كلمة الأستاذ محمد يسف في اختتام الدورة الثالثة لاجتماع المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة

كلمة الأستاذ محمد يسف في اختتام الدورة الثالثة لاجتماع المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة

 

الأستاذ محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى بالرباط - علماء افريقيا -
الأستاذ محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى بالرباط

 

كلمة الأستاذ محمد يسف في اختتام الدورة العادية الثالثة لاجتماع المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة الذي انعقد بفاس يومي الثلاثاء والأربعاء 20 -21 ربيع الثاني 1441هـ، الموافق لـ 17 – 18 دجنبر 2019م. 

 

باسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

صاحب الفضيلة الشيخ الجليل السيد إبراهيم صالح الحسيني

سيادة الأمين العام للمؤسسة

أصحاب الفضيلة العلماء والعالمات

أيها الملأ الكريم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

أرى أنه لا ينقص هذه الجلسة الختامية المباركة إلا حضور معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الرئيس المنتدب لهذه المؤسسة، وما كان له أن يغيب لولا زحمة الأشغال التي لا تسمح بالتأخير، لذلك نسجل أن المانع الذي منعه من الحضور هو إكراهات كثيرة ولكنه بقي معلقا بمتابعة أعمال هذا اللقاء المبارك.

أصحاب الفضيلة العلماء والعالمات

إن من يستمع إلى هذا التقرير وإلى البرنامج الحافل الذي كان ثمرة هذه الدورة الثالثة لهذه المؤسسة لا يسع -لمن يستمع إليه- إلا أن يبتهج بالخطوات الجادة التي تسير بها مؤسسة محمد السادس لعلماء إفريقيا.

إن هذا عمل يثلج صدر إفريقيا كلها ويثلج صدور المسلمين في كل مكان. وعلى رأس من يهمه أمر هذه المؤسسة وهو أمير المؤمنين صاحب هذه الفكرة الرائدة التي تتعلق بجمع شمل علماء افريقيا قاطبة في شمال هذه القارة وفي جنوبها وفي شرقها وغربها، كلهم الآن مجتمعون على صعيد واحد ليناقشوا قضايا الإسلام والمسلمين عامة، وقضايا إفريقيا ونهضتها على وجه الخصوص.

إنها خطوات ثابتة تخطوها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، فأمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله يخص علماء الأمة ويخص علماء الإسلام باحترام كبير وحب عميق، هذا شيء نعيشه نحن في بلدنا هنا، فالمؤسسة العلمية في هذا البلد هي برئاسة أمير المؤمنين نفسه. وقد اتسعت خريطة هذه المؤسسة العلمية فأصبحت تشمل سائر الأقاليم والجهات في هذه المملكة. فحيثما توجهتم أيها العلماء الكرام، أيتها العالمات الفاضلات وأنى حللتم في هذا البلد ستجدون مجلسا علميا وستجدون علماء يستقبلونكم في شمال هذه المملكة وفي جنوبها وفي شرقها وغربها وفي وسطها.

إنها مبادرات لأمير المؤمنين لكن هذه المبادرة التي أشرقت على علماء افريقيا الذين نعتز بهم، وكنا نسمع عن علماء إفريقيا، وهم في بلدانهم قبل أن نلقاهم ولكن اليوم نحن نجلس معهم ونقابلهم وجها بوجه، ونجد فيهم العلم والفضل والصلاح والإخلاص والإصرار على تجديد عمل العلماء في هذا العصر الذي تحتاج  فيه أمتنا الإسلامية في إفريقيا وفي كل بقاع الأرض إلى علمائها، لابد أن يحضر علماؤها وأن يكونوا في القيادة، أن يكونوا هم من يقودون أمتهم لأنهم هم الذين يحملون السر ويعرفون كيف ينهضون أمتهم من كبوتها وكيف يردون عنها ما يتهدد وجودها المعنوي ووجودها الروحي بالفناء.

فعلماء الأمة هم من ينبغي أن يتصدروا ويقودوا هذه الأمة لأنهم هم الذين يحملون الوحي المحمدي وهم القادرون على تفعيل هذا الوحي ليخرجوا به أمة كما أخرجها الوحي لأول مرة وسماها خير أمة أخرجت للناس، فالمسلمون ينتظرون تجديد هذه الأمة ولن يجددها غيركم أيها العلماء وأيتها العالمات.

أحس باجتماع علماء افريقيا وهم يجتمعون هنا وهناك، سواء في دورتهم الأولى أو في دورتهم الثانية أو دورتهم الثالثة هذه، أحس بأن إفريقيا مبتهجة الآن باجتماع علمائها وكأني أنظر إليها وهي موجودة معنا هنا في أشخاصكم، شاهدة عليكم علماء هذا العصر: كيف يفكرون وكيف يتكلمون عن إفريقيا؟ ماهي رؤيتهم لمستقبل إفريقيا؟

إن إفريقيا الآن تتابع خطواتكم أيها العلماء وأيتها العالمات. فلا ينبغي لعلماء إفريقيا في هذا العصر أن ينسوا أن أمتهم تنظر إليهم، فهم أملها، وأنتم آمالها، وأنتم عنوان هذه الأمة، وأنتم ضميرها، ولذلك لابد أن نستحضر هذه المسؤولية الثقيلة التي على كاهل العلماء والتي لا يستطيع أحد أن يقوم بها إلا العلماء.

الآن علماء افريقيا بعملهم وبخطاهم هاته التي يتحركون بها فوق أديم أرض إفريقيا لا تنظر إليها إفريقيا وحدها وإن كانت إفريقيا هي التي يهمها أمركم ويهمها أمر علمائها ويهمها أن يفكر علماؤها في نهضتها. إفريقيا تريد أن تتحرك وأن تعيش وأن تخرج إلى الدنيا وأن تتحدث وأن يسمع الناس كلامها، إفريقيا تنتظر هذا، ولكن إذا نهضت إفريقيا بفضل جهود علمائها المخلصين فيها والصالحين المصلحين من أبنائها وبناتها لابد أن تكون هذه العملية النهضوية الحضارية -لابد أن تكون- قدوة لغيرها من باقي أمم الأرض.

المسلمون موزعون في القارة كلها ولكنهم يحتاجون إلى نموذج يقتدون به ويسيرون خلف خطاه. فأنتم ذلك النموذج، أنتم الآن تصنعون ذلك النموذج، والتجربة هي في إفريقيا، فإذا استطعنا حماية قارتنا، حماية إنسان هذه القارة، إذا استطعنا أن نصنع منه إنسانا صالحا لأن يكون في مقام الخلافة والريادة فإن الأمة الإسلامية لابد أن تقتدي بهذا النموذج ولقد تعودنا نحن في هذا البلد أن كل مبادرة إمامية في بلدنا يصاحبها ويرافقها النجاح الدائم.

المغرب يسعى الآن ويجتهد في أن يقدم نموذجا، هذا النموذج يسهر عليه ولي أمر هذه الأمة أمير المؤمنين محمد السادس أعزه الله الذي يريد لهذا البلد أن يكون نموذجا في إفريقيا وفي غير إفريقيا. ولكن السند والمرجعية هو إيمان هذه الإمامة في هذا البلد ذات المرجعية الدينية، فالدين أساس كل نهضة لأنه آت من الوحي والوحي هو خطاب السماء إلى الأرض، وقلنا إن السماء عندما تتكلم وعندما يأتي الوحي ليخاطب الناس فإن الناس عليهم أن يستمعوا ويسكتوا لاستماع خطاب الوحي والإصغاء إليه. كذلك فعل سلفنا الصالح رضوان الله عليهم في بداية تنزيل الوحي الذي طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزله عليه الصلاة والسلام بعمله كما هو واضح في سيرته العطرة، وبشرحه في سنته المطهرة ففيه الوحي ولكن فيه أيضا تنزيل هذا الوحي على الأرض.

فالرسول عليه الصلاة والسلام في سلوكه وفي سيرته كان قرآنا يتحرك على الأرض، فشاهد الناس  كيف يتحرك القرآن، وماذا تصنع حركته في الناس، كذلك ينبغي للعلماء الوارثين لهذا الوحي أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحركوا في بلدانهم وأوطانهم وهم يحملون صورة الوحي، أن يتحرك هذا الوحي في سيرتهم وفي سلوكهم وفي أعمالهم وإخلاصهم، كذلك فعل رسول صلى الله عليه وسلم وكذلك فعل صحابته رضوان الله عليهم، فلذلك كانت تلك النهضة. فالرسول عليه الصلاة والسلام أحيا قوما كانوا منسيين ومهمشين على الأرض لا يبالي أحد بهم فأخرج منهم أمة وأخرج منهم إنسانا، ذلك الإنسان هو الذي علم الناس المبادئ الأخلاقية والقيم الخالدة فانتشر المسلمون في أرض الله يبلغون عن رسول الله لأنهم آمنوا كما علمهم الوحي أن هذا الدين لم يأت للعربي وإنما جاء ليخاطب الإنسانية كلها أينما كان موقعها على سطح الأرض. “وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا”. كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال للعلماء أنتم الورثة والوارثون لهذه الأمانة.

فإذن ينبغي أن نستحضر دائما هذه الوراثة، وهذه الأمانة العظمى التي وضعها رسول الله عليه الصلاة والسلام على كاهل العلماء. نحن هنا مع الإمامة العظمى ومع إمارة المؤمنين نحيي بقيادته هذه المبادئ وهذه الأخلاق، فعلماء المغرب وقد قال السيد الرئيس المنتدب لهذه المؤسسة في الكلمة التي حضرتموها: “ينبغي للعلماء أن يتعرفوا على أنفسهم وعلى بلدانهم” ودعا علماء افريقيا أن يتعرفوا على المغرب من خلال التواصل مع علماء المغرب ومع الفضلاء الصالحين والمصلحين في هذا المغرب، كذلك على علماء المغرب وعلى الصالحين فيه أن يتعرفوا على كل قطر من أقطار إفريقيا حيث يوجد علماء افريقيا . فهذه دعوة صالحة لأن نعمل على تطبيقها لأنه لا يمكننا أن نقوم بعمل جاد وهادف إلا إذا كنا على بينة من بلداننا ووطنا الإسلامي قاطبة وإنسان هذا الوطن وما يعتري هذه الأوطان من معيقات. فالعلماء هم الأطباء في أمتهم ولذلك فنحن عندما نجتمع هنا فإننا نستحضر كل هذه الأبعاد، نستحضر بأن أمتنا بحاجة لمن يداويها ومن ينزل الدواء على الداء، ولا يمكن ذلك إلا إذا كنا مستحضرين وعارفين ومدركين كل الإدراك للأعطاب التي أصابت أمتنا والتي تحتاج إلى طب ليعالجها.

كان علماؤنا رضوان الله عليهم يجتهدون للتعرف على أوطانهم وعلى أحوال شعوبهم وعلى مجتمعاتهم ويعتبرون ذلك واجبا عليهم خصوصا العالم الذي يتصدى لإرشاد الناس وتوجيههم وإصلاح أحوالهم لابد أن يكون عالما عارفا محيطا بأوضاع مجتمعه وبلده حتى يعرف كيف يخاطب الناس وكيف يقدم ويرتب الأولويات ويجعلها هي الأساس، هذه هي رسالتنا إخواني العلماء أخواتي العالمات عن العلماء لابد أن نستحضرها، نحن نجتمع وسنجتمع وستتكرر الاجتماعات، لكن الناس ينتظرون ثمار هذه الاجتماعات وماذا ستعطي هذه الاجتماعات، وماذا سيحقق العلماء. ليس فقط كلام خطب ولكن ينبغي أن نصنع شيئا على الأرض، أن نصنع شيئا في أرضنا ولأوطاننا وأن نعالج الأمراض المستشرية. فإذا لم يشاهد الناس تحولا وتغييرا في أوطانهم وفي محيطاتهم ومجتمعاتهم بيد العلماء فإنه سيسمعون بأن هناك علماء ولكنهم لا يشاهدون آثارا لهذه الاجتماعات وهذه اللقاءات. هذه اللقاءات هي فقط للتشاور والمذاكرة وللدرس ولمزيد من الفهم والوعي وتلاقح الأفكار فنحن هنا في بلدنا نستفيد كثيرا من إخواننا علماء افريقيا الذين يشدون الرحلة إلى المغرب وهم يحملون أفكارا وآراء وتجارب نحن في أمس الحاجة إليها والمسلمون في حاجة إلى هذا التنوع المستمر وهذا التلاقي، لا بد أن تحققوه في بلداننا وفي إفريقيا بالخصوص، لنصنع نموذجا وهذا شيء يثلج صدر المؤمنين والصالحين والمجددين. فالمجددون الذين مضوا من قبلنا كانوا يسعون إلى هذه الغاية ولكن لم تتوفر لهم الوسائل التي توفرت لعلماء اليوم وعلماء هذا العصر، توفرت لنا نحن في هذه الأرض وسائل ما كان ليحلم بها الصالحون الذين مضوا من قبلنا.

لذلك فإفريقيا الآن تشهد على علمائها الذين يجتهدون ويتحركون، ماذا سيصنعون، إنها تنتظر، ولابد أن نحقق رجاءها وأن يتحقق رجاء أمتنا في علمائها وفي صالحيها وفي أوليائها وفي المخلصين من أبنائها.

أهنئ مؤسسة محمد السادس التي تخطو هذه الخطى المتأنية ولكنها خطى عاقلة وحكيمة تسير الهوينى ولكنها تريد أن تثبت أقدامها على الأرض، لابد أن نثبت أقدامنا على هذه الأرض وأن نصنع شيئا لأمتنا هنا وهناك وهنالك وفي كل مكان، فأمتنا موزعة في هذه الكرة الأرضية.

كما أهنئ أيضا الأمانة العامة لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة على ما تبذله من جهود، ونهنئ السيد الرئيس المنتدب الذي يترجم بدقة وإخلاص توجيهات أمير المؤمنين الذي يتابع خطى هذه المؤسسة ويعلق عليها أكبر الآمال في ان تكون قوة جديدة ومعنوية ووجدانية وروحية وعلمية لإفريقيا. فإفريقيا لا ينقصها شيء كما ينقصها هذا الجانب القوي والمعنوي، فالوجود المعنوي لإفريقيا لابد أن يتحقق، وهو بين أيديكم، فأنتم رسل الإسلام إلى إفريقيا ونحن شركاء في هذا سواء كنا في شمال هذه القارة أو كنا في جنوبها أوكنا في شرقها أو في غربها أو في وسطها، فكلنا مسؤولون عن هذه الأمانة.

أهنئ مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة على أخذها هذه الأمانة بقوة، وأنها ستواصل هذه الرحلة وهي حاملة لهذه الأمانة.

ونتمنى إن شاء الله أن نلتقي في لقاء آخر هنا أو هناك أو في أي مكان من وطننا الإسلامي الكبير، بارك الله فيكم وهنيئا للمؤسسة وهنيئا لعلمائنا بما حققوه من أجل تثبيت قدم هذه المؤسسة وبما سيحققونه إن شاء الله من فتوحات وبركات يظهر أثرها في أمتنا وفي مجتمعاتنا وفي تغير أحوالنا. ولكن لابد أن نستحضر أيضا أن التغيير إنما يبدأ من الإنسان، فالإنسان هو الذي يغير ولاسيما الذي يتصدى للإصلاح لابد أن يراجع نفسه ويدرس أحواله؛ هل هو من الذين يستطيعون أن يغيروا، إذا تغير هو فإن كل شيء يضع يده فيه ويدعو إليه سيحدث تغييرا ولا شك أن العلماء عازمون مصرون على أن يحققوا هذا التغيير في نفوسنا وفي مجتمعاتنا وفي أمتنا إن شاء الله.

وبارك الله في علمائنا وبارك الله في هذه المؤسسة وحفظ الله راعي هذه المؤسسة أمير المؤمنين مولانا محمد السادس الذي يقود خطاها ويتابع نشاطها ويحب علمائها،والحمد لله رب العالمين.

كلمات مفتاحية :