جهود علماء المغرب الرحّالة في تحصين الثوابت الدينية للمغاربة

جهود علماء المغرب الرحّالة في تحصين الثوابت الدينية للمغاربة

ذ. محمد الأندلسي أستاذ باحث بتطوان
ذ. محمد الأندلسي أستاذ باحث بتطوان – المغرب

ألقيت هذه الكلمة خلال الندوة العلمية الدولية التي نظمها، بفاس، موقع الثوابت الدينية المغربية الإفريقية بالتعاون مع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع “قول العلماء في الثوابت الدينية المغربية الإفريقية”، يومي السبت والأحد 25 و26 ذي القعدة 1443هـ الموافق لـ 25 و26 يونيو 2022م.

تقديم

في إطار اعتنائهم بالثوابت الدينية المغربية وسعيهم إلى تحصنيها، وتمنيع المجتمع في مواجهة الغلو والتطرف والتكفير، أفرد العلماء والفقهاء المغاربة كُتبا ومؤلفات عديدة لشرح العقيدة وتأصيلها، وجمع أقوال علماء المذهب المالكي وتقعيدها، فضلا عن التأليف في التصوف السني والأحكام السلطانية. فأصبح المغرب يتوفر على تراث عقدي وفقهي وصوفي ينتظم داخل نسق واحد ومنظومة متكاملة ومتناغمة، يغبطه عليها العالم الإسلامي كله، وأصبح التدين المغربي أنموذجا يحتذى ونبراسا يقتدى، لما يمتاز به من الوسطية والاعتدال وقبول الآخر والتعايش معه.

إن توثيق هذا التراث الديني المغربي لم يكن محصورا في المؤلفات والكتب الموضوعية، بل تعداه إلى المؤلفات النفيسة ككتب الرحلات والنوازل الفقهية والمناقب الصوفية. فكتب الرحلات التي اعتمدنا عليها كمادة مصدرية في تفكيك هذه الإشكالية وتحليلها، تعد من المدونات التي برع المغاربة فيها حتى صارت تقليدا دأبوا عليه بعد إيابهم من رحلات الحج. وقد تضمن هذا الصنف من التآليف فصولا مستقلة أو منبثة لمناقشة المسائل العقدية والفقهية، كما اشتمل على جوانب صوفية معتبرة.

لقد انبرى علماء المغرب وصوفيته الرحالة لتحصين عقيدة المغاربة وتسييجها بسياج العقيدة الأشعرية، عقيدة أهل الحق وأهل السنة والجماعة، واختاروا العمل بمذهب إمام دار الهجرة الذي يمثل تجسيدا عمليا لهذه العقيدة في جانب العبادات والمعاملات، وانتظموا في سلك الطريقة الجنيدية السنية في جانب السلوك والتزكية. فصاروا بذلك على نهج السلف الصالح في نشر المعرفة الدينية الصحيحة والمؤصلة من الكتاب والسنة، وفي هذا الصدد يقول الإسحاقي: «وأما أهل المغرب فعلى مذهب الإمام مالك في الفروع، وعلى مذهب أبي الحسن الأشعري في الاعتقادات، سالمين من الشبهات والنزعات والتشيعات والنزوات. وعِلم علمائه سالم من التخليط والتدليس، رواية صريحة ودراية صحيحة، كل عالم منهم فيهما رئيس، يشاركون في العلوم كلها فقها وحديثا وأصولا وتفسيرا وإعرابا وغير ذلك ﴿جزاء من ربك عطاء حسابا﴾[1] [2]».

حاول العلماء المغاربة الرحالة تصحيح الكثير من الاعتقادات الباطلة والمذاهب الفاسدة؛ التي ألفوها منتشرة بتلك الأصقاع، بَدْءا بانتقادها واستنكارها، ثم تِبْيَانِ عِلَلِ فسادها.

والملاحظ أن علماء المغرب خلال القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، سلكوا الطريق نفسه الذي سلكه أسلافهم في الماضي، واقتفوا أثرهم، واتبعوا نهجهم في تحصين عقيدة المسلمين وحمايتها من الشوائب الدخيلة التي قد تعلق بها جراء الانفتاح على التيارات المذهبية والفكرية القادمة من المشرق، والتي من شأنها زعزعة الأمن الروحي لعامة المسلمين، فكانوا بذلك صمام آمان بالنسبة للمنظومة العقدية والدينية المغربية، فحازوا اعتراف علماء المشرق لهم بالفضل والعلم، كما يستشف ذلك من لقاء ابن الطيب الشرقي بالشيخ سالم النفزاوي المالكي بالأزهر الشريف، حيث قال: «وهَشَّ لملاقاتنا وبَشَّ، وأخذ في الثناء على علماء المغرب والاعتراف لهم بالفضل»[3].

ارتأينا أن نقارب هذا الموضوع من زاوية تاريخية أكثر منها فقهية، وذلك بالاعتماد على مادة مصدرية تكونت أساسا من نصوص الرحلات الحجازية المغربية التي ألَّفَهَا علماء مغاربة طبقت شهرتهم الآفاق، وحازوا مراتب علمية سامية في المغرب كما في المشرق، لجمعهم بين عِلْمَيْ الشريعة والحقيقة، فكانوا مراجع للعلماء قبل طلبة العلم.

تكونت هذه النصوص الرِّحْلِيَّة من: «الرحلة الناصرية» لأبي العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي (ت. 1129ﻫ)، التي ألفها عن حَجِّهِ عام 1121ﻫ – 1122ﻫ/ 1709م – 1710م، و«الرحلة الحجازية» لأبي محمد سيدي الشرقي بن محمد الإسحاقي (ت بعد 1150ﻫ)، عن حجه عام 1143ﻫ/ 1731م،  و«الرحلة الناصرية الكبرى» لأبي عبد الله محمد بن عبد السلام الناصري (ت.1239ﻫ)، عام 1196 ﻫ / 1782م، و «الرحلة الحجازية» لأبي عبد الله محمد بن الطيب الشرقي الفاسي (ت.1170ﻫ)، لعام 1139ﻫ/ 1727م.

ولسنا في حاجة إلى التعريف بما لهذا الصنف من التآليف من أهمية حضارية وعلمية بالغة، فهو منجم ثر، غني بمواده وعلومه المتنوعة، التي تعكس ثقافة وتجربة المؤلف الرحال.

وارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى قسمين رئيسين؛ تناولنا في القسم الأول منهما، قول العلماء المغاربة الرحالة في العقيدة الأشعرية وجهودهم في بعث الحركة العلمية والتعليمية في بلاد المشرق. أما في القسم الثاني، فقد وجَّهنا دراستنا شطر الهوية الصوفية المغربية في مقابل الطرق الصوفية المشرقية، وحاولنا إبراز مقومات التصوف المغربي من خلال نموذج الطريقة الناصرية الشاذلية، نظرا لانتماء اثنين من العلماء الذين اعتمدنا على نصوص رحلاتهم لهذه الطريقة الصوفية المغربية.

أولا: قول العلماء المغاربة الرحالة في العقيدة الأشعرية وجهودهم في بعث الحركة العلمية بالمشرق

1 قول العلماء المغاربة الرحالة في بعض المسائل العقدية

حرص علماء المغرب الرحالة على تضمين كتب رحلاتهم الحجازية فصولا أفردوها لمناقشة عدد من المسائل العقدية التي عرضت عليهم أثناء مُقامهم بالديار المشرقية، فتصدروا للإجابة عنها في ضوء مبادئ المنظومة العقدية الأشعرية، ومنهجها في الاستدلال والنظر. كما استنكروا بعض العقائد الغريبة التي ألفوها منتشرة في بعض البلدان المغاربية وبينوا علل فسادها، فساهموا بذلك في تصحيح عقيدة الناس وتحصينها وتأصيل سندها بما كان عليه السلف الصالح من أهل السنة والجماعة. والمشاهد المعبرة عن هذا الواقع العقدي في نصوص الرحلات الحجازية المغربية كثيرة، وتكاد تتكرر في جُلِّها، ومن ذلك الرحلة الناصرية الكبرى لمحمد بن عبد السلام الناصري، الذي عقد فصلا مستقلا في رحلته خصصه لمناقشة بعض المسائل العقدية التي سئل عنها بمصر، كمسألة رؤية الأنبياء والأولياء للحفظة من الملائكة، وسؤالهم في القبور وحسابهم يوم القيامة، فكان جوابه كالآتي: «إن رؤية الأنبياء والأولياء للحفظة جائزة واقعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: «يتعاقبون فيكم ملائكة»[4]، فيحتمل أنه خبر عن مشاهدة، وعن خبر جبريل عليه السلام، وظاهر قوله تعالى: ﴿ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه﴾ إلى ﴿عتيد﴾[5]، عمومه حق في الأنبياء، وعليه ففائدة كَتْبِ حسناتهم وإن لم تُشَبْ بكبرياء للتنزيه بقدرهم في عالم الملائكة وفي القيامة. وأما صحيفة السيئات فمعطلة في حق الأنبياء، ليس فيها ولا الصغير من الذنوب على الصحيح، ولا قبل النبوة ولا بعدها. وهذا الذي ينبغي أن يراد الله تعالى به، وما روي في الكتاب والسنة مما ظاهره صدور الذنب منهم ونحو: ﴿وعصى آدم ربه﴾[6]، ﴿لم تحرم ما أحل الله لك﴾[7]، في نظائر فمُؤول، والسيد يقول لعبده ما شاء. وما هي إلا حسنات الأبرار سيئات المقربين، نعم يسأل هل للملائكة حفظة منهم على أعمالهم كالبشر؟ الجواب: إنه يبعد كل البعد ذلك لما يلزم عليه من التسلسل، والحفظة إنما هم في حق البشر من الآدميين والجن، إذ هم شقائق الإنس في الأحكام. وأما سؤال الأنبياء في قبورهم فلا معنى له، إذ السؤال إنما هو عن التوحيد والتصديق بالرسل، وإنما يأتيهم بشير ومبشر في مقابلة نكير ومنكر في حق غيرهم»[8].

وفي مسألة شريعة عيسى عليه السلام من لدن صعوده ورفعِه إلى السماء إلى نزوله إلى الأرض، بم كان يتعبد أبشريعته – إذ الأصل الاستصحاب – أو بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، أم غير مكلف بشريعة وإنما هو متعبد بما يتعبد به الملائكة الذين هو بين ظهرانيهم؟ فكان جوابه كالآتي: «إنه لم يتعبد بعد الرفع بشريعته ولا بشريعة نبينا لأن نبينا صلى الله عليه وسلم ليس مبعوثا إذ ذاك بل ولا بموجود، وبعد بعثه إلى الآن لم يكن عيسى عليه السلام في عالم البشر حتى يخاطب بما يخاطب به البشر وإنما هو في عالم الملائكة، فهو مخاطب بما تخاطب به الملائكة، متعبد بما هم متعبدون به […] وقال بعضهم: لما رفع إلى السماء صار كالملائكة في زوال الشهوة، وهذا كله أن بينا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث للملائكة، وأن السماء ليست محلا للتكليف، كما للجمهور خلافا للسيوطي في الخصائص. وأما بعد نزوله إلى الأرض فلا شك أن يتعبد بشريعة نبينا، بل يحكم بها كما ثبت ذلك، وحكى عليه الإجماع. وفي رواية لابن عباس: «فيصلي الصلوات ويجمع الجمع»، ومجموع الخمس وصلاة الجمعة لم تكن لغير هذه الملة. فإن قيل: فما كيفية حكمه، باجتهاده هو أو بمذهب أحد المجتهدين؟ الجواب أنه منزه عن أن يقلد غيره بل هو أولى بالاجتهاد، وأحكام شرعنا يعلمها من القرآن إذ ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾[9] وإنما احتجنا نحن إلى غيره لقصورنا»[10].

وضمَّن أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي رحلته فصلا مستقلا سماه بــــ «التحفة المرسلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم»، تحدث فيه عن ماهية الوجود ومراتبه السبعة، فقال: «الحق سبحانه وتعالى هو الوجود، وأن ذلك الوجود ليس له شكل ولا حد ولا حصر، ومعنى ذلك ظهر وتجلى بالشكل والحد ولم يتغير عما كان من عدم الشكل وعدم الحد بل الآن كما كان. وأن الوجود واحد والألباس مختلفة ومتعددة، وأن ذلك الوجود حقيقة جميع الموجودات وباطنها، وأن جميع الكائنات حتى الذرة لا تخلو عن ذلك الوجود، وأن ذلك الوجود ليس بمعنى التحقق والحصول لأنهما من المعاني المصدرية ليسا بموجودين في الخارج. فلا يطلق الوجود بهذا المعنى على الحق الموجود في الخارج، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، بل عَنينا بذلك الوجود الحقيقة المتصفة بهذه الصفات؛ أعني وجودها بذاتها ووجود سائر الموجودات بها وانتفاء غيرها في الخارج. وإن ذلك الوجود من حيث الكُنْهُ لا ينكشف لأحد ولا يدركه العقل ولا الوهم ولا الحواس، ولا يأتي في القياس، لأن كلهن محدَثات والمحدَث لا يدرك كُنْهَ المحدِثِ، تعالى ذاته وصفاته عن الحدوث علوا كبيرا،»[11]. أما بالنسبة لمراتب الوجود فقد جعلها سبع مراتب هي: المرتبة الأحدية «وهو كونه الحق سبحانه وتعالى، وليس فوقها مرتبة أخرى بل كل المراتب تحتها»[12]، والوجود في هذه المرتبة لا يعين ولا يطلق فهو منزه عن إضافة النعوت والصفات ومقدس عن كل قيد حتى عن قيد الإطلاق أيضا. ثم مرتبة الوحدة والحقيقة المحمدية؛ وهي «مرتبة التعين الأول، وهي عبارة عن علمه تعالى بذاته وصفاته وبجميع الموجودات على وجه الإجمال من غير امتياز بعضها عن بعض»[13]. ثم مرتبة الواحدية والحقيقة الإمكانية؛ وهي «مرتبة التعين الثاني، وهي عبارة عن علمه بذاته وصفاته وبجميع الموجودات على طريق التفصيل وامتياز بعضها عن بعض»[14]. ويؤكد أحمد بن ناصر أن هذه المراتب الثلاث كلها قديمة والتقديم والتأخير عقلي لا زماني[15]. ثم مرتبة الأرواح؛ «وهي عبارة عن الأشياء الكونية المجردة البسيطة التي تظهر على ذواتها وعلى أمثالها»[16]. ثم مرتبة عالم المثال؛ «وهي عبارة عن الأشياء الكونية المركبة اللطيفة التي لا تقبل التجزؤ والتبعيض ولا الخرق ولا الالتئام»[17]. ثم مرتبة عالم الأجسام؛ «وهي عبارة عن الأشياء الكونية المركبة الكثيفة التي تقبل التجزؤ والتبعيض والخرق والالتئام»[18]. ثم مرتبة الإنسان؛ «المرتبة الجامعة لجميع المراتب المذكورة الجسمانية والنورانية والوحدة والواحدية، وهي التجلي الأخير واللباس الأخير وهي الإنسان»[19]. ثم يجمل القول: «فهذه سبع مراتب: الأولى منها هي مرتبة اللاظهور، والستة الباقية هي مراتب الظهور الكلية، والأخيرة منها- أعني الإنسان- إذا عرج وظهر فيه جميع المراتب المذكورة مع انبساطها يقال له الإنسان الكامل، والعروج والانبساط على الأكمل كان في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا كان خاتم النبيئين»[20].

وإذا أتينا إلى موقف العلماء المغاربة الرحالة من الفرق والمذاهب الغريبة التي ألفوها منتشرة بين الناس في بعض البلاد بالمشرق كما بالمغرب الكبير، نقف على استنكارهم وتبرُّئِهم من تلك العقائد الفاسدة والبدع الضالة المضلة؛ فالإسحاقي في معرض حديثه عن جزيرة جربة التونسية، لاحظ انتشار مذهب الرفض الخارجي بين أهلها، حيث قال: «وأهل جربة مشهورون بالرفض موسومون به، لكنهم يخفون مذهبهم الفاسد ممن يخافون منه، وهم ينقسمون إلى قسمين بل فرقتين، فرقة تعرف بالوهبية وفرقة تعرف بالنكارة، وكلتا الطائفتين خوارج غلاة في مذهبهم، مكفرون للعصاة على ما هو معروف في مذهب الخوارج. لا كمذهب المعتزلة في امتناعهم من إطلاق اسم الكفر على من واقع كبيرة ولم يتب منها، فإن المعتزلة لا تسميه كافرا ولا مؤمنا، وتسميه فاسقا على حكمهم بتخليده في جهنم وتأبيد عذابه، وكأن المعتزلة بزعمهم توسطوا في هذه بين مذهب الخوارج ومذهب أهل السنة»[21].

وتحدث الشيخ أحمد بن ناصر الدرعي عن عقيدة الشيعة الإسماعيلية القادمين من العراق، مُسفِّها آراءهم وأفكارهم التي يعتقدون فيها، وخاصة مبالغتهم في تعظيم السيد إسماعيل رضي الله عنه، معتبرين إياه من الأئمة الاثني عشر المعصومين، وأنه على دين أخيه موسى الكاظم متبع له غير مخالف، فكان قوله فيهم: «ومن علم أحوال هؤلاء الأئمة من أهل البيت وأسلافهم وأولادهم رضي الله عنهم، علم ما كانوا عليه من تعظيم السنة ووفور العلم وتعظيم أصحاب جدهم صلى الله عليه وسلم، علم براءة ساحتهم من كذب هؤلاء الأرجاس، وافترائهم عليهم أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، ولا جاء بها في سنة نبيه بيان»[22].

تأسيسا على ما ذُكِر، يتضح لنا أن علماء المغرب الرحالة خلال القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، قد أولوا الجوانب العقدية اهتماما كبيرا وعناية خاصة، من خلال تصدرهم للإجابة عن بعض المسائل التي عُرضت عليهم في البلاد المشرقية، أو من خلال تضمين رحلاتهم فصولا مستقلة لشرح بعض المسائل العقدية وتوضيحها. كما أنهم – في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – لم يترددوا في التعبير عن استنكارهم لبعض العقائد الغريبة التي ألفوها مُنتشرة في بعض بلدان المغارب والمشارق، مُوضحين علل فسادها، وزيغها عن الصراط المستقيم، وجُنُوحها إلى طريق الضلالة. وهم في ذلك كله يستحضرون مرجعيتهم العقدية الأشعرية المبنية على الوسطية والاعتدال، والاقتداء بأهل السنة والجماعة.

2 جهود العلماء المغاربة الرحالة في بعث الحركة العلمية بالمشرق

في الوقت الذي كان فيه المغرب الأقصى يعيش صحوة علمية وثقافية كبيرة خلال القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، والتي بلغت ذروة إشعاعها خلال فترة حكم السلطان مولاي إسماعيل العلوي. دخلت بلاد المشرق الإسلامي في مرحلة انحطاط فكري، وركود ثقافي، وأزمة تعليم حقيقية؛ فالعلماء المغاربة الرحالة الذين اقتفوا أثر أجدادهم وأسلافهم من العلماء في شَدِّ الرِّحَال إلى الحجاز بقصد أداء الفريضة، والاستزادة من العلم واستكمال التكوين، وقفوا على حقيقة مَفَادُهَا أنّ العِلم بالبلاد المشرقية قد وقف على ثَنِيَّةِ الوداعِ وهَمَّ مُزْنُهُ بالإقلاع، مُسْتَحْضِرِينَ مَقُولَةَ شيخهم الأكبر أبا علي الحسن اليوسي: «ما بقي بالبلاد المشرقية من تُشَدُّ إليه الرِّحَال في طلب العلم». حيث إنهم في كثير من الأحيان لا يجدون من يَصْلُحُ للأخذ عنه أو استجازته. أما مذهب الإمام مالك فيكاد مُتعاطوه والمتخصصون فيه ينقرضون بتلك البلاد المشرقية، وفي هذا الصدد يقول محمد بن عبد السلام الناصري في رحلته: «اعلم وفقنا الله تعالى وإياك، أن مكة اليوم ليس بها من يُرْجَعُ إليه في المُعْضِلَاتِ، ولا من يَصْلُحُ للمُثُولِ بين يديه، […] وأما المالكية فلم أرَ بها بعد البحث إلا المُجاورين منهم»[23]. وهذه الحقيقة يُقِرُّ بها حتى علماء المشرق أنفسهم، كما يستشف ذلك من قول الشيخ أبي الحسن الزعتري الأزهري -في معرض طلبه من الشيخ الجد أبي عبد الله ابن ناصر الإقامة بمصر مدة من الزمن ينتفع الناس فيها من علمه- قائلا: «التحقيق كاد أن يقطع بمصر، فَهَلَّا جَاوَرْتَ به سنة أو سنتين يستفيد منك الناس، فكُوشف للشيخ عما أراد أن يطلبه منه، فأجابه قبل أن يطلبه: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾»[24]. يَسْرِي هذا الحكم أيضا على بلاد الحجاز، حيث قال الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي في رحلته عند حديثه عن مكة المكرمة: «والبلد الطيب اليوم كادت أن تَعْرَى من مُتعاطي العلم سِيَّمَا مذهب مالك وأحمد»[25]. ومن نتائج أُفُولِ الحركة العلمية بالمشرق، ضُعف مستوى تكوين الفقهاء والعلماء بها، وفي هذا الصدد يقول ابن الطيب الشرقي في تقييم المستوى العلمي للشيخ محمد الإسكندراني المصري: «واختبرناه فإذا هو رجل شاب فشبت خصلتاه، وعمي قلبه لما عميت مقلتاه، طال أمله واشتد حرصه، ونقص كماله وكمل نقصه، إذا تكلم ملأ الدنيا دعوى، وأطال بلا طائل ولا جدوى، بفخر بالذهاب للملوك وللإرفاد، ولا يصرف الهمة لمن أفاد ولا لمن استفاد، يكثر النظم في الرجز دون غيره من البحور، ويستحضر جملة وافرة من السير والحديث على ما بها من القصور، ومع ذلك تجده كثير الجدل والعناد، شديد الغلظة والغلط على العباد، يزعم أنه وأنه، وما علم أن أمثاله جديرون أن يئنُّوا أنَّةً، ومولانا سبحانه يجبر كسرنا وكسره، ويطلق من هاتيك الدعاوى العريضة الكاذبة أسره»[26].

من أجل ذلك ارتفعت أسهُم العلماء والفقهاء المغاربة في بلاد المشرق، وكَثُرَ الطلب عليهم ومُرَاوَدَتُهُمْ من أجل الإقامة والمُجَاوَرَةِ، وتهافت على مجالسِ درسهم العلماء قبل الطلبة.

والمَشاهد المُعبِّرة عن هذا الواقع في نصوص الرحلات الحجازية المغربية كثيرة جدا، يصعب على الدارس الإحاطة بها جميعا، لذلك آثرنا انتقاء البعض منها لتوضيح هذا المعنى وتقريبه للأذهان؛ فبينما اشتغل العوام من الناس مدة الإقامة بتلك الأمصار بالاستراحة من نصب السفر، وقضاء المآرب والأغراض استعدادا لاستكمال الرحلة، اشتغل العلماء والفقهاء منهم بالتدريس والوعظ والإرشاد، وتصدروا للفتوة والإجابة عن أسئلة الناس، وأدلوا بدلوهم في مُعَارَكَةِ النوازل الفقهية والمسائل العلمية التي استعصت على كبار علماء البلاد. ففي مصر أرض الكنانة، يقول ابن الطيب الشرقي عند لقائه بالشيخ الأزهري عبد الحليم أحمد الحليمي الفيومي: «وكان يحُضُّنِي على الإقامة بمصر، ومُسَاعَفَةِ أصحابنا بالمجاورة هناك لتناول شيء من القراءة، فتعَلَّلْتُ له بأن تلك الأرض غير ملائمة لنا، وغير ذلك من التعللات والاعتذارات»[27]. وإدراكا منهم لمكانته العلمية الرفيعة، وعُلو كعبه وإتقانه لعلوم مختلفة، استمر المصريون في مُراودة ابن الطيب الشرقي للإقامة  بمصر والمجاورة بها، وأصروا عليه في ذلك إصرارا: «فراودنا جماعة من أصحابنا الذين بمصر على الإقامة معهم سنة، بقصد الانتفاع ومناولة القراءة وتعاطيها، وذكروا لنا أوجها توجب إقامتنا لديهم، فوقع ذلك في خواطرنا، وبقينا نتردد فيه، ونستخير الله تعالى، ونقدم رجلا ونؤخر أخرى، والمحب الأكبر سيدي عبد الرحمان بن جلون يُهَوِّنُ لنا الإقامة، ويظهر لنا من أوجه المجاورة، ومنافعها شيئا كثيرا، لكثرة ما حرص أعزه الله على إقامتنا معه تأنيسنا به، فلم تنشرح الصدور إلا للسفر[…] وحصل لهم أسف وأي أسف، […] لكثرة ما كان حصل بيننا وبينهم من الألفة والمحبة وإخلاص المودة […] وسرد الكتب المتنوعة في الفنون، ولا سيما كتب الأدب والتواريخ؛ كنفح الطيب والمقامات وجملة من مؤلفات السيوطي، وتاريخ المناوي، وأنواع الطبقات وغير ذلك، وكانت تحصل بذلك مباحث نفيسة، وفوائد غزيرة، وتزول إشكالات، وتَنْحَلُّ مُقفلات»[28].

وفي السياق نفسه، ذكر الشيخ محمد بن عبد السلام الناصري في رحلته أن شيخه الإمام أبي عبد الله ابن سودة الفاسي: «لما قفل من حجه في أوائل الثمانين، طلب منه تدريس موطأ مالك بالأزهر، فاجتمع لديه جل علماء الأزهر، فكان في مبدإ افتتاح الكتاب ذكر تراجم الأئمة الأربعة، وقال في الشافعي: إنه ليس بحافظ، فأنكر عليه ذلك من حضره من أئمة الشافعية حتى انقطع عنه بذلك بعضهم، ثم لما اجتمع الشيخ بن سودة مع بعض المنقطعين لامه على الانقطاع عنه، فأبدى سببه من قوله: إن الشافعي ليس بحافظ، فقال: ليس قصدي ما تفهمون، وإنما القصد أنه غير حافظ على طريقة أرباب المصطلح، من أن الرجل لا يقال فيه حافظ إلا بعد أن يحفظ ما يزيد على مائة ألف حديث بأسانيدها وعللها وتراجم رجالها، ولسنا نرى في ترجمة الإمام الشافعي هذا الحفظ، ولا له مؤلف كبير ينحو نحو مسند أحمد بن حنبل وصحيحي البخاري ومسلم وأضرابهم من الحفاظ «[29]. فتأمل ضعف تكوين هؤلاء الطلبة والتباس المصطلح عليهم. ولعل ذلك ما دفع علماءنا الجهابذة إلى رفض كل الدعوات والطلبات الراغبة في إقامتهم ومجاورتهم بتلك البلاد، والبحث عن الأعذار لتعليل ذلك، حيث رَدَّ الشيخ محمد بن عبد السلام الناصري على طلب الشيخ محمد بن محمد الجوهري الخالدي قائلا: «وكان صاحب الترجمة أشار علي بالجلوس بمصر للتدريس، فقلت: غير ممكن لي ذلك، ولو أمكن لكان الأولى به في الحرمين الشريفين»[30].

لكن رغم عدم مُسَاعَفَتِهِمْ لعلماء المشرق بالإقامة والمجاورة، لم يتخلف علماؤنا المغاربة عن القيام بواجبهم الديني في نشر العلم والمعرفة الصحيحة المحققة، فاستثمروا مدة مُكُوثِهِم بتلك البلاد في التدريس والإفادة، وإجازة بعض ممن يستحقون الإجازة.

فهذا ابن الطيب الشرقي، طيلة مدة إقامته بمصر في الذهاب والإياب، لم يفتر عن الإقراء والتدريس والمحاضرة، وتوظيف الخطب المنبرية للوعظ والإرشاد، حيث يقول بهذا الصدد: «وفي أثناء هذه، شرعنا في قراءة شمائل النبي صلى الله عليه وسلم بمسجد الغورية بعد العصر، لأن جماعة من أصحابنا المغاربة سألونا ذلك لما تقرر عندنا من قراءة هذا الكتاب في مثل هذا العصر، فكان يجتمع هنالك درس حافل، من أعظم المحافل، وكانت تحصل تقريرات حسنة، وإزالة إشكالات مستحسنة، وفي يوم الختم أكثروا لنا من أنواع الطيب كماء الورد وماء الزهر والند، والعود الذي لا مثل له ولا ند، وكانت ختمة جميلة، استفاض الناس فيها من أنوار النبوة حسن الضوء وجميله»[31]. كما أقرأ الشرقي علم الحديث كما يستشف من قال حديثه عن لقائه بالفقيه أبو محمد سيدي الحسين بن عبد الله الهواري بمصر: «وحضر لدينا مجالس متعددة في الحديث وغيره»[32]. وأقرأ أيضا الأربعين النووية بمصر أثناء أوبته من الحج: «ولما رجعنا إلى مصر شرعنا في إكمال بعض الأحاديث كانت بقيت من الأربعين النووية، حتى ختمناها، وحاولنا إتمام غيره من الكتب التي كنا نتناولها كالمرادي، وجوهرة اللقاني، وغير ذلك، فلم يتيسر الإتمام، فأخذنا في التأهب
للسفر»[33].

وبمكة المكرمة، ونزولا عند رغبة العالم المغربي المجاور بالمدينة أبي عبد الله محمد بن عبد الله الفيلالي وتطييبا لخاطره، قبل ابن الطيب أن يدرس طلبته الهنود تفسير البيضاوي: «وسألني أن أقرئهم طرفا من تفسير البيضاوي، فتعللت له بأني لست بتلك المثابة، وبأني لا كتب لي ولا حواشي أستعين بها على ذلك، وأنه لا يصله أن نتقدم عليه لشهرته هنالك ومعرفة الناس به، فأبى أن يقبل ذلك، وما زاد إلا إقراره، وما قصده إلا انتفاعنا فقط، فساعفناه بذلك في تلك الأيام التي انقضت كالأحلام، وكان يحضر هو وولده وناس كثيرون، وذلك كان سببا في نيل مقتضياتنا الدنيوية دون كلفة، فبلغه الله ما أراد، وإن لم أكن قبل فهمت ذلك المراد، وطالع جملة وافرة من كتابنا «شرح نظم الفصيح» فأعجب به إعجابا كثيرا، واستغرب فوائده، وكتب لنا عليه نحوا من خمس أوراق، بالغ فيها بالثناء عليه وعلى مؤلفه بكلام حسن وراق، غير أن ما كتب إلي ضاع لي مع غيره من الأوراق، وكثيرا ما عز علي»[34].

إلى جانب تهافتهم على حضور دروسهم، والانتفاع بما مَنَّ الله به عليهم من العلم والمعرفة، كان علماء المشرق يحرصون على الظفر بإجازات علماء المغرب؛ ففي معرض حديثه عن العلماء الذين التقى بهم بمصر، يقول محمد بن عبد السلام الناصري في رحلته: «ومنهم الشيخ عبد القادر بن عبد اللطيف الحسني الحنفي الطرابلسي الشامي المصري الدار، وكان فقيها صالحا، قرأ عَلَيَّ دراية شمائل الترميذي في مجالس برواق أهل الشام بالأزهر، واستجازني فأجزته إجازة عامة. ومنهم الشيخ علي بن عبد الرؤوف الحسني الونائي الشافعي، أخذ أيضا عَنِّي الشمائل دراية وقرأ علي أوائل الكتب واستجازني فأجزته. ومنهم الشيخ عبد العليم الضرير المالكي، كان والله آية في الصيام والقيام والأذكار، دعاني ضيفا لبيته مرارا واستجازني فأجزته»[35].

أما ابن الطيب الشرقي فقد عدد العلماء المجاورين من المغاربة بمصر كأبي محمد سيدي الحسين بن عبد الله الهواري: «فقد كان له بنا اتصال وملازمة في القراءات، وحضر لدينا مجالس متعددة في الحديث وغيره، وقرأ علي بلفظه أزيد من نصف الفهرسة التي جمعها الشيخ أبو عبد الله الفاسي وأجزته في ذلك»[36].

وكثيرا ما كان يتم انتداب العلماء المغاربة الرحالة من قبل أمراء الركاب الحجازية لإمامة الناس في الصلاة والخطبة فيهم، فكانوا يغتنمون هذه الخطب المِنْبَرِيَّةِ للوعظ والإرشاد وتصحيح عقائد الناس وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ومن ذلك ما حكاه ابن الطيب الشرقي في رحلته عندما حَلَّ الركب المغربي بمنهل الدفنة بالأراضي الليبية، وقد أهل عليه هلال شهر شوال، فطلب شيخ الركب منه إمامة الناس في صلاة العيد وإلقاء الخطبة، حيث قال: «فرأيت أن أملأ بالموعظة لاحتياجه إليها وِطَابَة، بل رأينا غالب هؤلاء القوم محتاجين للموعظة واللَّوْمِ، والإيقاظ من الغفلة التي استولت على قلوبهم والنوم، ولا يمكن التوصل لذلك في غير هذا اليوم، مع أن الظاهر من فحوى كلام الفقهاء أنه لا محذور في إيقاعها للمسافر، بل ربما يستشعر من أفعال السلف وأقولهم استحبابها، والقول بكراهتها عندي، وإن اختاره جماعة من الفقهاء، ومال إليه شيخنا ابن ناصر في رحلته، من الأمور البعيدة، والله أعلم […] وبعدما فرغنا من الصلاة، خطبت لهم خطبة حافلة جامعة لما يتعلق بالقواعد، محذرة مما ألفه الناس من الغيبة والنميمة وغير ذلك من العوائد، مشتملة على الانتداب للحج وذكر فضائله، والأحاديث التي وردت عن النبي عليه السلام في فروضه ونوافله، مع قلة الألفاظ، وجزالة المعاني السهلة للحفاظ»[37]. لقد قدم ابن الطيب الشرقي في هذا النص آداب الخطبة المنبرية وقواعدها، وما ينبغي للخطيب الالتزام به حتى تؤدي الخطبة وظيفتها التعليمية والإرشادية.

ونظرا لضعف اهتمام فقهاء الحجاز (المدينة) وعلماؤه بفقه الأحكام والنوازل الفقهية كما يستشف ذلك من المناقشة العلمية التي جرت بين الشيخ محمد بن عبد السلام الناصري والشيخ محمد بن علي الشرواني الحنفي، حول نازلة في الإرث، جاء فيها: «وكان فيما سئل عنه بمحضري في المسجد: ما تقول في رجل دفع مالا لآخر وقفا ليبلغه إلى رجل معين من أئمة المسجد النبوي وظيفة السنة الماضية وهذه، فلما بلغ المبعوث معه بالمال وجد الإمام المذكور قد توفي، وترك ابنة وإخوة عُصْبة ماذا يفعل بالمال؟ فأجابه الشيخ: بأن المال يُمَكَّنُ كله من ابنته. فقلت: أما حظ السنة الأولى فقد استحقه الميت بلا ريب، فللبنت نصفه، وما بقي لإخوته العُصبة، وأما حظ السنة الثانية؛ فإن هو توفي في أولها كان جميع ما يَنُوبُهَا من المال لمن استحق الإمامة في موضعه، وإلا كان للأول فحسبه ولمن بعده بحسبه، فاعترضني الشيخ وقال: تعيين فلان في الرسالة دليل على إرادة التملك له فيورث الجميع عنه. فقلت: لا والله لم يعينه إلا لما اعتاده الكاتب من حياة من عين، إذ لو علم موته لبعثه لمن تولى بعده»[38]. فعميت عليه الأنباء وأطبق ساكتا، وعَلَّقَ الناصري على ذلك قائلا: «فلم يرد علي بشيء على عادة المشارقة اليوم في النوازل الفقهية مالكية وغيرهم، وإنما يعتمدون تقريرات وظواهر، لا يعتنون بمطالعة كتب الأحكام الفقهية، على أنه لو عارضني بما يخالف مذهبي في النازلة لما أمكنني إلا إلقاء السلاح لعدم معرفتي به، فما يظهر منه إلا أنه قال ذلك تفهما لا فقها منصوصا»[39] .

لذلك وجد العلماء المغاربة الرحالة أنفسهم مطالبون بالتدخل والتصدر للفتوى درءا للمفاسد التي قد تنجم عن تساهل علماء المشرق فيها، فتضيع حقوق الناس، وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمد الناصري مُعلقا على جواب الشيخ أبي داود سليمان الجمل الشافعي على حكم تزويج البكر الصغيرة ذات الأب البعيد الغيبة بتونس، حيث قال: «لا سبيل لتزويجها عندنا معشر الشافعية. فأمر كاتبه أن يوجه سؤالا في الحين للعلماء بالزهر، فكتب المالكي لحينه –وأظنه من غير مراجعة-: تزوج إن خيف عليها الفساد، ولم يستظهر على ذلك بنص، والحنفي: تزوج ولها الخيار في الفسخ إن بلغت. فقلت: يا عجب من تساهل أهل هذه البلاد في الفتوى والمسألة»[40]. وبالنظر إلى براعتهم في استنباط الأحكام وإتقانهم لصناعة الفتوى، أخذت أسئلة المستفتين تتوارد عليهم من قبل عامة الناس وخاصتهم من العلماء والفقهاء، اخترنا من بينها هذا السؤال الذي أجاد في صياغته صاحبه وأبدع، حيث قال السائل: «ما يقول مولانا الإمام، العَلَم الهُمام، شيخ مشايخ الإسلام، وحامل شرعة النبي عليه الصلاة والسلام، أستاذ علماء المغرب، وشيخ أئمة المشرق، ومحلى بفرائد فوائده في جميع الآفاق كل مفرق، صاحب العلم الذي طبق الكلا والمفاصل، والفتاوى التي حكمها بين الحق والباطل فاصل، والتآليف التي وصفها بالإجادة من باب تحصيل حاصل، مولانا شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الطيب المغربي الرحالة الواصل، أبقى الله بركته، وأسعد سكونه وحركته، في مسألة الشرب من الميزاب فإنه من الذهب، فما تقتضيه قواعدكم التي مال إليها رأيكم السديد وذهب، فقد أشكل علينا ذلك، ولم ندر ما نسلكه فيه من المسالك، فحققوا لنا فيه القول وبينوه، وأوضحوه وعينوه؟»[41].

فكان جواب الشيخ ابن الطيب الشرقي كالآتي: «وكنت أجبته جوابا يناسب سؤاله في بلاغة الأسجاع، ويشفي ببلاغته ما تحدثه أدواء الجهالة من الأوجاع، ولكن سرق الجواب في الرحلة، وبقي السؤال في بطاقة محفوظة في الجيب لأنه عندنا من أنفس نحلة، وحاصل ما تضمنه الجواب أن الميزاب تجاذبه أمران: الجواز بالنسبة لتعظيم البيت وتبجيله إذ ذلك هو المراد منه ولم يقصد الانتفاع به في شيء من الأشياء، والحرمة بالنسبة لكونه ذهبا واستعماله حرام على ذكور هذه الأمة، كما هو مقرر في أمهات الفروع. ثم ملنا إلى جواز مناولة الماء منه لما رأينا من استهلال ذلك وخفته»[42].

ولإبراز النشاط العلمي للعلماء المغاربة الرحالة ببلاد المشرق، ارتأينا وضع جدولين تفصيليين يحويان أسماء العلماء المشارقة بمصر والحجاز، الذين التقى بهم علماء المغرب، والمسائل العلمية التي تم التداول فيها، والإجازات العلمية التي ظفروا بها.

ثانيا: جهود العلماء المغاربة الرحالة في ترسيخ مبادئ التصوف المغربي ونشرها في المشرق

من الثوابت التي بُني عليها التدين المغربي، الجَمْعُ بين الفقه والتصوف، بين علم الشريعة وعلم الحقيقة. ومن ثِمَار ذلك أنْ كان كبار علماء المغرب شيوخا للتصوف وأربابا للتربية والسلوك، وكان المغرب -ولا يزال- قبلة للمُريدين من كل بقاع العالم. واكتسى التصوف المغربي صبغةَ العالمية، بانتشار الطرق الصوفية المغربية في مشارق الأرض ومغاربها، بفضل الجهود المتواترة التي بذلها علماء المغرب وصوفيته. وتتيح لنا نصوص الرحلات الحجازية المغربية فرصة كبيرة للوقوف على البعد الصوفي لدى علماء المغرب، من خلال تعريفهم بالطرق الصوفية التي ينتمون إليها، وتأريخهم لبعض الطرق الصوفية التي ألفوها منتشرة في المشرق، ومن خلال حرصهم على الترجمة لأولياء الله الصالحين والتعريف بمزاراتهم على طول طريق الركب الحجازي، وحديثهم عن آداب زياراتهم وتوقيرهم والتبرك بهم بنية التقرب إلى الله، والاعتقاد في كراماتهم التي خُصُّوا بها دون سائر الخلق والعباد.

1- الاعتقاد في كرامات الأولياء والصالحين

في ارتباط عُضْوِيٍّ بزيارة أولياء الله الصالحين، يُعَدُّ الاعتقاد فيما خَصَّهُم الله تعالى به من كرامات ومُكاشفات، جزءا لا يتجزأ من العقيدة الدينية لعلماء المغرب وفقهائه، والأمثلة المعبرة عن ذلك في نصوص الرِّحلات الحجازية المغربية كثيرة جدا، وتتكرر في أكثر من رحلة، وقد ارتأينا تلخيص البعض منها في الجدول الآتي:

قول العلماء المغاربة الرحالة في بعض الكرامات الصوفية

العلماء المغاربة/الرحالة الكرامات الصوفية الخرافات الشائعة قول العلماء المغاربة
أبو العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي كرامات الشيخ أحمد زروق دفين مصـراتة: «شاع عند الحجاج أن من مر بقبره وأودع الله عنده نفسه وماله لا يصيبه مكروه حتى يرجع». «ولا بدع في ذلك ولا غرابة، فإن الله تعالى حفيظ لا تضيع ودائعه، والأولياء أبواب الله، فمن أودع الله شيئا عند باب من أبوابه كيف لا يحفظه فيه والله خير حفظا وهو أرحم الراحمين.»،

الرحلة الناصرية، ص 220.

 

حكاية سماع صوب الطبل بجبل الرمل ببدر التي تواتر ذكرها على ألسنة الناس. – لم يسمع شيئا واعتمد قول شيخه أبا سالم العياشي الذي ذكر في رحلته: «أن بعض الناس يسمعونه دون بعض، وقد مررت ببدر سبع مرات وأنا في كلها ألقي البال لذلك فلم أسمع شيئا أتحققه». وسأل شيخه المحقق أبا بكر السجستاني، فأجاب: «كنت حريصا على تحقيق ذلك وقد مررت ببدر نحوا من سبع وعـشرين مرة فلم أسمع شيئا أتحققه».
رؤية الأنوار المشرقة  المنبعثة من ناحية المدينة «وقد ألقيت البال لذلك فكلما قالوا إنهم رأوا النور نظرنا فإذا هو بروق تخفق في بلاد بعيدة، وتحققنا ذلك بظهوره مرات كثيرة … وأرض الحجاز معروفة بكثرة الرعد والبروق»، الرحلة الناصرية، ص348–349.
محمد بن عبد السلام الناصري خرافة فصيل ناقة صالح بمنطقة برج الملح بالساحل الليبي «لما يزعمونه من خرافاتهم من أنها تسمع فصيل ناقة صالح،.. يدعى المقبور بها سعيد بن صالح، تقيم العراب به موسما تنتهك فيه الشـريعة المحمدية»، الرحلة الناصرية الكبرى، ج1، ص311.
خرافة الرمل الذي تحول إلى سكر بعقبة السكر في قديد أو الجحفة. «وأكثر الناس اليوم وخصوصا أهل مصر يجلبون السكر من مـصر بالقصد يـشربوه هنا، ويؤثرون في ذلك أثرا لا أصل له، يزعمون أن رمل هذا المحل انقلب للصحابة سكر فـشربوه»، الرحلة الناصرية الكبرى، ج1، ص469.
محمد بن الطيب الشرقي كرامة الشيخ أبي محمد عبد الله الأسمر دفين زليتن بالساحل الليبي: «ذلك أنه كان إذا ركب على فرسه ربما تمر بمكان فتبحث برجلها في الأرض فيقول لهم الشيخ: احفروا فإن هنا قبر ولي، فيجدونه، فظهرت بذلك مزارات كثيرة، وفقراء الساحل يعرفونها فيقولون: هذا من الذين أظهرهم فرس الشيخ». الرحلة الحجازية، ج1، 225 – 226. قول ابن الطيب الشـرقي: «ولا بدع في ذلك، فإن السـر في الراكب لا في الفرس، والكرامة للشيخ لا لمركوبه، وسر الولاية موروث عن النبوة، وقد بركت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم في مكان مسجده، عندما دخلت الحرم من الحديبية»، الرحلة الحجازية، ج1، ص 226.
خرافة إيقاد النيران والشموع في بندر السقائف (دار الوقدة): «شاع عندهم أن الصحابة في غزوة بدر أوقدوا هنا نيرانا كثيرة، فنحن نتشبه بهم». «وتلك غفلة منهم وخطأ من وجهين: أحدهما: أن وقوع الأمر بإيقاد النيران الكثيرة إنما هو في غزوة الفتح بمر الظهران كما هو معروف في كتب السير، وثانيهما: لو سلم ذلك ووقع

فقد كان لإرهاب العدو و إظهار قوة المسلمين وكثرة عددهم، فحيث لا عدو فلا معنى له، ولا شك أن الفرح بنصر الله وأوليائه على أعدائه، والاستبشار بالأماكن التي أعز الله فيها الإسلام أمر مطلوب مستحسن ما لم يؤد ذلك إلى محظور، كاعتقاد أن الوقود سنة متبعة، بل ربما ظن بعضهم أنها من أفعال الحج، فتعظم بغير ذلك من الفرح والـسرور والصدقة والعبادة والإعلان بالشكر .. فقد وردت علينا جماعات يستفتون في شراء الشمع، وهل يكفيهم منه القليل، وغير ذلك مما تقتضيه عجمة العامة وتعمقهم في الجهل»، الرحلة الحجازية، ج2، ص 306 – 307.

 

2- انتشار الطرق الصوفية المغربية ببلاد المغرب والمشرق

نقف في نصوص الرِّحْلات الحجازية المغربية على مظاهر ومؤشرات تُبيِّنُ الانتشار الكبير للطرق الصوفية المغربية في بلاد المغرب الكبير والمشرق، ونَخُصُّ بالذكر –لا الحصر- الطريقة الناصرية الشاذلية، التي انتظم في سلكها عدد وافر من علماء وفقهاء تلك البلاد فضلا عن العامة، آخذين «العهد الناصري» بسنده المحقق.

وأمام ارتفاع أعداد المُريدين المنتسبين لهذه الطريقة بمصر، أبى الشيخ أبو العباس أحمد ابن ناصر الدرعي إلا أن يؤسس فرعا للزاوية الناصرية هناك، حيث قال: «لما رأيت رغبة الناس بمصر في دخول زمرة أشياخنا، والانخراط في سلكهم اشتدت، وتلقن منا طائفة كبيرة الورد، قدمنا على المريدين المنتسبين إلينا بمصر الشيخ محمد بن منصور السَّقَطِي، وأذنا له في تلقين الأوراد عنا لمن رغب في الانتظام في سلك أشياخنا، فالله تعالى يصلح ديننا ودين الجميع، بمنه ويمنه»[43].

وقد التقى ابن الطيب الشرقي بهذا الشيخ، وتَعَاهَدَ الزاوية الناصرية بمصر بالزيارة وإحياء ليالي الذكر، «ومنهم: الأخ في الله، والمحب من أجله، مقدم الشيخ ابن ناصر والنائب عنه في تلقين الأسرار بالنواحي المصرية وغيرها، الرجل الصالح الفقير الخير البركة، أبو عبد الله الشيخ محمد بن منصور السَّقطي»[44]. وفي هذا السياق وَضَّحَ الشيخ أحمد ابن ناصر شروط الإذن في تلقين الطريقة وضوابطه قائلا: «اعلم يا أخي أن الإذن عند أرباب السلوك أهل الشريعة والحقيقة، من سادات الطريقة، نور ينقدح في قلب الآذِنِ فينبسط على قلب المأذون بواسطة أو بدونها فيتعين الوقوف عند حده على الطرفين، ولا يخالف طرفة عين، فلذا وجب شرعا على المأذون أن يعين الوجه المأذون له فيه عند التلقين، وإلا انقطع المتلقن عن الاتصال بحبل الإذن بل لم يتصل بعد فيبوء المأذون له بإثمه ؛وإثمه إذ ضل أضل، وكذب على الله وافترى، واختلف وامترى، فيخاف عليه من سوء الخاتمة والعياذ بالله، إلا أن يتداركه الله بلطفه وهذا كله هو الحامل لنا على عزل المذكور كما هو المتعين لا نفاسة عليه في شيء ما بل نصحا له خاصة، ولجميع المسلمين عامة والله شهيد رقيب. وطريقة أشياخنا على هذا، المحفوفة بالكتاب والسنة، المحفوظة من الله تعالى بما حفظنا به، فلذلك من تعرض لها بسوء أو كادها بشيء أو سعى في تبديلها وتحريفها وإخراجها عن نهجها من الأفق كاده الله وأذابه كما يذاب الملح في الماء وأعمى أثره وأبتره وأقطع دابره، والله لا يصلح عمل المفسدين، وربما ختم له بسوء عياذا بالله»[45].

ثم عدد الشيخ ابن ناصر المقدمين الذين أذن لهم في تلقين الطريقة الناصرية بالمشرق قائلا: «وبيان من أذنا له في سفرتنا هذه: سيدي محمد الأخصاصي بالمدينة المشرفة، وسيدي محمد بن منصور السفطي بمصر، وسيدي الحاج عيسى بن خليفة من أولاد سيدي ناصر ببرقة، وسيدي عبد الله بن سحنون من أهل غريس من أحواز تلمسان وابنه بعده الهاشمي، وسيدي علي بن عبد الصادق بطرابلس، وسيدي عبد الله المجذوب بحمة قابس وسيدي عمر هذا، وأسأل الله تعالى أن ينفع الجميع وينفع بهم آمين ويؤيدهم بمنه وكرمه آمين»[46].

خلاصة عامة

لقد عني علماء المغرب بتحصين الثوابت الدينية وصونها درءا للفتنة، من خلال الإجماع المتواتر على اختيارات عقدية ومذهبية وصوفية أضحت تُشكل الهوية الدينية للمغاربة، وأنموذجا للإسلام الوسطي المعتدل المبني على قاعدة ﴿لا إكراه في الدين﴾[47]. وقد استطاعت هذه المنظومة الدينية المتكاملة والمتناغمة عناصرها، أن تتكيف مع الواقع المغربي وأن تصير جزءا لا يتجزأ منه.

ويرجع الفضل في تحصين الثوابت الدينية إلى إمارة المؤمنين الحاضنة لتلك الثوابت والحارسة لها. ولم يأل علماء المغرب الرحالة جهدا في التعريف بهذه الثوابت وترسيخها أينما حلوا وارتحلوا، بل أصبحت منظومتهم الدينية هاته مرجعا ومقياسا للحكم على فساد بعض المذاهب والعقائد الغريبة التي ألفوها منتشرة في البلاد المشرقية، فلم يترددوا في استنكارها وبيان علل فسادها.

والجدير بالملاحظة هنا أن علماء المغرب الرحالة كانوا كثيرا ما يعبرون عن غيرتهم على تلك الثوابت، ويتحسرون على ضعف انتشار المذهب المالكي في المشرق، ويتأسفون لحالة الفوضى المذهبية والعقدية التي يتخبط فيها المسلمون هناك، خاصة مع عدم انتصاب خلافة شرعية ترعى أمور الدين وتسوس شؤون الدنيا، فالحكم العثماني الذي خضعت له جل البلاد الإسلامية، لم يكن يحظى بالترحيب والقبول، كما أنه لم يكن يولي مسألة الأمن الروحي عناية كافية، فكانت النتيجة أن تعددت المذاهب الفقهية وتشعبت التيارات الفكرية والكلامية، والتبست الأمور على الناس واختلط الباطل بالحق.

الهوامش

[1] – سورة النبأ: 36.

[2]  – أبو محمد سيدي الشرقي بن محمد الإسحاقي: رحلة الوزير الإسحاقي الحجازية، دراسة وتحقيق: ذ محمد الأندلسي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية– المملكة المغربية، الرباط، 2017م، ج2، ص. 526 – 527.

[3] – أبو عبد الله محمد بن الطيب الشرقي الفاسي: الرحلة الحجازية، تقديم وتحقيق الأستاذين: نور الدين شوبد وحسناء بوتوادي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى، 2018م، ج2، ص. 468.

[4] – الحديث في صحيح البخاري بلفظ: «عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم، فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون)». كتاب الذبائح والصيد، باب فضل صلاة العصر، رقم 530، 1/203؛ وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، رقم 632، 1/439.

[5] – سورة ق: 16 – 18.

[6]  – سورة طه: 118.

[7] – سورة التحريم:1.

[8] – أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الناصري: الرحلة الناصرية الكبرى، دراسة وتحقيق المهدي الغالي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 2013م، ج2،
ص. 862-863.

[9] – سورة الأنعام: 39.

[10] – المصدر نفسه، ج2، ص. 861.

[11] –  أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي: الرحلة الناصرية (1709 – 1710م)، تحقيق عبد الحفيظ ملوكي، دار السويدي للطباعة والنشر، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 2011م، ص. 521 – 522.

[12] – المصدر نفسه، ص. 522.

[13]  – المصدر نفسه.

[14] – المصدر نفسه.

[15]  – المصدر نفسه.

[16]  – المصدر نفسه، ض. 523.

[17]  – المصدر نفسه.

[18]  – المصدر نفسه.

[19]  – المصدر نفسه.

[20] – المصدر نفسه.

[21] – أبو محمد سيدي الشرقي بن محمد الإسحاقي: رحلة الوزير الإسحاقي الحجازية، دراسة وتحقيق ذ محمد الأندلسي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المملكة المغربية، الرباط، 2017م، ج1، ص. 314 – 315.

[22]  – أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي: الرحلة الناصرية، ص. 474 – 475.

[23] – محمد بن عبد السلام الناصري: الرحلة الناصرية الكبرى، ج2، ص. 565.

[24] – المصدر نفسه، ج2، ص. 691 – 692.

[25] –  المصدر نفسه، ج2، ص. 613.

[26] – الرحلة الحجازية، ج2، ص. 378.

[27]  – الرحلة الحجازية، ج2، ص. 470.

[28]  – الرحلة الحجازية، ج2، ص. 478 – 479.

[29]   – الرحلة الناصرية الكبرى، ج2، ص. 644.

[30]  – الرحلة الناصرية الكبرى، ج2، ص. 691.

[31]   – الرحلة الحجازية، ج2، ص 463.

[32]  – الرحلة الحجازية، ج2، ص465.

[33]  – الرحلة الحجازية، ج2، ص. 478.

[34]  – الرحلة الحجازية، ج2، ص. 378.

[35]   – الرحلة الناصرية الكبرى، ج2، ص. 800.

[36]  – الرحلة الحجازية، ج2، ص. 465.

[37] – الرحلة الحجازية، ج1، ص. 244.

[38] – الرحلة الناصرية الكبرى، ج2، ص. 615 – 616.

[39]  – نفسه.

[40] – الرحلة الناصرية الكبرى، ج2، ص. 711.

[41] – الرحلة الحجازية، ج2، ص. 380 – 381.

[42] – الرحلة الحجازية، ج2، ص 381 – 382.

[43] – أبو العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي: الرحلة الناصرية (1709 – 1710م)، تحقيق عبد الحفيظ ملوكي، دار السويدي للطباعة والنشر، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 2011م، ص. 612.

[44] – الرحلة الحجازية، ج2، ص. 468.

[45] – الرحلة الناصرية، ص. 724.

[46]  – الرحلة الناصرية، ص. 732.

[47]  – سورة البقرة: 255.

 

كلمات مفتاحية : ,