كلمة باسم السادة العلماء

كلمة باسم السادة العلماء

إبراهيم الطاهر موسى عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية نيجيريا
إبراهيم الطاهر موسى عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية نيجيريا

ألقيت المداخلة في الندوة العلمية الدولية الأولى التي نظمتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع «الظاهرة السلفية: الدلالات والتداعيات» يومي الأربعاء والخميس 2829 صفر 1440هـ، الموافق لـ: 78 نونبر 2018م بمدينة مراكش.

الحمد والصلاة والسلام على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين فضيلة السيد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى

فضيلة السيد الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة أيها السادة العلماء الأجلاءـ أيتها السيدات العالمات الجليلات

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

وبعد فأصالة عن نفسي ونيابة عن إخواني وأخواتي المشاركين في هذه الندوة العلمية الكبرى، أن نقدم أولا شكرنا الجزيل، وتقديرنا الكبير، وعرفاننا الرفيع، إلى أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، الرئيس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة حفظه الله على الجهود المباركة التي ما فتئ يوليها لجانب توطيد أواصر علاقة الأخوة بين المملكة المغربية والدول الإفريقية، وتوجيهاته السامية نحو تحقيق معالم الاندماج الإفريقي والعمل على تنمية القارة الإفريقية ثقافيا ودينيا وروحيا.

لقد أسهمت العلاقات بين المغرب ودول إفريقيا في ترسيخ الاستمرارية وتعزيز الدينامية، واستطاع المغرب بحكم مكانته الرفيعة في المجتمع الدولي، وسمعته العالية التي يتمتع بها في إفريقيا الحفاظ لقرون عديدة على روابط وثيقة امتدت إلى مناطق بعيدة نحو الجنوب، واتخذت أشكالا متعددة، منها ما هو سياسي، واقتصادي، وديني، وحضاري وثقافي. وجاءت زيارات جلالة الملك حفظه الله لعدد من الدول الإفريقية لترسخ هذا التواصل الدائم بين المملكة المغربية والقارة الإفريقية.

أيها السادة العلماء الأفاضل،

أيتها السيدات العالمات الفضليات،

إن اجتماع المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة الذي انتهت أشغاله قبل يومين بفاس، محققا نجاحا باهرا، وتوفيقا مسدداً، قد أظهرت نتائجه وتوصياته حجم الملفات، ومشاريع البرامج، وخطط العمل التي ينبغي التكاتف وتوحيد الجهود من أجل تنزيلها، وتفعيل بنودها ومقتضياتها، وهي تعبر جميعها عن مدى الإحساس بخطورة المرحلة، وجسامة المهام التي ينبغي تحمل مسؤولياتها، في إطار من التعاون والتضامن.

ولا شك أن من أبرز الموضوعات التي تندرج في إطار التحديات والإكراهات المطروحة أمام السادة العلماء الأفارقة، قضية السلفية التي تحتاج إلى نقاش عميق، يجلي المفهوم، ويحقق المضمون، ويبرز الحقائق التي من شأنها أن تضع حدا للتشويش والاضطراب الحاصلين لدى كثير من الناس.

إن السلفية تطلق ويراد بها أحد المعنيين:

الأول: مرحلة تاريخية محددة، تختص بأهل القرون الثلاثة المفضلة لقوله ﷺ «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ…»[1].

والثاني: الطريقة التي كان عليها الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان من التمسك بالكتاب والسنة وتقديمها على ما سواهما والعمل بهما على مقتضى فهم السلف الصالح، الذين هم أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ممن اتفقت الأمة على إمامتهم وعدالتهم، وتلقى المسلمون كلامهم بالرضا والقبول، وهي بهذا الإطلاق تعد منهاجا مستمرًاً دائما، ويصح الانتساب إليها، إذا ما التزمت شروطها وقواعدها، فالسلفيون بهذا الاعتبار هم السائرون على نهجهم،المقتفون أثرهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ما دام هناك التزام بما كان عليه السلف من الاعتقاد الصحيح بالنص من الكتاب والسنة وإجماع الأمة لَقوله ﷺ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»[2].

وبهذا يظهر أن السلفية ليست دعوة طائفية أو حزبية أو عرقية أو مذهبية ينزل فيها المتبوع منزلة المعصوم، ويتخذ سبيلا لجعله دعوة يدعى إليها، ويوالى ويعادى عليها، وإنما تدعو السلفية الحقة إلى التمسك بوصية رسول الله ﷺ، المتمثلة في الاعتصام بالكتاب والسنة، وما اتفقت عليه الأمة.

وهذا المنهج الرباني هو حقيقة الإسلام وجوهره، وهو الطريق المستقيم الموصل إلى الله تعالى. قال تعالى:﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِے مُسْتَقِيماٗ فَاتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ اُ۬لسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦۖ ذَٰلِكُمْ وَصّ۪يٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَۖ﴾.[3]

فالسلفية إذن تعني منهج السلف الصالح، أي ما كانت عليه تلك الأجيال المفضلة، ومن سار على نهجها، وبذلك تكون كل طائفة برهنت على حسن التأسي، والوفاء لتلك المرحلة التاريخية المباركة داخلة في رحاب السلفية. ولا شك أن الرجوع إلى ما احتكم إليه السلف الصالح من قواعد وضوابط في فهم النصوص الشرعية وتأويلها هو واجب المسلمين اليوم جميعا على امتداد العصور. فلا يختص بالرجوع إليها والانضباط بها سلف دون خلف، بل هو القاسم المشترك، والنسيج الجامع لجميع طوائف المسلمين على اختلاف عصورهم وأمكنتهم.

وبذلك تكون السلفية مذهب الأمة الجامع، الذي ينتظم سوادها الأعظم على ما في ذلك من تفاوت وتباين، كما أن طبيعة الاختلاف المذهبي الذي عرفه أسلافنا من الأئمة والعلماء لم يكن يوما ما سببا في أي تضليل أو تبديع أو تفسيق، وبذلك لن تكون طائفة من طوائف المسلمين أولى من الأخرى بدعوى الالتزام والاتباع، كما أن أي طائفة منها ليست أحق من غيرها بتهمة الجنوح والابتداع.

ومن هنا، ندرك أن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يجوز تكفيره، ولا تضليله، ولا إخراجه من دائرة الإسلام. ولذلك فإن السلفية هي منهج واسع، يتسع لكل المسلمين، وقد اتسع قبل ذلك لجميع المذاهب الإسلامية المعروفة.

نسأل الله تعالى، أن يعيد جميع العاملين في مجال الدعوة إلى نهج الاعتدال والاستقامة، ويجعلنا أمة واحدة.

وعن عبد الله ابن عمر قال: خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فقال: «أيها الناس، إني قمت فيكم كقيام رسول الله فينا قال: أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد. ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد. من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة. من سرته حسنته، وساءته سيئته فذلك المؤمن».[4]

من هنا تأتي–أيها السادة العلماء والسيدات العالمات- أهمية هذه الندوة العلمية الكبرى التي هي أولى الندوات الدولية التي تعقدها مؤسستنا الفتية، وموضوعها يندرج كما هو واضح ومفهوم في إطار الموضوعات التي تكتسي راهنية وجدة بالغتين. إنه موضوع يشغلنا جميعا ونسعى للبحث عن حلول تواجه التمثلات المختلفة للسلفية المعاصرة والتي ما فتئت مظاهر بعض أشكالها تأخذ أبعادا متشددة ومتطرفة، قد تجنح في بعض الأحيان إلى اعتماد طرق العنف والإرهاب.

وإذا كنا معشر العلماء الأفارقة جميعا في سفينة واحدة، تتهددها المخاطر والتيارات المنحرفة، فإن حماية أبناء ملتنا مرهون بتضافر الجهود، وتوحيد الطاقات، من أجل التعاون في سبيل الدفاع عن قناعاتنا وثوابتنا الدينية المشتركة، وكياننا الحضاري، من تصرفات أبنائه أولا، ومن عبث أعدائه ثانيا. ولكي نرتقي إلى المستويات المطلوبة للتعاون فإنه لا بد من العمل في إطار مؤسساتي يقوي الجهود ويعزز القدرات، ولاشك أن اشتغالنا بدراسة مشاكلنا وقضايانا الراهنة والمستقبلية تحت مظلة مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة كفيل بأن يضمن لنا بلوغ ما نأمله وتحقيق ما نسعى إليه.

إننا نثق في أن الإخوة المنظمين في المؤسسة لهذه الندوة العلمية الدولية قد وضعوا جميع هذه الأبعاد في اعتبارهم، وهم يخططون لتنفيذها، وقد اختاروا من العلماء الأجلاء من جنسيات إفريقية عديدة من يفيها حقها بعلمهم وإخلاصهم.

إنني إذ أحيي باسمي، ونيابة عن إخواني العلماء وأخواتي العالمات، هذه الجهود العظيمة التي تبذلها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، في خدمة ثوابتنا الدينية المشتركة، نأمل جميعا أن تتكلل أشغال ندوتنا هاته بالنجاح والتوفيق، وتكون لبنة أساسية تقوي صرح البناء والتواصل الثقافي والديني والروحي بين المغرب وباقي البلدان الإفريقية.

ولا يفوتني في الأخير أن أتوجه بالشكر الجزيل، والعرفان العظيم، نيابة عن الجميع إلى حضرة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أعزه الله ونصره، الذي بسياسته الحكيمة، وبعد نظره الجليل، ما فتئ يعمل من أجل مصلحة الشعوب الإفريقية، وتقوية أواصر التعاون البناء بينها وبين المملكة المغربية في مختلف المجالات والقطاعات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش

[1] متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الشهادات حديث قم: 2652 وصحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم:2523

[2] صحيح مسلم كتاب الإمارة، حديث قم: 1920.

[3] الأنعام:153

[4] رواه أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه.

كلمات مفتاحية :