المذهب الأشعري: أساسياته ومقاصده

المذهب الأشعري: أساسياته ومقاصده

أساسيات المذهب الأشعري ومقاصده

تعالج هذه الورقة العلمية أساسيات المذهب الأشعري ومقاصده، في مجال الاشتغال العقدي الإسلامي، وكذا التعريف بالإمام أبي الحسن الأشعري (ت324هـ) باعتباره رائداً روحيا لجمهور المسلمين، ومجدداً في مجال الاشتغال العقدي الإسلامي على رأس المائة الثالثة، وهو الذي دون علم التوحيد، وهذب مطالبه، ونقح مشاربه، فهو إمام أهل السنة غير مدافع.[1]

التعريف بالإمام أبي الحسن الأشعري

لقد ظهر الإمام أبو الحسن الأشعري –رحمه الله- في وقت رفعت فيه بعض الفرق الكلامية رؤوسها “فجحرهم في أقماع السمسم، وكان مؤتما بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، متمسكا بالدلائل العقلية والشواهد السمعية، وإذا تأملت كتب الحديث المتفق على صحتها كموطأ مالك رحمه الله وصحيحي البخاري ومسلم وجدته ناطقا عنهما وناقلا منهما لم يأت برأي ابتدعه ولا مذهب اخترعه، وسبيله في بسط القول في مسائل الأصول كسبيل مالك -رحمه الله- وغيره من الفقهاء فيما بسطوا القول فيه من مسائل الفروع”..[2]

وقد أصبح المذهب الأشعري مرجعا أساسا لحفظ عقائد المسلمين، والرد على المحالفين، يقول الإمام القاضي عياض في ترجمته للإمام أبي الحسن الأشعري:” وصنف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى، ورؤيته، وقدم كلامه، وقدرته، وأمور السمع الواردة من الصراط والميزان والشفاعة والحوض وفتنة القبر التي نفت المعتزلة، وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة ودفع شبه المبتدعة…”[3]

وهناك نص أخر للقاضي عياض يؤكد فيه هذه الحقيقة التي لا تترك مجالا للشك في كون الإمام أبي الحسن الأشعري ظل وفيا لمذاهب أهل السنة والجماعة في مجال الاشتغال العقدي، يتعلمون علي يديه أساليب الدفاع عن العقائد الدينية. حتى أصبح مصطلح الأشعرية مرادفا لمصطلح أهل السنة.

يقول القاضي عياض: “… فلما كثرت تواليفه – الإمام الأشعري- وانتفع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذبه عن السنن والدين، تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه لتعلم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة في نصرة الملة فسموا باسمه وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعرفوا بذلك وإنما كانوا يعرفون قبل ذلك بالمثبتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة، إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه… فكذلك أبو الحسن، فأهل السنة من المشرق والمغرب بحججه يحتجون، وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقه”.[4]

نصرته لعقائد أهل السنة والجماعة

لقد كرس الإمام أبو الحسن الأشعري حياته لنصرة عقائد أهل السنة والجماعة بأدلة عقلية ومنطقية تستند إلى ما قرره الشرع الحكيم. وقد التزم أنه” معتزم إظهار معايب المعتزلة وفضائحهم”

وفي هذا الصدد يقول عبد الرحمن بن خلدون: “وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري إمام المتكلمين فتوسط بين الطرق ونفى التشبيه، وأثبت الصفات المعنوية، وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف، وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه فأثبت الصفات الأربع المعنوية والسمع والبصر والكلام القائم بالنفس بطرق النقل والعقل ورد على المبتدعة في ذلك كله”. [5]

وقد أصبح للمذهب الأشعري السيادة على أتباع المذاهب الفقهية في العالم الإسلامي، وتيسر له الانتشار والانتصار بفضل المنهج الوسطي الذي سلكه صاحب المذهب، فضلا عن اعتناق كبار العلماء لمذهبه من مختلف فروع الثقافة الإسلامية.

وبهذه الوسطية التي أضحت سمة بارزة في المذهب الأشعري عموما استطاع هذا المذهب أن يصمد أمام مختلف التيارات الفكرية التي عرفتها الحياة الإسلامية ووجد طريقه للانتشار بين مختلف أقطار العالم الإسلامي.

إن اعتبار جميع أهل القبلة مسلمين لا يجوز تكفيرهم، وهذا أصل مهم عند الإمام أبي الحسن الأشعري، ثم الإعلان عن تصويب المجتهدين في الفروع، وهو من جو إشهاده على أنه لا يكفر أحدا من أهل القبلة أيضا، إضافة إلى مسألة تكافئ الأدلة التي تعني الاعتراف بقدر من الصواب في كل طرف من الطرفين المتقابلين يصححه التوسط الذي هو أساس المذهب الأشعري يجعل هذا المذهب الذي يمثل قمة التسامح الديني بإعلانه عن هذه المبادئ الأساسية منسجما تماما مع حياتنا الدينية المعاصرة وينفعها أجل النفع.[6]

لقد حظي الإمام أبو الحسن الأشعري – رحمه الله- بتقدير جميع العلماء، من مختلف فروع الثقافة الإسلامية، والمذاهب الفقهية، وذلك لمكانة هذا الإمام المجدد الذي يعتبر بحق رائدا في مجال الاشتغال العقدي الإسلامي على طريقة أهل السنة.

انتشار المذهب الأشعري

لقد أصبح للمذهب الأشعري السيادة على أتباع المذاهب الفقهية الأكثر انتشارا في العالم الإسلامي، وتيسر له الانتشار والانتصار بفضل المنهج الوسطي الذي سلكه صاحب المذهب الإمام أبو الحسن الأشعري، فضلا عن اعتناق كبار العلماء له من مختلف فروع الثقافة الإسلامية.

لقد انتشر المذهب الأشعري في مختلف أقطار العالم الإسلامي، فانتشر في العراق في نحو سنة 680هـ ومنه إلى الشام، وفي مصر على يد السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وفي المغرب انتشر المذهب الأشعري على يد عبد الله محمد بن تومرت، وإن كان المغاربة قد عرفوا هذا المذهب السني على عهد المرابطين.

وفي هذا الصدد يقول المقريزي:”فانتشر مذهب أبي الحسن الأشعري في العراق في نحو سنة ثمانين وثلاثمائة، وانتقل منه إلى الشام ، فلما ملك السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ديار مصر كان هو وقاضيه صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس الماراني على هذا المذهب قد نشأ عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمد بن زنكي بدمشق وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري وصار يحفظها صغار أولاده فلذلك عقدوا الخناصر وشدوا البنان على مذهب الأشعري وحملوا في أيام دولتهم كافة الناس على التزامه فتمادى الحال على ذلك جميع الملوك من بني أيوب ثم في أيام مواليهم من الملوك من الأتراك واتفق مع ذلك توجه أبي عبد الله محمد بن تومرت أحد رجالات المغرب إلى العراق وأخذ عن أبي حامد الغزالي مذهب الأشعري، فلما عاد إلى بلاد المغرب وقام في المصامدة يفقههم ويعلمهم وضع لهم عقيدة تلقفها عنه عامتهم ثم مات فخلفه بعد موته عبد المومن بن علي القيسي وتلقب بأمير المؤمنين وغلب على ممالك المغرب هو وأولاده من بعده، مدة سنين وتسموا بالموحدين تستبيح دماء من خالف عقيدة ابن تومرت … فكان هذا هو السبب في انتشار مذهب الأشعري وانتشاره في أمصار الإسلام، بحيث نسي غيره من المذاهب وجهل حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه إلا أن يكون مذهب الحنابلة أتباع الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه، فإنهم كانوا على ما كان عليه السلف لا يرون تأويل ما ورد من الصفات .[7]

وقد اشتهر أئمة المذهب الأشعري باسم “الصفاتية” وهذا المصطلح سيصبح فيما بعد علما على حركة الأشاعرة الذين حملوا لواء هذا الفكر، بعد انحياز الإمام الأشعري إلى طائفة أهل السنة والجماعة على قاعدة كلامية، فأيد مقالاتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهبا لأهل السنة والجماعة، كما أصبح حلقة ذهبية تصل الخلف بالسلف.[8]

المذهب الأشعري والصوفية

لقد انتشرت العقيدة الأشعرية بوصفها عقيدة سنية تمتاز بالوسطية والاعتدال في العالم الإسلامي، حيث تلقتها الأمَّة بقبول حسن، ومزجت بين علم التصوف الذي جعل منها عقيدة عملية بعد تأثر صاحب المذهب بالإمام أبي عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي (ت243ﻫ) أحد أعلام الصوفية وأعلم العارفين في زمانه؛ وأستاذ السائرين [9] الذي تتلمذ على يديه الإمام أبو القاسم الجنيد بن محمد (ت297ﻫ) سيد الطائفة، ومقدم الجماعة، وشيخ صوفية بغداد، وأحد أعلام التصوف على الإطلاق وهو من أئمة التصوف السني القائم على نصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة، وقد أثر عنه قوله:”الطريق إلى الله مسدود إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم”.[10]

وقوله أيضا: “علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به.[11]

وقد اعتبر الإمام أبو منصور عبد القاهر البغدادي الصوفية من جملة أصناف أهل السنة والجماعة، فبعد أن تحدث عن علماء العقيدة والفقهاء والمحدثين وعلماء اللغة وعلماء القراءات ذكر الصوفية فقال:” والصنف السادس منهم، -أي من أهل السنة والجماعة- الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختبروا فاعتبرو، ورضوا بالمقدور، وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك مسؤول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدوا خير الإعداد، ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقي العبارة والإشارة على سمت أهل الحديث، دون من يشتري لهو الحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينهم التوحيد، ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويض إلى الله تعالى، والتوكل عليه، والتسليم لأمره، والقناعة بما رزقوا، والأغراض عن الاعتراض عليه.[12]

ولهذا السبب نجد تلك الصلة الوثيقة بين العقيدة الأشعرية السنية، وطريقة الإمام الجنيد -رحمه الله- في تقويم السلوك، والفقه المالكي عموما. وهذه المنظومة المتكاملة: العقيدة والتصوف والمعاملات، هي قوام الإسلام وأساسه، وهي كلها تصدر عن الشرع الحكيم المتمثل في الوحي المنزل: القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة.

لقد استطاع الإمام أبو الحسن الأشعري بمنهجه الوسطي الذي استعمله في الدفاع عن عقائد أهل السنة والجماعة أن يتدرج بمفكري هذه العقائد من مستوى النظرة الضيقة للنصوص العقدية أو القراءة الحرفية لتلك النصوص والتي تنتهي حتما إلى إقرار عقيدة التشبيه والتجسيم المرفوضة إسلاميا؛ إلى مستوى سامي من التفكير العقلاني الذي يحقق التنزيه المطلق.

ولقد قام أئمة المذهب الأشعري بدور بارز في التأسيس للفكر السني العقلاني الذي كان يقوم بمهمتين أساسيتين:

  • الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة بأسلحة من الأدلة العقلية والمنطقية، ومناظرة مختلف التيارات الكلامية التي استعملت نفس الأدوات.
  • التدليل على قضايا أصول الدين في أسلوب يحقق مبدأ الإتباع والانتفاع في نطاق التأويل التفصيلي للنصوص الشرعية الموهمة للتشبيه.

مقاصد علم التوحيد حسب المذهب الأشعري

أما مقاصد علم التوحيد على الطريقة الأشعرية فيمكن إجمالها في الآتي:

  • الترقي من حضيض التقليد إلى ذروة الإيقان، إذ من شروط المعرفة العقدية: الجزم، والمطابقة للواقع، وكونها ناشئة عن دليل.
  • القيام بفرض مجمع عليه وهو معرفة الله تعالى بصفاته الواجب ثبوتها له مع تنزيهه عما يستحيل اتصافه به، والتصديق برسله على وجه اليقين الذي تطمئن به النفس اعتمادا على الدليل لا استرسالا مع التقليد.
  • إرشاد المسترشدين بإيضاح المحجة، وإلزام المعاندين بإقامة الحجة.
  • حفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها شبه المبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين.
  • أن هذا العلم الشريف يبنى عليه العلوم الشرعية فإنه أساسها ومرجعها.
  • تصحيح النية والاعتقاد. إذ به يرجى قبول العمل وغاية ذلك كله الفوز بسعادة الدارين.[13]
  • أن العلوم الشرعية كلها مفترقة إليه، ومتوقفة في تحققها عليه [14]. وقد سمي هذا العلم الشريف بأصول الدين لأن الدين ينبني عليه، “فإن التعبد فرع وجود الإيمان، حتى إن مضمونه من معرفة الله تعالى هو المقصود بالذات، على التحقيق.[15]

خاتمة

بعد هذا العرض المقتضب لأساسيات المذهب الأشعري ومقاصده أخلص إلى النتائج الآتية:

أولا: يعتبر المذهب الأشعري من أقوى المذاهب الكلامية السنية، باعتباره –كما يستنتج أحد الدارسين- من أقوى مدارس الفكر الفلسفي الإسلامي، تضم أقوى الشخصيات، وتتمتع بأخصب الآراء…[16]

كما يعد هذا المذهب السني الجماعي استئنافا للنظر العقلي المسدد بالشرع، ومؤسسا لمنطق الاعتقاد الإسلامي الذي يستمد مادته من القرآن الكريم ومن السنة النبوية المطهرة كما نستنتج نحن.

ثانيا: لقد انتصر أئمة المذهب الأشعري في مبحث التوحيد لمعتقد السلف الصالح، القائم على الإثبات المفصل والمجمل للصفات على خلاف اتجاهات كلامية أخرى، اختارت النفي مذهبا لها، أو سقطت في أوحال التشبيه والتجسيم.

ثالثا: لقد استعان أئمة المذهب الأشعري بالتأويل بوصفه أداة لتحقيق التنزيه في صورته الشرعية، ضدا على عقيدة التشبيه والتجسيم المرفوضة إسلاميا. كل ذلك في إطار التأويل التفصيلي للنصوص الموهمة للتشبيه، وفي احترام كامل لنصوص الشرع الحكيم.

رابعا: لقد توسط أئمة المذهب الأشعري في علاقة العقل بالنقل، مع الانتصار لمنطق الشرع، فبعد التسليم بكون العقائد الإيمانية الإسلامية ثابتة شرعا ابتداء، توسل أئمة المذهب الأشعري بالعقل للدفاع عن تلك العقائد، بمقتضى أن السمع لا يوجد المعرفة بل يوجبها كما يقول الشهرستاني.[17]

خامسا: لقد رفض أئمة المذهب الأشعري تكفير أهل القبلة من المسلمين، ومما أثر عن الإمام الأشعري رحمه الله كما يذكر زاهر بن خالد بن أحمد السرخسي قال: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل هذه القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد وإنما هذا كله اختلاف العبارات.[18]

وهذا المبدأ العقدي أصبح راسخا في المذهب الأشعري، حيث عظم على أئمته رمي خصومهم بالتكفير…ثم إن تحصيل هذا الأصل العقدي – عدم تكفير أهل القبلة من المسلمين- واستيعابه ضروري لمواجهة بعض التيارات الفكرية التي تعيد إنتاج فكر تكفيري تضليلي عدمي من حيث المنهج، تيئيسي من حيث الأبعاد والمضامين.

سادسا: لقد تميز المذهب الأشعري في مجال الاشتغال العقدي الإسلامي بوسطية تقوم على أساس التوفيق بين المذاهب الكلامية الإسلامية. وقد التزم أئمة المذهب الأشعري هذا المنهج الوسطي التوفيقي في عرض جميع عناصر العقيدة الإسلامية: الإلهيات والنبوات والسمعيات والإمامة العظمى.

سابعا: لقد أدرك أئمة المذهب الأشعري مكانة الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- ودورهم في حفظ الشريعة، وأن النيل منهم والطعن فيهم مدخل لهدم الدين من الداخل.

ومن ثم رأينا أئمة المذهب الأشعري يخصصون في آخر مؤلفاتهم العقدية مبحثا مهما لبيان عقيدة أهل السنة في الصحابة، وتدبير الخلاف الذي جرى بينهم، والدعوة إلى فهم ذلك في ضوء نصوص الشرع الحكيم، وفي نطاق استحضار قيم الاختلاف المحمود الناتج عن الاجتهاد الذي وصفوا به جميعهم، على أن الأسلم للدين عدم الخوض في شيء من ذلك. لأنه كما قال بعض المعتبرين:” تلك دماء طهر الله سيوفنا منها، أفلا نطهر ألسنتنا.[19]

ثامنا: من المقرر في المذهب الأشعري أن الإمامة العظمى هي خلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة. ومن ثم أوجب أئمة المذهب الأشعري على جميع أفراد الأمة طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه. يقول ابن أبي زيد القيرواني:”… والسمع والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم”.[20]

ويقول الإمام أبو جعفر الطحاوي:” ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو على أحد منهم، ولا ننزع يدا من طلعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزَّ وجلَّ، ما لم يأمروا بمعصية، ندعو لهم بالصلاح والنجاح والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة.[21]

وهذا المعتقد هو الذي أجمع عليه أهل السنة أصحاب الحديث. كما يذكر الإمام الأشعري وينتصر له.[22]

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين

قائمة المصادر والمراجع

——————————————————————————–

[1]  القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم، لأبي المواهب الحسن بن مسعود اليوسي، 171، تحقيق حماني اليوسي، مطبعة فضالة المحمدية، المملكة المغربية، الطبعة الثانية، شتنبر 2013

[2] عيون المناظرات للإمام اللسكوني، ص: 225.

[3] ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض،ج5 ص:24. تحقيق د. محمد بنشريفة، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

[4] ترتيب المدارك للقاضي عياض، ج5ص:25.

[5] مقدمة ابن خلدون، ج 3 ص:975.

[6] المجددون في الإسلام، أمين الخولي، بتصرف، ص: 130.

[7] المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المعروف بالخطط المقريزية، ج 2 ص:358، تأليف تقي الدين أبي العباس أحمد بن علي المقريزي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الثانية 1987.

[8] الملل والنحل، للشهرستاني، ج1ص:93.

[9] طبقات الشافعية، للإمام تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، ج2ص:37.

[10] طبقات الشافعية، للإمام تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، ج2ص:28.

[11] رسائل الجنيد، ص: 225. أنظر أيضا: طبقات الشافعية للسبكي، ج2 ص:37. والرسالة القشيرية في علم التصوف، للإمام عبد الكريم القشيري،ص: 430. والدور الثمين والمورد المعين، شرح الشيخ محمد بن أحمد الشهير بميارة لـمنظومة ابن عاشر، ج1 ص:14.

[12] الفرق بين الفرق، ص: 352

[13] أنظر: المواقف في علم الكلام للإيجي ص: 8. / شرح جوهرة التوحيد للباجوري، ص: 45/ رسالة التوحيد للشيخ محمد عبده، ص: 79.

[14] الإسعاد في شرح الإرشاد، المشتمل على قواعد الاعتقاد، لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك الجويني، تأليف الإمام عبد العزيز بن إبراهيم المعروف بابن بزيزة التونسي، ص: 46 تحقيق د.عبد الرزاق بسرور ود.عماد السهيلي، طبعة دار صادر، الكويت الطبعة الأولى1435هـ2014م

[15] القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم، لأبي المواهب الحسن بن مسعود اليوسي، 168، تحقيق حماني اليوسي، مطبعة فضالة المحمدية، المغرب، الطبعة الثانية شتنبر 2013

[16] نشأة الأشعرية وتطورها، د. جلال محمد موسى، ص: 459.

[17] الـملل والنحل للشهرستاني، ج 1ص:42.

[18]سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، ج 15ص:88.

[19] أبكار الأفكار في أصول الدين، للإمام سيف الدين الآمدي، ج5ص:295.

[20] رسالة ابن أبي زيد القيرواني باب ما تنطق به الألسنة و تعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

[21]العقيدة الطحاوية المسماة بيان السنة والجماعة.

[22] مقالات الإسلاميين واختلاف الـمصلين، للإمام الأشعري، ص: 295 عني بتصحيحه هلموت ريتر.

كلمات مفتاحية : ,