كلمة الدكتور عبد الله ميغا رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في النيجر  أثناء افتتاح ندوة التراث الإسلامي الإفريقي – النيجر

كلمة الدكتور عبد الله ميغا رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في النيجر  أثناء افتتاح ندوة التراث الإسلامي الإفريقي – النيجر

الدكتور عبد الله ميغا رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في النيجر
الدكتور عبد الله ميغا رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في النيجر

نص كلمة الدكتور عبد الله ميغا رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في النيجر  أثناء افتتاح الندوة العلمية الثانية التي نظمها فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في النيجر، تحت عنوان: التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر بين الماضي والحاضر وآفاق المستقبل،يومي: السبت والأحد 17-18 ذو القعدة 1440 هـ الموافق لـ 20-21 يوليوز 2019 م، في نيامي.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد، عبد الله ورسوله إلى العالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أصحاب الفضيلة والسعادة العلماء، أعضاء وفد العلماء المغاربة

الإخوة المشاركون من الأقاليم ومن نيامي،

أيها الحضور النبيل،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

وبعد،

فمن دواعي الحبور وبواعث السرور، أن أرحب بكم جميعا أجمل ترحيب، وإنه شرف عظيم، وبهجة غامرة، أن أزجي إلى جمعكم الكريم أزكى التحية وأوفى التقدير، داعيا المولى العلي القدير، أن يكلأ هذا الجمع المبارك برعايته، وأن يكلل أعمال هذه الندوة (ندوة التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر بين الماضي والحاضر وآفاق المستقبل) بنجاح وتوفيق، والشكر الصادق كذلك أزجيه إليكم على تفضلكم بتلبية دعوتنا للحضور والمشاركة في افتتاح هذا اللقاء المنتظم في شكل ندوة متخصصة لمناقشة قضايا التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر.

أتشرف اليوم إذن بالوقوف أمام هذا الملأ العظيم من إخوة الإسلام والإيمان، سعيداً مغتبطا بانعقاد هذه الندوة الثانية من أنشطة فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في النيجر لرسم سنة 2019م، معتزاً فخوراً بانعقادها.

أيها الإخوة الكرام

إن ما تقوم به مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة الموقرة من أعمال جليلة، رغم قصر عمرها في مجال العمل الإسلامي وخدمة الثقافة العربية الإسلامية، والتراث الإسلامي الإفريقي لا يحتاج إلى التذكير، وإن كانت الذكرى تنفع المؤمنين فقد طالت جميع المجالات المذكورة وغيرها، نسأل الله أن يجازيها خيراً على ذلك.

إخوة الإسلام

مادام موضوع ندوتنا هو التراث الإسلامي الإفريقي، اسمحوا لي أن أعود بكم إلى الوراء، إلى الماضي، والماضي ذخيرة الحاضر والمستقبل، لأقول:

في بحار من الشرك والضلال انبثق نور الحق، نور الإسلام يضيء الطريق ويضع المعالم ويزيح الظلام، فكان ميلاد سيد الورى محمد بن عبد الله، نبي الرحمة والهدى بجوار بيت الله الحرام بمكة المكرمة، فأضاء الكون فبدأت البشرية عصرا جديدا بل عصورا جديدة مضيئة بنور الإسلام والحق، فإذا به يزيح الظلام ويكتسحه، ويقود الناس إلى بر السلام، يشق عباب الظلام الجاهلي، وأكداس الشرك، ويحطم الأوثان، ويذل الطغاة، ويحق الحق ويبطل الباطل، وينشر السلام والعدل والوئام بين الخلق أجمعين.

ولم يطل الوقت حتى رأينا هذا النور يسطع على غرب إفريقيا، ويجتاز بحار العالم، ومسافات الصحراء ويضيء الهامة، تغشو إليه عيون الناس، فأزاح عنها ظلام الشرك، وغشاوته، فاستمسكوا بضياء الحق، ضياء الإسلام، وسرى الإيمان في مشاعرهم واستقر في قلوبهم وكانت هذه بذور التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر، وبقية بلاد المنطقة، منذ وقت مبكر.

وأنتم تعلمون، أن الإسلام ما حل في مكان إلا حلّت معه اللغة العربية وعاء الثقافة الإسلامية والتي هي أساس التراث الإسلامي الإفريقي.

إخوة الإيمان، ولعل من باب التذكير فقط أن أقول: إن الإسلام قد وصل نوره إلى هذه المنطقة التي منها جمهورية النيجر في وقت مبكر جداً، بعد أن سطع نور الإسلام من مكة المكرمة، وأضاء الكون فاستضاءت البشرية من ذلك اليوم حيث انطلق سيد الورى، نبي الرحمة والهدى، محمد بن عبد الله، صلوات ربي وسلامه عليه، انطلق منها بهذا النور، نور الإسلام يدعو الناس كافة إلى الحق يدعوهم إلى التمسك بكتاب الله وسنته والعمل بما فيهما، وذلك أساس الثقافة والحضارة.

نعم، ولم يلبث غرب إفريقيا أن انخرط في الركب، ولا يحق له أن ينحرف عن الطريق السوي، الذي سلكه إخوانهم في الدين في كل مكان من قارات الدنيا.

وقد أسهمت الكتاتيب القرآنية والحلقات العلمية بدور كبير في نشر الإسلام ولغته الجميلة وثقافته وتراثه العظيم في غرب إفريقيا وجنوب الصحراء، حيث يعقد العلماء الحلقات والمجالس والمحاضر العلمية والزوايا، لتعليم الكبار والصغار العلوم الشرعية في كل مدينة من مدنها، وقرى من قراها، بل وبادية من بواديها، وكانت هذه المدارس التقليدية من أهم أسباب حفظ اللغة العربية وثقافتها في هذه المنطقة التي فيها النيجر لعدة قرون..

وقد تخرج من هذه الحلقات والمجالس العلمية علماءُ أجلاء أدى كل واحد منهم دورا عظيما في نشر الإسلام وعلومه واستمراره واستقراره في المنطقة، وتاريخنا الإسلامي يحفظ لنا أسماء الكثير من هؤلاء العلماء.

وقد قامت في المنطقة ممالك وسلطنات إسلامية عظيمة أدت خدمات جليلة لصالح الإسلام والمسلمين والعلم وذويه مؤسساته التقليدية.

وقد ظلت هذه المدارس التقليدية من حلقات ومجالس وزوايا تؤدي دورها في خدمة التراث الإسلامي الإفريقي وفي خدمة العلم بصفة عامة في ربوع المنطقة، حتى جاء الاستعمار الغربي بوجهه العسكري والثقافي فحاربها واتهمها بالتخلف والجمود وكراهية الغير، وحاول القضاء عليها بأساليب ووسائل مختلفة، وكانت نتيجة لذلك أن تقلص دور تلك المدارس وخاصة الكتاتيب القرآنية، وقل الإقبال عليها من قبل أبناء المسلمين، وأصبحت هذه الشعوب تعيش على هامش الحياة العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بعد أن كانت لها الصدارة في كل ذلك، وبعد أن كانت حاملة لواء التراث العربي الإسلامي الإفريقي…

وقد لا يعلم الكثير، حتى من أبناء المنطقة بلا استثناء، أن اللغة العربية كانت منذ دخول الإسلام إلى هذه المنطقة لغة الآداب والعلوم والدبلوماسية، وكانت لغة كبار العلماء علموها وألفوا بها كتبا قيمة في المجالات العلمية والأدبية المختلفة التي ازدهرت في حضارة الإسلام قروناً عدة.

فلما جاء الاستعمار الغربي صرف اللغة العربية عن المجال الإداري، وليضايقها أكثر أدخل كثيرا من أولاد المسلمين في مدارسها وحصرها في المجال الديني،

ورغم ما قام به هذا الاستعمار الغربي من أعمال حقيرة يقصد من ورائها القضاء على لغة القرآن وعلى القرآن نفسه، بقي هذا التراث شامخاً.

والجدير ذكره أن اللغة العربية ـــ في النيجر ـــ تمتاز عن غيرها من اللغات المحلية الوطنية الأخرى بأنها تدرس رسميا في المدارس الحكومية وغيرها، وتكتب في أهم وثيقة رسمية وهي جواز السفر جنبا إلى جنب مع اللغة الفرنسية، لغة الإدارة الرسمية التي أصبحت بدورها حلقة وصل وتفاهم بين المثقفين بها من الشعب.

إخوة العقيدة قبل نهاية كلمتي هذه، أؤكد بأن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة قد وفقت من خلال جميع فروعها (الاثنتين والثلاثين) بلداً لإقامة العديد من الندوات واللقاءات العلمية التواصلية الهادفة في عدد من هذه الدول الأعضاء في إفريقيا غربا وجنوبا وشرقا ووسطا،

وذلك تنفيذا وتحقيقا لأهداف ثابتة واضحة لتنشيط الحركة الفكرية والعلمية والثقافية والتراثية في المجال الإسلامي، وتوطيدا وتذكيرا بالعلاقات التاريخية التي تجمع المغرب العزيز علينا وباقي دول إفريقيا والعمل على تطورها والتشجيع على إحياء التراث الثقافي الإسلامي المشترك من خلال التعريف به ونشره والعمل على حفظه وصيانته، وربط الصلات وإقامة علاقات التعاون مع الجمعيات والهيئات ذات الاهتمام المشترك، والثوابت الدينية المشتركة بين المملكة المغربية وهذه الدول في إفريقيا.

ولا يفوتني أن أكرر الشكر والعرفان وأبلغهما لكم جميعا على تلبيتكم لدعوتنا لحضور حفل الافتتاح، والمشاركة في فعاليات الندوة، خصوصا أولئك الذين تحملوا عناء السفر وتجشموا تعبه، وكلنا يعلم ما يتحمله المسافر من نفقات، وما يتجشمه من مشاق، وما يقطعه من مسافات، وصدق من لا ينطق عن الهوى، الذي أوتي جوامع الكلم، والصادق المصدوق: «السفر قطعة من العذاب»، نعم، بالرغم من تيسر السبل والوسائل، فالله تعالى نسأل أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

إخوة الإيمان يطيب كذلك لي باسمي الشخصي وباسم أعضاء المؤسسة فرع النيجر، أن نعرب لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، ملك المملكة المغربية، عما تجده المؤسسة وفروعها من جلالته من تشجيع ورعاية خاصة وكرم، أبقى الله تعالى جلالته ذخرا للإسلام وثقافته وتراثه وخدمة شعبه المغربي الوفي، وأن يحفظه تعالى في شخصه وولي عهده الأمين وأسرته العلوية المجيدة.

كما يسعدني ويشرفني أن أتقدم باسمكم جميعا بأصدق عبارات الشكر والتقدير لفخامة الرئيس يوسف محمد، رئيس جمهورية النيجر وحكومته الرشيدة لما قدمه لنا من دعم معنوي وغيره من أجل توفير فرص نجاح أعمال وأنشطة فرع المؤسسة في النيجر، ووزارة الداخلية على منح رخصة القيام بهذه الأنشطة في النيجر.

كما نزجي إلى جمعكم الكريم هذا شكرنا وعرفاننا للوزراء ورؤساء المنظمات والجمعيات الإسلامية والدولية والمحلية، وكذلك للشخصيات العلمية والدعوية وللمدعوين وكل المشاركين، كما أشكر جميع الإخوة من أعضاء فرع المؤسسة خصوصا أعضاء اللجان التنظيمية والعلمية والسكرتارية، كما أشكر الإخوة الصحفيين من الذين جاءوا من المغرب والنيجر على دورهم الفعال في تغطية هذا الحدث التاريخي العظيم، والقائمين على هذه القاعة (أفريقا هول Africa Hall)، التي احتضنت ندوتنا هذه واستضافتها رغم ضيق الوقت..

جزى الله الجميع وأجزل لهم المثوبة، فإلى مناسبة أخرى بعد هذه الندوة المباركة التي ستتبعها ندوات وأنشطة أخرى في قادم الأيام بإذن الله تعالى ومشيئته.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيد الورى محمد وآله وصحبه أجمعين، وكل من اهتدى بهديه وترسم خطاه إلى يوم الدين. فعلى بركة الله تعالى نبدأ ندوتنا الكريمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.