يأتي مشروع «مجمع المفتين الأفارقة» في سياق العناية المتزايدة بقضية الفتوى الشرعية في القارة الإفريقية، في ظل ما تشهده الساحة الدينية من تعدد مصادر الإفتاء، وتسارع النوازل، وتداخل المرجعيات الفقهية، وتنوع الأعراف والثقافات، وهو ما أفضى في كثير من الأحيان إلى التباس في تنزيل الأحكام الشرعية واختلال في ميزان ومقاصد الفتوى.

وانطلاقا من التوجيهات السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الداعية إلى تفعيل سبل التواصل بين علماء المغرب وباقي البلدان الإفريقية، وتعزيز التداول في قضايا فقه الواقع وعلاقته بالفتاوى الشرعية، فقد دعا جلالته حفظه الله، في الرسالة المولوية الموجهة إلى المشاركين في ندوة «ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي»، التي انعقدت بمدينة مراكش أيام 8 و9 و10 يوليوز 2023م، إلى توجيه أنظار المفتين الأفارقة نحو التشاور في أمور الفتوى، والاستعانة بما هو متاح من المستجدات التواصلية والتقنية الحديثة.

ووعيا من مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بأهمية هذه التوجيهات الملكية السامية، وسعيا منها إلى توحيد كلمة العلماء، وترسيخ منهج الاعتدال والوسطية، تم اقتراح إحداث منصة إلكترونية متخصصة في شؤون الفتوى تحت مسمى «مجمع المفتين الأفارقة» تكون إطارا علميا مؤسسيا جامعا للتشاور، وتبادل الخبرات، وضبط وظيفة الإفتاء في السياق الإفريقي.

ويهدف المشروع إلى إبراز مكانة الفتوى في الشريعة الإسلامية، وتفعيل قنوات التواصل بين المفتين، وتسييج الفتاوى بالضوابط العلمية والموضوعية، وترشيد توظيف الوسائط الرقمية والذكاء الاصطناعي في خدمة الفتوى الشرعية، بما يسهم في صيانة الدين، وحفظ المصالح، والحد من مظاهر الغلو والتسيب في القول على الله بغير علم.

كما يسعى المجمع إلى التعريف بتراث الإفتاء في القارة الإفريقية، ومواكبة النوازل المعاصرة، ونشر مؤلفات الفتوى، وإحداث هيئة علمية إفريقية تعنى بشؤون الإفتاء، وتعمل على تعزيز التكامل العلمي والتنسيق المؤسسي بين علماء القارة.

ويراعي المجمع في أجوبة المفتين خصوصيات كل بلد إفريقي، بحسب المذاهب الفقهية المعتمدة فيه، وأعرافه الفقهية، ومكوناته الثقافية والاجتماعية، بما يحقق تنزيل الأحكام الشرعية تنزيلا حكيما يوازن بين الثوابت الدينية ومتطلبات الواقع المحلي.

وتتضمن المنصة نوافذ علمية متعددة، تشمل التعريف بالفتوى ومكانتها، وتبادل الخبرات بين العلماء، وعرض الدراسات والأبحاث المتخصصة، وإعداد دليل للفتاوى الشرعية بالبلدان الإفريقية، واستقبال أسئلة المستفتين والإجابة عنها من طرف المفتين من البلدان الإفريقية ونظرائهم من علماء المغرب، إضافة إلى التعريف بالأعلام والمصادر العلمية في مجال الإفتاء بالقارة الإفريقية.

ويرتقب أن يشكل مشروع «مجمع المفتين الأفارقة» إضافة نوعية للعمل الديني المشترك في إفريقيا، وأداة مؤسسية لتعزيز الفتوى القائمة على العلم، والاعتدال، ومراعاة الخصوصيات، بما يسهم في خدمة الإسلام والمسلمين، وترسيخ الأمن الروحي والفكري في القارة الإفريقية.