نقاط أربع، مبدوءة بمقدمة، ومذّيلة بخاتمة وتوصيات، فجاءت على النحو الآتي:

  • مفهوم المصطلحات: (مركز ــ مخطوطة ــ التراث).
  • تاريخ مراكز المخطوطات في النيجر
  •  أنواع مكتبات التراث الإسلامي في النيجر وأهدافها.
  • دورها المأمول في صيانة الكتاب التراثي المخطوط في النيجر.
  • الخاتمة.

أولاً: مفهوم المصطلحات (مركز ــ مخطوطة ــ التراث).

1 ــ مفهوم المركز

المركز على وزن (مَفْعَل)، وهو وزن يشترك فيه (المصدر الميمي واسمي الزمان والمكان)، ويوضح المراد منه السياق الكلامي، ويراد به هنا اسم المكان، وعليه فالمركز يعنى به: المقرّ الثابت الذي تتشعب منه الفروع، كمركز الهاتف ونحوه.[1] ويقال: مركز الرجل، منزلته ومكانته الحسية والمعنوية، ومركز الدائرة، نقطة داخل الدائرة تتساوى المستقيمات الخارجة منها على المحيط.

ومركزيٌّ: منسوب إلى المركز. الجهاز المركزي: الأساسي، منه تصدر كل التعليمات والإشارات. والسلطة المركزية: سلطة تحصر كل القرارات والأحكام بين يديها مع جعل كل السلطات تحت نفوذها.[2]

2 ــ مفهوم المخطوطة

المخطوط، على وزن (مَفْعُول)، وهو المكتوب بخط اليد لا بالمطبعة، والجمع: مخطوطات[3]. والمخطوطة: اسم لِما كُتب بخط اليد. وقسم المخطوطات: هو القسم الذي يحتوي على الكتب التي خطّها القدماء بأيديهم.[4]

3 ــ مفهوم التراث

التراث على وزن (فُعال) من الإرث، والإرث من أصل وِرث ويجوز فيها إرثٌ، والتاء فيها مبدلة من الواو كما في “تقوى” من أصل “وَقوى”، فأصلها (وُراث)، وهذا النوع من الإبدال غير قياسي.

والتراث: ما يخلفه الميت لورثته. والتراث ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل (التراث الإنساني والتراث الأدبي).[5] وتراثية: مصدر صناعي من “تراث” كون الشيء حضارة عريقة وتقاليد موروثة.

وتراث أمة من الأمم، ما له قيمة باقية من عادات وآداب وعلوم وفنون، وينتقل من جيل إلى جيل.

وللتراث شقان: شق ماديٌّ وشق معنويٌّ: وقد ورد لفظه في القرآن الكريم بهاتين الدّلالتين، أما في الدلالة المادية فقوله تعالى: )وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا[6](. وأما في دلالتها المعنوية ففي قوله تعالى: )ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا([7].

ومعنى هذا أنّ التراث يحمل في معناه موروثاتٍ ماديّةً وملموسةً نلتمسها في أسلوب الحياة وأدوات وأساليب الإنتاج وفي غيرها من الأشياء المحسوسة، وموروثاتٍ فكريةً وجدانيةً متجسدةً في القيم والعادات والتقاليد …

فالتراث الإسلامي إذن، هو ذلك الموروث الثقافي الضخم الذي خلفه علماؤنا في شتى العلوم وميان المعرفة الإسلامية المختلفة المادية منها والمعنوية.

ثانياً ــ تاريخ مراكز المخطوطات في النيجر

لا أؤرخ هنا لعموم المكتبات العامة التي تحتوي على التراث الإسلامي المخطوط والخاصة بالأسر أو بالأفراد، فتاريخ هذا النوع الأخير يحتاج متسع من الوقت؛ لما يشوبه من غموض ويعلوه من غمور، وهو أمر قديم قدم دخول الإسلام النيجر وقدم العلاقات التي ربطت النيجر بشمال إفريقيا، وإنما أريد تاريخا للمكتبات المركزية العامة (الحكومية أو المؤسسية).

يعتبر السيد “بُوبُو هما” أول من وضع الحجر الأساس لإنشاء مراكز المخطوطات في النيجر، وهو رئيس المجلس الوطني النيجري عام (1974م)، وأثناء اهتمامه بأعماله في علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم السلالة البشرية،  ظهرت له أهمية التراث المخطوط الإسلامي في إعادة كتابة تاريخ بعض القبائل النيجرية، وبدأ سعيه في جمع واقتناء هذا النوع من التراث الإسلامي من المكتبات الأسرية الخاصة والفردية. وقد جمعها لأول مرّة في مكتبه الخاص في المجلس الوطني النيجري، ومن هنا يمكن اعتبار مكتبه  بهذه الصفة النواة الأولى لمراكز المخطوطات التراثية في النيجر.

وبعد الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر عام (1974م)، تم في العام نفسه فتحُ قسم المخطوطات العربية والعجمية بمعهد الأبحاث في العلوم الإنسانية التابع لجامعة “عبدُ مُمُني” بـ “نيامي” بمعهد الأبحاث في العلوم الإنسانية التابع للجامعة الوطنية عبدُ مُمُني، فتم نقل كنوز هذه المكتبة الخاصة إلى المعهد الوطني، الذي تحمل مهمة الاهتمام بالمخطوطات واقتنائها والحفاظ على سلامتها والحرص على اجتلابها من مختلف مناطق الدولة وخارجها، والعمل على دراسة وتحقيق نفائسها.[8]

هذا، وقد عمل الدكتور “حسن مولاي” رئيس قسم المخطوطات العربية والعجمية على فهرست هذه المخطوطات بالتعاون مع مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي في لندن، وقد تمّت فهرسته ما يربو على أربعة آلاف مخطوطة بأحجام مختلفة في ثمانية مجلدات.

وقد اتخذ المعهد سبل ووسائل الكشف والتنقيب عن المخطوطات، فأقام معرضه الأول للمخطوطات في مدينة (أغاديز) التاريخية، شمال النيجر عام (2012م)، وأكد الدكتور “سيني مُومُوني” رئيس قسم المخطوطات أثناء المعرض أن ثمة آلاف من كنوز هذا التراث الضخم والنادر في مراكز حكومية وبعضه في المكتبات الأسرية الخاصة، وأن هذه الأخيرة عرضة للفساد من فعل الرطوبة؛ إذ لا تمتلك هذه الأسر الإمكانات اللازمة للحفاظ على سلامتها.[9]

ثالثاً ــ أنواع مكتبات التراث الإسلامي في النيجر وأهدافها

1- مراكز المخطوطات في النيجر

نلاحظ في النيجر نوعين من مكتبات المخطوطة العربية، هما مكتبات خاصة (أسرية، للأفراد)، ومكتبات عامة (مركزية) تحت الحكومة النيجرية أو تحت رعاية مؤسسة علمية عالمية.

المكتبات الخاصة

فأما المكتبات الخاصة التي بحوزة الافراد أو الأسر فهي كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:[10]

  • مكتبة المخطوطات بمدينة (أَبَلَغْ) الواقعة شمال النيجر: وتحتوي هذه المكتبة على مخطوطات كثيرة في موضوعات مختلفة.
  • مكتبة المخطوطات بمدينة “سِنْدَرْ” بمنطقة (تِلابِيرِي)، لصاحبها “الحاج يوسف عمر”[11] وتضم هذه المكتبة ما يربو على خمس مئة (500) مخطوطة نادرة ووثائق تاريخية علمية مهم.
  • مكتبة “تَبَلَك” في بلدية (تاغازارْ)، وتحتوي هذه المكتبة على عدد لا يستهان به من هذا التراث المخطوط، غير أن معظم هذه المخطوطات معرضة للتلف نتيجة سوء تخزينها؛ لافتقار المكتبة إلى المعدّات اللازمة لصيانتها والحفاظ على سلامتها.

هذا، وثمة مكتبات أُخر من النوع الخاصة في جميع مناطق النيجر، مثل منطقة آيير ومدينة ساي التاريخية، ومدينة “كاوارْ”، الواقعة على الحدود مع ليبيا، و”كُلُومُفارْدُو”، ومدينة “كِيُوتا مَيَّاكي” في محافظة “دُوسُو”، ومسجد “أُسُودي” بمدينة “أَغادِيز” وفي غيرها من المدن النيجرية.

المكتبات العامة

وأما المكتبات العامة فهما اثنتان:

إحداهما: قسم المخطوطات العربية والعجمية بمعهد الأبحاث والعلوم الإنسانية التابع للجامعة الوطنية “عبدو مُمُني” بـ “نيامي”.

والأخرى: مركز إحياء التراث الإسلامي التابع للجامعة الإسلامية بالنيجر.

هذا، وسيتم الحديث عن هذين المركزين، بشيء من التفصيل في الصفحات اللاحقة إن شاء الله، ونلحق بهما حديثا موجزا عن المكتبة التراثية الخاصية بـ “أبلغ” لتوفر بعضا من معلوماتها عندنا.

أولاً ــ قسم المخطوطات العربية والعجمية بمعهد الأبحاث والعلوم الإنسانية.

نشأته

هذا المركز هو امتداد للمكتبة الخاصة للسيد (بُوبُو هما) الذي يمكن اعتباره النواة الأولى لمراكز التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر ـــــ كما سبقت الإشارة إلى ذلك آنفاً ـــــ  حيث كان لاهتمامه بالتاريخ وعلم الاجتماع وعلم السلالة البشرية الدور الأساس في تأسيس مكتب للتراث الإسلامي الإفريقي في مكتبه الخاص، وبصفته رئيسا للبرلمان النيجري في فترة ما بين (1958- 1974م)، لم يدخر جهدا في محاولة كتابة التأريخ الإفريقي لبعض القبائل النيجرية، الأمر الذي دفعه إلى جمع كل ما تقع عليه يده من هذا الكنز في مكتبه الخاص، مما شكّل مكتبة علمية تراثية، تم نقل محتواها إلى هذا القسم بعد إنشائه إثر الانقلاب العسكري عام (1974م).[12]

محتواه التراثي

يتمثل هذا المركز في مبنى كبير متوسط ومستطيل، يحتوي على مكاتب وقاعة المخطوطات مزودة بطاولات وكراسي لرواده.

يعتبر هذا القسم مؤسسة تراثية تحت المعهد التابع للجامعة الوطنية (عبدومُمُني) بـ “نيامي”، وفي هذه القسم ما يربو على أربعة آلاف مخطوطة، في علوم وفنون مختلفة. يستفيد القسم من الميزانية السنوية التي تقدمها الحكومة النيجرية للجامعة الوطنية لتسيير الشؤون الأكاديمية والإدارية والبحثية، لمزيد من السعي من أجل اقتناء أكبر عدد ممكن من هذا التراث المخطوط وصيانته وحفظه مع العمل على جعل القسم يسير نحو مواكبة تطور العصر في حفظ وصيانة وفهرست هذا التراث الضخم الذي يحتل اليوم المصدر الأساسي الأول لكثير من العلوم الإنسانية والاجتماعية والتاريخية للشعب المطل على حوض نهر النيجر.[13]

أنواع مخطوطات القسم [14]

تعكس مخطوطات هذا المركز ثقافة كُتَّابها، ومن ثم يلاحظ أن في المركز نوعين من التراث المخطوط بالعربية.

أحدهما مخطوطات مكتوبة باللغة العربية وهي الكثيرة الغالبة، وتتمثل في مؤلفات العلماء المحليين في شتى العلوم والفنون، وأغلبها منسوخة من الكتب المدرسية للمدارس القرآنية التقليدية، ومن الزوايا العلمية الإسلامية قبل الاستعمار وبعده.

والآخر مخطوطات في اللغات الإفريقية بالحرف القرآني، على النحو الذي كان الشعب في إفريقيا الغربية قبل الاستعمار يستخدم الحرف القرآني في كتابة لغاته المختلفة وفي إدارة شؤون الدولة في المراسلات والمعاهدات والوصايا وغيرها.

وقد عمل القائمون على القسم فهرسا للمخطوطات التي يحويها القسم، إثر توقيع مذكرة تعاون ثقافي مع مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي على هامش الدورة التدريبية في مهارات فهرسة المخطوطات الخاصة بالعاملين في مجال صيانة المخطوطات في منطقة غرب إفريقيا جنوب الصحراء بمدينة الرباط المغربية في فترة 18يونيو إلى 16 يوليو 2001م، قدمت المؤسسة بموجبها مساعدة مادية ومعنوية لإنجاز فهرست لمخطوطات المركز، تيسيرا للباحثين وزوّاره من سهولة الاطلاع على مكتنزاته من هذا التراث الثمين، وقد تم فهرستها ببيانات شاملة عن كل مخطوطة في ستة أجزاء، يشمل كل جزء منها على معلومات عامة عن كل مخطوطة، مثل ذكر: رقم السجل والتسلسل، واسم المؤلف، والموضوع، ومتن المنظوم، ونسخة المؤلف، وتاريخ كتابة المخطوطة، وقيود التملك، وألوان الحبر، واسم الناسخ، وتاريخ النسخ، ووصف الخط التجزئة، ومادة الصحائف والمقاس، وعدد الأورق، والأسطر، والتجليد، وجهة الإصدار، ثم فاتحة المخطوطة وخاتمتها، وتلخيصا موجزا عن المخطوطة وملاحظات عامة عنها.[15]

وقد واجهوا صعوبات جمّة في تحديد هذه العناصر كلها عن كل مخطوطة؛ حيث إن منها مبتور الأول أو الآخر مما يؤدي إلى صعوبة استيعاب محتوى المخطوطة ومادته، كما أن بعضها في حالة تلف أو شبهه بفعل الرطوبة، وبعضها الآخر خال من بعض هذه المعلومات المذكورة آنفا.[16]

ثانياً ـ المركز الإفريقي لإحياء التراث الإسلامي

نشأته

أنشئ المركز الإفريقي لإحياء التراث الإسلامي في الجامعة الإسلامية بالنيجر عام
(1995م/ 1415ه) بمبادرة من رئيس الجامعة آنذاك الدكتور عبد العلي الودغيري، بعد ما تنبه إلى أهمية هذا التراث في الإسلام بصفة عامة وفي منطقة جنوب الصحراء بصفة خاصة، فعزمت الجامعة انطلاقا من رغبتها في بناء الذات الإسلامية بدراسة هذا التراث الإسلامي الإفريقي، وإثراء حياة المسلمين في المنطقة بمقومات الحضارة الإسلامية،  فتم إنشاء المركز لتكون مهمته الأولى جمع هذا الكنز العلمي النادر والعمل على فهرسته وتنظيمه، واتخاذ السبل الكفيلة بتسهيل استفادة الباحثين منه.

ولما كان العمل في ميدان المخطوطات محفوفا بالعقبات والصعوبات الناجمة عن طبيعة مجالها، فإن الجامعة الإسلامية وهي في بدايات خطواتها الأولى اتخذت خطة مفادها:

التنسيق مع مراكز البحوث والمخطوطات بالمنطقة؛ للاستفادة من خبراتها في رعاية هذا التراث وحفظه والعناية به، فنسقت مع كل[17] من:

1 – مركز البحوث والدراسات الإنسانية في نيامي (IRCH).

2 – ومركز أحمد بابا للتوثيق والمخطوطات في تمبكتو بمالي.

3 – ومركز الدراسات الإسلامية، ودار الوثائق، ومكتبة الوزير جنيد الخاصة في صوكوتو بنيجيريا.

وهكذا انطلقت الأعمال التأسيسية الأولى للمركز الإفريقي لإحياء التراث الإسلامي في الجامعة الإسلامية بالنيجر، واستطاعت الجامعة بجهودها المبذولة اقتناء عدد لا بأس به من المخطوطات العربية من تلك الفترة إلى الوقت الحاضر.

محتوى مركز التراث الإفريقي.

خصصت الجامعة قاعة متوسطة الحجم ضمن قاعات مبنى إدارتها في ساي، في الطابق الأول منه، مقرّا للمركز تحتوي على مكتنزاته التراثية الثمينة ومكتب المشرف عليه، وقاعة أخرى مخصصة للقراءة.

أنواع مخطوطات المركز[18]: يحتوي المركز على صنفين من المخطوطات مع مجلات وبعض الرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراه المطبوعة غير المنشورة، للسادة أعضاء هيئة التدريس بها.

الصنف الأول: المخطوطات.  والصنف الثاني الرسائل العلمية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة وغيرها.

وعدد المخطوطات المفهرسة في المركز ألف وأربع وخمسون مخطوطة (1054) وتنقسم إلى قسمين: مخطوطات أصلية، ومخطوطات مصورة

وتوجد مخطوطات مغلفة بالغلاف المحلي.

وتنقسم من حيث اللغة إلى مخطوطات عربية ومخطوطات عجمية مكتوبة بالحرف العربي[19].

أولا ـ المخطوطات العربية من حيث المحتوى العلمي:

تنقسم مخطوطات المركز من حيث المحتوى العلمي إلى:

أ ـ مصاحف مخطوطة وتبلغ سبع وثلاثون (37) مصحفا بعضها كاملة وبعضها ناقصة ونوع الخط مغربي صحراوي

ب ــ العلوم الشرعية: وتشمل: التفسير، وعلوم القرآن، وأصول الدين، وأصول الفقه، والأذكار والأدعية، والسياسة الشرعية، والتربية والتعليم.

ج ــ اللغة العربية وآدابها: وتشمل النحو والصرف والبلاغة والشعر والعروض

د ـ العلوم الاجتماعية وتشمل السيرة النبوية والتاريخ والتراجم والأنساب.

هـ ـ مخطوطات في الطب وعلم الفلك.

ثانيا: المخطوطات العجمية[20]

توجد في المركز مائة وإحدى عشرة مخطوطة باللغات العجمية المحلية المكتوبة بالحرف العربي، مفهرسة، وهي موزعة على اللغات الآتية:

1 ـ مخطوطات باللغة الفلانية وعددها (72) مخطوطة.

2 ـ مخطوطات بلغة الهوسا وعددها (35) مخطوطة.

3 ـ مخطوطات بلغة سنغاي/زرما (03) مخطوطات.

4 ـ مخطوطة واحدة باللغة الطوارقية (01).

(وهناك مخطوطان بلغة ولوف غير مفهرستين).

وموضوعات هذه المخطوطات مختلفة: فمنها مخطوطات تعليم اللغات المحلية، ومخطوطات لتعليم مبادئ الدين الإسلامي، ومخطوطات الشعر الديني.

مصادر مخطوطات المركز: مصدر أغلب مخطوطات المركز من شمال نيجيريا وبخاصة من ولاية صكتو (sokoto) وجلها من مؤلفات الشيخ عثمان بن فوديو، وعبد الله بن فوديو ومحمد بلو وغيرهم من علماء المنطقة، وهناك مخطوطات من جمهورية النيجر، ومالي وغينيا والسنغال وغانا.

أما الرسائل العلمية لأساتذة الجامعة فتبلغ (84) رسالة علمية ما بين الماجستير والدكتوراه وموزعة بين العلوم الشرعية واللغوية والاجتماعية.

وقد قام مدير المركز عام تأسيسه الدكتور علي ليمان بفهرست مخطوطات المركز والرسائل العلمية، ثم أكمله المدير الذي جاء بعده الدكتور مصطفى فضيل.

ثالثاً ــ مكتبة المخطوطات بمدينة أبلغ:

توجد بمدينة أبلغ الواقعة في شمال النيجر، في منطقة “طاوا” مكتبة تراثية أسرية، تحوي كثيرا من المخطوطات العربية، التي تبرز لنا العلاقات التي كانت قائمة في هذه المنطقة بين شعبها المسلم وبين الشعوب الإسلامية الأخرى من البلدان المجاورة مثل المغرب والجزائر وليبيا وتونس، وأبعاد هذه العلاقات المختلفة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.[21]

نشأته

تنسب المعلومات التي بحوزتنا عن نشأة هذا المركز إلى مجهودات فردية، من الشيخ محمد إبراهيم بن عبد المؤمن، الذي بذل الغالي والنفيس في سبيل جمع هذا الكنز من المخطوطات العربية من مختلف أصقاع البلاد وبخاصة في أزواغ مثل: ((إبيغي وشادونك وإدغول، وغرو، وتازيت، وتلياوت لمسس، وتنفامنير … وغيرها)).[22]

المكتبة ومحتواها التراثي:[23]

هذه المكتبة الأسرية الخاصة للمخطوطات العربية في مدينة أبلغ، هي في مبنى مشيّد بجوار المسجد العتيق بمدينة أبلغ، في حيّ (أمنوكل)، بدعم من مشروع خاص بالمناطق الرعوية.

ويقدر عدد مخطوطات المكتبة بنحو اثنين وثلاثمائة (302) مخطوطة، تنوعت ما بين علوم الدين والمنطق والتصوف والنحو والبلاغة وعلم الفلك والشعر، وهذه المخطوطات كلها باللغة العربية، ويلاحظ أن أغلب مخطوطاتها الفقهية على مذهب الإمام مالك بن أنس المتوفى سنة (795ه). وهذا مؤشر على سيادة المذهب المالكي في هذه المنطقة.

وما زال وضع هذه المكتبة تقليديا، حيث إن مخطوطاته غير مفهرس بشكل من الأشكال (ليست مسجلة في سجل وليس لها بطاقات فضلا عن أن تكون مفهرسة بالترقيم الآلي).  ومخطوطاتها محفوظة في صناديق كبيرة من حديد، في قاعة متوسطة لا شرقية ولا غربية؛ أي إنها غير معَرَّضة لرطوبة زائدة ولا لحرارة شديدة.

أسهمت جمعية الدّعوة الإسلامية العالمية بطرابلس (ليبيا)، بتوسيع هذه المكتبة وتزويدها بمعدات تساعد في الحفاظ على سلامة مخطوطاتها، ومع هذا الجهد المبذول فإن كثيرا من مخطوطاتها بحاجة إلى اهتمام زائد بالصيانة والترميم.

2 ــ أهداف مراكز المخطوطات بالنيجر

صنفت هذه الأهداف إلى عامة وخاصة؛ بناء على دورها في المجتمع علميا وأكاديميا أو ثقافية عامة، فالأهداف العامة هي التثقيفية العامة التي تشترك فيها المكتبات الخاصة والمركزية العامة أو شبه المركزية العامة، وأهداف خاصة ويختص بها المراكز الحكومية والمؤسسية العامة، وهي الأهداف العلمية والأكاديمية.

أ ــ الأهداف العامة[24]:

  1. العناية بالتراث الإسلامي بأنواعه المختلفة والتنقيب عنه، لمعرفة أماكن وجوده في العالم، والتعريف به، وجمعه بشتى وسائله وجرده وتصنيفه وإحصائه وفهرسته، وتمكين الباحثين والدارسين من التوصل بمصوراتها.
  • توعية الشعب بأهمية المخطوطات والحفاظ عليها، وبيان مكانتها عند الشعوب والأمم.
  • توفير الخدمات المتعلقة بالمخطوطات للباحثين الذين يريدون الإسهام في هذا التراث بتحقيقه والعمل على نشره في آفاق أوسع.
  • تشجيع البحث في هذا الكنز الثمين؛ وذلك بالعمل على تحقيق ودراسة نفائس المخطوطات ما أمكنه إلى ذلك سبيلاً، لنشرها وتوزيعها لتعم الفائدة.

ب ـ الأهداف الخاصة[25]:

  1. بناء جيل جديد من المحققين وتزويدهم بآليات المحقق القدير والباحث الناقد، ورعايتهم من الناحية العلمية والعملية؛ لاستعادة مجد أمتنا المسلمة المفقود.
  2. توعية طلاب العلم والباحثين بأهمية هذا التراث، وذلك بإقامة ندوات علمية وحلقات دينية تهدف إلى تحفيزهم بمزيد من الاهتمام به، والعمل على الحفاظ عليه من التلف.
  3. التواصل التكاملي والتكافلي مع المؤسسات ومراكز البحث من الهيئات الجهوية أو العالمية المعنية بالتراث الإسلامي؛ لعقد شراكات للتعاون لتبادل الخبرات وتحقيق الأهداف الخاصة والمشتركة بينها.
  4. العمل على تكوين مكتبة رقمية لفهارس المخطوطات، تكون متاحة بيسر وسهولة لجميع المهتمين بهذا الكنز التراثي الثمين.

رابعاً ـ دورها المأمول في صيانة الكتاب التراثي المخطوط.

تقوم المكتبات التراثية بالبحث والتنقيب عن المخطوطات التراثية وتعمل على صيانتها من التلف وحفظها من الضياع، وتوعية الشعب والباحثين والأكاديميين بأهمية هذا التراث الإسلامي والعمل على تحقيقه ونشره، ونأمل أن تضيف إلى دورها أنشطة أخرى مثل:

  1. تنظيم دورات تدريبية في قضايا علوم المخطوطات، والتحقيق، ومناهج البحث، وتاريخ العلوم وغيرها من التخصصات.
  2. تنظيم مؤتمرات دورية لمناقشة قضايا علم المخطوطات، وتبني تنفيذ التوصيات والقرارات التي تُتَّخذ في تلك المؤتمرات.
  3. تنظيم ورش عمل وحلقات دراسية في علم المخطوطات وفن التحقيق.
  4. ترجمة المؤلفات الأجنبية المهمة وذات الصلة بعلم الكوديكولوجيا.
  5. توقيع اتفاقيات وشراكات مع المراكز البحثية والهيئات العلمية التي تُعنى بالتراث في مختلف البلدان.
  6. عمل مشروع ببليوغرافي يضم بيانات الرسائل المسجلة في الدراسات العليا في جامعات العالم الإسلامي.
  7. إصدار عمل ببليوغرافي متقن يشتمل على مكتبات المخطوطات المختلفة في النيجر ومحتوياتها، يكون مرشدا للباحثين والدارسين للتعرف على مظانها.

خامساُ ــ الخاتمة:

بعد هذه الجولة العلمية في رحاب التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر، فقد عالج البحث مفهوم مصطلح الدراسة لغويا اجتماعيا وربط ذلك بمفهومه الاصطلاحي، ثم نبذةً تاريخية عن المخطوطات في النيجر وأنواع مراكز اقتنائها، مع التركيز على المراكز العامة أي الحكومية أو المؤسسية بالحديث عن محتواها ودورها العلمي، دون إغفال المكتبات الخاصة الموزعة على المناطق النيجرية المختلفة، ثم الحديث أخيرا على الأهداف المشتركة بين المراكز المخطوطات النيجرية العامة والخاصة.

 

هذا، وقد توصل البحث إلى بعض النتائج من أهمها:

  1. أن للتراث الإسلامي الإفريقي حضورا على نطاق واسع جدا في النيجر، يشهد على ذلك أنه لا تكاد توجد منطقة نيجرية خالية من مكتبة خاصة ــ على الأقل ــ للتراث المخطوط باللغة العربية.
  2. أن العلاقات القائمة بين مكونات هذه المنطقة قبل الاستعمار أسفر عنها الإسهام بجهود جبارة في اتساع هذا الكنز الثمين كماً ونوعاً.
  3. أن ثمة جهودا يبذلها الأفراد والمؤسسات والدولة للعناية بهذا الكنز؛ بالتنقيب عنه وجمعه في أماكن مخصصة يسهل الوصول إليها، كما يعملون على تسهيل الاستفادة منها من قبل الباحثين والدارسين كل بحسب الإمكانات المتاحة له.
  4. أن هذا التراث الإسلامي أسهم في ترسيخ الوازع الديني، والتعلّم والتعليم بين أبناء منطقة جنوب الصحراء.
  5. أن المكتبات الخاصة للتراث الإسلامي الإفريقي في النيجر غير محصورة العدد، ويتفاوت عددها من باحث لآخر.

 

الهوامش

[1] – المعجم الوسيط، مادة (ر ك ز).

[2] – معجم الغني (مركز) والمعجم الوسيط (مركز).

[3] – المعجم الوسيط، مادة (ر ك ز).

[4] – معجم الغني، مادة (خ ط ط).

[5] – معجم الرائد، مادة (ورث).

[6] – الفجر: 19.

[7] – فاطر، من الآية:32.

[8] – المخطوطات العربية في إفريقيا نموذجا، سالو حسن، الوعي الإسلامي، مجلة كوتية تصدر عن وزارة الأوقاف.

[9] – المرجع نفسه.

[10] – المخطوطات العربية في غرب إفريقيا وحمايتها القانونية، سالو حسن، 13/09/2011م، مجلة الثقافة الجزائرية. http://thakafamag.com/?p=1990

[11] – هو الحاج يوسف بن عمر من قبيلة زَرْما/سنغاي، ولد عام (1923م)، في قرية “سندر” منطقة “تلابيري” غرب النيجر، حفظ القر’ن وهو صغير. المرجع السابق.

[12] – المخطوطات العربية في إفريقيا نموذجا، سالو حسن، الوعي الإسلامي، مجلة كوتية تصدر عن وزارة الأوقاف.

[13] – فهرس المخطوطات الموجودة بمعهد الأبحاث في العلوم الإنسانية، النيجر(المقدمة)، مولاي حسن.

[14] – الحرف القرآني المنمط في منطقة غرب إفريقيا جنوب الصحراء، دراسة ببليوغرافية في المخطوطات والوثائق التاريخية واقع المركز الإفريقي لإحياء التراث الإسلامي بالنيجر، عبد المجيد حنكوكو، بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه، في جامعة سيدي بفاس، المغرب، عام 2017/2018م، ص: 17-18.

[15] – المرجع نفسه، ص؛19.

[16] – فهرس المخطوطات الموجودة بمعهد الأبحاث في العلوم الإنسانية، النيجر(المقدمة)، مولاي حسن.

[17] – فهرس المخطوطات العربية المودعة بقسم المخطوطات بمكتبة الجامعة الإسلامية بالنيجر، بشير عثمان أحمد، (حوليات الجامعة الإسلامية بالنيجر، العدد:1، 1994م)، ص:108.

[18] – خزائن المخطوطات في غرب أفريقيا الواقع والمأمول (مركز الجامعة الإسلامية بالنيجر للمخطوطات نموذجا). د.علي يعقوب، بحث مقدم إلى الملتقى الدولي الأول  : حول المخطوطات الجزائرية في غرب إفريقيا بجامعة أدرار، الجزائر من 3ـ 4 ديسمبر 2013م، ص: 4 وما بعدها.

[19] ـ والحرف العربي هي حرف الكتابة في إفريقية قبل الاستعمار كما كانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في دول غرب إفريقية قبل الاستعمار الغربي لها.

[20] – خزائن المخطوطات في غرب أفريقيا الواقع والمأمول، د. علي يعقوب، ص: 4 وما بعدها.

[21]  المخطوطات العربية في النيجر https:// www.marefa.org/

[22] – المرجع نفسه

[23] – المرجع السابق.

[24] المرجع السابق

[25] – الحرف القرآني المنمط، عبد المجيد حنكوكو، ص: 302 وما بعدها.

المراجع

  • القرآن الكريم، برواية حفص عن عاصم.
  1. الحرف القرآني المنمط في منطقة غرب إفريقيا جنوب الصحراء، دراسة ببليوغرافية في المخطوطات والوثائق التاريخية واقع المركز الإفريقي لإحياء التراث الإسلامي بالنيجر، عبد المجيد حنكوكو، بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه، في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، المغرب، عام 2017/2018م.
  2. خزائن المخطوطات في غرب أفريقيا الواقع والمأمول (مركز الجامعة الإسلامية بالنيجر للمخطوطات نموذجا). د. علي يعقوب، بحث مقدم إلى الملتقى الدولي الأول: حول المخطوطات الجزائرية في غرب إفريقيا بجامعة أدرار، الجزائر من 3ـ 4 ديسمبر 2013م.
  3. فهرس المخطوطات العربية المودعة بقسم المخطوطات بمكتبة الجامعة الإسلامية بالنيجر، بشير عثمان أحمد، (حوليات الجامعة الإسلامية بالنيجر، العدد:1، 1994م)،
  4. فهرس المخطوطات الموجودة بمعهد الأبحاث في العلوم الإنسانية، النيجر(المقدمة)، مولاي حسن.
  5. المخطوطات العربية في إفريقيا نموذجا، سالو حسن، الوعي الإسلامي، مجلة كوتية تصدر عن وزارة الأوقاف.
  6. المخطوطات العربية في غرب إفريقيا وحمايتها القانونية، سالو حسن، 13/09/2011م، مجلة الثقافة الجزائرية.
  7. المخطوطات العربية في النيجر /http://www.marefa.org
  8. معجم الرائد،
  9. معجم الغني، عبد الغني أبو العزم
  10. المعجم الوسيط،

 

كلمات مفتاحية :