التعريف بالتراث الإسلامي الإفريقي المخطوط وبمراحله ومناطق تطوره

التعريف بالتراث الإسلامي الإفريقي المخطوط وبمراحله ومناطق تطوره

التعريف بالتراث الإسلامي الإفريقي المخطوط وبمراحله ومناطق تطوره، الدكتور أحمد الشكري أستاذ التعليم العالي بمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط - المملكة المغربية
التعريف بالتراث الإسلامي الإفريقي المخطوط وبمراحله ومناطق تطوره، الدكتور أحمد الشكري أستاذ التعليم العالي بمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط – المملكة المغربية

ألقيت المداخلة في الندوة العلمية الدولية التي نظمتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع “التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ” أيام 22-23-24 ربيع الأول 1443 هـ الموافق لـ 29-30-31 أكتوبر 2021 م في العاصمة النيجيرية أبوجا.

ملخص البحث 

تشهد التجربة التاريخية لسيرورة انتشار الإسلام بإفريقيا على متلازمة معهودة؛ إذ حيثما انتشر الإسلام، وأضحى الدين السائد بين الناس، إلا وتشوف الأهالي بوازع ديني ثم ثقافي للتنهل من معين الثقافة العربية الإسلامية و الارتواء من رصيدها الحضاري. ويفترض هذا النسق التاريخي النموذجي توفر عدة شروط حيوية لبلوغ درجة التوفيق والفلاح؛ نذكر منها على الخصوص نجاح عملية التعريب أو التعرب المسنودة بتطلع النخبة المتنورة المحلية إلى ترسيخ تقاليد التدوين.

تروم هذه المداخلة النظر في لحظة مخاض ولادة الإنتاج الثقافي العربي بمنطقة الساحل، ثم رصد مآل التجربة إلى حين بداية المرحلة الاستعمارية.

نص المداخلة

تقديم

يمتد شريط منطقة الساحل من البحر الأحمر شرقا إلى المحيط الأطلنتي في جزئه السنغامبي غربا (حوالي 4000 كلم)، وينحصر عموديا من الضفة الجنوبية للصحراء إلى نهاية منطقة الحشائش (السفانا) المطلة على الغابة الاستوائية. وإذا استثنينا بعض الكتل الجبلية قليلة الارتفاع والمساحة سواء في أقصى الشرق أو أقصى الغرب، والتي غالبا ما لا تتجاوز قممها 2000م، نجد أنفسنا في مجال يهيمن عليه طابع الانبساط وتخترقه كيانات ومسطحات مائية معتبرة (النيل، بحيرة التشاد وروافدها، النيجر، السنغال، غامبيا)، كان لها دور هام في حياة المجتمعات والقبائل المحلية منذ أقدم العصور. وباعتبار المعطيات المناخية، يمكننا توطين منطقة الساحل ضمن نطاق المناخ المداري حيث التساقطات المطرية مقدّرة ومفيدة في مجال الزراعة[1].

ولا يعزب عن البال أن مثل هذه المعطيات الطبيعية والهيدروليكية، تساعد الإنسان على الاستقرار وتنمية المجال الحضري، كما أنها تيسّر له سبل المبادلات التجارية مع مختلف الجهات مما يسمح أيضا بركوب نفس المسالك بقصد الهجرة والترحال سواء لطلب الرزق أو العلم؛ وكل هذه العوامل تزيد في قوة تثاقف الشعوب والمجتمعات المحلية مع جوارها الإقليمي، وحتى القاري.

وبالنظر لهذه المعطيات الطبيعية والمناخية المغرية والمشجعة، قامت بالمنطقة خلال العصر الوسيط مجموعة من السلطنات والممالك الإسلامية: النوبة، وكانم – برنو، وسنغاي التي تأسست على أنقاض مالي، ثم جلف في الفضاء السنغامبي. ولما كانت قصة انتشار الإسلام في أرجاء المعمور، غالبا ما تحفز المسلمين الجدد على طلب الزاد المعرفي العربي الإسلامي، أو حتى العمل على التّبحر فيه، فإن الدارس يجد نفسه مدعوا لمقاربة الشق الأول من المسألة قبل الخوض في التأصيل التاريخي لتجربة الثقافة العربية الإسلامية بمنطقة الساحل؛ على أن هذا الترابط بين الحالتين أو الظاهرتين (انتشار الإسلام، وانتشار الثقافة العربية الإسلامية)، لا يفيد وجوب متلازمة حتمية بينهما، اللهم إذا توفرت ظروف معلومة.

قصة انتشار الإسلام بمنطقة الساحل

على الرغم من قلة المعلومات التاريخية، فإن المتاح منها يؤكد لنا أن العلاقات ما بين إفريقيا وباقي جهات المعمور (العالم القديم) كانت قائمة منذ أقدم العصور، بيد أن دخول الجمل وانتشار استعماله بالصحراء الكبرى خلال القرون الثلاثة الأولى من التاريخ الميلادي، ساهم في توثيق عرى تلك العلاقات، إذ ساعد بشكل كبير في تطور المبادلات التجارية ما بين ضفتي الصحراء الكبرى حيث عرفت ازدهارا بالغا خلال القرن 4ه /10م؛ ومن ثمة، باتت سلع إفريقيا المدارية تجد رواجا متزايدا في أسواق موانئ البحر المتوسط والمحيط الهندي بفرعيه: البحر الأحمر، والخليج العربي – الفارسي.

وقتها، أي القرن 4هـ/ 10م، كان الإسلام قد استثب وترسخ بأقطار الشمال الإفريقي وجلّ جهات النطاق الصحراوي، ثم سرعان ما أخذ يتسلّل سلميا نحو الجنوب في اتجاه منطقة الساحل أو ما يعرف في المصادر العربية ببلاد السودان أو بلاد التكرور.[2] ويستفاد من الشهادات المصدرية، أن التجار والدعاة المسلمين، كان لهم دور كبير في هذا التحول، ونتيجة لعملهم المتواصل بمنطقة الساحل، فإنه ما كاد القرن الموالي (5 هـ/ 11م) ينتهي حتى ظهرت وبرزت مجموعة الإمارات الإسلامية (منبسة (= ممباسة)، كلوة، كانم، گاو (=كاغ = كوكو)، تكرور، سلي الخ)، وكانت مساحة نفوذ هذه الوحدات السياسية الأميرية متباينة من منطقة لأخرى؛ بيد أن اللافت للنظر بهذا الشأن، أن تلك الإمارات ارتبطت ارتباطا وثيقا بالكيانات المائية المشار إليها قبل قليل (النيل، بحيرة التشاد وروافدها، النيجر، السنغال، غامبيا).

وإبان الفترة المتراوحة ما بين منتصف القرن 6هـ/ 12م ومنتصف القرن 7هـ/ 13م، شهدت دينامية انتشار الإسلام بمنطقة الساحل منعطفا جديدا، تمثل في الانتشار الواسع للرسالة المحمدية بين مختلف فئات المجتمع التكرور بطريقة سلمية؛ وذلك بفضل مساهمة التجار والدعاة من مصر وبلاد المغرب والصحراء، إضافة لمساهمة بعض القبائل المحلية المختصة في التجارة مثل الونجرا لدى الماندينيغ (أهل مالي) أو جاخانكي لدى أهل الفضاء السنغامبي. وتوافقت هذه اللحظة مع قيام ممالك وإمبراطوريات إسلامية على غرار مملكة كانم – برنو وامبراطورية مالي ومملكة جُلُف. وفي الجانب الشرقي، كانت بعض بطون القبائل العربية شأن جهينة، تزحف تدريجيا انطلاقا من جنوب مصر، صعودا مع النيل، وتمكنت بعد منتصف القرن 14م من تحويل مملكة النوبة من المسيحية إلى الإسلام؛ وبذلك أضحى الدين الجديد يغطي ويشمل جل أرجاء منطقة الساحل من أقصاها شرقا إلى أقصاها غربا. وإذا تأملنا، خريطة دار الإسلام حينئذ، نلاحظ أن الجزء الأكبر من القارة الإفريقية شمال خط الاستواء، بات يعيش في ظل الدين المحمدي[3].

ويتعيّن علينا في هذا الجانب، لفت الانتباه إلى أنه على الرغم من وجود بعض المؤشرات الدالة على استعمال نظام الكتابة منذ ما قبل بداية انتشار الإسلام بمنطقة الساحل، فإن النظام المهيمن بمنطقتنا كان يعتمد منظومة الثقافة الشفاهية، التي ظلت مهيمنة وسائدة في الحياة الثقافية إلى غاية نهاية القرن 18م[4]. وتبعا لذلك، فإن المحاولات المتعددة (المتقطعة في الزمان والمكان) من جانب بعض العائلات العلمية المحلية في ترسيخ تقاليد التدوين منذ منتصف القرن 15م، ظلت محدودة التأثير، ولم تفلح في كسر هيمنة منظومة الثقافة الشفاهية في الحياة الثقافية المحلية[5]؛ ولعل سبب ذلك يعود بالأساس إلى ضعف عملية التعريب بالمنطقة.

إن أهم خلاصة يرصدها كل متتبع لقصة انتشار الإسلام بمنطقة الساحل خلال العصر الوسيط والحديث، تفيد أنه على الرغم من ضعف الوسائل، فإن الإسلام استطاع أن يحقق تدريجيا نجاحا باهرا بمنطقتنا، ونفوذا بيّنا بين الأهالي[6]. وبحكم الانتماء لدار الإسلام، ورغبة في تنمية المبادلات التجارية، نشأت علاقات سياسية ما بين حكام وملوك الدول الواقعة على ضفتي الصحراء، وسارت بينهم سفارات حملت رسائل يطبعها الود وطلب الصداقة، وعادة ما كانت الوفود السّفارية تحمل معها هدايا جليلة أملا في توثيق عرى الصداقة ما بين البلاطات الإسلامية.[7]

والمقام لا يسمح باستعراض تفاصيل عملية انتشار الإسلام بمنطقة الساحل أو مسألة تلازمها مع انتشار الثقافة العربية الإسلامية، ويمكننا بهذا الشأن استحضار بعض الوقائع والخلاصات المفيدة في فهم الحالة وتبيّن مخاضها ومآلها فيما بين القرن 9 ومطلع القرن 19م:

– أولا، استفادة الإسلام من المسالك والمجاري البرية والبحرية القديمة[8].

– الخلاصة الثانية، تفيدنا أن عملية انتشار الإسلام بمنطقتنا لم تتوقف طيلة الفترة الممتدة من القرن 9 إلى غاية نهاية القرن 19م؛ وعند نهاية القرن 13م نلاحظ أن الإسلام على المذهب المالكي عمّ جميع أرجاء إفريقيا الغربية، وبعد نهاية القرن 14م، نسجل تخلي مملكة كانم – برنو عن المذهب الشافعي لصالح المذهب المالكي السائد في الغرب الإسلامي. في حين استمر المذهب الشافعي سائدا في أقصى شرق منطقة الساحل حيث توجد الإمارات الصغيرة المطلة على المحيط الهندي (ماليندي، ومنبسة، وكلوة، وأوفات، وزنجبار، وهنزوان)؛ وبناء على رواية المقريزي، يظهر أن المنطقة خلال النصف الأول من القرن 15م، أخذت تشهد انتشار المذهب الحنفي[9].

وكما ألمحنا قبل قليل، فإنه باستثناء بعض الحالات القليلة والشاذة خاصة في منطقة القرن الإفريقي، يمكننا التأكيد على أن الدعوة الإسلامية خلال العصر الوسيط قد انتشرت سلميا بمنطقة الساحل؛ بيد أن عملية نشرها إبان القرنين 18 و 19 للميلاد، أي فترة اكتساح الطرق الصوفية، اعتمدت وسيلة الجهاد من جانب عدد من فقهاء المنطقة، نذكر منهم الشيخ عثمان بن فودي (تـ 1817م) مؤسس دولة سُكُتُ القادرية بالفضاء الحوسي، والحاج عمر الفوتي الذي قُتل عام 1864م في إحدى معاركه الرامية لتأسيس دولة إسلامية تجانية بغرب إفريقيا[10].

– الخلاصة الثالثة، يكمن مأتاها في عجز اللغة العربية عن أن تصبح لغة التخاطب اليومي بين الناس، إذ يتبيّن من مختلف المواد المصدرية، أن أهل منطقة الساحل بذلوا مجهودات غير يسيرة في سبيل ترسيخ انتمائهم للأمة الإسلامية، أو في سبيل تنمية المشهد الثقافي الإسلامي[11]، بيد أن عملهم هذا – على امتداد عدة قرون – لم يكن كافيا لدفع الناس إلى اعتماد العربية مكان اللغات المحلية في حياتهم اليومية، فاضطروا للاستعانة بالترجمة منذ القرن 14م سواء تعلق الأمر بخطب الجمعة أو الدروس العلمية[12]؛ ولئن كانت الترجمة قد ساعدهم في عملية الفهم والاستيعاب، فإنها في المقابل ضيقت أو بالأحرى قلصت حظوظ انتشار اللغة العربية.

ولفهم سياق الظاهرة، نرى ضرورة التمييز ما بين عملية نشر الإسلام، وعملية نشر الثقافة العربية، فالأولى لا تتطلب وسائل بشرية أو مادية كبيرة، إذ يمكن لداعية بمفرده أن ينشر الإسلام بقرية أو مدينة، خاصة إذا وجد ترحيبا وتشجيعا من الأهالي، ومثل هذا الأمر دلّتنا عليه جل الشهادات المصدرية العربية فيما بين القرن 10 و14م؛ بينما عملية انتشار الثقافة العربية تتطلب أولا نجاح عملية التعريب، ثم توفير هياكل خاصة مثل المدارس والجامعات والكراسي العلمية والمكتبات العامة، ناهيك عن ضرورة توفر نخبة متنورة كفئة وقادرة على السهر والإشراف على العملية التعليمية، خاصة في مستوياتها العليا. وكل هذه المقتضيات، تستلزم مجهودا ماليا معتبرا، يصعب توفيره دون وجود دولة مركزية واعية بأبعاد المشروع الثقافي ومستلزماته الملحة حينئذ، ومن ذلك توفير مادة الورق أو الكاغد والمداد وغير ذلك من اللوازم مثل أداء رواتب هيئة التعليم والنساخ.

– الخلاصة الرابعة، تشير إلى أنه على الرغم من الصعوبات التي عانتها الثقافة العربية بمنطقتنا، فقد برزت نخبة محلية من الفقهاء والعلماء خلال النصف الثاني من القرن 15م، ثم سرعان ما انخرطت في تأصيل تقاليد التدوين والتأليف مقتدية بالنموذج العربي في هذا الميدان دون إغفال المؤثرات الحيوية للثقافة الشفاهية، التي كانت حاضرة في كتابات العديد منهم، نخص بالذكر منهم: عائلة كعت، وبغيغ، والسعدي، وكانوا، وصاحب تذكرة النّسيان. وقد شملت اهتمامات هذه النخب العلمية التكرورية أو تلك المنتمية للفضاء النوبي وما يوجد جنوبه: الفقه، والحديث، وعلوم اللغة، والتاريخ، والتصوف إلى غير ذلك من الحقول المعرفية المتداولة وقتئذ.

ويظهر أن الإنتاج المحلي ظل إلى غاية نهاية القرن 17م، ضعيفا كما وكيفا مع استثناءات قليلة[13]، غير أنه سيعرف طفرة مهمة خلال القرنين 18 و19م، وهي ذات الفترة التي انتشرت فيها الطرق الصوفية بالمنطقة (القادرية والتجانية)[14]؛ ويكفينا بهذا الشأن، الإشارة إلى أن أسرة آل فودي (بالمجال الحوسي) لوحدها خلفت ما يزيد عن ثلاثمائة تصنيف في مختلف الحقول المعرفية[15]. ولسوء الحظ – مرة أخرى – فإن هذه الطفرة، وهي في أوج تطورها خلال القرن 19م، تزامنت مع مرحلة السطوة الاستعمارية، وما اقتضته من اجتهاد رجالات الإدارة الاستعمارية – مدعومين بعمل المبشّرين المسيحيين – في سبيل توطين اللغات الأوروبية، ولتحقيق غرضهم، عملوا بشتى الوسائل على تهميش واستبعاد اللغات المحلية ومنها اللغة العربية.

يتضح من خلال هذه الخلاصات قدر المعاناة التي قاستها الثقافة العربية بمنطقة الساحل فيما بين القرن التاسع والقرن 19م. وحين التأمل في مسار هذه الدينامية والأعطاب التي لاحقتها، يجد الباحث نفسه في مواجهة إشكال محوري: لماذا تأخرت صنعة التأليف والتدوين بالمنطقة ؟ وكيف يمكننا تفسير ضعف الإنتاج كما وكيفا إلى نهاية القرن 17م، أي بعد أكثر من ثمانية قرون من تردد أصداء الدعوة الإسلامية بمنطقة الساحل؟

العناصر المحبطة في سيرورة نشأة وتطور الثقافة العربية

إذا انطلقنا من المقولة المشهورة: “إن التاريخ سيرة نجاحات”، يمكننا التأكيد على أن جلّ الدراسات التي تعرضت لتاريخ انتشار الإسلام أو تاريخ تطور الثقافة العربية بمنطقة الساحل، كانت تصدُر في تحليلاتها وتقييمها للأوضاع عن تلك المقولة، إلى درجة أننا لا نكاد نقع على عنوان يفيد البحث في العوامل المحبطة أو المعاكسة.

وسواء كان هذا التوجه واعيا أو غير ذلك، فإن النتائج المترتبة عنه، حجبت عنا الواقع التاريخي، وورّطت الكثير من الباحثين في متاهات مظلمة أساءت في بعض الأحيان لتاريخ المنطقة أكثر مما حاولت إضاءته؛ ولاستكمال الوجه الثاني للصورة، نتوقف عند عدد من العوامل المتداخلة والمتشابكة مما نعتقد أنها شكلت جملة من التعثرات التي صادفت مسار تطور الثقافة العربية بالمنطقة، وكبحت نموها الطبيعي:

* أولها، على الرغم من بعض المحاولات القليلة والمتفرقة، الرامية لتقعيد صنعة التأليف والتصنيف بمنطقة الساحل والصحراء بعد منتصف القرن 15م، فقد اتسم المشهد الثقافي بهيمنة منظومة الثقافة الشفاهية إلى غاية نهاية القرن 17م. وفي هذا الجانب، فإن الشهادات المصدرية العربية ذات الصلة بالتجارة الصحراوية إبان العصر الوسيط والحديث، لا تشير إلى مادة الورق أو الكاغد ضمن السلع المتبادلة بين ضفتها؛ كما أن المصادر البرتغالية والإسبانية خلال القرنين 16 و17م، وإن ألمحت للمسألة، فإن استعماله اقتصر على المراسلات الرسمية بين الأمراء في الفضاء السنغامبي وملوك الدولتين الإيبيريتين، لا غير، مما يعني أن تداول الورق كان محدودا جدا. وأبعد من ذلك، تطلعنا إحدى الشهادات للشيخ محمد بلّ المتوفى عام 1837م (صاحب إنفاق الميسور)، أن مادة الورق كانت غالية الثمن، وبالتالي لا يجوز لأي مؤلف أن يهدرها (أو تخسيرها بحسب عبارة بلّ) في صناعة مصنفات غير ذات فائدة[16].

* ثانيها، انهيار أو تراجع الوحدات السياسة بمنطقة الساحل عند نهاية القرن 16م. وبالعودة لتاريخ المنطقة عند هذا المنعطف الحاسم، يتبيّن لنا أن جميع الوحدات السياسية القائمة في المجال التكروري، أخذت تتراجع أو تنهار وتتفتّت مثل مملكة جُلُف أو مملكة سنغاي التي قامت على أنقاض مملكة مالي منتصف القرن 15م؛ فيما دخلت مملكة كانم – برنو الواقعة على ضفاف حوض بحيرة التشاد، مرحلة من التدهور البيّن منذ مطلع القرن 17م، ولم تعد لها تلك السّطوة والقوة التي أبرزها مؤرخ المملكة أحمد بن فرتو المتوفى قبل العام 1603م، ومما زاد في إنهاكها خلال القرن 17م، مؤامرات حكام طرابلس التابعين للدولة العثمانية.[17]

ويجمل الدارسون أسباب هذا التدهور السياسي في تراجع أهمية التجارة الصحراوية، وذلك بسبب المزاحمة القوية للتجارة الأطلنتية الأوروبية، التي ولدت في أحضان عملية الكشوف الجغرافية منذ منتصف القرن 15م، ثم أخذت تسعى تدريجيا إلى استقطاب واستدراج العمليات التجارية نحو الموانئ المطلة على الشواطئ الأطلنتية؛ وانتهت تلك المنافسة الحادة فيما بين القافلة التجارية الصحراوية والتجارة الأطلنتية الأوروبية بانتصار الأخيرة على الأولى قبل مطلع القرن 17م[18]. وقد ترك لنا المؤرخ البرتغالي گودينهو تعبيرا يلخص الحالة، حيث قال: “لقد انتصرت الكارافيل على الجمل سفينة الصحراء”[19]. وبفضل قوة المدافع، وتطور صناعة السفن لدى البرتغاليين (الكارافيل)، فقد تمكنوا من بسط نفوذهم على المجاري التجارية بالمحيط الهندي طيلة القرن 16م، وبذلك أزاحوا هيمنة العرب المسلمين به، التي استمرت طيلة قرون عديدة.[20]

لقد أدى انهيار وتفتّت هذه الوحدات السياسية المركزية بأرض التكرور إلى تعاظم دور المجال الريفي وتقلص دور المجال الحضري (ولاتة، برني، جني، تنبكت، گاو) الذي عادة ما يساعد على الانتقال من منظومة الثقافة الشفاهية إلى ثقافة التدوين.

* ثالثها، عدم نجاح عملية التعريب بسبب قلة العناصر العربية أو المستعربة المساهمة في عملية نشر الإسلام بالمنطقة. وههنا، وجب التذكير أن النطاق الصحراوي استطاع أن يجذب بعض بطون القبائل العربية خلال القرنين 15 و 16م، بيد أن هذه البطون بحكم تكيفها مع مقتضيات المناخ الصحراوي، لم ترغب في التسلل جنوبا في اتجاه منطقة الساحل[21]؛ وفي هذا السياق، لا نستبعد انتقال بعض العناصر العربية إما فرادى أو مع عائلاتهم، خاصة إذا كانوا من الأشراف أو من أهل العلم. ومعلوم أن البلاطات الإسلامية بمنطقة الساحل، كانت حريصة على استقطابهم في سبيل تنمية المشهد الثقافي، وأيضا رغبة في تزكية الانتماء لدار الإسلام.[22]

* أخيرا، علينا أن نلاحظ أنه في الوقت الذي تشبّعت فيه أرض التكرور بالقيم الإسلامية، وأخذت النخبة المحلية تتطلع لترسيخ صنعة التدوين والتأليف خلال النصف الثاني من القرن 15م، في ذات اللحظة، كان المصدر المغذّي، أي الحضارة العربية الإسلامية تعيش بداية مرحلة التراجع على عدة مستويات؛ وقد كان ابن خلدون (تـ 1406م) صحبة تلميذه المقريزي (تـ 1441م) من أوائل المفكرين العرب، الذين أولوا المسألة اهتماما بالغا في كتاباتهم: مقدمة العبر وكشف الغمة.

ومهما يكن من أمر هذه الصعوبات، التي أعاقت وكبحت عملية تطور الثقافة العربية بمنطقة الساحل، فقد تواصل مجهود النخبةِ المتنورةِ المحليةِ بوثيرة متصاعدة إبان القرون الثلاثة الأخيرة، وتكشف لنا أعمال الرصد البيبليوغرافي خلال الخمسين سنة الأخيرة عن حجم هام من المخطوطات في مختلف الحقول المعرفية المتداولة حينئذ، تُعدّ بعشرات الآلاف[23]، اتسمت في جلها بالطابع الديني؛ على أن أبرز وأهم ملاحظة سجلها الدراسون بهذا الشأن، تتمثل في هيمنة الشعر وندرة المنثور في هذا الرصيد المعرفي.[24]

وما من شك في أن اعتناء الباحث بقدر يسير من هذا الرصيد، يعدّ أمرا شاقا وصعبا، لذلك اقتصرت مهمتنا في عملية التقييم على الكتابات التاريخية. وقد تبين لنا من خلال متابعتنا لجلّ الإنتاجات المتاحةِ[25]، أن قلة قليلة من هذا الرصيد، كانت تجاري القواعد المتعارف عليها في الإنتاج التاريخي العربي، مثل أعمال أحمد بن فرتو وأحمد باب وعثمان بن فودي أو ابنه محمد بلُّ، بينما جلّ الإنتاجات المتوفرة بما فيها أعمال الشيخ موسى كمر (تـ 1945)، هيمنت عليها نزعة التجاذب أو التأرجح ما بين تقاليد التدوين ومنطق التقاليد الشفاهية غير العابئة في العادة بموقع القارئ وأفق انتظار[26].

إن المؤلف في ظل هذه النزعة، يخوض تجربة الكتابة وهو يعي الغرض منها (حفظ المعرفة)، لكنه في مرات غير قليلة، ينزلق سواء عن وعي منه أو عن غير وعي، فيستحضر القارئ كسامع، ينتمي مثله لنفس الفضاء الجغرافي والثقافي. من ثمة، يكون في حلّ من شرح المعطيات التاريخية أو توضيح مقاصد القول لقارئ عربي في العراق أو المغرب أو إسبانيا. وتعكس هذه الظاهرة صعوبة لدى المؤلفِ أو المصنفِ أثناء نقل المعنى من نظام الثقافة الشفاهية إلى النظام المتواضع عليه في تقاليد التدوين، وقد أفرز هذا الوضع، مجموعة من المميزات والخصائص، استمرت قائمة بنسب متفاوتة إلى حدود منتصف القرن العشرين[27].

ألمعنا فيما سبقَ إلى أن بداية صنعة التأليف والتدوين بمنطقة الساحل، تفتّقت خلال النصف الثاني من القرن 15م، ثم استمرت تتطور تدريجيا خلال القرون اللاحقة، حيث حققت مكاسب لا يستهان بها وذلك على الرغم من الصعاب التي واجهتها مما وقفنا عليه آنفا. وقد أفرزت هذه الصيرورة فئتين من المؤرخين تعايشتا جنبا إلى جنبٍ، نجحت الأولى منهما في مجاراة تقاليد التدوين المتداولة في الثقافة العربية الإسلامية، مثل صاحب السلوة في أخبار كلوة من أهل القرن 16م، والإمام أحمد بن فرتو والفقيه أحمد باب والشيخ عثمان بن فودي أو ابنه محمد بلُّ؛ وأما الفئةُ الثانيةُ، التي تمثل التيار الغالب[28]، فقد ظلت كتاباتها تتأرجح ما بين تقاليد التدوين والقواعد الحاكمة في إنتاج الثقافة الشفاهية. ويعكس هذا المعطى، تلك الصعوبات التي كان يعانيها المؤلفون كلما عملوا على نقل المعنى من النظام الشفاهي إلى النظام الكتابي مع ما يفترضه هذا الأخير من أعراف وتقاليد متواضعٍ عليها في صنعة التدوين.

وحينما نتصفح الكتابات التاريخية التكرورية إلى غاية القرن 19م، نلاحظ ضعف المعجم اللغوي العربي لدى أصحاب هذه المؤلفات من الفئة الثانية، مما يحملهم على الاستعانة بالعبارات الدارجة المحلية، وامتد هذا التأثير ليشمل عناوين تلك المصنفات، مثلما الحال مع “تاريخ الفتّاش” أو “تذكرة النَّسيان”.[29] وأكثر من ذلك، نجدهم في بعض الأحيان يثبتون ويرسمون عبارات تنتمي للّغات المحلية مثل السنغية بحروف عربية ( تنكر / مارتمز). وغني عن البيان، أن القارئ العربي يجد صعوبة غير هينة في متابعة المعاني المقصودةِ، وهي صعوبة يصادفها حتى ذوي الاختصاص.[30]

وعلى مستوى الصياغة اللغوية، يمكن لـ “ال” التعريف أن تسقط أو تضاف بحسب صوت ونظر اللغات المحلية مثل الكانوري والحوس والفلفلدي، كما أن تأنيث المذكر أو العكس، عادة جارية مثلما الحالُ عند استعمال الجمع عوض المفرد أو العكس. وتدلنا مثل هذه الأخطاء النحويةِ والإملائيةِ على مدى تواضع المستوى الأدبي لدى هؤلاء المؤرخين.

وفضلا عن تواضع المستوى الأدبي للفئة الثانية، يتبين لنا أن طبيعة السرد التاريخي لديها متماهية مع أحكام التقاليد الشفاهية، وقد سبق لنا منذ عقدٍ ونيفٍ أن وقفنا على مجموعة من الميزات الخاصة بهذا النوع من الكتابة التاريخية ببلاد التكرور.[31]

والخلاصة التي نود اقتراحها على المختصين والمهتمين بالتراث التاريخي العربي بمنطقة الساحل، أن أفضل وسيلة تساعدنا في مقاربته، وتفتح أمامنا آفاقا جديدة، ورحابا أوسع للتأمل والتفكير، تحملنا على تقسيم صانعي هذا التراث إلى قسمين رئيسين:

الأول منهما استوعب صنعة التأليف والتدوين، وسار على نفس نهج التراث العربي الإسلامي في هندسة بناء النصوص مما هو معروف والمتداول في المشرق أو المغرب (مثل تبويب التأليف ووضع عنوان له، وإعلان اسم المؤلف، وتنظيم فقرات المتن بما يتوافق مع أحكام علاقة المؤلف بالقارئ الخ) ويمثله نموذجُ أحمد بن فرتو وأحمد باب وعثمان بن فودي وابنه محمد بلُّ؛ والصنف الثاني من المؤلفين وإن ولج عوالم الكتابة والتدوين، فقد ظل قلمهم متأثرا بقواعد الثقافة الشفاهية (بنسب متفاوتة عبر العصور وأيضا باختلاف درجة استيعاب المؤلف لتقاليد التدوين)، وبذلك نجده متأرجحا بين العالمين، وبالتالي يصعب علينا إقامة علاقة تواصلية فعالة، فأحرى أن تكون هنالك علاقة تشاركية مع قارئ من أهل لغة الضاد.

معطى القول، إن انتقال الإسلام إلى بلاد السودان عبر بربر الصحراء، فضلاً عن قلة العناصر العربية الإسلامية التي تحملت مسؤولية نشر الرسالة المحمدية إلى نهاية القرن 15م، مجردة من أي دعم مادي أو سند معنوي، ثم قلة الحواضر السودانية، كل هذا وفر ظروفا غير مساعدة على تعريب السودانيين وبالتالي إمكانية ازدهار الثقافة العربية الإسلامية بالمنطقة؛ ومما زاد في تعقيد الوضع، توافق الصحوة الثقافية السودانية مع بداية انهيار المصدر المغذي، أي الثقافة والحضارة الإسلاميتين. ولما أخذت النخب المحلية تراكم التجارب، وتأنس في نفسها رغبة في خدمة الثقافة العربية الإسلامية، واجهت خلال القرن 19م والفترات التالية إكراهات الآلة الاستعمارية ودواليبها.

تبعا لما تقدم، فإن الإنجازات التي حققتها الثقافة العربية الإسلامية بمنطقة الساحل عبر النخب المحلية، تعدّ مكسبا هاما للمنطقة، إذ على الرغم من الظروف الصعبة التي مرّت بنا، نلاحظ أن أهالي المنطقة ونخبها، احتضنوا الإسلام ورحبوا به، ثم عملوا جهد مستطاعهم على ترسيخ قوالب الثقافة العربية الإسلامية، ونجحوا إلى حد كبير في مساعيهم. ولعل في انتشار اللغة السواحلية على امتداد الساحل الشرقي لإفريقيا (من الحبشة إلى سفالة)، ما يدعونا للتأكيد على أهمية تفاعل الثقافات المحلية مع الثقافة العربية الإسلامية. وذات الأمر ينسحب على اللغات المحلية الأخرى مثل الحوسية والولوفية وغيرهما من اللغات الإفريقية، التي اقترضت من العربية الكثير من الكلمات والاصطلاحات.

وليس لنا أخيرا إلا أن نهتدي ونستنير بهذه العبر التاريخية في سبيل خدمة التراث الإسلامي في كافة أرجاء وجهات إفريقيا.

الهوامش

[1]– Rémi Dewière (2017), Du Lac Tchad à la Mecque: Le sultanat du Borno et son monde (XVIe- XVIIe siècle), Édition de la Sorbonne. pp. 131-142.

[2]– إن الصورة التي التقطناها، تدين في جذورها إلى التقسيم الذي ابتدعه الأدب الجغرافي العربي خلال العصر الوسيط، ويتعلق الأمر بمفهوم النطاقات الثلاثة: بلاد المغرب، وبلاد الصحراء، وبلاد التكرور = بلاد السودان. وجدير بالذكر هنا، أن سياسة “فرّق تسد” التي اعتمدتها القوى الاستعمارية الأوروبية، عملت هي الأخرى على ترسيخ هذا التصور بمختلف الوسائل حتى إنها استعانت بأدوات ومفاهيم معرفية لتأصيل تصورها، فابتدعت مقولات من قبيل:” إفريقيا البيضاء” و”إفريقيا السوداء أو إفريقيا جنوب الصحراء”، و”الإسلام الأسود” أو “الإسلام البربري” إلى غير ذلك من المقولات والاصطلاحات المفيدة في خدمة مخططاتها الاستعمارية.

[3]– عادة ما تركز الدراسات التي تناولت تاريخ انتشار الإسلام بمنطقة الساحل، على أهمية المحاور والمسالك التجارية البرية الصحراوية في نقل التأثيرات الإسلامية؛ في المقابل، نسجل ونلاحظ أنها قلما اهتمت بالدور الحيوي للمجاري البحرية في القضية. ومعلوم أن الأسطول الإسلامي في البحر الأحمر ساهم بقدر لا يستهان به في هذه العملية سواء تعلق الأمر بسودان النيل أو مملكة النوبة، وذلك عبر موانئ عيذاب وحلايب وسواكن المقابلة لمينائي عدن وجدة على الضفة الأخرى من البحر الأحمر. وأكثر من ذلك، فإن الملاحين المسلمين بالخليج العربي – الإسلامي، تمكنوا من نقل الإسلام منذ القرن 3ه/ 9م إلى بعض الجهات والمراكز الحضرية الإفريقية المطلة على المحيط الهندي، والواقعة قريبا من خط الاستواء أو جنوبه، مثل ماليندي، وكلوة، وجزر القمر.

[4]-أحمد الشكري، “الرواية الشفوية وصنعة التاريخ: ملاحظات أولية”، مجلة قراءات إفريقية، مجلة ثقافية فصلية محكمة متخصصة في شؤون القارة الإفريقية، العدد 36، 2018، ص 18-29.

Joseph Ki-Zerbo 1978, Histoire de l’Afrique noire (D’hier à demain), Paris, Hatier 1978.pp 9-31.Lange Dierk 1977, Le Diwane des sultans du [Kanem-] Bornu: Chronologie et histoire d’un royaume africain (de la fin du X siècle jusqu’à 1808), Franz Steiner Verlag GMBH. Wiesbaden (=ديوان سلاطين [كانم-] برنو). p 119 et 122.

[5]– تخلص جلّ الدراسات اللّسنية الحديثة إلى أن اعتماد تقاليد التدوين مفيدة في حفظ وتنمية المعارف، بل إنها تساعد وتساهم بحظ وافر في تنمية وتطور اللغة نفسها. وقد استشعر الفقهاء والعلماء المسلمون أهمية الأمر، لذلك اعتبروا تعلم اللغة العربية فرض عين على المسلم؛ وفي هذا السياق نستحضر نظم الإمام الشافعي (تـ. 820م):

العلم صيد والكتابة قيده *** قيّد صيودك بالحبال الواثقة

فمن الحماقة أن تصيد غزالة *** وتتركها بين الخلائق طالقة

انظر: عارف أسعد جمعة، “المبادئ التربوية في كتاب منهاج المتعلم للإمام الغزالي (تـ. 505 هـ)”، مجلة النور للدراسات الحضارية والفكرية، السنة التاسعة – يناير 2018 – العدد: 1، ص 32.

[6]– تذكر المصادر أنه حتى قبل اعتناقهم للإسلام، كان المسلمون في مملكة غانة يتمتعون بمكانة رفيعة لدى الأهالي قمة وقاعدة. انظر: أبو عبيد البكري، كتاب المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، باريس: ميزونوف، 1965، حققه وترجمه للفرنسية دوسلان (De Slane). ص 172-178.

[7]– أحمد الشكري (2015)، الإسلام والمجتمع السوداني: امبراطورية مالي 1230-1430، الرباط: منشورات مركز الدراسات الصحراوية، طبعة ثانية. ص 312-337.

[8]-عن ظروف انتشار الإسلام والثقافة العربية الإسلامية بصحراء صنهاجة وبلاد التكرور، ينظر: عبد العزيز العلوي، تأثيرات بلاد المغرب على حضارة السودان الغربي في العصر الوسيط: الدين والفكر. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الآداب، تخصص: تاريخ. جامعة سيدي محمد بن عبد الله – كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس – سايس. السنة الجامعية 1998-1999 (مرقونة). زوليخة بنرمضان (2015)، المجتمع والدين والسلطة في إفريقيا الغربية ما بين القرنين 11 و16، الرباط: منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية.

– Joseph Cuoq 1984, Histoire de l’Islamisation de l’Afrique de l’Ouest, des origines à la fin du XVIe siècle, Paris, librairie orientaliste Paul Geuthner.

[9]– تقي الدين المقريزي 2006، الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام، القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث. تحقيق وتعليق ودراسة: عبد النعيم ضيفي عثمان عبد النعيم. ص 82-83.مصطفى محمد مسعد 1999، انتشار الإسلام في شرقي إفريقيا، ضمن الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. المجلد الأول: 514- 515.

[10]-للإحاطة بالتطورات التاريخية لحركة الشيخ عثمان بن فودي القادري أو حركة الحاج عمر الفوتي التجاني، ينظر: بهيجة الشاذلي 2015، الإسلام والدولة في إفريقيا جنوب الصحراء: الفكر السياسي عند عثمان بن فودي خلال القرن 19م، الرباط: منشورات مركز الدراسات الصحراوية. أحمد الأزمي 2000، الطريقة التجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن 19م، الرباط: منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

[11]– تمدنا المواد المصدرية بالكثير من الشواهد والوقائع التاريخية الدالة على ذلك، على أن إصرار ملوك دول بلاد التكرور على أداء فريضة الحج خلال العصر الوسيط والحديث، يجسد في نظرنا أحد أقوى تلك المؤشرات؛ زد على ذلك أنه يمثل ظاهرة فريدة مقارنة مع باقي الدول الإسلامية حينئذ. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نعلم أن عدد السلاطين الذين تعاقبوا على مصر المملوكية (1250-1517م)، بلغ 56 عاهلا، لم يحج منهم سوى ثلاثة سلاطين، علما أن الحجاز كانت تابعة لهم، بينما حج أربعة ملوك من حكام دولة مالي (1255-1430م)، في حين حج أكثر من عشرين ملكا من ملوك دولة كانم – برنو فيما بين القرن 11 و18م. انظر: أحمد الشكري، الإسلام والمجتمع السوداني، م. س، ص 288-290. فارس بن صالح الذكري، “رحلة السلطان الظاهر بيبرس إلى الحج (667ه/ 1269م) دراسة تحليلية”، مجلة الدارة، العدد الثالث، السنة 43، يوليو 2017. ص 132.

Rémi Dewière 2017, Du lac Tchad à la Mecque, pp. 222-226.

[12]– يسجل الرحالة المغربي ابن بطوطة أثناء إقامته بعاصمة مالي حوالي العام 1353م، أن خطيب صلاة الجمعة كان يستعين بمترجم “يبيّن للناس بلسانهم كلام الخطيب”، وقد استمرت الظاهرة سائدة خلال القرون اللاحقة حتى إن الفقيه عثمان بن فودي (ت. 1817م)، اتخذ من الترجمة من العربية إلى الحوسية استراتيجية أساسية في عمله الدعوي؛ ويذكر العالم الأمريكي جان هانويك أنه عاين نفس الظاهرة حين توقفه بتنبكت العام 1966. انظر: ابن بطوطة، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأمصار، الرباط: أكاديمية المملكة المغربية 1997. قدم له وحققه ووضع خرائطه وفهارسه عبد الهادي التازي. المجلد 4: 260. جان هانويك 2015، العلاقات الفكرية بين المغرب وإفريقيا جنوبي الصحراء عبر العصور، الرباط: منشورات معهد الدراسات الإفريقية بالرباط. ترجمة عن الأصل الفرنسي: أحمد الشكري، ص 43.

[13]– نذكر منهم الفقيه أحمد باب (تـ. 1627م) وأستاذه وشيخه محمد بغيغ، ثم هناك العلامة أحمد بن اندغ محمد بن أحمد التنبكتي (ت. 1634م) صاحب ” الفتوحات القيومية في شرح الأجرومية”، التي لاقت رواجا كبيرا في المغرب خلال القرن 17م وما بعده. وقد أخبرنا زميلنا سامي سعيد أنه انتهى من تحقيق” الفتوحات القيومية”، وأنه يعمل حاليا على نشر التأليف.

[14]– الواقع أن الشهادات المصدرية تعوزنا كلما حاولنا الوقوف عند لحظة بداية الطرق الصوفية بشكل صريح، على أن التلميحات الواردة عند مؤرخ مملكة كانم أحمد بن فرتو أو عند العلامة أحمد باب، تؤشر على أن النزعات الصوفية الأولى بالمنطقة بدأت تظهر وتنتشر خلال النصف الثاني من القرن 16م. ويجمع جل الباحثين على أن الفضل في بداية نشر الطريقة القادرية يعود للفقيه عبد الكريم المغيلي حين زيارته لمملكة سنغاي وإمارة كنو إبان العقد الأخير من القرن 15م. ومهما يكن من هذا الأمر، فإن الطريقة القادرية ستعرف انتشارا تدريجيا خلال القرن الموالي، لتتصدر المشهد الديني ببلاد التكرور خلال الثلث الأخير من القرن 18م خاصة مع الشيخ عثمان بن فودي (تـ. 1817م) مؤسس دولة سكت. وإذا كان للأسرة الكنتية (محور: أزواد – تنبكت) الفضل في نشر وترسيخ الطريقة القادرية، فإن قبيلة إيدا وعلي كان لها نفس الدور بالصحراء الأطلنتية (بلاد شنقيط) بالنسبة للطريقة التجانية، وعلى أيديهم انتقلت لإفريقيا الغربية، وزاد من إشعاع الطريقة أن اعتنقها الحاج عمر الفوتي (تـ. 1864م)، الذي حاول إقامة دولة إسلامية تجانية، وواجه في سبيل ذلك كفار البنبرا، ومسلمي ماسنة القادريين، ناهيك عن الآلة العسكرية الفرنسية.

[15]-زين العابدين عبد الحميد السرّاج، “أبرز مؤلفات الشيخ عثمان بن فودي والقضايا التي تناولتها”. عبد القيوم عبد الحليم الحسن، “مخطوطات الفوديين: بيبليوغرافية وصفية مختارة”؛ وكلا المقالين صدرا ضمن أعمال الندوة العالمية حول الشيخ عثمان بن فودي (دان فوديو)، الخرطوم، إصدار جامعة إفريقيا العالمية ومنظمة الإيسيسكو، 1996. المقال الأول ص 367-388؛ والمقال الثاني ص 389-452.

[16]– محمد بلو 1996، إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور. الرباط: منشورات معهد الدراسات الإفريقية، تحقيق بهيجة الشاذلي، ص 102.

[17]– في سياق التحولات والتطورات السياسية التي شهدها القرن 16م، نسجل أن العثمانيين بعد أن هزموا المماليك (1250-1517م) وبسطوا سيطرتهم على مصر سنة 1517م، استمر زحفهم غربا خلال العقود اللاحقة، فمهّدوا طرابلس الغرب وتونس والجزائر، ولم يتوقفوا إلا عند حدود الدولة السعدية بالمغرب الأقصى، حيث شكل نهر ملوية حدا طبيعيا فاصلا بينهما، وبذلك فرضوا سيطرتهم على جل أنحاء العالم العربي الإسلامي باستثناء المغرب الأقصى سواء على عهد الدولة السعدية أو العلوية.

[18]– كانت التجارة الصحراوية إلى نهاية القرن 16م، تمثل أهم مصدر مالي لخزينة الدول القائمة على ضفتي الصحراء؛ ولعل أبرز الشواهد الدالة على تراجعها، يتمثل في الانهيار التدريجي لمدينة سجلماسة بجنوب المغرب إبان القرن 15م، وقد كانت المدينة طيلة العصر الوسيط أحد أهم المراكز التجارية مع بلاد التكرور، حتى إن الوكالة التجارية لأسرة المقري، اتخذتها (إلى جانب تلمسان وولاتة طيلة القرنين 13 و14م) مركزا أساسيا في تنمية مبادلاتها التجارية مع الحواضر التكرورية. وتشير المصادر البرتغالية وقتئذ إلى أن حكام البرتغال كانت لديهم رغبة قوية في جلب وجذب التيارات التجارية من دواخل القارة الإفريقية نحو الموانئ والشواطئ الأطلنتية. انظر: أحمد بن محمد المقري 1968م، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب. بيروت: دار صادر، تحقيق إحسان عباس. ج5: 205-206. حسن حافظي علوي 1997، سجلماسة وإقليمها في القرن 8ه/14م، الرباط، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. الفصل 5: 441- 444.

Jean Boulègue 1987, Le Grand Jolof (XIII –XVIe siècle), Paris, Ed. Façades, diffusion Karthala. p 112 note n° 47.

[19]– هناك عدة عوامل ساهمت في انتصار الكارافيل، تجلت أساسا في قدرتها على نقل أحمال (الطّنة) تفوق قدرة القافلة الصحراوية بكثير؛ ومما زاد في تكريس هيمنتها، أنها استطاعت تقليص مدة السفر إلى الرّبع مقارنة مع مدة مسير القافلة، حيث كانت هذه الأخيرة تجتاز الصحراء في شهرين ذهابا، ومثل ذلك في الإياب، بينما لا تستلزم الرحلة الملاحية من موانئ البرتغال أو إسبانيا في اتجاه الشواطئ السنغامبية سوى أسبوعين، ومثلها في العودة. وذات الأمر ينطبق على خطوط التجارة ما بين العلم الصيني – الهندي والعالم الإسلامي، وذلك عند مقارنة تكلفة طريق الحرير البرية مع المجاري المختلفة بالمحيط الهندي. انظر:

De Moraes (N. I.) 1993-1995, A la découverte de la petite côte au 18e siècle (SENEGAL ET GAMBIE), T.1-2. Dakar. I. E. A., Université CH. A. DIOP.- IFAN., T.1, p 128, 140,197. T.2, 267, 325, 407. Barry (B.) 2005, « La victoire de la caravelle sur la caravane: Quel destin pour l’Afrique ». In actes du colloque Le monde Arabe et l’Afrique: Défis du présent et de l’avenir. Rabat, Publication du ministère de la culture.

[20]– شوقي عبد القوي عثمان1990، تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية (41-904ه/661-1498م)، الكويت: سلسلة عالم المعرفة عدد 151. ص253.

[21]– تطرح هجرة بعض القبائل العربية ونزولها بسودان النيل العديد من القضايا، وأولها لماذا لم تتم عملية التعريب بشكل سلس، ثم لماذا لم تشهد المنطقة نهضة ثقافية مثلما حدث بالنسبة لبلاد شنقيط خلال القرنين 18 و19 م ؟!

[22]– على فرض توفر جلّ الظروف والعوامل المساعدة في عملية التعريب، فإن نجاح العملية يتطلب قرنين من الزمن أو ثلاثة في أحسن الظروف، وهذا ما حدث بالنسبة لمصر أو بلاد المغرب.

[23]– تعددت المشاريع ذات الصلة بالرصد البيبليوغرافي للمخطوطات العربية المتوفرة بمنطقتنا، ولعل أهمها (فضلا عما قامت به الإيسيسكو) تلك التي احتضنتها مؤسسة الفرقان بلندن منذ العام 1989، حيث أصدرت بداية من عام 1994 العديد من فهارس المخطوطات العربية المتوفرة بالخزانات العامة والخاصة بالدول الإفريقية مثل مالي وبنين والنيجر ونيجيريا والسنغال وموريتانيا الخ (ينظر موقع المؤسسة بالشبكة العنكبوتية)؛ ثم هناك المشروع الذي قاده الباحث الأمريكي جان هانويك صحبة زميله النرويجي ريكس أوفاي؛ وقد صدر هذا العمل في عدة أجزاء فيما بين 1995 و2005، واشتمل على المخطوطات المتوفرة بغرب إفريقيا ووسطها وشرقها:

John O. Hunwick and R. S. O’Fahey, Arabic Literature of Africa: The Writings of Western Sudanic Africa/ The Writings of Central Sudanic Africa/ The Writings of Eastern Sudanic Africa.

[24]– في محاولة لتفسير الظاهرة، يقول الباحث السنغالي عثمان جاه:” […] لأن لغة امرئ القيس الجاهلية، ومعجم الحريري في المقامات، والمصطلحات الصوفية وطلاسمها هي ما تطغى على كتابات أدباء وشعراء السنغال الذين تثقفوا في المجالس الفقهية واللغوية التي واكبت عصرهم”. انظر: عثمان جاه، التجانية في الأدب السنغالي العربي، رسالة جامعية برسم نيل درجة دكتوراه السلك الثالث بكلية الآداب (قسم اللغة العربية) جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس عام 1990. ص 3.

[25]– من دواعي سعادة الباحثين، أن جلّ الكتابات التاريخية التي أنتجها أهل منطقة الساحل، باتت معروفة ومتداولة بين الدارسين بفعل عملية الإخراج والتحقيق، على أن بعضها ما يزال مخطوطا مثل “كتاب الإدارة”، الذي كتبه أحد حفدة السلطان علي بن دونمه (1747-1792م)، والتأليف يستعرض تاريخ برنو مع الإشادة بالدور الحيوي لأسرة سيفاوة في بناء الدولة. وبالموازاة مع ذلك، نقف على عناوين بعض المؤلفات التاريخية، بيد أنها تعدّ في حكم المفقود إلى يوم الناس هذا، مثل كتاب ” دُرر [أو جواهر] الحسان في أخبار بعض ملوك السودان” لصاحبه باب ﮔورُ بن الحاج محمد بن الحاج الأمين ﮔانْوَا؛ ومؤلف أحمد باب التنبكتي في التاريخ: “درر [قطع] السلوك في ذكر [بذكر] الخلفاء وفضلاء [أفاضل] الملوك”، وأخيرا، نشير إلى كتاب الشيخ الفقيه مَسْفَرْمَه عمر بن عثمان في التاريخ، وهو ذات التصنيف الذي اعتمد عليه واهتدى بمنهجه مؤرخ مملكة كانم – برنو أحمد بن فرتو خلال الثلث الأخير من القرن 16م؛ والراجح أن تأليف الفقيه مَسْفَرْمَه، الذي لا نعرف عنوانه، ظهر بعد العام 1519م، أو قبل ذلك بقليل.

[26]– المقصود بالرواية الشفوية، تلك الأخبار المتواترة عن أحداث تاريخية ماضية غير مدونة، يتناقلها الأحفاد عن الأجداد، وتتداولها فئة خاصة من المجتمع الإفريقي، يطلق عليها بصفة عامة اسم الرُّواة (Les Griots) أو ” أصحاب الكلام” بتعبير عبد الرحمن السعدي (تـ 1656م)؛ ونجد لدى كل شعب من الشعوب الإفريقية قبيل أو فئة خاصة تحتكر هذه المهنة، وغالبا ما تتحلق حول الأمير الحاكم. وحسب عدد من المختصين، فإن هذه الفئات المتخصصة في الرواية الشفوية منذ عهود قديمة، لها نظام خاص وقواعد مضبوطة تحكم مهنتها، الشيء الذي يضفي نوعاً من المصداقية على رواياتها مما يحملنا على ضرورة التمييز بينها وبين الرواية الشفوية العادية أو الشعبية المتداولة بين أفراد المجتمع، والحبلى بالخرافات والأساطير الخيالية. انظر: أحمد الشكري، “الرواية الشفوية وصنعة التاريخ: ملاحظات أولية”، مجلة قراءات إفريقية، مجلة ثقافية فصلية محكمة متخصصة في شؤون القارة الإفريقية، العدد 36، 2018، ص 18-29.

Théodore Nicoué Gayibor 2010, Sources orales et histoire africaine: Approches méthodologiques, Paris: L’Harmattan, pp. 49-53.

[27]– يمكننا القول إن الكتابات التاريخية التي خلفها الشيخ موسى كمر (تـ 1945) تقوم حجة بالغة الدلالة على ما نذهب إليه. وفي هذا الباب، تجب الإشارة إلى أن الكثير من الوقائع التاريخية عن منطقة الساحل مما وصلنا عبر العمري أو ابن خلدون أو غيرهما من أصحاب الشهادات المصدرية ذات الصلة بتاريخ المنطقة خلال العصر الوسيط، أخذوها أصلا كرواية شفوية عن رواة ثقات، ونجحوا بسلاسة في إبلاغها للقارئ ضمن منظومة تقاليد التدوين. وأبعد من ذلك، فإن حكايات ابن بطوطة عن مملكة مالي، إنما هي في الأصل رواية شفوية أملاها رحالتنا على ابن جزي، إذ إن هذا الأخير هو من وثّق لنا بأسلوبه الرحلة البطوطية المسماة “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأبصار”. وبالنسبة للأعمال التاريخية للشيخ موسى كمر، نذكر منها على الخصوص: زهور البساتين في تاريخ السوادين، ويعرف أيضا تحت عنوان: انتصار الموتور في ذكر قبائل فوتا تور(نشر الجزء الأول منه مترجما للفرنسية)،وأشهى العلوم وأطيب الخبر في سيرة الحاج عمر (مطبوع)، والمجموع النفيس سرّاً وعلانية في ذكر بعض السادات البيضانية والفلانية (مطبوع)،وتاريخ داره في زغاوة (مخطوط)، وأكثر الراغبين في الجهاد ممن يختارون الظهور وملك البلاد (مطبوع).

[28]– نقصد الأعمال التالية: فتوح الحبشة لشهاب الدين أحمد بن عبد القادر بن سالم بن عثمان، وخبر لامولشيبو فرج بن حمد الباقري، وتاريخ السودان لعبد الرحمن السعدي، وتاريخ الفتاش لأسرة كعت، وتذكرة النسيان لمجهول، وحوليات مولاي قاسم، وتاريخ ملوك السودان للشيخ أحمد كاتب الشّونة وآخرون، ناهيك عن كتابات الشيخ موسى كمر المنوه بها توا.

[29]– استعمال الكلمات الدارجة أو العامية في النصوص التكرورية، عادة جارية. انظر نماذج لذلك عند: عبد الرحمن السعدي، تاريخ السودان، باريس: ميزونوف1981؛ وهي النشرة الثانية عن الطبعة الأصل الصادرة عام 1898-1900. وقف على طبعه من غير تغيير نصه مع ترجمته للفرنسية أوكتاف هوداس بمشاركة تلميذه السيد بنوة، ص 173. القاضي محمود كعت وأحفاده، تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس وذكر وقائع التكرور وعظائم الأمور وتفريق أنساب العبيد من الأحرار، باريس: ميزونوف 1981؛ وهي النشرة الثانية عن الطبعة الأصل الصادرة عام 1913-1914. وقف على طبعه من غير تغيير نصه مع ترجمته للفرنسية أوكتاف هوداس وموريس دولافوس، ص 57، 88، 97-99، 145، 158، 162-163.

[30]– تتداول المصادر التكرورية والشنقيطية اصطلاح ” المغرب” للدلالة على الغرب بالمعنى الجغرافي، بينما يتم توظيف كلمة ” الغرب” لديها للدلالة على المغرب الأقصى. وتبعا لهذه التحديدات، ينخدع البعض في المقاصد المرجوة، ويتوهم قصصا لا صلة لها بتاريخ علاقات المغرب مع باقي الأقطار الإفريقية. انظر على سبيل المثال لا الحصر: تاريخ السودان ص 10، 21-22، 25، 35، 39، 141، 207، 263. والترجمة الفرنسية ص37. تاريخ الفتاش، ص 29، 48، 117، 150، 183. مجهول، تذكرة النسيان في أخبار ملوك السودان. باريس: ميزونوف 1966. وهي النشرة الثانية عن الطبعة الأصل الصادرة عام 1913-1914. ترجمه للفرنسية مع نشر المتن العربي: هوداس بمساعدة بينوة، ص 15، 25، 32، 68، 88، 128، 138.ابن بنان البرتلي الولاتي، فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور. بيروت: دار الغرب الإسلامي 1981. تحقيق محمد إبراهيم الكتاني ومحمد حجي. ص 31، 61، 146.

وقد يحتج علينا البعض بكون ثلاثي الدولة السّكتية بالفضاء الحوسي (الشيخ عثمان بن فودي وأخوه عبدالله وابنه محمد بلّ) وغيرهم من فقهاء المنطقة، استعملوا عبارة المغرب بمدلولها المشهور، أي المغرب الأقصى. بداية نشير إلى أن هذا الثلاثي ينتمي للفئة الأولى التي استوعبت تقاليد التدوين، واعتمدتها فيما خلفته لنا من تصنيفات، وبالتالي فإنها غير معنية بالملاحظات المقترحة من جانبنا، والتي تهم أساسا الفئة الثانية؛ على أن ذلك لم يمنع محمد بل من استعمال اصطلاح المغرب للدلالة على الغرب بالمعنى الجغرافي في عدة مواضع من كتابه، خاصة عند قوله في حق والده عثمان بن فودي:” فملأ القطر المغربي معارف وتلاميذ” ( ص 93 )، كما أنه في مواضع مختلفة، استعمل عبارة المغرب بمفهومها المشهور، أي المغرب الأقصى؛ وما كان له أن يزيغ عن هذا التحديد باعتبار حديثه عن المراسلات التي جرت بين سلطان المغرب المولى سليمان (ت. 1822) والشيخ عثمان بن فودي (ت. 1817). انظر: محمد بلو، إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، م. س، ص 64، 67، 71، 93، 177، 208، 309.

[31]– يراجع: أحمد الشكري 2010، الذاكرة الإفريقية في أفق التدوين إلى غاية القرن 18م (نموذج بلاد السودان)، الرباط: منشورات معهد الدراسات الإفريقية. الفصل الرابع ص 233-302.

كلمات مفتاحية :