وسطية العقيدة الأشعرية وأثرها في صد النزغات المتطرفة

وسطية العقيدة الأشعرية وأثرها في صد النزغات المتطرفة

وسطية العقيدة الأشعرية وأثرها في صد النزغات المتطرفة - الأستاذ أحمد شاوف الجعفري
وسطية العقيدة الأشعرية وأثرها في صد النزغات المتطرفة – الأستاذ أحمد شاوف الجعفري*

إن الحمد لله نحمده، ونستعيـنه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ـ ﷺ. وشرف وعظم، وعلى آله وأصحابه والتابعيـن لهم بإحسان إلى يوم الديـن.

وبعد،

لقد كان المسلمون في عهد الرسالة وبداية عهد الخلفاء الراشديـن يشكـلون وحدة حقيقية، عقيدة وفكرًاً وجماعة، وإذا ظهر خلاف ما في الرأي، فسرعان ما يـنتهي إلى وفاق، بسبب الاحتكـام المباشر إلى الكتاب والسنة.

أما في أواخر عصر الخلفاء الراشديـن، فقد نشأت الفرق الإسلامية، وتبلورت أفكارها في العصور اللاحقة، وتعددت الفرق وتشعبت بتأثيـر كتب الفلسفة اليونانية والهندية التي تـرجمت إلى العربية، فأصبحت الفرق فرقاً متعددة، وانقسمت إلى فرق أقل غلواً وفرق غالية انحرفت كلياً عن طريق الإسلام.

ومن بيـن هذه الفرق ظهرت الأشاعرة[1]للتصدي للفلاسفة والباطنية والرافضة وغيـرهم، فكان لهم جهادهم المشكور.

ومعلوم أن الفكر الأشعري ظهر أول ما ظهر – بعد المشرق – في المدرسة السنية القيـروانية بتونس، ويعتبـر دراس بن إسماعيل[2] أول من أدخله إلى المغرب، ثم مر بعد ذلك بعدة مراحل قبل أن يصبح مذهبا رسميا للمغرب منذ القرن السادس الهجري وإلى يوم الناس هذا.

وقد عُرف المغاربة منذ الدولة الإدريسية، باستقرارهم السياسي، وتوجههم السني المعتدل، وخصوصا مع دخول المذهب المالكي، الذي وحد كلمتهم، وجمع صفّهم، ولم شتاتهم عبـر العصور، فتميزوا فيما بعد بوحدة العقيدة، والمذهب، والسلوك، كما عبـر عن ذلك الإمام عبد الواحد بن عاشر (تـ 1040هـ) في منظومته:

في عقد الأشعري وفقه مالك ** وفي طريقة الجنيد السالك

وهذه هي الثوابت والخصوصيات الديـنية التي ارتضاها المغاربة وأجمعوا عليها منذ قرون خلت. وقد أدرك الفقهاء المالكية أهمية ربط المذهب الفقهي المالكي بالجانب العقدي تحصيـنا لعقيدة الناس فصدروا بعض كتبهم بمباحث العقيدة، كرسالة ابن أبي زيد القيـرواني الملقب بمالك الصغيـر، ومقدمة منظومة ابن عاشر، وكتاب الجامع من الذخيـرة لشهاب الديـن القرافي[3].

لذلك اختار المغاربة الأشعرية باعتبارها مذهبا متكاملا، ومقوما من مقوماتهم الفكرية، يمتلك قدرة فائقة على التأسيس والإقناع والمناقشة، ولما لمسوه فيه أيضا من حفاظ على جوهر العقيدة، وحرص على درء التشبيه والتعطيل، ولما فيه من وسطية تتجاوز القراءة الحرفية للنصوص، كما تتجاوز التأويل البعيد الذي يصادر دلالة النص من غيـر داع ملجئ إليه[4].

وتمتاز العقيدة الأشعرية المباركة بميزات جليلة وخصائص عظيمة تظهر حسنها، وتبـرز كمالها وجمالها، ومن جملة هذه الخصائص الوسطية والشمولية والأصالة والواقعية واستمرار الفاعلية. فهي وسطية بيـن الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، والزيادة والنقصان، وأهلها أهل وسطية واعتدال، فهم الوسط في فرق الأمة، كما أن هذه الأمة هي الوسط في الأمم، قال تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمَّة وَسَطا لتَكُونوُاْ شُهَدَاءَ علىَ الَنَّاسِ وَيكونَ الرسُولُ عليْكُمْ شَهِيدا[5].

وهذا يدفعنا إلى طرح العديد من التساؤلات منها: ما هي مظاهر الوسطية في العقيدة الأشعرية؟

وما هي مظاهر التطرف العقدي لدى الفرق الكلامية الإسلامية؟ وما أثر العقيدة الأشعرية في الرد على النزغات المتطرفة؟ وغيـر ذلك من الأسئلة التي سيتم الإجابة عنها في صلب محاور هذا البحث.

أولا: الوسطية في العقيدة الأشعرية

لقد جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة بالتأكيد على لزوم التوسط والاعتدال ومجانبة طرفي الغلو والجفاء في جميع جوانب الديـن؛ قال تعالى:﴿ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً اِلَيٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ اَ۬لْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماٗ مَّحْسُوراًۖ[6]

وقال سبحانه: ﴿وَالذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَاماٗۖ﴾[7]، وقال عز وجل: ﴿وَاقْصِدْ فِے مَشْيِكَ﴾[8].

وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «القصد القصد تبلغوا»[9].أي: عليكم بالقصد من الأمور في الأقوال والأفعال، والقصد هو الوسط بيـن الطرفيـن. ومن مظاهر الوسطية في العقيدة الأشعرية ما يلي:

1. إقامة توازن وتكامل بيـن الأدلة الشرعية والأدلة العقلية

لقد حرص الإمام الأشعري رحمه الله، أثناء الاستدلال، على التمسك بالأدلة الشرعية، ثم يضيف إليها ما يساندها ويدعم ما تـرمي إليه، من الأدلة العقلية، ويظهر هذا فيما ذكره من الآراء في مؤلفاته: كالإبانة واللمع ورسالة أهل الثغر، بل إنه في بعض ما قدمه من الآراء كان يدعو إلى التـزام الأدلة الشرعية، وعدم التغافل عنها، طلبا للنجاة من الوقوع فيما وقع فيه أهل البدع من مفارقة الأدلة الشرعية، وموافقة طرق الفلاسفة، وقد بيـن في مواضع كثيـرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوضح لجميع من بعث إليهم من الفرق[10] فساد ما كانوا عليه بحجج الله وبيـناته، ودل على صحة ما دعاهم إليه ببـراهيـن الله وآياته، حتى لم يبق لأحد منهم شبهة فيه، ولا احتاج مع ما كان ﷺ في ذلك إلى زيادة من غيـره[11][12] ولا يحتاج المسلمون من بعده إلى استئناف أدلة غيـر الأدلة التي نبه النبي ﷺ عليها ودعا سائر أمته إلى تأملها؛ إذ كان من المستحيل أن يأتي في ذلك أحد بأهدى مما أتى به، أو يصلوا من ذلك إلى ما بعد عنه ﷺ[13].

وقد حرص الإمام الأشعري على التأكيد على أن أدلة القرآن والسنة أوضح دلالة من دلالة «الأعراض» التي اعتمد على الاستدلال بها الفلاسفة، ومن اتبعها من القدرية وأهل البدع، والمنحرفيـن عن الرسل عليهم السلام، أما أدلة الشرع التي يستند إليها أهل الحق والأصول التي تـرجع إليها فهي بـريئة من هذا الغموض وواضحة وبيـنة[14]، وفي هذا يقول أبو الحسن رحمه الله: «وأصول أهل الحق صحيحة، وحجج ملتنا واضحة، فالنظر فيها والتعقب لها يزيد المتعقب لها علما بصحتها وسرورا باعتقادها».[15]

 2. توحيد المذهب الأشعري للمذاهب الأخرى

إن حقيقة المذهب الأشعري والمذهب العقدي الذي يـرتكز عليه أنه: «لم يبدع رأيا، ولم يـنشئ مذهبا، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كان عليه صحابة رسول الله ﷺ، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريقة السلف نطاقا، وتمسك به وأقام الحجج والبـراهيـن عليه، فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريا…  وقد ذكر شيخ الإسلام عز الديـن بن عبد السلام أن عقيدته اجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية والفضلاء من الحنابلة»[16].

 3. وسطية العقيدة الأشعرية بيـن عقيدتيـن

لقد ظهر أبو الحسن كما هو معروف في فتـرة بلغ فيها الصراع المذهبي بيـن أنصار النقل من الفقهاء والمحدثيـن، وأنصار العقل من المعتـزلة وأضرابهم حدا كاد يعصف بوحدة المسلميـن السياسية والديـنية، فما كان منه رحمه الله إلا أن سلك طريقا وسطا بيـن الفريقيـن، فأقام مذهبه على منهج توفيقي يجمع بيـن العقل والنقل في تقريـر أصول العقيدة وتثبيت مسائلها، فلم يذهب كما ذهبت المعتـزلة إلى تمجيد العقل والإيمان بأن له سلطة لا تحد، وأن له الحكم على كل شيء، حتى فيما يتصل بالذات والصفات وما وراء الطبيعة من الأمور الغيبية، لأنه كان يؤمن بأن مصدر العقيدة هو الكتاب والسنة وليس العقل المجرد والقياسات الفاسدة.

وهذا هو مفتـرق الطرق بيـنه وبيـن المعتـزلة. فقد أدرك ـ رحمه الله ـ أن العقل مهما بلغت طاقته ودقة نظره لا يستطيع الحكم إلا فيما تحيط به مداركه من الأمور المحسوسة، أما مسائل العقيدة فأمور مجردة خارجة عن نطاق المحسوس ومدارك العقول، ومن تم فهي لا تعرف إلا عن طريق السمع، أي ما أخبـر به الكتاب والسنة.

وكما انتقد أبو الحسن مسلك المعتـزلة في التقيد بأحكام العقل وتقديمها على أحكام الكتاب والسنة، فقد عارض أيضا مسلك كثيـر من الفقهاء والمحدثيـن في التمسك بظواهر النصوص والجمود عليها، والإعراض عن كل المباحث العقلية والكلامية التي كان يثيـرها المعتـزلة وأضرابهم، معتقديـن أن الانتصار للديـن وحماية العقيدة من شبهات المخالفيـن، يستلزمان إنكار العقل وازدراءه والتقليل من شأنه، كما يستلزمان السكوت عن تلك المباحث بدعوى أنها تـزلزل العقيدة وتضعف الثقة بالديـن.

لقد عارض أبو الحسن هذه الطريقة، لأنها أصبحت بحكم تطور العصر واحتكاك المسلميـن بالديانات والثقافات الأجنبية عاجزة عن القيام بواجب الدفاع عن العقيدة الإسلامية وحمايتها من هجمات خصومها.

فقد كان العصر عصر الصراعات المذهبية الحادة، والتيارات الفكرية الجارفة، وكانت الأساليب المعتمدة في الحجج والمناظرة والحوار والإقناع هي الأساليب العقلية المبنية على القواعد المنطقية والمقدمات الفلسفية، كل ذلك دفع أبا الحسن رحمه الله إلى تجديد منهج أهل السنة ليكون قادرا على المواجهة، فأعاد للعقل اعتباره، وجعله عنصرا أساسيا من عناصر الاستدلال، وذم الجمود والتقليد واستحسن الخوض في المباحث العقلية والكلامية إذا قصد بها نصرة الديـن، وناقش الفلاسفة والمعتـزلة ورد على مذاهبهم، وأقام الحجج والبـراهيـن العقلية على صحة عقائد أهل السنة والجماعة، وأكد لخصومه أن العقل الصحيح لا يعارض النقل الصحيح بل يؤيده ويؤكده.[17]

ثانيا: مظاهر التطرف العقدي لدى الفرق العقدية الإسلامية.

يـراد بالتطرف مجاوزة الوسط في كل الأمور؛ في الاعتقاد والسلوك والآراء، ومجاوزة الوسط قد يكون أيضا بالتفريط والإهمال، فيولد الانحلال والتسيب، وقد يكون بالإفراط والغلو؛ فيـنتج عنه التطرف، وهذا التحديد الأولي له ارتباط قوي بالمدلول اللغوي لكلمة التطرف في أصلها الاشتقاقي، والجذر اللغوي «ط ر ف»؛ حيث نجد في لسان العرب أن «طرف كل شيء منتهاه»، ومعناه الوقوف في الطرف، وهو يقابل التوسط والاعتدال.[18]ومن مظاهر التطرف العقدي لدى الفرق العقدية الإسلامية ما يلي:

 1. على مستوى توحيد الذات والصفات

كانت مشكلة العلاقة بيـن الذات والصفات إحدى المشكلات الكلامية العويصة التي شغلت مفكري الإسلام منذ المراحل الأولى لعلم الكلام، فقد اختارت بعض التيارات الكلامية التعطيل والتبطيل مذهبا لها، كالجهمية والمعتـزلة والروافض الذيـن نادوا بنفي الصفات القديمة.

فالمعتـزلة[19] مثلا قد أوجز الشهرستاني كلامهم في الصفات فقال: (والذي يعم طائفة المعتـزلة القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف ذاته. ونفوا الصفات القديمة أصلا، فقالوا هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة. هي صفات قديمة، ومعان قائمة به، لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في الإلهية.

واتفقوا على أن كلامه محدث مخلوق في محل، وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه. فإن ما وجد في المحل عرض قد فني في الحال.

واتفقوا على أن الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاتها، ولكن اختلفوا في وجوه وجودها، ومحامل معانيها. واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، ونفي التشبيه عنه من كل وجه: جهة ومكانا، وصورة، وجسما، وتحيزا، وانتقالا، وزوالا، وتغيـرا، وتأثرا، وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها، وسموا هذا النمط: توحيدا.[20]

وفي المقابل قدمت بعض التيارات الكلامية كالحشوية[21] والمجسمة الذات الإلهية المقدسة في صورة مادية بحتة، تنتهي ضرورة إلى جعلها مشابهة لصفات المخلوق.

2. على مستوى الرؤية

ذهب التيار الحشوي إلى القول بأن الله يـرى مكيفا محدودا، شأنه شأن باقي المرئيات، في حيـن اختار التيار الاعتـزالي إنكار الرؤية من أساسها، وعمدة ما استدل به من المنقول قوله تعالى: «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبيـر»[22]، وذلك يدل كما قال القاضي عبد الجبار: «على أنه تعالى لا يجوز أن يـرى بالإبصار والعيون على وجه، في كل وقت، من غيـر تخصيص لأنه تعالى عم بالنفي».[23]

وذهب الزمخشري إلى أن قوله تعالى: «اللطيف» معناه: أنه تعالى يلطف عن أن تدركه الأبصار لتجرده وبساطته كمال وتمام التجرد والبساطة، «الخبيـر» أنه تعالى خبيـر بكل لطيف مهما لطف ودق. فهما قريـنة على أنه تعالى يدرك الأبصار، لا تلطف عن إدراكه، وهي لا تدركه للطفه.[24]

وقال القاضي عبد الجبار[25] في تأويل قوله تعالى: ﴿لِّلذِينَ أَحْسَنُواْ اُ۬لْحُسْن۪يٰ وَزِيَادَة﴾[26]: ربما تعلق به من يقول بجواز الرؤية على الله تعالى، ويـروي فيه ما يقوي تأويله، وليس للآية ظاهر، لأنه لم يذكر ما تلك الزيادة، فمن أيـن أن المراد بها ما قالوا؟ ولو قيل: إن ظاهره يدل على أن المراد بها من جنس الحسنى المتقدم ذكره الذي هو النعيم، لكان أقرب، لأن إطلاق هذه الكلمة بعد تقدم ذكر بعض الأمور يقتضي أن الزيادة من ذلك الباب بالتعارف إلا أن يمنع من دليل.

ولو كان المراد به الرؤية على مذهبهم لكانت الزيادة أعظم من الحسنى، ويوجب أن يكون تعالى يلتذ بالنظر إليه ويشتهي، فيكون ذلك من جملة النعيم واللذات، وهذا خروج من الديـن.[27]

3. على مستوى الفعل الإنساني

لقد ذهب الجهم بن صفوان[28]، وهو من الجبـرية الأوائل، موقفا سلبيا إزاء الأفعال الصادرة عن الإنسان، فقال: «إن العبد لا يقدر على شيء. فـهذا الفريق يؤمن بالقدر، وأن الله عالم بكل شيء، وخالق لكل شيء، ومريد لجميع الكائنات، ولكنهم زعموا أن كل ما خلقه الله وشاءه فقد رضيه وأحبه، وزعموا أنه لا حاجة بالعباد إلى العمل والأخذ بالأسباب، فما قدر لهم سيأتيهم، وزعموا أن العباد مجبورون على أفعالهم، فالإنسان عندهم ليست له قدرة تؤثر في الفعل، بل هو مع القدر كالريشة في مهب الريح، وكالساقط من قمة جبل شامخ إلى واد بعيد غوره، سحيق قعره، لا يملك وهو يتـردى فيه من أمره شيئا».[29]

وفي مقابل هؤلاء نجد القدرية[30] الذيـن يعتـرفون بأن الله خلق الإنسان مريدا، لكن يجعلونه مريدا بالقوة والقبول، أي قابلا لأن يـريد هذا ويـريد هذا، وأما كونه مريدا لهذا المعيـن، وهذا المعيـن، فهذا عندهم ليس مخلوقا[31].

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المعتـزلة أو الجهمية قد يسميان بالقدرية، لأن المعتـزلة أطلقوا هذه الصفة على الجبـرية، لأنهم نفوا كل قدرة للإنسان على أفعاله.

وأطلق أنصار الجبـرية صفة «القدرية» على المعتـزلة لأنهم يثبتون القدر للإنسان.[32]

4. على مستوى التكفيـر بالذنوب

لقد ذهبت بعض فرق الخوارج[33] إلى التكفيـر بارتكاب الكبيـرة، حيث قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله في وصف الخوارج: «وأجمعوا أن كل كبيـرة كفر إلا النجدات[34]، فإنها لا تقول بذلك».[35]

وفي مقابل هؤلاء نجد المرجئة[36] الذيـن يقول بعضهم: «من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، وحرم ما حرم الله، وأحل ما أحل الله، دخل الجنة إذا مات».[37]

ثالثا: أثر العقيدة الأشعرية في الرد على النزغات المتطرفة

لما كان الفكر الأشعري حريصا على تحقيق الوسطية والابتعاد عن التطرف، فقد أضحت مقولة التوسط والاعتدال علما على هذا الاتجاه، مقابل مصطلحي الزيغ والغلو اللذيـن كانا سمة بارزة في تاريخ بعض التيارات الكلامية التي تجاوزت ما استقر عليه أمر العقائد الديـنية.

ويلاحظ أن الإمام أبا الحسن الأشعري رحمه الله لاحظ أن بعض الفرق الكلامية «ابتعدت عن مقاصد الشرع، وصارت إلى وحشة الشذوذ العقدي، مخالفة بذلك فضيلة الاتباع والانتفاع».[38]

لذلك قام الإمام الأشعري رحمه الله بالرد على النزغات المتطرفة لبعض الفرق العقدية الإسلامية من خلال مناظرته لبعضهم وتأليفه لبعض الكتب التي توضح نزغاتهم المتطرفة وتسعى للرد عليها، ككتابه «مقالات الإسلامييـن» و «اللمع» و «رسالة إلى أهل الثغر» و«الإبانة عن أصول الديانة».

وقد سار على منهج الإمام الأشعري رحمه الله بعض العلماء المنتسبيـن إلى مذهبه، فقاموا بالرد على نزغات هذه الفرق المتطرفة وبيان مكامن خطئها وتوجيهها توجيها سليما يقوم على الوسطية والاعتدال ومواجهة الغلو والتطرف. ومن آثار العقيدة الأشعرية في الرد على النزغات المتطرفة ما يأتي:

1. على مستوى توحيد الذات والصفات

لقد أنكر الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله النزغات المتطرفة التي ذهبت إليها الجهمية والمعتـزلة من جهة، والحشوية والمجسمة من جهة أخرى، فيما يتعلق بتوحيد ذات الله وصفاته.

ورد أبو الحسن رحمه الله على نزغاتهم المتطرفة ببيانه أن الله تعالى لا يشبه المخلوقات، وحجته في ذلك «أنه لو أشبهها لكان حكمه في الحدث حكمها، ولو أشبهها لم يخل من أن يشبهها من كل الجهات أو من بعضها، فإن أشبهها من جميع الجهات كان محدثا مثلها من جميع الجهات، وإن أشبهها من بعضها كان محدثا من حيث أشبهها، ويستحيل أن يكون المحدث لم يزل قديما، وقد قال تعالى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَےْء وَهُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُ[39] وقال سبحانه:﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُؤاً اَحَد [40]﴾».[41]

بل إن الإمام الأشعري رحمه الله يعد هذا الأصل عدم مماثلة الخالق للمخلوق ـ من الأمور المجمع عليها من السلف: «لأنه تعالى لو كان شبيها لشيء من خلقه لاقتضى من الحدث والحاجة إلى محدث له ما اقتضاه ذلك الذي أشبهه، أو اقتضى ذلك قدم ما أشبهه من خلقه، وقد قامت الأدلة على حدوث جميع الخلق» …[42].

2. على مستوى الرؤية

لقد أنكر الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى ما ذهبت إليه الحشوية والمعتـزلة والجهمية من نزغات متطرفة فيما يتعلق بـرؤية الله تعالى، ورد رحمه الله تعالى على هذه النزغات المتطرفة بسلوكه طريقا وسطا بيـن هذه الفرق من خلال إثباته رؤية الله عز وجل من غيـر تجسيم ولا تشبيه. يدل على ذلك ما قاله المقريزي رحمه الله تعالى أثناء تقريـره عقيدة الإمام الأشعري حيث قال: «وكل موجود يصح أن يـرى، وقد صح السمع بأن المؤمنيـن يـرونه في الدار الأخرى في الكتاب والسنة. ولا يجوز أن يـرى في مكان ولا صورة مقابلة، واتصال شعاع، فإن ذلك كله محال. وماهية الرؤية له فيها رأيان أحدهما أنه علم مخصوص يتعلق بالوجود دون العدم والثاني أنه إدراك وراء العلم».[43]وقد بيـن الأستاذ سعد رستم أن من أهم عقائد الأشعرية.«ثبوت رؤية المؤمنيـن لله تعالى بالعيـن يوم القيامة»…  وهي رؤية لا تستلزم تجسيم الله أو تشبيهه؛ إذ ليس من الضروريـ كما يقول الأشعريـ أن تقتشي هذه الرؤية مقابلة المرئي للرائي واتصال الشعاع منه إليه وسائر مستلزمات الرؤية البصرية المعروفة لديـنا، لأنها «رؤية بلا كيف».[44]

3. على مستوى الفعل الإنساني

لقد نفى الإمام الأشعري رحمه الله النزغات المتطرفة التي سلكها الجهمية والقدرية في مسألة الفعل الإنساني. ورد على هذه النزغة المتطرفة من خلال سلوكه طريقا وسطا ميز فيه بيـن القدرة على الفعل التي نفاها الجهمية، وكسب الإنسان له التي نفاها القدرية، وذلك من خلال بيان أن الله عز وجل متفرد بالخلق، ومن تم يكون الإنسان مكتسبا لعمله، وهذا هو حدود الاختيار الذي يحاسب بمقتضاه المكلف، مما يؤدي إلى رفض عقيدة الجبـر، ثم يأتي دور القدرة الإلهية بشموليتها بحيث يكون الإنسان وما كسبه داخل تحت هذه القدرة مما يؤدي إلى رفض عقيدة القدرية.

ومن هنا فإن الإمام أبا الحسن رحمه الله «فرق بيـن الخلق والاكتساب، فالخلق يكون بقدرة قديمة، وهذا مختص بالله تعالى لأنه لا يفعل بقدرة قديمة إلا خالق، أما الاكتساب فإنه يقع بقدرة محدثة».[45]

من خلال هذا المسلك الذي سلكه الأشاعرة ببيانهم أن الإنسان ليس مجبـرا على ما يفعله، وليس خالقا له، وأنه مكتسب لأفعاله الاختيارية، استطاعوا أن يـنسفوا النزغات المتطرفة التي سلكها الجبـريون الذيـن يزعمون أن الإنسان ليس له حرية في الاختيار بل هو مجبـر على أفعاله، ويـردون النزغات المتطرفة التي سلكها القدرية الذيـن يـنفون القدر.

4. على مستوى التكفيـر بالذنوب

لقد أنكر الإمام أبو الحسن الأشعري النزغات المتطرفة التي سلكها الخوارج والمرجئة فيما يتعلق بمسألة الحكم على المسلميـن بالكفر أو الإيمان من خلال أعمالهم الظاهرة.

وقد رد الإمام أبو الحسن رحمه الله على هذه النزغات المتطرفة التي سلكها الخوارج الذيـن أجمعوا على التكفيـر بالكبائر إلا النجدات منهم،[46] والمرجئة الذيـن يقولون بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا يـنفع مع الكفر طاعة[47]، وذلك بسلوكه مسلكا وسطا بيـن من خلاله أن الإيمان هو التصديق بالقلب والقول باللسان وأن العمل بالأركان من فروع الإيمان وجعله مرتكب الكبيـرة تحت المشيئة الإلهية وعدم تكفيـره.

قال المقريزي رحمه الله أثناء تقريـره للعقيدة الأشعرية: «الإيمان هو التصديق بالقلب والقول باللسان. والعمل بالأركان فروع الإيمان. وصاحب الكبيـرة إذا خرج من الدنيا من غيـر توبة حكمه إلى الله إما أن يغفر له بـرحمته أو يشفع له رسول الله ﷺ، وإما أن يعذبه بعدله ثم يدخله الجنة بـرحمته، ولا يخلد في النار مؤمن، قال: ولا أقول: إنه يجب على الله سبحانه قبول توبته بحكم العقل؛ لأنه هو الموجب لا يجب عليه شيء أصلا، بل قد ورد السمع بقبول توبة التائبيـن وإجابة دعوة المضطريـن، وهو المالك لخلقه يفعل ما يشاء ويحكم ما يـريد، فلو أدخل الخلائق بأجمعهم النار لم يكن جورا، ولو أدخلهم الجنة لم يكن حيفا، ولا يتصور منه ظلم ولا يـنسب له جور؛ لأنه المالك المطلق»[48].

وأشار الزركشي رحمه الله إلى أن الإمام أبا الحسن رحمه الله رجع عند موته عن تكفيـر أهل القبلة، وأن تـرك التكفيـر هو اختيار الباقلاني والجويـني وابن القشيـري، والعز ابن عبد السلام.[49]

قال عضد الديـن الإيجي رحمه الله في بيانه العقيدة الأشعرية: «ولا يكفر أحد من أهل القبلة إلا بما فيه نفي الصانع القادر المختار العليم، أو بما فيه شرك، أو إنكار النبوة، أو إنكار ما علم مجيء محمد ﷺ به ضرورة، أو إنكار أمر مجمع عليه قطعا، أو استحلال المحرمات، وأما غيـر ذلك فالقائل به مبتدع وليس بكافر، ومنه التجسيم»[50].

وقال الأستاذ صلاح الديـن الإدليبي: «الأشاعرة يـرون أن الكفر نقيض الإيمان، وإذا كان الإيمان عندهم هو تصديق سيدنا محمد ﷺ فيما جاء به مع إذعان النفس لذلك وقبولها إياه؛ فيكون الكفر عندهم هو عدم تصديقه ﷺ في أمر مما جاء به، ولا بد أن يكون قد علم مجيئه به ضرورة، أي علم ذلك بطريقة قطعية وذاع واشتهر اشتهارا يقطع العذر».[51]

مما سبق اتضحت لنا جليا جهود الإمام الأشعري والعلماء الذيـن يـنتسبون لمذهبه في الذب على العقيدة الإسلامية وبيان النزغات المتطرفة التي سلكتها بعض التيارات الكلامية، والرد عليها، وبيان الصواب فيها من خلال الحرص على الوسطية والاعتدال اللذيـن يعتبـران من أهم سمات المذهب الأشعري.

خاتمة

 إن العقيدة الإسلامية الصحيحة بأصولها الثابتة وأسسها السليمة ودعائمها الراسخة هي التي تحقق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة؛ لصحة دلائلها، وقوة حججها وبـراهيـنها، ووضوح معالمها، ولموافقتها القلوب السليمة والفطر القويمة والعقول الصحيحة.

ولقد كان للمذهب الأشعري في العقيدة والمالكي في الفقه، ومذهب الجنيد في التصوف حضور وازن ومتميز بالمغرب وارتباط وثيق ولصيق به على مدى قرون عديدة متوالية، تعد ثوابت راسخة في تحديد هويته الديـنية، وتجنبه الكثيـر من الفتن والانحرافات والبدع الضالة.

ويعد المذهب الأشعري مذهبا عقائديا متكاملا ومتوازنا يتميز بمنهج الوسطية والاعتدال لجمعه بيـن العقل والنقل، ويعطي أولوية أحيانا للتأويل عند وجود تعارض بيـن النصوص الشرعية والعقل الصحيح.

واتضح من خلال محاور هذا البحث أن الوسطية ومحاربة التطرف أضحت سمة بارزة في الفكر الأشعري عموما، مما جعل هذا الفكر يصمد ويقاوم مختلف النزغات المتطرفة الهدامة التي عرفتها الحياة الإسلامية ووجد طريقه للانتشار بيـن مختلف الأقطار الإسلامية والمغرب الإسلامي منها على وجه الخصوص.

إن مسألة التوسط على النحو الذي سبق عرضها والتي تعد من أهم الآليات التي يتوسل بها المشتغل بالدراسات العقدية يمكن إجراؤها على كثيـر من المسائل العقدية التي يعاد إنتاجها الآن عبـر خطابات لا تخلو من غلو ونشر للنزغات المتطرفة، خصوصا وأن مبدأ التوسط والاعتدال الذي يمثل الإطار المنهجي للفكر الأشعري يظل أداة متجددة لمواجهة كل النزغات المتطرفة لانبنائه على قيم التسامح وأحكام العقل والاجتهاد، باعتبارها وسائل إنسانية كونية تستهدف تحقيق مقاصد الاعتقاد في الخلق، وفي مقدمتها العناية بالإنسان المعتقد اعتقادا صحيحا بعيدا عن كل النزغات المتطرفة وذلك باعتباره كائنا متديـنا ومكرما على الدوام.

تلكم نظرة متواضعة حول وسطية العقيدة الأشعرية وأثرها في صد النزغات المتطرفة، ولا أدعي الإحاطة بالموضوع، وإنما الموفق من وفقه الله، وصلى الله وسلم على الحبيب المصطفى سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعيـن.

*مديـر مركز التوثيق والأنشطة الثقافية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مكناس- المملكة المغربية

الهوامش

[1] ينسـب المذهـب الأشـعري إلـى مؤسسـه علـي بـن إسـماعيل بـن بشـر بـن إسـحاق بـن سـالم بـن إسـماعيل بـن عبـد الله بـن بـلال بـن بـردة بـن موسـى الأشـعري. وكنيتـه أبـو الحسـن ويلقـب بناصـر الديـن وناصـر السـنة وإمـام المتكلميـن. ينتهـي نسـبه إلـى الصحابـي الجليـل أبـي موسـى الأشـعري رضـي الله عنهمـا.

[2] هـو الفقيـه الحافـظ، الصالـح العابـد، أبـو ميمونـة درّاس بـن إسـماعيل الفاسـي، وتنسـب لـه رسـالة فـي الدفـاع عـن الأشـعرية حيـث يحكـى عنـه أنـه كان متحمسـا للمذهـب الأشـعري، وتوفـي رحمـه الله فـي ذي الحجـة سـنة) 357هـ(علـى المشـهور مـن الأقـوال. أنظـر: تاريـخ ابـن الفرسـي( 2/173)، بغيـة الملتمـس( ص292 )، تـرتيب المـدارك( 6/81)، تاريـخ الإسـلام(8/115)، جـذوة الاقتبـاس(1/194)، نيـل الابتهـاج (ص175)، الـروض العاطـر الأنفـاس (ص49)، سـلوة الأنفـاس( 2/197)، معلمـة المغـرب( 12/3987).

[3] دليل الإمام والخطيب والواعظ، ص: 19.

[4] المرجع السابق، ص: 20 و21.

[5] سورة البقرة، الآية: 142.

[6] سورة الإسراء الآية: 29.

[7] سورة الفرقان، الآية: 67.

[8] سورة لقمان، الآية: 18.

[9] أخرجه البخاري، كتاب: الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، حديث رقم: 6098.

[10] موسوعة الفرق والمذاهب في العالم الإسلامي، إشراف وتقديم محمد حمدي زقزوق، القاهرة، 1428هـ ـ 2007م

[11] رسـالة إلـى أهـل الثغـر، لأبـي الحسـن الأشـعري، ص: 46 و47؛ نقـلا عـن موسـوعة الفـرق والمذاهـب فـي العالـم الإسـلامي، ص:96

[12] رسـالة إلـى أهـل الثغـر، لأبـي الحسـن الأشـعري، ص: 46 و47؛ نقـلا عـن موسـوعة الفـرق والمذاهـب فـي العالـم الإسـلامي، ص:96

[13] رسـالة إلـى أهـل الثغـر، لأبـي الحسـن الأشـعري ص: 52 و53، نقـلا عـن موسـوعة الفـرق والمذاهـب فـي العالـم الإسـلامي، ص:96.

[14] موسوعة الفرق والمذاهب في العالم الإسلامي، ص: 96.

[15] مجـرد مقـالات الشـيخ أبـي الحسـن الأشـعري، لابـن فـورك ص: 319، نقـلا عـن موسـوعة الفـرق والمذاهـب فـي العالـم الإسـلامي تحـت إشـراف محمـد حمـدي زقـزوق.

[16] طبقات الشافعية الكبـرى، لتاج الدين السبكي)، 2/254(.

[17] المذهب الأشعري وأثره في التفسير، للدكتور عبد الرحمان حيشي، ص: 19 و20.

[18] لسان العرب، لابن منظور، مادة: « طرف.»

[19] المعتـزلة فرقـة إسـلامية تنتسـب إلـى واصـل بـن عطـاء الغـزال، تميـزت بتقديـم العقـل علـى النقـل، وبالأصـول الخمسـة التـي تعتبـر قاسـما مشتـركا بيـن جميـع فرقهـا، سـموا معتـزلة لاعتـزال مؤسسـها مجلـس الحسـن البصـري بعـد خلافـه معـه حـول حكـم الفاسـق.

[20] الملل والنحل، للشهرستاني، ص: 43 و45.

[21] قـال ابـن تيميـة: « هَـذَا اللَّفْـظُ أَوَّلُ مَـنْ ابْتَدَعَـهُ الْمُعْتَزِلَـة، فَإِنَّهُـمْ يُسَـمُّونَ الْجَمَاعَـةَ وَالسَّـوَادَ الْأعَْظَـمَ الْحَشْـوَ، كَمَـا تُسَـمِّيهِمْ الرَّافِضَـةُ الْجُمْهُـورَ، وَحَشْـوُ النَّـاسِ: هُـمْ عُمُـومُ النَّـاسِ وَجُمْهُورُهُـمْ وَهُـمْ غَيْـرُ الْأعَْيَـانِ الْمُتَمَيِّزِيـنَ يَقُولُـونَ هَـذَا مِـنْ حَشْـوِ النَّـاسِ كَمَـا يُقَـالُ هَـذَا مِـنْ جُمْهُورِهِـمْ. وَأَوَّلُ مَـنْ تَكَلَّـمَ بِهَـذَا عَمْـرُو بْـنُ عُبَيْـدٍ، وَقَـالَ: كَانَ عَبْـدُ الَّلِ بْـنُ عُمَـرَ رَضـيَ الَّلُ عَنْـهُ حَشْـوِيًّا:

فَالْمُعْتَزِلَـةُ سَـمَّوْا الْجَمَاعَـةَ حَشْـوًا كَمَـا تُسَـمِّيهِمْ الرَّافِضَـةُ الْجُمْهُـورَ». أنظـر مجمـوع فتـاوى ابـن تيميـة رحمـه الله 3/185ـ 186.

[22] سورة الأنعام، الآية: 104.

[23] متشابه القرآن، القاضي عبد الجبار القسم الأول، ص: 326.

[24] الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لأبي القاسم الزمخشري، (2/41 و42).

[25] قاضـي القضـاة عبـد الجبـار أحمـد بـن خليـل بـن عبـد الله الهمذانـي(359 – 415هـ، 969 – 1025م)أحـد أهـم أئمـة المعتـزلة وشـيوخهم.

[26] سورة يونس الآية: 26.

[27] متشابه القرآن، للقاضي عبد الجبار، ص:361 و362.

[28] أبـو محـرز، الجهـم بـن صفـوان التـرمذي، حامـل لـواء الجهميـة، وهـو مـن أهـل خراسـان، ظهـر فـي المائـة الثانيـة مـن الهجـرة، ويكنـى بأبـي محـرز، وهـو مـن الجبـرية الخالصـة، وأول مـن ابتـدع القـول بخلـق القـرآن وتعطيـل الله عـن صفاتـه.

[29] القضاء والقدر، لعمر سليمان عبد الله الأشقر، ص: 72.

[30] القدريَّـة: هـم الذيـن ينفُـون قـدر الله تعالـى، ويقولـون: إن الله تعالـى لـم يخلـق أفعـال العبـاد، ويجعلـون العبـد خالـقَ فِعـل نفسـه، ويقولـون: إن الله تعالـى لا يعلـم الشـيء إلا بعـد وقوعـه؛) موسـوعة الفـرق والمذاهـب، ص: 521(.

[31] نفسه، ص: 58.

[32] قضايا في الفكر الإسلامي، لعلي الإدريسي، ص: 85.

[33] الخـوارج هـم الخارجـون علـى إمـام زمانهـم، وأيضًـا هـم طائفـة خرجـت علـى أميـر المؤمنيـن علـي بـن أبـي طالـب بعـد معركـة صِفِّيـن. وقـد عـرَّف الشهرسـتاني فـي الملـل والنِّحـل الخـوارج تعريفـا عامـا؛ حيـث قـال: «كلُّ مَـن خـرج علـى الإمـام الحـق الـذي اتفقـت الجماعـة عليـه يُسـمَّى خارجيًّـا». ينظـر كتـاب الملـل والنحـل؛ للشهرسـتاني 1/113.

[34] فرقة إسلامية من فرق الخوارج، وهم أتباع نجدة بن عامر الحنفي،

[35] مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن الأشعري، ص: 59.

[36] المرجئـة: «هـم الذيـن يقولـون الإيمـان قـول بـلا عمـل». وقـال آخـرون: «المرجئـة: هـم فرقـة مـن فـرق الإسـلام يعتقـدون أن الإيمـان لا يضـر معـه ذنـب كمـا لا تنفـع مـع الكفـر طاعـة». وقـال الشهرسـتاني: «الإرجـاء علـى معنييـن. أحدهمـا: بمعنـى التأخيـر كمـا فـي قولـه تعالـى:» قَالُـوا أَرْجِـهْ وَأَخَـاهُ») سـورة الأعـراف الآيـة 110) أي أمهلـه وأخاه والثاني: إعطـاء الرجـاء. أمـا إطـلاق اسـم المرجئـة علـى الجماعـة بالمعنـى الأول. لأنهـم كانـوا يؤخـرون العمـل عـن النيـة والعقـد. وأمـا بالمعنـى الثانـي فلأنهـم كانـوا يقولـون لا تضـر مـع الإيمـان معصيـة كمـا لا ينفـع مـع الكفـر طاعـة. وهـذا أمثـل الأقـوال لأنـه أشـملها لأنـواع الإرجـاء.»

[37] التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، لأبي الحسين الملطي، ص: 43.

[38] رسالة إلى أهل الثغر، لأبي الحسن الأشعريّ، ص: 134.

[39] سورة الشورى، الآية: 9.

[40] سورة الإخلاص، الآية: 4.

[41] رسالة إلى أهل الثغر، لأبي الحسن الأشعري، ص: 134.

[42] اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، لأبي الحسن الأشعري، ص: 83.

[43] المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي،(2/359)..

[44] الفرق والمذاهب الإسلامية (منذ البدايات ـ النشأة ـ التاريخ ـ العقيدة ـ التوزع الجغرافي)، لسعد رستم، ص: 130.

[45] موسوعة الفرق والمذاهب، ص: 106 بتصرف.

[46] تنظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري، ص: 59.

[47] شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحتفي ( 2/434).

[48] المواعظ والاعتبار، للمقريزي (2/360).

[49] البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين الزركشي،(2/239).

[50] العقائد العضدية لعضد الدين الإيجي)، 2/291-293(، مطبوع مع الشرح الدواني.

[51] عقائد الأشاعرة في حوار هادئ مع شبهات المناوئين، لصلاح الدين بن أحمد الإدلبي، ص: 153.

لائحة المصادر والمراجع

  1.  القرآن الكريم، بـرواية ورش.
  2.  البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الديـن الزركشي، تحقيق عبد القادر العاني، الطبعة الثانية، 1413هـ – 1992م.
  3. التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، لأبي الحسن الملطي، تحقيق محمد زاهر الكوثري، الطبعة الثانية، مكتبة المثنى ببغداد، ومكتبة المعارف، ببيـروت، 1388هـ – 1962م.
  4. رسالة إلى أهل الثغر، لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: عبد الله شاكر الجندي، الطبعة الثانية، مكتبة العلوم والحكم، المديـنة المنورة، 1422هـ – 2002م.
  5. شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية، مكتبة الرسالة، 1990م.
  6. صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل البخاري، نظمه مصطفى سيف البغا، الطبعة الخامسة، دار ابن كثيـر بيـروت، 1414هـ – 1993م.
  7. طبقات الشافعية الكبـرى، لتاج الديـن السبكي، تحقيق: محمود محمد الطحاني وعبد الفتاح محمد الحلو، دار الكتب العربية، بدون تاريخ.
  8. عقائد الأشاعرة في حوار هادئ مع شبهات المناوئيـن، لصلاح الديـن بن أحمد الإدلبي، الطبعة الأولى، دار السلام، مصر، 1429هـ – 2008م.
  9. العقائد العضدية، لعضد الديـن الإيجي، مطبوع مع شرح الدواني، دار سعدات، 1316هـ.
  10. الفرق والمذاهب (منذ البدايات، النشأة – التاريخ – العقيدة – التوزع الجغرافي) ، لسعد رستم، الطبعة الأولى، دار الأوائل، سورية، 2004م.
  11. القضاء والقدر، لعمر سليمان الأشقر، الطبعة الثالثة عشر، دار النفائس، الأردن، 1425هـ-2005م.
  12.  قضايا في الفكر الإسلامي، لعلي الإدريسي، الطبعة الأولى، دار الثقافة، المغرب، 2003م.
  13. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لأبي القاسم الزمخشري، الطبعة الأولى، دار الفكر، بيـروت، 1397هـ- 1977م.
  14. لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيـروت، سورية، بدون تاريخ.
  15. اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، لأبي الحسن الأشعري، تحقيق حمودة غرابة، مطبعة مصر، مصر، 1955م.
  16. متشابه القرآن، للقاضي عبد الجبار، تحقيق: الدكتور محمد عدنان زرزور، دار التـراث، القاهرة، بدون تاريخ.
  17. مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، لابن فورك، تحقيق دانيال جيماريه، الطبعة الأولى، دار المشرق، بيـروت، 1987م.
  18. مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وتـرتيب عبد الرحمان بن محمد بن قاسم، مكتبة المعارف، المغرب، بدون تاريخ.
  19. المذهب الأشعري وأثره في التفسيـر، للدكتور عبد الرحمان حيشي، سلسلة دراسات وأبحاث، مكناس بـرانت شوب، المغرب، 2012م.
  20. الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل، دار الفكر، بيـروت، بدون تاريخ.
  21. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، لتقي الديـن أحمد بن علي المقريزي، الطبعة الثانية، مكتبة الثقافة الديـنية، 1987م.
  22. موسوعة الفرق والمذاهب في العالم الإسلامي، إشراف وتقديم محمد حمدي زقزوق، القاهرة، 1428هـ-2007م
كلمات مفتاحية : ,