كلمة الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى لندوة التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ بأبوجا

كلمة الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى لندوة التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ بأبوجا

كلمة الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى لندوة التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ بأبوجا
كلمة الدكتور محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى يالمغري لندوة التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ بأبوجا ألقاها بالنيابة عنه الدكتور إدريس ابن الضاوية عضو المجلس العلمي الأعلى

ألقيت المداخلة في الندوة العلمية الدولية التي نظمتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع “التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ” أيام 22-23-24 ربيع الأول 1443 هـ الموافق لـ 29-30-31 أكتوبر 2021 م في العاصمة النيجيرية أبوجا.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

أيها السادة الأفاضل والسيدات الفضليات كل بسني اسمه وجليل وصفه؛

إن المؤسسة العلمية في المملكة المغربية التي يرأسها أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله، تمثل الامتداد الشرعي والواقعي للمشيخة العلمية، التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ المغربي، المطبوع بمواقفها، والمختوم بأعمالها وطيب آثارها وخاصة رجالها، المتشبثين بثوابت الأمة واختياراتها، والخادمين لأمنها ووحدتها واستقرارها؛ حيث تحملت عن الأمة المغربية أماناتٍ، عَمِلَت من خلالها، ولا تزال، على توفيرِ الشروط الملائمة للتبليغ أولا، ولترسيخ البعد الإنساني للدين الإسلامي ثانيا، ولنشرِ قيم الرحمة للعالمين بكل أجناسهم وألوانهم وأصنافهم ثالثا. وذلك عبر منهج تُرسَّخُ بواسطته أُسُسُ التدين الصحيح على مذهب أهل السنة والجماعة، استناداً إلى اختيارات المغاربة في الإمامة العظمى إمارة المؤمنين، المعدودة عندهم في شرائع الدين؛ وفي العقيدة الأشعرية القائمة على أصل التنزيه والبراءة من تكفير الموحدين؛ وفي الفقه المالكي الجامع لمعالم التسنن المدني الرشيد؛ وفي السلوك الصوفي المرقي إلى التخلق الحميد، والتزكي السديد. وهي اختيارات، كما لها تاريخ عريق محليا، لها بعد إنساني يُمَكِّنها من الانفتاح على مختلف الثقافات، والتواصل مع مختلف التجمعات؛ مع مراعاة خصوصيات الشعوب الإثنية والحضارية؛ وذلك انطلاقا من قيم الإسلام الكونية المَرْعِيَّة في المشترك الإنساني، تدافعا بالحسنى، وتبادلا لقيم المعروف، وتعاونا على البر والصلاح.

أيها الحضور الكريم؛ إن المؤسسة العلمية التي يرأسها أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله، ويُؤْتَمَن عليها السيد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، تعمل من خلال مجالسها العلمية المحلية الموجودة في جميع أقاليم المملكة وسائر عمالاتها، على تبليغ قيم الدين الإسلامي السمحة، وتقريب مكارم الحنيفية السهلة، ورعايتها فهما وتنزيلا، وتكريسِ مبادئه الربانية في سلوك المؤمنين بصفة خاصة نصا وتطبيقا؛ مؤَسِّسَةً تدخلاتِها الإيمانية على الدعامات الأساسية الآتية:

  1. الأهليةِ الإيمانية والعلمية التي أساسها العلم الشرعي؛ باعتبارها شرطا جوهريا لضمان شرعية الأعمال وضابطا لإخلاص النيات، وخدمة الجماعة؛
  2. تحقيقِ الأمن الروحي الذي هو أساس وحدة الوطن وأمْنِه واستقراره، في أفق توسيع دائرته باعتباره غاية إنسانية مشتركة؛
  3. التعارفِ والتراحم وسيلةً فعالة لتعميق الأبعاد الإنسانية في العلاقات بين سائر الأجناس، بإشاعة روح المحبة والتسامح والإحسان، وكل ما يؤدي الى حق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه: إنما أنا رحمة مهداة.

وتفعيلا لهذه الدعامات الكبرى المؤسسة لعمل المجالس العلمية في المغرب فإن المجلس العلمي الأعلى يعمل جاهدا على تحقيق غايات سامية، ويسعى إلى بلوغ أهداف شريفة شاملة، من أهمها:

  1. ضمانُ التعريف الصحيح بالدين أحكاما ومقاصد ومنهجا راشدا في التفهيم وطريقة التنزيل؛
  2. تأمينُ التدين السني الوسطي المعتدل وفق الثوابت الجامعة، والاختيارات الموحدة التي أجمعت عليها مشيخة العلم؛
  3. تحصينُ الأمة من الأفكار المضللة، والممارسات المنحرفة الوافدة على المجتمع، وتحسيسُ الناس بشأنها، وتبصيرُهم بمخاطرها المشوشة على بلوغ الحياة الطيبة التي وعد بها عباده الصالحين.
  4. تأهيلُ العاملين في المجال الديني، من خلال بلورة رؤية واحدة لعمل تشاركي مستند إلى إحسان فهم الدين ومقاصده، والقيام بحق بلاغه؛
  5. ضبطُ الفتوى في الأمر العام بمؤسستها الدائمة، توحيدا للوجهة ودرءا للفتنة، وإخمادا لنار التفريق وتسكينا لِهِيَاج الشر؛
  6. تعزيزُ التعليم الشرعي المنضبط برؤية المؤسسة، خصوصا في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات لضمان الاستمرارية الممكنة من حفظ التدين الصحيح، تعليما يَتَحَقَّقُ به الترقي في مراتب الإسلام والإيمان والإحسان ويسهل حفظُ تماسك الجماعة؛

أيها السادة الفضلاء والسيدات الفضليات؛

إن وظائف المؤسسة العلمية وأنشطَتها الأساسية المستمدة من وظائف النبوة، والمتمثلة في التعليم، والتزكية، والتبليغ، والإصلاح، ومراعاة وحدة الجماعة…، تتطلع إلى بلوغ المقاصد والغايات المشتركة بين جميع المسلمين.

وبناء على ذلك كله؛ فإن مؤسسة العلماء تعمل دوما على:

  1. تعميمِ الفهم الصحيح للدين وتعزيزه بصور التنزيل الراشدة، وتحذيرِ المتعاطين للنظر في الدين من التحريف الغالي، والتأويل الجافي، والانتحال الطاغي، إسهاما في علاج الممكن من حالات فساد التدين المشاهدة في الواقع الإسلامي؛
  2. معالجةِ اختلالات التدين ومظاهر الغلو والتشدد، في الفهم والتنزيل، لدرء الفتن على صعيدي الوطن والأمة، والقارة الإفريقية، وسائر البلاد الإسلامية؛ من خلال تبديد وتفكيك خطاب الغلو الذي يسيء فهم مفردات ومفاهيم الدين، ويُعملها في غير سياقها المناسب؛ ومن خلال تثبيت أصول وكليات الدين في مراتبها المقررة لها في التشريع، وكون الفروع والجزئيات خادمة لها وليست أصولا ولا كليات محلها.
  3. تعزيزِ التنوع الثقافي والحوار بين مذاهب الأمة واختياراتها المختلفة من خلال بث خلق المحبة والنصيحة وثقافة المسالمة والتسامح؛
  4. الإسهام في حل المشكلات الاجتماعية والأخلاقية الناشئة عن إغفال خصائص الإنسان المتعددة والمركبة؛ بتكريس العناية بالبعدين الروحي والمادي بمختلف تجلياتهما في توازن وانسجام؛
  5. توحيد جهود علماء المسلمين بكل من المغرب وسائر الدول الإفريقية الشقيقة والصديقة، وتوطيد العلاقات بينهم لأداء واجب التعريف بالإسلام وقيمه الكونية المرعية في المشترك الإنساني، وتنشيط الحركة الفكرية والعلمية والثقافية في العلوم الإسلامية.
  6. تشجيعِ الأبحاث والدراسات في المجالات الدينية والثقافية والتاريخية الأصيلة المشتركة، وحفظ التراث الإسلامي الإفريقي العريق وإحيائه ونشره؛ تحقيقا لصور التعاون المنشودة، وتحقُّقا بمبادئ الأخوة المقررة في ديننا الحنيف.
  7. تبادلِ التجارب الناجحة والآراء الصائبة مع الدول الإفريقية التي يشهد تراثها الروحي والعلمي والثقافي بقوة ارتباطه بإمارة المؤمنين صانها الله، ارتباطا تاريخيا ودينيا وإسناديا وحضاريا عبر العصور، يرعاه دائما تحت نظره، ويحميه بنافذ بصره وينميه بفائق فكره وواسع جوده وكرمه.
  8. الانفتاحِ على الثقافات والمعارف الإنسانية المتنوعة أخذا وعطاء، تفعيلا لقيم التعارف والتعاون الأصيلة في الدين؛ والمشاركةِ في إغناء وتطوير المعارف الإنسانية من منظور إسلامي اقتراحي منفتح، مُؤسس على الاحترام المشرف، والتكامل المثمر، والحضور الفعال.

أيها الجمع المهيب؛ إن مؤسسة العلماء زيادة على كل ذلك، تحمل رسالة عظيمة لخدمة الإسلام والمسلمين والإنسانية؛ حينما تحرص، أولا، على ترسيخ قيم التوسط والاعتدال في التدين، المبني على حسن وسلامة الفهم والتنزيل لنصوص الدين، من خلال اختياراتها الدينية المؤسسة لهذا المنهج؛ وحينما تحرص، ثانيا، على إشاعة روح المحبة والسلام والتعاون بين الشعوب بنزع مبرراته في الخصومة والعداء، إيمانا منها بالتعدد والاختلاف المثمر، وإقامة جسور التواصل بين الأديان والثقافات والشعوب؛ وحينما تحرص، ثالثا، على تأهيل وتكوين نخب وأجيال من الأطر الباحثين في الشأن الديني، في معهد متخصص، من دول إفريقية وأوربية، لتجعل منهم رسل سلام، ومنبع خير متدفق، ولحمة جامعة وموحدة للصف، في بلدانهم وفي سائر البلدان.

فالله تعالى، رب الناس جميعا، وملك الناس جميعا، ورسالته تخص الجميع؛ والتفاضل عنده لا يكون إلا بالتقوى، مصداقا لقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ [الحجرات:13].

 

والحمد لله رب العالمين

الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى

الدكتور محمد يسف

 

كلمات مفتاحية :