التقرير العام لندوة قول العلماء في الثوابت الدينية المغربية الإفريقية

التقرير العام لندوة قول العلماء في الثوابت الدينية المغربية الإفريقية

الأستاذ إدريس الفاسي الفهري نائب رئيس جامعة القرويين بفاس
الأستاذ إدريس الفاسي الفهري نائب رئيس جامعة القرويين بفاس

 

ألقيت هذه المداخلة خلال الندوة العلمية الدولية التي نظمها، بفاس، موقع الثوابت الدينية المغربية الإفريقية بالتعاون مع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع “قول العلماء في الثوابت الدينية المغربية الإفريقية”، يومي السبت والأحد 25 و26 ذي القعدة 1443هـ الموافق لـ 25 و26 يونيو 2022م.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.

وبعد،

عقد موقع الثوابت الدينية المغربية بتعاون مع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ندوة علمية دولية حظيت بمشاركة واسعة من العلماء المغاربة ونظرائهم القادمين مما يزيد عن ثلاثين دولة إفريقية، وذلك يومي 25 و 26 من ذي القعدة 1443هـ الموافق 25 و 26 يونيو 2022م بفاس لتدارس موضوع: «قول العلماء في الثوابت الدينية المغربية»، وقد انتظمت الندوة في جلسات ست: جلسة افتتاحية، وأربع جلسات علمية، وجلسة ختامية:

تضمنت الجلسة الافتتاحية: ست كلمات:

الكلمة الأولى: لمعالي السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الرئيس المنتدب لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة الأستاذ الجليل الدكتور أحمد التوفيق، الذي تناول في كلمته:

السياق الوطني والدولي للعناية بالثوابت الدينية للمملكة المغربية.

التأكيد على دور العلماء في حمايتها والدفاع عنها وتبليغها والإقناع بأهدافها ومقاصدها.

أهمية هذه الثوابت في ماضي المغاربة وحاضرهم ومستقبلهم، منوها إلى أن ثابت إمارة المومنين هو الضامن لباقي الثوابت باعتبار البيعة عقدا اجتماعيا قائما على استقرار المشروعية مقابل القيام بمصالح الدين والدنيا وهي  الضروريات المعبر عن مجموعها بالكليات الشرعية.

الإفادة بأن قيم التزكية والوسطية والاعتدال والتوازن الروحي التي يوفرها التصوف، هو ما عبرت الحضارة الغربية من خلال عدد من مفكريها على حاجتها إلى توفيره ونشره والتشبع منه.

التأكيد على أن بيان قول العلماء في هذه الثوابت واجب شرعي من شأنه تحصين الأمة وإكسابها المناعة التي تدفع عنها ما قد يلحقها من مفسدة الخروج عن الجماعة.

التذكير بأن الغاية الكبرى من حرص العلماء على بث قيم الإسلام هي سعادة الإنسان وتحقيق الحياة الطيبة لنوعه.

كما بين معاليه خلال كلمته التوجيهية أن جهود العلماء المبذولة في تجلية هذه الثوابت وبيان أقوال العلماء فيها هو مما يندرج في درء المفاسد الناجمة عن تضييعها، وأن من وراء ذلك غايات تتعلق بجلب المصالح التي تقتضيها التنمية والرقي المنشود.

وأكد في ختام كلمته على أن ما يهم علماء المغرب من شرح ثوابت الأمة هو نفسه ما يهم علماء البلدان الإفريقية، مع مراعاة ما لهذه البلدان من خصوصيات، وعلى الأخص منها: التعدد الديني والمذهبي.

الكلمة الثانية: لصاحب الفضيلة سمو أمير ولاية «كانو» بجمهورية نيجيريا الاتحادية، عبر فيها عن:

اعتزازه بالعلاقة المتميزة بين المغرب ونيجيريا مشيرا إلى أن ولاية «كانو» فيها عدد كبير من المسلمين يتجاوز العشرين مليونا تمثل علماءَهم مؤسستان هما: مجلس أئمة المساجد ومجلس العلماء، ولهما الكلمة الحاسمة في أمور الدين.

التنويه بدور أمير المومنين الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خدمة الدين الإسلامي بالقارة الإفريقية، وأنه مرجع المسلمين في خدمة الدين الإسلامي الحنيف.

التعبير عن سعادته بتمثيل إمارة «كانو» في هذه الندوة العلمية المباركة.

الكلمة الثالثة: للسيد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، فضيلة الأستاذ الدكتور  محمد يسف، باسم العلماء المغاربة وقد جاء فيها:

التنويه بهذه الندوة العلمية وبموضوعها ومكان تنظيمها تحت ظلال إمارة المومنين وجامعة القرويين ومشيخة الطرق الصوفية، كما نوه بالعلاقة الروحية التي تجمع المملكة المغربية بالبلدان الإفريقية.

التأكيد على واجبات العلماء الأفارقة نحو كل ما يحقق سعادة الإنسان وبناء عالم يسوده الأمن والاستقرار والمحبة والاطمئنان.

التنويه بدور علماء المغرب في تعزيز الثوابت الدينية، باعتبارهم حماة الدين من الزيغ والتطرف والانحراف.

التأكيد على أهمية إمارة المومنين التي بفضلها ينعقد هذا اللقاء العلمي بين علماء المغرب وعلماء إفريقيا لمدارسة أمور الدين وقيمه السمحة والعمل على إشاعتها في المجتمع.

وأكد في الأخير على ضرورة بث قيم هذا الدين على وفق ما ترسخ من هذه الثوابت في أخلاقنا وحياتنا اليومية لتنهض هذه الأمة وتتبوأ أعلى المقامات، وذلك لا يتم إلا من خلال العلماء المتنورين في المغرب وإفريقيا على حد سواء.

الكلمة الرابعة: للشيخ محمد السيد الخير أبو القاسم، رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية السودان باسم العلماء الأفارقة، وقد أكد فيها على:

شكره وتقديره باسم العلماء الأفارقة لأمير المومنين جلالة الملك محمد السادس على ما يقوم به من أعمال جليلة لفائدة القارة الإفريقية، وما هذه المؤسسة الرائدة إلا أكبر دليل على ذلك.

أهمية الروابط الدينية والحضارية التي تجمع المملكة المغربية بالبلدان الإفريقية ودور العلماء في الحفاظ عليها.

ضرورة تجلية الثوابت الدينية وحمايتها من عبث العابثين بما يقتضيه ذلك من تكاثف الجهود في إطار مؤسسات رسمية مثل مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة وفروعها في مختلف البلدان الإفريقية.

وعبر في الأخير عن شكره للجهات المنظمة لهذه الندوة العلمية التي من شأنها أن تقوي الأواصر والروابط بين البلدان الإفريقية.

الكلمة الخامسة: لرئيس جامعة القرويين فضيلة الأستاذ الدكتور أمال جلال، والتي تضمنت:

التنويه بروابط الندوة بجامعة القرويين بصفتها أقدم جامعة في العالم، وبما أسسته من أعراف جامعة متميزة.

التذكير بالدور الكبير لجامعة القرويين عبر التاريخ في ترسيخ الثوابت الدينية في المغرب وإفريقيا، من خلال الإنتاج العلمي لرجالاتها في تشكُّل تلكم الثوابت وتمثُّلها عبر قرون متطاولة.

التأكيد على دور جامعة القرويين في خدمة العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف الجنيدي من خلال ما أنتجه علماؤها من مصنفات، وأن المغرب عموما كان عبر تاريخه حاضنا للتصوف زاخرا بالعلماء الصلحاء المصلحين والشيوخ المربين، والتذكير بمكانة علماء جامعة القرويين مشرقا ومغربا في تاريخ التصوف.

وخلص  إلى أن إمارة المومنين هي الركن الأعظم الذي يحفظ باقي الثوابت الدينية للمملكة المغربية وإفريقيا.

الكلمة السادسة: لمدير موقع الثوابت الدينية المغربية، الأستاذ عبد الحميد العلمي الذي أكد على: السياق العام والخاص لإنشاء موقع الثوابت الدينية المغربية، ثم قدم تعريفا شاملا بالموقع من خلال عرض أهدافه ووسائله ونوافذه التي تتمثل في إمارة المؤمنين، والعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني، بالإضافة إلى نوافذ البعد الإفريقي والدولي، والخطب الملكية والظهائر الشريفة والرسائل، والمحاضرات والحوارات والوثائق المغربية والأجنبية ومكتبة الموقع ومجلته، مؤكدا على أن كل ذلك ما كان ليتحقق لولا جهود مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أيده الله، ونصره، الذي ما فتئ يرعى ما ولاه الله إياه من أمر حراسة الدين وسياسة شؤون المسلمين.

وأما الجلسة العلمية الأولى: فقد خصصت للثابت الديني الأول من ثوابت المملكة الذي هو مؤسسة: (إمارة المومنين)

وقد اشتملت على خمس مداخلات تناولت:

التعريف بإمارة المؤمنين وتاريخها في بلدنا الأمين، من خلال مقالات عدد من علماء المسلمين

البيعة الشرعية ومقاصدها الدينية والدنيوية، وأنها أساس الاستقرار والاستمرار، والحصن الحصين للوطن والدين.

تعلق أهل الصحراء بالبيعة الشرعية لسلاطين المغرب منذ عهد الأدارسة مرورا بالمرابطين والموحدين فالمرينيين وصولا إلى الشرفاء العلويين من خلال بيعة علمائها وصلحائها وشيوخها ورجال الزوايا والتصوف وهو ما توثقه الظهائر السلطانية والرسائل المحفوظة في مختلف الخزائن التراثية.

امتداد ظلال مؤسسة إمارة المؤمنين في إفريقيا جنوب الصحراء، عبر تاريخ هذه المؤسسة الأصيلة بالمغرب.

رعاية إمارة المؤمنين المتلاحقة للعمق الإفريقي عن طريق إحياء معالم الدين في أنحاء هذه القارة، والحفاظ على نقائه ووسطيته بمختلف الوسائل والتي من أهمها: استقبال بعثات العلماء الأفارقة بالمملكة، وابتعاث العلماء المغاربة إلى ربوع القارة الإفريقية.

التأكيد على وجوب طاعة ولي الأمر وأن طاعته من طاعة الله.

رسوخ مؤسسة إمارة المؤمنين ضمن ثوابت الدولة المغربية، وحفاظها على أسسها المتينة، ومواكبتها للتطورات المجتمعية.

وأما الجلسة العلمية الثانية: فقد تمحورت حول الثابت الثاني الذي هو: (العقيدة الأشعرية)

وركزت العروض التي قدمت في هذه الجلسة على ما يلي:

تأكيد مركزية العقيدة الأشعرية في بناء الثوابت المغربية، نظرا لاستنادها إلى أصل الإيمان الملهم والمغذي لسائر العلوم والمعارف، وجمعها بين كل من النظر والاستدلال العقلي، والاستمداد النقلي والالتزام السلوكي العملي.

التداخل والارتباط بين العقيدة والفقه والسلوك، من خلال التكامل والارتباط المتين بين ما هو إيماني تصديقي، وما هو عملي سلوكي وما هو روحي شهودي.

إبراز جهود العلماء المغاربة في المساجلات المرتبطة بمختلف تفصيلات العقيدة الأشعرية من خلال الرحلات العلمية.

إسهام العقيدة الأشعرية في تحصين الأمة من الوقوع في براثن الغلو والانحراف بما تؤسسه من معالم الوسطية، ونبذ التكفير والتدابر.

أصالة المذهب الأشعري واعتصامه بالكتاب والسنة وفهم السلف.

إبراز تعلق المالكية بالمذهب الأشعري وإسهامهم في تطويره ونشره.

التأكيد على التكامل والانسجام بين العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي في الأصول والفروع والمنهج.

أما الجلسة العلمية الثالثة: فقد خصصت للحديث عن الثابت الفقهي والذي يتمثل في: (المذهب المالكي)

قدم العلماء المشاركون فيها مجموعة من البحوث العلمية أجادت وأفادت في بيان:

مدلول أصول المذهب المالكي، وأهميتها وآثارها على وحدة المجتمع المغربي.

خصوصيات المذهب المالكي باعتباره ثابتا من ثوابت المملكة المغربية الشريفة.

مفهوم النص الديني الشامل للدليل اللفظي من الكتاب والسنة ولما استنبط منه من الأحكام الشرعية العملية وفق منهج إمام دار الهجرة.

صلة المذهب المالكي بالواقع والعوامل التي ينبغي أن تراعى في الفتوى والتنزيل.

الآثار الإيجابية للمذهب المالكي على القارة الإفريقية، مثل: الوحدة الفكرية، الوسطية والاعتدال والانفتاح على الآخر والتعايش السلمي معه.

التحام التمذهب للإمام مالك رحمه الله والأخذ بقراءة نافع لدى المغاربة واندراجها ضمن لوازم المذهب المالكي.

إسهام فقهاء المذهب في ترسيخ القيم الوطنية داخل المجتمع.

بيان أثر الفقهاء في حماية الوحدة الوطنية بالمملكة المغربية وصيانتها من التشرذم والانحراف.

وخصصت الجلسة العلمية الرابعة: للثابت الرابع من ثوابت البلاد المتمثل في: (التصوف السني)

حيث ركز المتدخلون في هذه الجلسة على القضايا الآتية:

شرف علم التصوف ومكانته العالية بين علوم الإسلام.

اهتمام علماء المغرب وصالحيه وأوليائه وأمرائه وخواصه وعوامه بالتصوف اعتقادا وسلوكا وتأليفا وإبداعا.

أهمية التصوف في تحقيق الأمن الروحي والأمان النفسي والرخاء الاجتماعي للأمة.

إسهام التصوف في حفظ الثوابت الدينية وتعزيز الرأسمال اللامادي للأمة المغربية.

المملكة المغربية هي مركز الإشعاع الصوفي عبر التاريخ بامتياز.

اعتزاز المغاربة بالموروث الصوفي الذي جرى عملهم عليه في الماضي والحاضر.

اعتبار القيم الصوفية من أهم دعامات التبادل والتشارك روحيا وحضاريا.

أهمية الروابط الصوفية في تعزيز تماسك المجتمع المغربي ولحمة الأخوة مع الأشقاء الأفارقة.

العناية بالأفق الجمالِي الروحي للتصوف وإسهامه في ترسيخ الثوابت الدينية المغربية.

أهمية دراسة التصوف السني بإفريقيا وأثره في ترشيد السلوك وتعزيز السلم والاستقرار والعيش المشترك.

وقد حظيت الندوة باستضافة جمع حفيل جليل من العلماء والباحثين كما حظيت باهتمام ومواكبة إعلامية متميزة.

وقد اختتمت هذه الندوة المباركة وفق البرنامج المعلن مساء الأحد 26 ذي القعدة 1443هـ الموافق لـ 26 يونيو 2022م بجلسة ختامية يعرض فيها هذا التقرير العام عن أعمالها، ثم البيان الختامي وتوصيات الندوة، والاستماع لثلاث كلمات: الأولى باسم علماء المغرب، والثانية باسم العلماء الأفارقة، والثالثة باسم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة.

وأخيرا كلمة ختامية جامعة للسيد الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة الأستاذ الدكتور سيدي محمد رفقي باسم المؤسسة.

نسأل الله تعالى أن يجعل ثوابها في صحيفة مولانا أمير المومنين وحامي حمى الملة والدين، جلالة الملك سيدي محمد السادس نصره الله وأيده، وأن يقر عين جلالته بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وصنوه السعيد مولاي رشيد وسائر أسرته الملكية الشريفة.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

 

كلمات مفتاحية : ,