التصوف في المغرب: المفهوم والأصول والتاريخ

التصوف في المغرب: المفهوم والأصول والتاريخ

التصوف في المغرب: المفهوم والأصول والتاريخ - الأستاذ عبد الوهاب الفيلالي
التصوف في المغرب: المفهوم والأصول والتاريخ – الأستاذ عبد الوهاب الفيلالي*

إنا حيـن نطرق موضوع التصوف، إنما نحن مع كيان معرفي ومنهجي وعملي سلوكي غني، يتمتع بأبعاد تتجاوز الحدود الضيقة في الزمان والمكان إلى كل الإنسانية، وإلى صلة هذه الأخيـرة بخالقها وخالق وطنها الوجودي.

من ثمة، لزم أن نستشعر ضخامة الكم والكيف في الكيان الصوفي الإسلامي، وأن نعي مدى أهمية التصوف سلوكا ومنهجا وخطابا، ارتباطا بالسياق الديـني الإسلامي الذي يحكمه ويحكمنا ونحتكم إليه؛ فهو ليس مجرد تـراث ذي كيـنونة ماضوية يمكن استدعاؤه أو تفعيله بيـن الفيـنة والأخرى، إنما هو كيان إنساني ووجودي رباني حي وقائم في الإنسان منذ كان، أساسه في السياق الإسلامي ديـنيٌّ أخلاقي ووجداني وجودي، يواكب الإنسان في مساره الحياتي عبـر العصور توافقا مع الأسس والمبادئ الإلهية في تدبيـر الوجود وكيـنونته، وتفاعلا مع الرغبة الإنسانية في التكمل والصفاء…

استنادا إلى الوعي بذلك يـنبغي أن ننظر إلى التصوف وإلى هويته في مختلف مواطنه مثلما في المغرب، حيث تفاعلت هذه الهوية الإنسانية العامة من داخل الإسلام والإيمان والإحسان مع خصوصيات السياق المغربي مذهبا وعقيدة وتاريخا وتدبيـرا، فتولد عن ذلك من الخصوصيات في المفهوم والأصول والتاريخ، ما يلزم معرفته ثم استيعابُه استيعاب وعي وتطلع استشرافا للتأصيل السليم لهوية الإنسان في الحال والمآل، إسهاما في البناء الناجع والنافع لكيـنونته، إن في المغرب أو خارجه المتصل به والمتفاعل معه؛ في مواطن القرب منه في الهوية والتاريخ والمكان… بصفة خاصة؛ مثلما هو شأن بلدان جنوب الصحراء المغربية في قارتنا الإفريقية. فماذا عن هويتنا الصوفية المغربية وماذا عن أصولها ثم تاريخها؟

1. المفهوم

يعلم الباحث في التصوف أن تعريفاته كثيـرة تـزيد على ألف قول كما قال «السهروردي» في «عوارف المعارف»[1] فما بالك بمن بعده؟! والسر في ذلك ذاتية التجارب التي تتعدد وتختلف بتعدد واختلاف الأحوال والمقامات التي يصدر عنها هذا الصوفي أو ذاك في وضع تعريفه. ولا نملك ونحن في التجربة الصوفية في المغرب إلا أن نعتمد تعريفات بعض الأعلام الأقطاب من المغرب، وكذا من خارجه في شخص هؤلاء الذيـن شكل تصوفهم السند الأساس والمصدر للتصوف في المغرب، إضافة إلى بعض أقوال من أرخوا له قديما وحديثا مما يمكن أن يفصح عن المراد:

يقول أبو القاسم الجنيد: التصوف هو «أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة» [2]، ويقول أيضا عنه: «ذكر مع اجتماع ووجد مع استماع وعلم مع اتباع» [3]، ويقول كذلك مركزا على معنى التصفية للنفس والقلب والروح في التـزام بحدود الديـن:

«التصوف هو تصفية القلب عن موافقة البـرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدواعي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بالعلوم الحقيقية، واستعمال ما هو أولى على الأبدية، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله على الحقيقة، واتباع الرسول في الشريعة» [4].

ويقول أبو حامد الغزالي: «وأما التصوف فهو عبارة عن تجرد القلب لله تعالى واستحقار ما سوى الله وحاصله يـرجع إلى عمل القلب والجوارح»[5]، وهذه عنده، كما يقول مصطفى غلوش، هي مرحلة التخلي تتلوها مرحلة التحلي التي يحصل فيها استغراق القلب بالكلية بذكر الله تعالى، ثم بعدها مرحلة التجلي؛ حيث الفناء بالكلية في الله تعالى حتى لا يشعر السالك إلا بلذة قربه من المحبوب الحق والبقاء به والفناء عما سواه [6]، وهو مسار بيّن الحضور وجلي الظهور عند الصوفييـن المغاربة الذيـن استوعبوا جيدا استيعاب تطبيق قوله: « أقبلت بهمتي على طريق التصوف، وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل، وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بذلك إلى تخلية القلب من غيـر الله وتحليته بذكر الله» [7].

ويقول أبو الحسن الشاذلي: «التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية»[8]، سيـرا على نهج الإسلام والتـزاما بقيمه، ونشدانا لمحبة الله وللمحبة لله. وفي ذلك قال أحمد زروق: «التصوف علم قصد لإصلاح القلوب، وإفرادها لله عما سواه»[9].

وجاء عند عبد الرحمان بن خلدون العالم بالاجتماع وبأحوال المجتمع المغربي أن طريقة الصوفية هي: « طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزيـنتها والزهد فيما أقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة»[10].

ويقول الشيخ أحمد بن عجيبة من مغاربة القرن 12 والربع الأول من القرن 13 الهجرييـن، وأحد كبار صوفيي الطريقة الدرقاوية: «التصوف علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة»[11].

ويـرى شيخ الطريقة المعيـنية الفاضلية محمد مصطفى ماء العيـنيـن أن التصوف «اسم وضع لقوم تجردوا لعبادة الله، خالصيـن فيها لله، عامليـن بعلمهم، زاهديـن فيما سوى ربهم»[12].

يخلص ممعن النظر في هذه التعريفات ومنعم الفكر فيها وفي غيـرها مما ورثناه عن أعلام التصوف في المغرب، والمتأمل لهويتهم وتجاربهم العلمية والعملية السلوكية إلى أن التصوف في المغرب التـزاما بما بسطه أقطابه الكبار الجنيديون وعاشوه، سلوك تخلية وتحلية وتجلية، تخلية من النقائص والرذائل وتحلية وتجلية بفعل الفضائل والأخلاق النبوية السَّنية، بدءاً من إخلاص العبودية لله بقصده لذاته وصدق محبته وقصد بلوغ معرفته، ومحبة رسول الله ﷺ والتشبث بمكارم أخلاقه والتلذذ بها، والتمكيـن لقيم الوداد والوئام والإخاء والتعاون والتـراحم.. في أبعادها الديـنية والإنسانية.

التصوف، إذن، قوامه الوجدان السامي تجاه المحبوب الحق والوجود والإنسانية، عملا بما سنته سنة رسول الله ﷺ، وقوامه كذلك السلوك المتـزن في الحياة بمختلف مجالاتها، ديـنيا وأخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا..؛ سلوك الوسطية والاعتدال والقناعة الذي يقرب ويسدد، ويوحد ولا يشتت ولا يفرق، ويُبسِّط ولا يُعَقِّد، مع الزهد الإيجابي؛ زهد القلب المستخلص من أخلاق رسول الله ﷺ وأخلاق أصحابه رضوان الله عليهم، الذي لا يعارض التمتع بالنعم الربانية وبما أحله الله سبحانه في تواضع خُلقي أساسه العبوديةُ والخضوعُ لله بدل الخضوع للحاجة الدنيوية.

التصوف بذلك جمع في المغرب بيـن فقه الشريعة وفقه الحقيقة؛ أي بيـن صلاح الظاهر والباطن، والحرص على التحلي بأخلاق الإسلام التي شملتها سنة رسول الله وسيـرته، ومراعاة الإنسان أيا كان في أفق تحقيق الإنسانية وإشاعتها في الوجود، والتمكيـن لمبدإ التوحيد وتنزيله في مختلف مناحي الحياة ومجالاتها، وفي العلاقات الإنسانية في العالم، فكان بذلك تصوف أخلاق بالدرجة الأساس.

إن التصوف في بعد حقيقته الخلقية القلبية النقية الصافية المتعالية التي اجتهد من أجلها المغاربة وما زالوا ممارسة وتوجيها وتـربية، من شأنه أن يقتل الظلم والرذيلة والتفرقة والصراع…، ويبث الوحدة والسكيـنة والأمن والطمأنيـنة، ويـنشط الفعل التنموي ويغذيه… خدمة للإنسان ومجتمعه وتحقيقا للإنسانية فيهما، إيمانا وتطبيقا للقول المشهور عند الصوفية والمتوافق ووُسع الإسلام وإنسانيته وتسامحه: «لا تكره يهوديا ولا نصرانيا، وأكره نفسك التي بيـن جنبيْك». بناء على ذلك كله يمكن القول إن المسار الصوفي القائم في المغرب والمرغوب في استمراره باعتباره المنهاج الصوفي الحقيقي والأصيل هو منهاج تـربوي «إصلاحي إيجابي ديـني أخلاقي إنساني متكامل، وسلوك رباني حكيم… يمتاز بالإنسانية الكبيـرة، والنظرة الشاملة لكل نواحي الحياة، كما يمتاز – ديـنا وعقيدة – بالتوحيد الصافي الخالص، القائم على التعامل مع الله قلبا وشعورا ووجدانا. ومن خلال التعامل معه ومن أجله، يقع التعامل مع كل عباده بالشكل الذي يـرضيه» [13].

ولو لم يكن كذلك لما كان من أمهات وحدات تعريفه عند أقطابه الكبار ذوي القدم الراسخ في المغرب وحدات: «الأخلاق، والإحسان، والتـزكية، والمجاهدة، والعمل مع العلم استشرافا للموهبة وللسعادة… ولأنواع الفضائل، بقاء بالله ولله ومع الله في مختلف الأبعاد السلوكية الممكنة؛ الذاتية الفردية والاجتماعية والوطنية والإسلامية والإنسانية، بعيدا عن طموح الظهور بل مع رغبة التكتم كما أوضح الأستاذ علال الفاسي، إلى أن« رأوا أن مصلحة الإسلام في ذلك [الظهور] لضرورة تشغيل الجمهور وتحميسه وعدم تـركه عرضة لدعوات النصارى والمتنبئيـن والمبتدعيـن»[14].

ذلكم هو التصوف في المغرب، وتلكم هي سماته وخصائصه مستخلصة من سيـرة أعلامه وأقوالهم محددةً مفهومَهُ، ومن شأن الوقوف على أصوله وقوف تخصيص وكذا مقاربة مساره التاريخي أن يزيدا ذلك بيانا.

2. الأصـول

انطلاقا من هوية التصوف المغربية باعتباره فقها أو علما يهتم بظاهر الشريعة ويلتـزمها ويـنشغل بباطنها ناشدا الكمال وطالبا معرفة المحبوب الحق والبقاء به وله ومعه، وجب القول في مستهل عنصر التأصيل وتقعيدا له أن من خالف ذلك أو أنكره أنكر الشريعة، إذ التصوف كما قال الحسن بن مسعود اليوسي في « قانونه» اهتمام بالأحكام الشرعية الظاهرة والباطنة، من حيث طلب الكمال، وإقامة العبودية لحق الربوبية[15]، وخالف قيمة الجمع بيـن حكم الفقه والتصوف كما أوضح ذلك محتسب الصوفية أحمد زروق حيـن انتهى في قاعدته السادسة والعشريـن إلى أن «صوفي الفقهاء أكمل من فقيه الصوفية وأسلم، لأن صوفي الفقهاء قد تحقق بالتصوف حالا وعملا وذوقا، بخلاف فقيه الصوفية فإنه المتمكن من علمه وحاله، ولا يتم له ذلك إلا بفقه صحيح، وذوق صريح، ولا يصلح له أحدهما بدون الآخر».. [16].

لقد كان وعي المغاربة، معرفة وسلوكا، بهذا الأصل العلمي المعرفي والعملي العرفاني الجامع بيـن ظاهر الشريعة وباطنها سببا في انتشار التصوف ومدارسه وطرقه، وكذا استمرار وجود الصوفي الفقيه والفقيه الصوفي استمرار تجدر وتمكن طوال قرون، كما كان هذا الوعي قبل ذلك ومعه نتيجة لسلطان الأصول الشرعية وتمسك الصوفية المغاربة بها. فماذا عن هذه الأصول الشرعية في الوسط الصوفي المغربي، وماذا عن باقي الأصول المرتبطة بها وبالسلوك الصوفي في المغرب؟ الأصول الشرعية: (القرءان والسنة وأقوال العلماء).

مؤكد أن قبض صوفية المغرب على ظاهر الشرع وباطنه نابع من إيمانهم الصادق بالأصول الشرعية كتابا وسنة قولية وعملية، وحرصهم الدؤوب على الالتـزام بها ومراعاتها في مختلف أحوالهم ومقاماتهم، وفي أقوالهم وأفعالهم، وفي بناء مواقفهم وتجاربهم. والباحث عن حقيقة التصوف في المغرب يجدها لا محالة ذات مرجعية شرعية؛ منبعها الكتاب والسنة والسلوك النبوي العملي، وسلوك الصحابة وأقطاب العلم الأوائل وأقوالهم، ولنا أن نمثل لهذه الأصول ببعض ما يـنتمي إليها مما كان وما زال سند صوفيتنا الأوَّلَ:

القرءان الكريم

لن يتعب من تعرف إلى التصوف وتدبـره في أن يقف على سنده القرءاني أحوالا ومقامات وحقائق، ذلك أن «القرءان العظيم قد بيـن من أحوال[…] التصوف […] ما فيه الكفاية… فقد تكلم القرءان على المراقبة والمحاسبة والتوبة والإنابة والذكر والفكر والمحبة والتوكل والرضا والتسليم والزهد والصبـر والإيثار والصدق والمجاهدة، ومخالفة الهوى والنفس. وتكلم على النفس اللوامة والأمارة والمطمئنة وأشار للصالحيـن والأولياء والأبـرار والصديقيـن والمؤيَّديـن وذي الكرامات وأصحاب خرق العوائد بما فيه الكفاية»[17].

ووجد الصوفية ذاتهم، وهم الذيـن يدعون ربهم بالغداة والعشي و«يـريدون» وجه الله، في قوله تعالى:: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ اَ۬لذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوٰةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَٰكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ اَ۬لْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْي۪اۖ وَلَا تُطِعْ مَنَ اَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَو۪يٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطاٗۖ ﴾[18]، كما كانت ضالتهم في سند إفراد الله سبحانه بالعبادة آيات التوحيد من قبيل قوله تعالى: ﴿ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اُ۬للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اُ۬لدِّينَ حُنَفَآءَ﴾[19]، وقوله تعالى: ﴿ هُوَ اَ۬لْحَيُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ اُ۬لدِّينَۖ﴾[20]. وعين الصواب أن نستوعب أن التصوف بهويته وموهبته الإحسانية امتثال وتحقيقي لما جاء في قوله تعالى: ﴿ قُلِ اِنَّ صَلَاتِے وَنُسُكِے وَمَحْي۪آےْ وَمَمَاتِيَ لِلهِ رَبِّ اِ۬لْعَٰلَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُۖ وَأَنَآ أَوَّلُ اُ۬لْمُسْلِمِينَۖ﴾[21].

كما عليـنا أن ننتبه إلى الآيات التي تدعو إلى اقتفاءُ آثار رسول الله ﷺ والتمسك به، باعتبارها الأساس الشرعي في بناء الصرح الصوفي بناء ربانيا سنيا صحيحا، من قبيل قوله تعالى: ﴿لقَدْ كانَ لكُمْ فِي رَسُولِ اللِّه إسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كاَنَ يرَجُو اللَّه وَاليَوْمَ الآخِرَ وذكَرَ اللَه كثِيـراً[22].

تلكم نماذج قرآنية مثلنا بها لارتباط أهل التصوف بالأصل الشرعي الأول، وإلا فكل مكونات التجربة الصوفية السنية ومقاماتُها وأحوالُها لها في القرآن ما يدل عليها، توبة وخوفا ورجاء وزهدا وقناعة وورعا وتوكلا وصبـرا وشكرا ورضا…، وهكذا فقد اجتهد صوفيونا تبعا لذلك لربط سلوكهم، تخلية وتحلية وتجلية، بالنص القرءاني.

السنة النبوية

يـروم الصوفي عموما أن يحقق ما أسماه أبو حامد الغزالي «كيمياء السعادة»، وهذا مما لا يتم في السياق السلوكي السني السليم إلا بالتعلق بالله وباتباع سنة رسول الله ﷺ وتمثل مضاميـنها، إذ «كيمياء السعادة لا تكون إلا في خزائن الله سبحانه وتعالى… [و] كل من طلب هذه الكيمياء من غيـر حضرة النبوة فقد أخطأ الطريق»[23].

بهذا النفس الإيماني القطعي يلزم – كما قال الغزالي- إدراك قول أبي القاسم الجنيد: «الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا على من اقتفى أثر الرسول ﷺ، ومذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة»[24] وفاء لقوله صلوات الله عليه: «تـركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك: كتاب الله وسنتي»[25].

نعم، إن سنة رسول الله ﷺ أساس السلوك الصوفي عند المغاربة، صوفيي أخلاق ورقائق كانوا أو صوفيي حقائق، وقد وجدوا ضالتهم في السنة العملية وما أيـنعته من أخلاق وأذواق، كما التـزموا نصوص الحديث النبوي واستندوا إليه استشهادا وتمثلا وفعلا، مثلما هو شأن قوله صلوات الله عليه عن قيمة ذكر الله: «ألا أنبئكم بخيـر أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيـرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيـر لكم من أن تلقَوْا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى! قال: ذكر الله» [26]. وكذا قوله عن أهل الله وأوليائه الصالحيـن: «قال الله عز وجل: إن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذيـن يُذكرون بذكري، وأذكر بذكرهم»[27]، وقوله عنهم أيضا، كاشفا قيمتهم وراصدا صفاتهم، وهي كلها مما يصبو إليه أهل التصوف ويُقدرها المغاربة ويسعون إليها: «إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله. قالوا: يا رسول الله أخبـرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابَّوْا بـروح الله على غيـر أرحام، ولا أموال يتعاطونها. فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، وقرأ: ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون»[28].

يجتمع في ما سقناه ارتباطا بالأصل النبوي السني للتصوف في المغرب القول النبوي مع أقوال بعض أقطاب التصوف في وطننا، وهو اجتماع مؤشر على حقيقة السند الصوفي السني في المغرب، وتـزداد هذه الحقيقة عمقا حيـن نستحضر ذلك الحديث النبوي الذي يسمو بمقام أهل الغرب من أمة الإسلام الذيـن هم أهل المغرب وفق ما يـراه بعض المعلقيـن؛ فمن طريق سعد بن أبي وقاص روى مسلم قوله ﷺ:« لا يزال أهل الغرب ظاهريـن على الحق حتى تقوم الساعة»[29]، وعلق عليه بمختلف رواياته الطرطوشي في رسالته إلى يوسف بن تاشفيـن قائلا:« والله أعلم هل أرادكم بذلك رسول الله ﷺ، أو أهل المغرب لما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الديـن، والاقتفاء لآثار من مضى من السلف الصالح رضي الله عنهم، فشرفوا بهذه المآثر شرفا، وشغفوا بهذه المفاخر شغفا» [30]، وكذلك علق عليه علي الجزنائي في الاتجاه نفسه فقال:« وأهل الغرب هم أهل المغرب الذي هو ضدُّ المشرق على أصح التأويلات وأوضح الدلالات»[31].

إن من شأن هذا الحديث وما ساوقه من تعليقات أن يفصح عن قيمة أهل المغرب ويتوافق وحقيقة صدق إيمانهم، وسعيهم منذ بداية تاريخهم الإسلامي إلى إعلاء كلمة الحق وراية الإسلام وإغناء خصوصيته الروحية الإحسانية الصوفية امتثالا للأمر الإلهي وللتوجيه المحمدي، وللمتلقي الراغب في البيان أن يسأل التاريخ المغربي عما فعله أهل التصوف المغاربة وعن مواقفهم النضالية المادية والروحية، داخل المغرب وفي الأندلس ومصر والسودان والحجاز… أو أن يتفحص بيبليوغرافيا ما ألفوه من كتب وأنشؤوه من رسائل ونظموه من أشعار… فالكل يفصح عن الأصل الشرعي منطلقا، ومسارا، وانتهاء في تجاربهم.

أصل أقوال العلماء والصوفية الأوائل ذوي الحظوة في المغرب

لا تغادر أقوال العلماء وأئمتهم وأقطاب التصوف المعتمديـن في المغرب إيوان الكتاب والسنة، ذاك ما يخلص إليه متتبعها والمتفحص لكتبهم وخباياها، حيث يزداد يقيـنه باحتكام أهل المغرب للثوابت الشرعية في منطلقهم، وخلال تجاربهم وأحوالهم، وفيما يصلون إليه من نتائج ويحصلونه من مقامات… وحسبنا أن نسوق بعض ذلك تمثيلا لا حصرا:

يقول عبد الرحمان بن الجوزي: «رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب، إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سيـر السلف الصالحيـن»[32]. وفي ذلك قناعة بقيمة السلوك الصوفي المتـزن الملتـزم، ودعوة إلى تفعيله، نشدانا للبناء القويم للإنسان السليم، وهي قناعة تتأكد من خلال مثل قول حجة الإسلام أبي حامد الغزالي: «إن الصوفية هم السابقون لطريق الله تعالى خاصة ]…[ إن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به»[33]، معنى ذلك «أن الصوفية الذيـن نسبت إليهم الطريقة [كما يـرى الشاطبي] مجمعون على تعظيم الشريعة، مقيمون على متابعة السنة، غيـرُ مخليـن بشيء من آدابها»[34]، ولذلك وجدنا الدعوة ملحاحة إلى التعلق بهم مثلما في قول الشيخ عبد القادر الجيلاني ناصحا ومرشدا: « القومُ أبدال الأنبياء، فاقبلوا منهم ما يأمرونكم به، فإنهم يأمرونكم بأمر الله عز وجل ورسوله، ويـنهون بنهيهما […] اتبعوا الرسول ﷺ في أقواله وأفعاله: اسمعوا قول الله عز وجل: وما آتاكم الرسولُ فخذُوه وما نهاكم عنه فانتهوا»[35].

يتضح، إذن، أن الالتـزام بالأصول الشرعية؛ الكتاب والسنة، هو أساس الطريق الصوفي، وهو المعتمد في المغرب فَيْصلا بيـن الصواب والخطإ، ولذلك خاطب أبو الحسن الشاذلي مختلف مريديه قائلا: « إذا عارض كشفُك الكتاب والسنة، فتمسك بالكتاب والسنة، ودع الكشف، وقل لنفسك إن الله قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة» [36].

وقد كان هذا التوجه الصوفي السني الدقيق – كما هو عند أهل المغرب – مثار اهتمام الكثيـر من الأعلام العلماء، أمثال الشاطبي وابن خلدون والعز بن عبد السلام، هذا الأخيـر الذي قال بعد أخذه الورد الشاذلي عن أبي الحسن ومعايشته للتصوف وأهله: «ما قعد على قواعد الشريعة التي لا تنهد إلا الصوفية»[37].

ومما قاله عبد الرحمان بن خلدون معربا عن أن التصوف علم شرعي: «هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الأمة، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تـزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعيـن ومن بعدهم طريق الحق والهداية، وأصلُها العكوف على العبادة والانقطاعُ إلى الله تعالى» … [38].

إن هذا القول وما سبقه لهؤلاء الأعلام العلماء والصوفييـن، كفيل بأن يـنوب عن غيـره مما يوافقه موقفا ونصًّا ودلالة، في إثبات شرعية التصوف سلوكا وخطابا ومنهجا، ولو فتحنا الباب على مصراعيه لاستعصى استيفاء كل هؤلاء الذيـن تكلموا في المجال من الصوفية والعلماء الأئمة، فما بالك بغيـرهم، أو بمن تأخر عنهم في الزمان، نحو ما هو قائم في المغرب، حيث الطرق متعددة، والزوايا منتشرة، والربط قائمة، والكل، مواطن وأعلاما، يتوحدون في شرعية المنطلق والأصل والاجتهاد للحفاظ على هذه الشرعية في مسار التجربة ومختلف محطاتها في السلوك والتـربية، بالاحتكام دائما للكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح وأفعالهم بدءا من صحابة رسول الله ﷺ ثم شيوخ التصوف الأقطاب، خاصة هؤلاء الذيـن شكلوا مشارب التصوف الكبـرى في المغرب، أمثال أبي القاسم الجنيد، وعبد القادر الجيلاني، وأبي حامد الغزالي، وأبي مديـن الغوث، وأبي محمد صالح، وعبد السلام بن مشيش، وأبي الحسن الشاذلي…، بلوغا إلى الطرق الجزولية، والزروقية، والناصرية، والدرقاوية، والتجانية، والكنتية والمعيـنية الفاضلية والكتانية، وغيـرها.

إن من شأن تأمل هؤلاء الأعلام الصوفييـن الكبار الذيـن شكلوا منطلق التجربة الصوفية الطرقية في المغرب أن يكشف العلاقات التواصلية الجامعة بيـنهم والموحدة لهم والرابطة بيـنهم وبيـن من تلاهم في الزمان إلى اليوم، فيتأتى بذلك إلحاق اللاحق بالسابق إلى الجنيد والحسن البصري وعلي بن أبي طالب فرسول الله ﷺ، وبذلك يتضح السند وتكتمل سلسلته فنخلص إلى شمولية الأصل الشرعي لكل صوفيي المغرب، الذيـن عمدوا دائما إلى تأكيد سنيتهم عبـر التاريخ المغربي كل في مرحلته وزمنه، يتوارثونها توارث اعتقاد وإيمان ومحبة وذوق ووجدان، في علمهم وعملهم، ويكاد لا يخلو في هذا الصدد مقام اجتماع وذكر وصفحات كتاب من تأكيد ذلك، حتى أمكن حصر بعض مظاهر هذا الالتـزام الشرعي السني في الآتي:

  1. المظهر القولي العملي، كما في الحلقات والمناسبات المتعددة.
  2. المظهر الكتابي، في مؤلفات الصوفية ورسائلهم وأشعارهم، وفي أنماط أو أجناس القول والكتابة، مثل الصلاة على رسول الله ﷺ، وشعر المحبة المحمدية، وأدب التوسل والدعاء، وأدب التوجيه والإصلاح.
  3. المظهر البنائي للخطاب قولا وكتابة، حيث الاستهلال شرعي والختم شرعي، مثلما في الكثيـر من القصائد الشعرية التي تصور تجارب أصحابها وتختم بالصلاة على رسول الله ﷺ، أو بالتوسل إلى الله سبحانه، أو بهما معا، مع الإفصاح عن العودة من مقام الجمع إلى مقام الفرق حيث العبد عبد والرب رب.
  4. مظهر الاستـرسال في التـزام ضوابط الشرع، وإظهار الصوفية المغاربة لذلك، في مختلف مواطن وجودهم، داخل المغرب وخارجه، إلى اليوم.
  5. مظهر المراجعة والتصحيح والتوجيه والإصلاح، إذ كان أهل التصوف من شيوخ وعلماء رقباء على صحة السلوك، مبادريـن إلى التصحيح والإصلاح بعد الملاحظة والنقد، نحو ما تفيض به رسائلهم إلى مريديهم، التـزاما بمبدإ الوفاء للأصل الشرعي وتمثلا لما ورثوه عن السلف بدءا من رسول الله ﷺ، وصولا إلى الإمام الجنيد وعبد القادر الجيلاني والغزالي وغيـرهم، من ذلك وضع الشيخ أحمد زروق لقواعده، وكتابه «عدة المريد الصادق» ونصائح الطريق ومبادئه كما يوضحها الشيوخ الأقطاب في مختلف الطرق الصوفية وزواياها.

ويبقى قول أبي القاسم الجنيد في المغرب، المعيار الوازن في هذا السياق التأصيلي الصوفي، المرتبط بسنة رسول الله ﷺ وبالقرآن الكريم أصل الأصول: «الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا على من اقتفى أثر رسول الله ﷺ ومذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة»[39]، كما يبقى استمرار الأخذ بالضوابط الصوفية المفصلة عند أمثال أبي حامد الغزالي في ما أسماه «القواعد العشرة» المحققة للتصوف العالي [40]، وأحمد زروق في قواعده التي تـربو على العشريـن ومائتيـن، ما يفيد استمرار المغاربة في درب السلوك الصوفي الأصيل والشرعي، وامتداد ذلك حالا ومآلا بتوجيه ورعاية من أميـر المؤمنيـن، وفي توافق وتفاعل مع ثابتي المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية.

لا يفوتنا بعد إيضاح الأصول الشرعية كتابا وسنة وسندا وأعلاما وأقوالا، أن نذكر بعض ما طبع الممارسة الصوفية في المغرب ارتباطا بتلك الأصول، وميزها وجدانا ووجودا، ذاتيا وجماعيا، حتى غدت مياسم مميزة للسلوك الصوفي وأصولا نابعة من ذاته في تفاعل مع تلك الأصول الأمهات ومع باقي ثوابت الأمة ومحيط الواقع المغربي، من ذلك أصول الوسطية والاعتدال، والإنسانية، والمحبة، والزهد، والوحدة، والطموح مع الإصرار، والتآخي.

لا يمكن لمختلف هذه الأصول إلا أن تكون مؤشرا – كما أشرنا – على مسار تاريخي صوفيمغربي حافل نعمد إلى تقريبه وفق ما تتيحه فسحة هذه المقاربة الدراسية.

3. التاريخ

يشكل التصوف وحركته جزءا لا يتجزأ من تاريخ المغرب، بل هو مكون أساس وجوهر من مكونات هوية الشخصية المغربية عبـر مسارها التاريخي، كما أوضح ذلك الدرس التاريخي والفكري والحضاري في المغرب[41]. بناء على ذلك كان للتصوف في المغرب «كبيـر أثر في توجيه وتلويـن جميع مرافق الحياة بحيث انتشرت شذراته في مصنفات لم يكن من المنتظر أن تحفل به؛ فإنك تجد أخبار الصوفية وحياة الزهاد ووصف الحركات الطرقية التي قامت في المغرب في وقت مبكر [… ] في كتب التاريخ والتـراجم والمناقب والفهارس والرحلات، بل حتى كتب الفقه»… [42].

مؤدى هذه الحقيقة قوة الحضور الصوفي في الزمان والمكان المغربييـن وشساعته كما ونوعا، منذ إرهاصاته الأولى إبان الفتح الإسلامي مع عقبة بن نافع الفهري ثم موسى بن نصيـر، فالمولى إدريس بن عبد الله، إلى اليوم في زمن أميـر المؤمنيـن جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، حيث كان التصوف وما زال أساسا حياتيا في المجتمع المغربي وفي سلوك أفراده، مشكلا بذلك ثابتا من ثوابت الأمة، ومتوافقا وغيـره من الثوابت مع أصلها جميعا: كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.

لما كان للتصوف كل هذا الامتداد الوجودي في المغرب زمانا ومكانا وأحداثا، ديـنيا واجتماعيا وسياسيا وفكريا… مما يصعب معه الإحاطة به وحصره من خلال المتابعة الدقيقة، اهتديـنا إلى رصد حركته من خلال محاولة ضبط محطاته الكبـرى، جاعليـن نقطة المحور المنهجية تَشَكُّل مدارسه الكبـرى الأولى؛ نعني المدرستيـن القادرية والشاذلية، في انتظار تشكل الطريقة التجانية في القرن الثامن عشر الميلادي ثم الطريقة الأحمدية الإدريسية بموازاتها في الزمان، واللتيـن أراهما مدرستيـن كبيـرتيـن تشكلتا متأخرتيـن في القرن الثامن عشر الميلادي وإن كانتا شاذليتي المشرب.

هكذا، يمكن الحديث عن مراحل أو محطات في الزمن الصوفي المغربي هي:

  • – مرحلة ما قبل تشكل المدارس الكبـرى الأولى.
  • – مرحلة تشكل المدارس الكبـرى الأولى.
  • – مرحلة ما بعد تشكل المدارس الكبـرى الأولى.

نحاول أن نقارب كلا منها بما يفيد في بناء تصور وازن ومتـزن ومختصر لتاريخ التصوف في المغرب.

للإشارة فإن هذا المسار التأريخي لا يخالف في العمق ذاك الذي وضعه المستشرق ميشو بيلبيـر M.Bellaire واعتمده علال الفاسي في كتابه « التصوف الإسلامي في المغرب»[43]، بقدر ما يوافقه في المسار دون الاكتـراث الدقيق لحدود التحقيب. كما أنه مسار له ما يوازيه في سيـرورة التاريخ المغربي؛ ذلك أن المرحلة الأولى تتوافق وعهد الفتح الإسلامي وبداية الدولة الإسلامية المغربية مع الأدارسة، مرورا بالمرابطيـن فالموحديـن، أما في المرحلة الثانية فنحن معاصرون للموحديـن وبعض العهد المريـني، وفي المرحلة الثالثة الزمن زمن المريـنييـن ومن بعدهم من وطاسييـن وسعدييـن وصولا إلى العلوييـن.

مستخلص ذلك أن الوجود الصوفي المغربي يواكب المسار الزمني المغربي دون انقطاع، وأن ما يمكن أن يلاحظه الدارسون من فتـرات خفوت هي بمثابة استـراحة المحارب المؤمن المرابط، أضف إلى ذلك أن هذا الخفوت لا يعني الغياب ما دام التصوف وأهله حاضريـن، خاصة حيـن تعددت الطرق وكثرت؛ حيث لا يخفت صيت طريقة إلا ويعلو صوت أخرى، وهكذا دواليك، وإلا كيف يفسر ميلاد الطريقة التجانية وبـروزها طريقة كبـرى في القرن الثامن عشر الميلادي، كذلك هو أمر الطريقة الأحمدية الإدريسية.

مرحلة ما قبل تشكل المدارس الكبـرى الأولى[44]

يتأثث فضاء هذه المرحلة من عناصر أو وحدات الزهد، والرباط، والأعلام العباد والمتصوفيـن الأوائل، والزوايا والطرق الأولى، وذلك قبل تشكل المشربيـن أو المدرستيـن القادرية والشادلية.

لقد كان للفتح الإسلامي في مراحله الثلاث وما صاحبه من وفود أعلام وأفكار وسلوكات روحية وثبوت محبة الله ورسوله والديـن الإسلامي الأثر الأول في بناء الشخصية الروحية المغربية، خاصة مع ثالث الفتوح الإسلامية بزعامة المولى إدريس بن عبد الله الذي أسس أول دولة إسلامية في بلاد المغرب، وجمع في شخصه بيـن شرف النسب وشرف الروح كما هو في شخص ابنه بعده المولى إدريس بن إدريس؛ حيث يمكن عد هذه الهوية الروحية وهذا الشرف النبوي لبنة أولى وأساسا في تشييد صرح الكيان الصوفي المغربي. كيف لا وقد كان المولى إدريس الأزهر، رضي الله عنه بعد أبيه من أهل الخصوصية الكبـرى والولاية العظمى «سلطان الأولياء ونخبة الصلحاء… سيد الأسياد وقطب الأقطاب الأمجاد» [45]. بمعية هذه الهوية الإدريسية الروحية والنسبية، كانت حياة الزهد والتبتل والصلاح التي عرف بها الكثيـر من أبناء المغرب لبنة أخرى دعمت البناء الصوفي، نحو ماهم عليه أعلام كتاب «التشوف إلى رجال التصوف» لابن الزيات التادلي، وأعلام كتاب «المقصد الشريف والمنزع اللطيف في ذكر صلحاء الريف» لعبد الحق البادسي، وكتاب

»المستفاد في ذكر الصالحيـن من فاس والعباد» لمحمد بن عبد الكريم الفندلاوي، وكذا كتاب «السلس العذب الأحلى في صلحاء فاس ومكناسة وسلا» لمحمد الحضرمي من أهل القرن الثامن الهجري، وكلها وغيـرها مؤلفات تتكامل فيما بيـنها ناسجة شبكة أهل الصلاح والزهد والتصوف في مغرب القرون الإسلامية الأولى إلى القرن السابع ودالة على قوة بداية الحركة الصوفية في المغرب من خلال التـزام أصحابها حياة العلم والعمل زهدا وتبتلا وصلاحا، احتكاما إلى أصلي الكتاب والسنة وتبعا لنهج المحجة البيضاء كما أوضحها رسول الله ﷺ، الذي كانت سنته وكتاب الله أساس دعوة المولى إدريس حيـن قال مخاطبا أهل المغرب قبيل قدومه إليه: « أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وإلى العدل في الرعية […] وإحياء السنة وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد […] والتقديم لمن استجاب لله ورسوله»… [46]، وكذا في خطابه لأهل مصر الذي جاء ضمنه دعوته الديـنية الخاصة إلى إصلاح النفوس وتصفية القلوب بالتـربية وسلوك النهج المحمدي ممثلا في شخصه هو باعتباره حفيد رسول الله ووارث سره، وعارفا بالله، دالا عليه، حيث قال: « وجعل فيـنا ميـراثه […] فأجيبوا داعي الله فقد دعاكم إلى الله»[47]، وهي كلها أطراف خطابية مفصحة عن البعد الروحي الإحساني الكامن بيـن ثناياها، والذي شكل وجها من وجوه شخصية الابن، المولى إدريس الثاني، إدريس الأزهر، الذي يقف اليوم وعبـر تاريخ مديـنة فاس وكل المغرب وقفة شموخ روحي رباني جامعا بيـن هوية الضريح والزاوية والمسجد، ومتـربعا عروش أرواح المغاربة محبة وتقديـرا واتباعا، في مختلف الأوساط الحضرية والبدوية… كيف لا وهو وأبوه من أبناء البيت النبوي الذيـن شرفهم الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اُ۬للَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ اُ۬لرِّجْسَ أَهْلَ اَ۬لْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراٗۖ﴾[48].

إضافة إلى البيت الإدريسي الشريف ونفسه الزهدي التعبدي الإحساني، يمكن أن نمثل لأعلام هذه المرحلة الأولى الإرهاصية للسلوك الصوفي بأمثال رواد الدولة المرابطية ومؤسسيها: واجاج بن زلو اللمطي وعبد الله بن ياسيـن ويوسف بن تاشفيـن وغيـرهم، ولو عدنا إلى تلك المصادر المتـرجمة لأعلام الصلاح في المرحلة هاته لجعلناها حسبنا وزيادة، خاصة أنها تكمل بعضها البعض في شمول المغرب أو بعضه إبان القرون الخامس والسادس والسابع للهجرة من خلال تخصص كل منها في جهة منه أو بعض مدنه، حتى وجدنا عبد الحق البادسي، مثلا، يؤلف كتابه «المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف» تكملة لكتاب « التشوف إلى رجال التصوف» لابن الزيات الذي كما قال البادسي: « غفل فيما آثره من الحسن والإحسان، عن الريف الكائن بيـن مديـنتي سبتة وتلمسان ]…[ وقد كان استقر بالريف المذكور، في سائر الأزمنة كل مشهور مذكور، لم يقصر في جده عن الأكابـر»… [49].

لو تجاوزنا الأعلام البشرية وزهدها وإحسانها في هذه المرحلة، إلى ما تم إنشاؤه من رباطات وما تحول منها إلى زوايا ثم إلى طرق، لخلصنا إلى قوة هذا الحضور الصوفي في المغرب، بدءا كما قلنا قبل، من الفتوح الإسلامية، ذلك أن تاريخ الربط يبدأ أساسا من إنشاء رباط شاكر أحد أصحاب عقبة بن نافع الفهري، وهو الرباط الأقدم في المغرب، ومقصد أهل الصلاح ومحبيهم في كل رمضان من أجل ختم القرءان… حيث يجتمع فيه الجم الغفيـر منهم[50]، وفي الآن عيـنه هو موطن مرابطة المجاهديـن ضد الكفار البـرغواطييـن، بناه القائد المجاهد يعلى بن مصليـن الرجراجي في موطن وفاة «شاكر».

يـنضاف إلى هذا الرباط في الشهرة رباط تيطفي أزمور ذو الهوية المتنوعة الديـنية الصوفية والعلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والممتد في الزمان، منذ إنشائه وإلى أنتـربت فيه الطريقة الجزولية، مرورا بتشكل طريقة أولاد أمغار، واحتضان بعض رواد الحركة الصوفية أمثال أبي محمد صالح بن يـنصارن بن غفيان الدكالي الماجري(تـ 631هـ) تلميذ الشيخيـن عبد القادر الجيلاني وأبي مديـن الغوث، وأبي العباس السبتي الذي عرف بزياراته المتعددة له. وقد كان هذا الرباط، فعلا، منطلقا لإنشاء الطريقة الأمغارية وما تفرع عنها بعدُ من زوايا في المغرب، وكذا كان مهد الجزولييـن، مما يصح معه نعته بالرباط الزاوية والطريقة [51]. إلى جانب هذيـن الرباطيـن يلزم استحضار كل الربط الأخرى المنتشرة في المغرب، الجبلية وغيـر الجبلية والساحلية البحرية والداخلية، والبدوية والحضرية[52] وربط الطرق التجارية، مثل رباط دار المرابطيـن في سوس، أسسه واجاج بن زلو اللمطي، ورباط عبد الله بن ياسيـن في الساقية الحمراء بالصحراء المغربية، وهو منطلق الدولة المرابطية، ورباط تازة، ورباط تاسماطت، ورباط تيـنمل مهد الدولة الموحدية، ورباط أبي محمد صالح في آسفي… ورباط مولاي بوشعيب قرب أزمور… وغيـرها، مما يفيد تعدد مراكز الحياة الروحية الصوفية في المغرب وتنوعها، وتضايفها عبـر التاريخ رباطا وزاوية وطريقة، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا، أماكن وأعلاما، جامعةً بيـن التـربية والتعليم والذكر والإيواء… والمنافحة عن الديـن والوطن ضد الكفر وأهله، شعارها وأساسها الأصل الشرعي: الكتاب والسنة.

مرحلة تشكل المدارس الكبـرى الأولى

مدار هذه المرحلة على تأسيس المشربيـن القادري والشاذلي؛ الأول نسبة على عبد القادر الجيلاني البغدادي، والثاني نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي.

قبل إفصاح القول عن هذيـن المشربيـن بما يـناسب، حري أن نشيـر إلى أن التصوف في المغرب استقى هويته من علميـن رئيسيـن بداية هما: أبو يزيد البسطامي وأبو القاسم الجنيد، عن الأول تشكل تصوف الحقائق بميولاته الروحية الفلسفية الإشراقية ذات المنحى الاعتدالي غيـر المغالي في المغرب، والذي لم يصل حد الهيمنة مقارنة بتصوف الأخلاق والرقائق الذي أخذه المغاربة عن الجنيد؛ يقول علال الفاسي في ذلك:« وتصوف أهل الحقائق… وتصوف الأخلاق والرقائق وهو الذي استقر عليه عامة المتصوفيـن المغاربة وكان له الأثر الفعال في مجتمعنا الإسلامي المغربي»[53]. والمؤكد عبـر تاريخ التصوف في المغرب «أن كلا من صوفية الحقائق وصوفية الأخلاق ]…[ لم يغالوا ]…[ فليس فيهم باطنية مارقون ولا رافضة إسماعيلية أو بهائية ]…[ وحتى ابن عربي الحاتمي ومن نحا نحوه يصرحون في غيـر مواربة ولا خداع بتمسكهم بالعقيدة السنية وما عرف عنهم إلا ممارسة العبادات الإسلامية طول حياتهم»[54].

ولعل من كبار أعلام التصوف المغاربة الذيـن لتصوف الحقائق المعتدل المستحب والمتمسك بالسنة حضور في تجاربهم: عبد السلام بن مشيش الشهيـر بعبادة الخالق وتقواه وخدمة الخلق ونصرة الحق… شيخ أبي الحسن الشاذلي رائد المشرب الصوفي الشاذلي في المغرب وخارجه. وقد كان لأبي حامد الغزالي ذي النفحة الإشراقية المعتدلة والبسيطة اليد الطولى في حضور هذا المنحى الصوفي في المغرب بخصوصيته المعتدلة، إذ كان من أهم من مكَّنوا في الفكر الإسلامي للتصوف السني الفلسفي القرءاني بدل البعد الفلسفي اليوناني، بعد جهود بيـنة في البحث والنظر وبدقة واتـزان، ومن أهم من أشاعوا طريقه وفكره في المغرب تلميذه المباشر صالح بن حرزهم وابن أخ هذا الأخيـر علي بن حرزهم ثم أبو مديـن الغوث شيخ عبد السلام بن مشيش، وكذا محمد بن علي بن حرزهم.

ويمكن القول ارتباطا بالمشربيـن القادري والشاذلي أنهما يجتمعان في الأصل الواحد؛ الأصل الجنيدي الذي يصل إلى الحسن البصري ثم إلى علي بن أبي طالب إلى رسول الله ﷺ، مما يفيد مرة أخرى أن التصوف في المغرب سني معتدل في الأساس يـركز على البناء الخلقي السليم فردا ومجتمعا، وأن ما فيه من اتجاه الإشراق لا يخالف ذلك أو يـناقضه كما سبق التأكيد عليه.

لقد حضر المشرب الصوفي القادري في المغرب أخذا من عبد القادر الجيلاني الذي أخذ عن الجنيد ليجتمع بذلك مع المشرب الشاذلي في هذا الأصل الجنيدي. وأهم المغاربة الذيـن أدخلوا القادرية إلى المغرب أبو مديـن الغوث الذي أخذ عن الجيلاني مباشرة في مكة وكان رائد القادرية الأول في البلاد والمأمور من طرف شيخه بنشرها «والدعوة إلى الله وتـربية المريديـن، وألزمه الخلوة للتفكر والعبادة مدة إقامته بمكة»[55]، إلى جانب تلميذه أبي محمد صالح الذي التقى بدوره بالشيخ الجيلاني وأخذ عنه بدعوة من شيخه أبي مديـن، هذا دون أن ننسى شيخ أبي مديـن أبا يعزى يلنور الهزميـري الذي قيل إنه أخذ عن الجيلاني وأشاد به[56].

وإذا كان أبو مديـن الغوث جيلانيا جنيديا فقد اتفق أن أخذ عنه عبد السلام بن مشيش ضمن السند الغزالي الجنيدي، مما يفيد التقاء الشيخيـن في معرفة الفكر الغزالي وتشربه، كما يسبق التقاؤهما في المصدر الجنيدي، وهذا يعزز مرة أخرى ما سبق استخلاصه من تواصل تصوف الأخلاق وتصوف الحقائق المعتدل في السند الصوفي المغربي وفي فكره وسلوكه، مع الاحتكام أساسا إلى الأخلاق ورقائقها وأذواقها.

ولا ريب أن هذا الاستخلاص مما يـنبغي عده من صلب التأصيل الاعتدالي للتجربة الصوفية المغربية.

هكذا يكون أبو مديـن وأبو يعزى وأبو محمد صالح رواد القادرية في المغرب في حياة الشيخ الجيلاني إبان القرن السادس الهجري أيام دولة الموحديـن، أخذ عنهم الكثيـر من أهل العلم والعبادة والزهد، خاصة منهم أبو مديـن الذي ذاعت طريقته باسم الطريقة المَدْيَنِية ووصل صيتها بعد مماته اليمن، وانتشرت في الشمال الإفريقي، أما أبو محمدصالح شيخ الطريقة الماجرية نسبة إلى أصله، فقد « حققت ] الطريقة القادرية [ على يده ما حققته في المشرق على يد مؤسسها من ازدهار، وظلت ]… [ تؤدي دورها الإشعاعي والتـربوي في مختلف المناطق المغربية»[57]، وعلى طول خط مسار ركب الحاج المغربي، بفضل ما أقامه من زوايا لحماية الحجاج وتأميـن مقامهم ومأواهم خلال رحلاتهم الحجازية. بذلك تكون القادرية في المغرب قد بلغت مداها انتشارا وحضورا إبان القرن السابع الهجري، وفرضت نفسها مشربا وطريقة كبـرى، لتتـراجع حركتها بعد ذلك بفعل بـروز الطريقة الشاذلية الجنيدية في انتظار العودة قوية في مرحلة ما بعد تشكل المدارس الكبـرى الأولى.

أخذ شيخ الطريقة الشاذلية أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي (تـ: 656 هـ) سره الصوفي عن شيخه عبد السلام بن مشيش دفيـن جبل العلم بشمال المغرب، كما أخذ بقصد التبـرك عن محمد بن علي بن حرزهم وأبي محمد صالح [58]، وهو سند تبـركي يصل إلى عبد القادر الجيلاني والإمام الغزالي. أما سند طريق التـربية والسلوك فيصله من خلال ابن مشيش وشيخه أبي مديـن الغوث إلى الجيلاني والغزالي فأبي القاسم الجنيد، مما يعني أن الشاذلية « قادرية… جنيدية غزالية» [59]. « والمهم أن نعرف من شيوخ أبي الحسن أن تعاليم الشاذلية مستمدة من مبادئ الجنيد عن طريق الطائفة القادرية التي أخذ مؤسسها مولاي عبد القادر عن الغزالي ولكنها تتصل بالغزالي عن طريق محمد بن علي بن حرزهم فتأخذ عنه رأسا العقيدة الأشعرية. فالشاذلية أشعرية في الاعتقاد، قادرية في التصوف، أي جنيدية غزالية« [60].

هكذا يتكشف أن التصوف في المغرب جنيدي سندا وتاريخا كما سبقت الإشارة سواءأكان شاذليا أو قادريا، السر في ذلك هو خصوصية الأصل الشرعي السني الذي يطبع مسارالجنيدية وكيـنونتها عقيدة وسلوكا، وعلما وعملا، وقولا وفعلا. ولو لم تكن هذه حقيقة التصوف في المغرب لما كان من أخص خصائصه التـرحال والانتشار من المغرب تجاه مختلف أنحاء المعمُور الأمس واليوم، ولعله في مقدمة ذلك رحلة الشاذلية المشيشية مبكرا في اتجاه الشرق ثم عودتها وتمركزها في المغرب في مرحلة ما بعد تشكل المدارس الكبـرى الأولى، مع تمركزها أيضا في الشرق إبان فتـرة أبي الحسن الشاذلي وبعده.

مرحلة ما بعد تشكل المدارس الكبـرى الأولى

توافق هذه المرحلة، كما أوضحنا قبل، زمن المريـنييـن ومن بعدهم إلى العلوييـن، وهي مسار تاريخي ممتد عبـر قرون، من القرن الثامن إلى اليوم، يتأبى على الضبط أحداثا ووقائع، وطرقا ودقائق، اللهم إذا احتكمنا مرة أخرى إلى أمهات معالم الحركة الصوفية وفق ما دأبنا عليه في المرحلتيـن الأولى والثانية، وذاك ما سنحاول فعله مع تقديم الأفكار المختصِرة جهد الإمكان لحقيقة المرحلة ولواقع التصوف فيها.

هي مرحلة ميزتها تعدد الطرق الصوفية وزواياها في مختلف مناطق المغرب، وجمع الممارسة الصوفية بيـن السلوك والتـربية ثم التبـرك. أما السلوك فكان للشاذلية هيمنة عليه، في حيـن تميز الحضور القادري غالبا بصفة التبـرك وخصوصياته.

بناء على ذلك تعددت الطرق الشاذلية في هذه المرحلة، بدءا من الجزولية في المغرب نسبة إلى محمد بن سليمان الجزولي صاحب «دلائل الخيـرات»، والزروقية بهويتها المغربية في ليبيا نسبة إلى أحمد زروق المشتهر بمحتسب الصوفية، ثم المدرسة الميمونية نسبة إلى علي بن ميمون الغماري الذي هاجر إلى الشام وهو اليوم دفيـن جبل لبنان، مرورا بطرق من قبيل الناصرية نسبة إلى ابن ناصر الدرعي وزاويته الأم بتامكروت [61]، ثم بالزاوية الشرقاوية في أبي الجعد…؛ وصولا في السيـرورة التاريخية إلى تشكل الطريقتيـن أو المدرستيـن الكبيـرتيـن في القرن12هـ/18م؛ التجانية وشيخها أحمد بن المختارالتجاني[62] الخلوتي الشاذلي[63]، والأحمدية الإدريسية ذات المشرب الشاذلي وشيخها أحمدبن إدريس،الذي غادر المغرب في اتجاه الحجاز عبـر مصر، إلى أن استقر في اليمن موطن جثمانه. وبمعية هؤلاء كانت الطريقة الدرقاوية الشاذلية ثم الكتانية وغيـرها.

وقد تميز حضور المشرب القادري في المغرب إبان القرن الثامن عشر للميلاد وما بعده بتجاوز هوية طريق التبـرك إلى هوية طريق السلوك بالانتماء وأخذ الورد، من خلال تشكل الطريقة الفاضلية القادرية نسبة إلى محمد فاضل بن ماميـن (تـ:1285هـ/1869م)، ووليدها الطريقة المعيـنية الفاضلية نسبة إلى الشيخ ماء العيـنيـن بن محمد فاضل بن ماميـن (تـ:1328هـ/1910م) في الصحراء المغربية، ثم قبلها ومُعَاصَرَةً لها الطريقة المختارية الكنتية[64] في بلاد شنقيط نسبة إلى المختار بن أبي بكر الكنتي (تـ:1226هـ/1811م) التي عادت إلى المغرب شمالا قوية في هذه المرحلة مع محمد بن دحو الأزموري (تـ: 1284 هـ/1867م) وغيـره من مريديها.

مما يلزم مراعاته بالضرورة في تشكيل صورة التصوف في المغرب خلال هذه المرحلة، طبيعة العلاقة القائمة بيـن الكيان الصوفي المغربي وسياقه داخليا وخارجيا؛ ذلك أن أهل التصوف تفاعلوا مع واقع البلاد في مختلف مناحي الحياة؛ ديـنيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا[65]، ومن أهم ما فعلوه إسهامهم في خدمة الإسلام ونشره ثم المشاركة الفعالة في مواجهة الاحتلال البـرتغالي والإسباني والفرنسي، نَحْوُ ما كان لمحمد بنسليمان الجزولي من مواقف جهادية ضد الدخيل الأجنبي وما قام به مريدوه معه وبعده مثل عبد الله الغزواني[66]، ثم ما فعله الدرقاويون ضد الوجود الفرنسي، ومقاومة المعيـنييـن للفرنسييـن في الصحراء المغربية وداخل البلاد؛ حيث يـرجع لهم الفضل في تأخيـر احتلال أراضي الجنوب المغربي إلى سنة 1934م، كذلك ما صنعه القادريون البوتشيشيون في الشمال الشرقي ومناهضتهم للاحتلال الفرنسي هناك.

أما دور الصوفية المغاربة طرقا وأعلاما في نشر الإسلام، فمساءلة تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء تفي بالمطلوب، وتفشي إلى استخلاص ما فعله التجانيون والكنتيون خاصة؛ والفاضليون والمعيـنيون في الجهة الغربية جنوب الصحراء حتى قامت دولة عمر الفوتي بهويتها الإسلامية الصوفية التجانية، ثم ما أنجزته المدرسة الأحمدية الإدريسية وما تفرع عنها من طرق في بلاد السودان الشرقي خدمة للإسلام والمسلميـن.

تلكم هي إشارات دالة نسعى أن يكون من مدلولاتها ضرورة تعميق النظر في هذه الهوية الصوفية المغربية التي طبعت بلاد المغرب وتجاوزته إلى بلدان أخرى كثيـرة، في مقدمتها بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. ويمكن القول قول جزم أن الطابع المغربي استنادا إلى الصوفية المغاربة وطرقهم حاضر في مختلف اتجاهات المعمور في أوروبا وأمريكا وآسيا وأستـراليا، فضلا عن إفريقيا موطنه القاري الأول، وسر ذلك يكمُن في هويته السنية الجنيدية الملتـزمة بحدود الكتاب والسنة، واجتهاد الصوفييـن للوفاء بها في وسطية واعتدال، تفاعلا مع خصوصيات العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي وبتدبيـر من إمارة المؤمنيـن، في مسار سلوكي خلقي منهجي جنيدي شعاره مبدأ الوحدة والتوحد محبة وألفة وتكتلا وتعاونا، في أفق بناء الإنسان ومجتمع إنسانية المحبة بالعلم والعمل في الظاهر والباطن، وبالتخلية والتحلية والتجلية في السلوك والأخلاق، وفي العلاقات التواصلية بيـن الذات ونفسها وغيـرها عبـر التاريخ الإسلامي المغربي.

إن الوعي بهذا الأساس السلوكي الوحدوي المستند إلى الأصل الشرعي، والمتفاعل مع باقي ثوابت الأمة مذهبا وعقيدة وتدبيـرا وتسييـرا، والمتوافق مع طموح البناء المجتمعي الموحد وطنيا وديـنيا وقاريا وإنسانيا، هو من أهم ما أعطى ويعطي للتصوف الإسلامي الجنيدي هذا الامتداد الوجودي المتنامي في المغرب وخارجه انطلاقا منه.

لقد تشرب المغاربة العمق الصوفي الجنيدي الوحدوي، وفطنوا إلى قيمته وأهميته في النجاة والنجاح في تخطي حاجز الكثرة إلى الوحدة، حتى وجدنا أبا الحسن الشاذلي مثلا، يـربط علم التصوف بالعمل ويدعو إلى إتقانه وإحسانه ويُنَفِّرُ من تـركه، ووجدنا أبا العباس السبتي يحمل شعار تفعيل الوجود بالجود ويؤكد انفعاله به، حيث يتوحد الفكر والقول والفعل في السمو بالوجود وبنائه بناء صلاح وفلاح، ووجدنا أيضا أحمد زروق يسن قواعد السلوك الموحدة والبانية لسبيل السفر الصوفي في الحياة ابتغاء وصال ملك الملوك وصال حق ومحبة وطاعة. كما وجدنا لهذا المنطلق والمبتغى الوحدوي فعلَه القوي في حمل الطرق الصوفية المغربية شعار التواصل والتفاعل مع الواقع، ومواجهة الاستعمار وخدمة الصالح العام، والعمل بمنطق الأخوة والوحدة الطرقية التي صرحت بها بعض الطرق نحو قول الشيخ ماء العيـنيـن:

إني مخـاو لجميع الطـرق أخوة الإيمان عند المتقي قال تعالى: المؤمنون إِخْوَة وعدم التفريق فيه أُسْوَه[67]وقول محمد بن أحمد سباطة الفتحي الدرقاوي:

طرق أهـل الله شيء واحـدُ فلا يـرى التفريق إلا جاحدُ

فكلهم مثـل فـروع شجـرهْ مثمرةٍ، أغصانها منتشـرة

هو الأصل حامل، محيط بالجميعْ أعني شريعة نبيـنا الشفيع [68]

هذه كلها مظاهر لتمكن السلوك الصوفي الجنيدي في المغرب وفي نفوس المغاربة ووجدانهم لن يشقى الباحث للوصول إلى غيـرها؛ كأن يـنتبه إلى غنى تـراث الكتابة الصوفيةفي المغرب كمّا ونوعا[69]، وفي مختلف مراحل تاريخه، وأن يلتفت إلى ارتباط العديد من المدن المغربية بأهل الصلاح والتصوف؛ فاس بالمولى إدريس الأزهر، وزرهون بالمولى إدريس الأكبـر، ومراكش بـرجالها السبعة، وآسفي بأبي محمد صالح، والسمارة بماء العيـنيـن، ومكناس بامحمد الهادي بنعيسى…، ووزان بمولاي عبد الله الشريف، كما تقوم الرحلات المدونة ذات البصمة الصوفية ملمحا آخر من ملامح قوة هذا الحضور الصوفي الجنيدي، من قبيل رحلة ماء الموائد لأبي سالم العياشي، ورحلات ابن ناصر الدرعي ورحلة ماء العيـنيـن، ورحلة محمد بن عبد الكبيـر الكتاني…، وغيـرها كثيـر.

تلكم كانت مساوقةً مفهومية وتأصيلية وتاريخية للتصوف في المغرب، عمدنا فيها إلى الاختصار مع الدقة جهد الإمكان، والعمل على تقديم المعلومة في أفق منهجي يسعف في بناء صورة واضحة للتجربة الصوفية المغربية ولأبعادها التأصيلية والحركية والتواصلية الانفتاحية، والله ولي التوفيق.

*أستاذ التعليم العالي – جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس

الهوامش

[1] عمر بن محمد شهاب الدين السهروردي: عوارف المعارف (ملحق بالإحياء للغزالي) دار المعرفة ـ بيروت (ب. ت) ص: 5/ ص: 64.

[2] أبـو نصـر السـراج الطوسـي: اللمـع / توثيـق عبـد الحليـم محمـود وطـه عبـد الباقـي سـرور، دار الكتـب الحديثـة ـ مصـر ـ مكتبـة المثنـى ـ بغـداد: 1380 هـ- 1960م، ص: 46

[3] عبد الكريم القشيري: الرسالة القشيرية في علم التصوف، دار الكتاب العربي ـ بيروت: 1367هـ/1957م، ص: 127.

[4] سعاد الحكيم: تاج العارفين الجنيدي البغدادي (الأعمال الكاملة) دار الشروق ـ القاهرة ـ مصر، ط 3، 2007، ص: 150.

[5] أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر: 1358ه – 1939م، ج 2 / 249.

[6] مأمون غريب: أبو الحسن الشاذلي، حياته.. تصوفه.. تلاميذه.. وأولاده، دار غريب ـ القاهرة: 2000م، ص 51 – 52.

[7] أبو حامد الغزالي: المنقذ من الضلال، تعليق وتصحيح: محمد محمد جابـر (ب.ت)، مكتبة الجندي ـ مصر، ص:43.

[8] مأمون غريب، أبو الحسن الشاذلي، حياته.. تصوفه…، ص: 55.

[9] أحمـد زروق: قواعـد التصـوف، تقديـم وتحقيـق عبـد المجيـد خيالـي، دار الكتـب العلميـة، بيـروت لبنـان، ط.1، 1424 هـ/2003م، القاعـدة 13، ص: 26.

[10] عبـد الرحمـان بـن خلـدون: المقدمـة، تـح وتـق: علـي عبـد الرحمـان وافـي، مـط. النهضـةـ مصـر القاهـرة (ب.ت)، ط. 3، ج 3/1097

[11] أحمـد بـن محمـد بـن عجيبـة: معـراج التشـوف إلـى حقائـق التصـوف: تـح: عبـد المجيـد خيالـي، مركـز التـراث الثقافـي المغربـي ـ الـدار البيضـاء، ط1، 2004م، ص: 25 – 26..

[12] مـاء العينيـن: مبصـر المتشـوف علـى منتخـب التصـوف، تـح: محمـد الظريـف ومحمـد عينـاق، منشـورات مركـز الإمـام الجنيـد ـ وجـدة، الرابطـة المحمديـة للعلمـاء، ط1، 2010م، ج1/ ص: 79.

[13] -أحمـد لسـان الحـق: الحقيقـة القلبيـة الصوفيـة ودورهـا فـي إصـلاح الفـرد والمجتمـع وحـل مشـاكل الإنسـانية بـروح التسـامح والمسـالمة فـي السـلوك الصوفـي، مطبعـة النجـاح الجديـدة، الـدار البيضـاء، ط1، 1420هـ /1999م، ص: 18.

[14] عـلال الفاسـي: التصـوف الإسـلامي فـي المغـرب إعـداد: عبـد الرحمـان بـن العربـي الحريشـي، مـط. الرسـالة ـ الربـاط: 1998م، ص: 20.

[15] الحسـن بـن مسـعود اليوسـي: القانـون فـي أحـكام العلـم وأحـكام العالـم وأحـكام المتعلـم، تحقيـق وشـرح وتعليـق وفهرسـة وتقديـم: حميـد حمانـي، مطبعـة شـالة، الربـاط، ط1، 1998م، ص: 198.

[16] أحمـد زروق: قواعـد التصـوف، تـق وتـح: عبـد المجيـد خيالـي، دار الكتـب العلميـة ـ بيـروت ـ لبنـان ـ ط1، 1424هـ – 2003 م، ص: 32.

[17] عبد السلام الغرميني: الصوفي والآخر ـ المدارس ـ الدار البيضاء: 1421هـ – 2000م، ط1، ص: 11.

[18] سورة الكهف، الآية: 28.

[19] سورة البينة، الآية: 5.

[20] سورة غافر، الآية: 65

[21] سورة الأنعام، الآية: 162 – 163.

[22] سورة الأحزاب، الآية: 21.

[23] أبو حامد الغزالي: كيمياء السعادة (مع المنقذ من الضلال وغيره) تعليق وتصحيح: محمد محمد جابـر(د.ط.ت)، ص:73.

[24] أبـو إسـحاق الشـاطبي: الاعتصـام، تحقيـق أبـو عبيـدة مشـهور بـن حسـن آل سـلمان، الـدار الأثريـة ـ عمـان الأردن، ط.2، 1428هـ – 2007م، ج: 1 / ص: 159 – 160.

[25] رواه ابن ماجة رقم 43، وأحمد، 4، 126، و17182، والحاكم رقم 331، والطبـراني 15352، كلهم بدون لفظة المحجة.

[26] أخرجـه أحمـد (6/252)، والتـرمذي (9/258)، وابـن ماجـة (2/1245)، والحاكـم (10/69)، والبيهقـي فـي الشـعب(1/394)، وهـو حديـث صحيـح.

[27] أحمـد بـن حنبـل: المسـند، حديـث عمـرو بـن الجمـوح رقـم 19486، شـرحه وصنـع فهارسـه: حمـزة أحمـد الزيـن، دار الحديـث ـ القاهـرة، ط، 1416 هـ – 1995م.

[28] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (35477)، والطبـراني في تفسيره (17703).

[29] صحيـح مسـلم، كتـاب الإمـارة، بـاب قولـه صلـى الله عليـه وسـلم:» لا تـزال طائفـة مـن أمتـي ظاهريـن علـى الحـق لا يضرهـم مـن خالفهـم،» رقـم: 1925.

[30] يوسـف التادلـي ابـن الزيـات: التشـوف إلـى رجـال التصـوف، تـح: علـي عمـر، مكتبـة الثقافـة الدينيـة ـ القاهـرة، ط. 1: 1427هـ

– 2007م، ص: 14.

[31] علـي الجزنائـي: جنـى زهـرة اآلس فـي بنـاء مدينـة فـاس، تـح. عبـد الوهـاب بنمنصـور، املـط. الملكية ـ الربـاط، ط2: 1411هـ – 1991م، ص: 5. 5.

[32] عبـد الرحمـان بـن الجـوزي: صيـد الخاطـر، تـح: عبـد الحميـد هنـداوي، المكتبـة العصريـة، صيـداـ بيـروت، لبنـان د.ط 1429 هـ – 2003م، ص: 165.

[33] المنقذ من الضلال، ص: 49 – 50.

[34] الشاطبي: الاعتصام، ج1/ص: 165.

[35] عبد القادر الجيلاني: الفتح الرباني والفيض الرحماني، مكتبة زهران ـ القاهرة(ب. ت) ص: 188.

[36] أحمد بن عجيبة إيقاظ الهمم في شرح الحكم، تحقيق محمد عزت، المكتبة التوفيقية، القاهرة (د. ط) ص: 368.

[37] عبد العزيز بنعبد الله: معلمة التصوف الإسلامي، مط. المعارف الجديدة ـ الرباط ـ المغرب، ط1: 2001م، ج3/145.

[38] عبد الرحمان بن خلدون: المقدمة، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت: 2005م، ج: 2/ص: 161 – 162.

[39] أبو إسحاق الشاطبي: الاعتصام، ج:1/ ص: 159-160.

[40] أبـو حامـد الغزالـي: القواعـد العشـرة مـع المنقـذ مـن الضـلال تعليـق وتصحيـح: محمـد محمـد جابـر، مكتبـة الجيـدي ـ مصـر _

(د.ط.ت)، ص: 96/106.

[41] ينظر تمثيلا: عبد الله العروي

Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain (1830 – 1912) F.   .(Maspéro , Paris: 1977 ) pp 228 – 230

عبد العزيز بنعبد الله: الفكر الصوفي والانتحالية بالمغرب، مجلة البينة، س1/ ع 4 ربيع الأول: 1382هـ، غشت 1962م (ص 39/ ص 52)، ص: 45.

عبد المجيد الصغير: من أجل إعادة تقويم الحدث الصوفي بالمغرب، ضمن «الرباطات والزوايا في تاريخ المغرب،» منشورات كلية الآداب ـ الرباط، سلسلة ندوات ومناظرات، رقم 69، تنسيق نفيسة الذهبي، ط1: 1997م، ص: 270 – 271.

[42] عبد العزيز بنعبد الله: الفكر الصوفي والانتحالية بالمغرب، مجلة البينة (مرجع سابق)، ص: 45.

[43] علال الفاسي: التصوف الإسلامي في المغرب، ص: 120.

والمراحل هي: 1) من عهد الجنيد وأبي يزيد إلى عهد أبي مدين وعبد القادر الجيلاني.

2) من عهد أبي مدين وعبد السلام بن مشيش إلى عهد الشاذلي.

3) من عهد الشاذلي إلى عهد الجزولي.

4) من عهد الجزولي إلى يومنا هذا.

[44] ينظـر عـن هـذه المرحلـة: عبـد الوهـاب الفيلالـي: التصـوف الإسـلامي فـي المغـرب، مرحلـة مـا قبـل تشـكل المـدارس الكبـرى، مجلـة الغنيـة، العـدد 1، ربيـع الثانـي 1432هـ / أبـريل 2011م (ص: 102 / ص: 107).

[45] محمـد بـن جعفـر الكتانـي: سـلوة الأنفـاس ومحادثـة الأكيـاس بمـن أقبـر مـن العلمـاء والصلحـاء بفـاس، تحقيـق: عبـد الله الكامـل الكتانـي، حمـزة بـن محمـد الكتانـي، محمـد حمـزة بـن علـي الكتانـي، دار الثقافـة، الـدار البيضـاء، ط.1، 1425 هـ /2004 م، ج.1، ص: 71.

[46] محمـد بـن عبـد الهـادي المنوني:«الإمـام إدريـس الأول مـن خـلال سـيرته وأهـداف دعوتـه» مجلـة دعـوة الحـق، عـدد 267 / صفـر 1408 هـ / شتنبـر ـ أكتوبـر 1987م (المحلـق الأول).

[47] المرجع نفسه،(المحلق الثاني).

[48] سورة الأحزاب/ الآية: 33.

[49] عبـد الحـق البادسـي: المقصـد الشـريف والمنـزع اللطيـف فـي التعريـف بصلحـاء الريـف، تحقيـق: سـعيد أعـراب، المطبعـة الملكيـة الربـاط، ط 2: 1414هـ / 1993م.

[50] ينظـر: التشـوف إلـى رجـال التصـوف، تحقيـق أحمـد التوفيـق، منشـورات كليـة الآداب والعلـوم الإنسـانية، الربـاط، ط. 2، م، ص: 316 – 365 – 402 وغيرهـا.

[51] ينظر: عبد الوهاب الفيلالي: التصوف الإسلامي في المغرب مرحلة ما قبل تشكل المدارس الكبـرى، ص: 106.

[52] ينظر محمد مفتاح: الخطاب الصوفي مقاربة وظيفية مكتبة الرشاد، ط1: 1417هـ/1997م، ص: 40 وما بعدها.

[53] علال الفاسي: التصوف الإسلامي في المغرب، ص: 12.

[54] المرجع نفسه، ص: 19 – 20.

[55] عبد الحي القادري: الزاوية القادرية عبـر التاريخ والعصور، ط. 1: 1407هـ/ 1986م ـ تطوان، ص: 100.

[56] مـولاي جمـال الديـن القـادري بوتشـيش: مؤسسـة الزاويـة بالمغـرب بيـن الأصالـة والمعاصـرة، أطروحـة دكتـوراه الدولـة: 2000م، دار الحديـث الحسـنية ـ الربـاط، ج 3، ص: 845.

[57] محمـد الظريـف: الحركـة الصوفيـة وأثرهـا فـي أدب الصحـراء المغربيـة (1800م – 1956م) منشـورات كليـة الآداب والعلـوم الإنسـانية ـ المحمديـة، ط1: 2002م، ص: 85 – 86.

[58] الطاهـر بـن عبـد السـلام اللهيـوي العلمـي: الحصـن المتيـن للشـرفاء أولاد مـولاي عبـد السـلام مـع أبنـاء عمهـم العلمييـن، شـركة بابـل، الربـاط، ط. 1: 1993م، ص: 180.

[59] علال الفاسي: التصوف الإسلامي في المغرب، ص: 93.

[60] علال الفاسي: التصوف الإسلامي في المغرب، ص: 93.

[61] ينظـر: أحمـد بـن محمـد عمالـك: جوانـب مـن تاريـخ الزاويـة الناصريـة…، منشـورات وزارة الأوقـاف والشـؤون الإسـلاميةـ المغـرب، ط.1، 1427 هـ / 2006 م.

[62] ينظر: علي حرازم بـراد: جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني، دار الفكر: 1383 هـ.

[63] ينظـر أحمـد بـوكاري: الإحيـاء والتجديـد الصوفـي فـي المغـرب، 1204هـ – 1330هـ/ 1790م- 1912م، منشـورات وزارة الأوقـاف والشـؤون الإسـلامية ـ المغـرب، ط. 1: 1427 هـ/ 2006م، ج 2، ص: 14 – 15.

[64] ينظـر: – محمـد بـن المختـار الكنتـي: الطريفـة والتالـدة فـي كرامـات الشـيخين الوالـد والوالـدة، مخطـوط المكتبـة الوطنيـة: ك 2294 أحمـد بـن الأميـن الشـنقيطي: الوسـيط فـي تـراجم أدبـاء شـنقيط، مكتبـة الوحـدة العربيـة ـ الـدار البيضـاء ومؤسسـة الخانجـي مصـر، ط.2: 1378 هـ/ 1958 م.

[65] ينظـر بعـض ذلـك إبـان القـرن 19 م: عبـد الوهـاب الفيلالـي: شـعر التصـوف فـي المغـرب خـلال القـرن الثالـث عشـر للهجـرة، تفاعـل بيـن الكتابـة والسـلوك، مركـز الإمـام الجنيـد للدراسـات والأبحـاث الصوفيـة المتخصصـة ـ الرابطـة المحمديـة للعلمـاء، ط. 1: 1435 هـ/ 2014 م (ص: 31 /ص: 90).

[66] ينظـر: حسـن جـلاب: أبـو محمـد عبـد الله الغزوانـي(مـول القصـور)، المطبعـة والوراقـة الوطنيـة ـ مراكـش، ط:1، 1426 هـ

/2005 م، ص: 141 – 142.

[67] مـاء العينيـن: مفيـد الـراوي علـى أنـي مخـاوي، تحقيـق: محمـد الظريـف، منشـورات مؤسسـة مربيـه ربـه لإحيـاء التـراث والتبـادل الثقافـي. ط.1: 1999م، ص: 22.

[68] فتـح الله بنانـي: إتحـاف أهـل العنايـة الربانيـة فـي اتحـاد طـرق أهـل الله وإن تعـددت مظاهرهـا الحقانيـة…، المطبعـة العامـرة الشرفية، مصر، ط1، 1324 هـ، ص: 103 – 104.

[69] ينظـر: عبـد الوهـاب الفيلالـي: الأدب الصوفـي فـي المغـرب إبـان القرنيـن الثانـي عشـر والثالـث عشـر للهجـرة، ظواهـر وقضايـا، منشـورات مركـز دراس بـن إسـماعيل، الرابطـة المحمديـة للعلمـاء، ط.1: 1435هـ/2014م، ص: 34 – 35.

ثبت المصادر والمراجع

 

  1. القرآن الكريم.
  2. أحمد بن الأميـن الشنقيطي: الوسيط في تـراجم أدباء شنقيط، مكتبة الوحدة العربية الدار البيضاء ومؤسسة الخانجي مصر، ط.2: 1378هـ/1958 م.
  3. أحمد بوكاري: الإحياء والتجديد الصوفي في المغرب، 1204 – 1330هـ/ 1790-1912م، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميةـ المغرب، ط. 1: 1427هـ/2006م.
  4. أحمد بن حنبل: المسند، حديث عمرو بن الجموح رقم 19486، شرحه وصنع فهارسه: حمزة أحمد الزيـن، دار الحديثـ القاهرة، ط1، 1416هـ/1995م.
  5. أحمد زروق: قواعد التصوف، تق و تح: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية ـ بيـروت لبنان. ط1، 1424هـ/ 2003 م.
  6.  أحمد لسان الحق: الحقيقة القلبية الصوفية ودورها في إصلاح الفرد والمجتمع وحل مشاكل الإنسانية بـروح التسامح والمسالمة في السلوك الصوفي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1420هـ/ 1999م.
  7.  أحمد بن محمد بن عجيبة: معراج التشوف إلى حقائق التصوف: تح: عبد المجيد خيالي، مركز التـراث الثقافي المغربي ـ الدار البيضاء، ط1، 2004م.
  8. أحمد بن محمد بن عجيبة: معراج التشوف إلى حقائق التصوف: تح: عبد المجيد خيالي، مركز التـراث الثقافي المغربي ـ الدار البيضاء، ط1، 2004م.
  9. أحمد بن محمد عمالك: جوانب من تاريخ الزاوية الناصرية…، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- المغرب، ط.1، 1427هـ /2006م.
  10. أبو إسحاق الشاطبي: الاعتصام، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الدار الأثرية ـ عمان الأردن، ط.2، 1428هـ/ 2007م.
  11. أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الديـن، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر: 1358هـ/1939م.
  12. أبو حامد الغزالي: كيمياء السعادة (مع المنقذ من الضلال وغيـره) تعليق وتصحيح:محمد محمد جابـر(د.ط.ت).
  13. أبو حامد الغزالي: المنقذ من الضلال، تعليق وتصحيح: محمد محمد جابـر (ب.ت)، مكتبة الجندي ـ مصر.
  14. حسن جلاب: أبو محمد عبد الله الغزواني (مول لقصور)، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، ط:1، 1426هـ/ 2005م.
  15. الحسن بن مسعود اليوسي: القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم، تحقيق وشرح وتعليق وفهرسة وتقديم: حميد حماني، مطبعة شالة، الرباط، ط1، 1998م.
  16. سعاد الحكيم: تاج العارفيـن الجنيدي البغدادي (الأعمال الكاملة) دار الشروق ـ القاهرة ـ مصر، ط 3، 2007م.
  17. الطاهر بن عبد السلام اللهيوي العلمي: الحصن المتيـن للشرفاء أولاد مولاي عبد السلام مع أبناء عمهم العلمييـن، شركة بابل، الرباط، ط. 1: 1993م.
  18.  عبد الحق البادسي: المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف، تحقيق: سعيد أعراب، المطبعة الملكية الرباط، ط 2: 1414هـ /1993م.
  19.  عبد الحي القادري: الزاوية القادرية عبـر التاريخ والعصور، ط. 1: 1407هـ/1986م تطوان.
  20. عبدالرحمان بن الجوزي: صيد الخاطر، تح: عبد الحميد هنداوي، المكتبة العصرية، صيداـ بيـروتـ لبنان (د.ط ) 1429هـ/2003م.
  21. عبد الرحمان بن خلدون: المقدمة، تح و تق: علي عبد الرحمان وافي، مط. النهضة مصر القاهرة (بـ ت)، ط. 3.
  22. عبد الرحمان بن خلدون: المقدمة، مؤسسة الكتب الثقافية، بيـروت: 2005م.
  23. عبد السلام الغرميـني: الصوفي والآخر ـ المدارس ـ الدار البيضاء: 1421هـ /2000م، ط1.
  24. عبد العزيز بنعبد الله: الفكر الصوفي والانتحالية بالمغرب، مجلة البيـنة، س1/42 ربيع الأول: 1382هـ، غشت 1962م.
  25. عبد العزيز بنعبد الله: معلمة التصوف الإسلامي، مط. المعارف الجديدة ـ الرباط المغرب، ط1: 2001م.
  26. عبد القادر الجيلاني: الفتح الرباني والفيض الرحماني، مكتبة زهرانـ القاهرة (ب. ت).              
  27. عبد الكريم القشيـري: الرسالة القشيـرية في علم التصوف، دار الكتاب العربيـ بيـروت:1367هـ/1957م.
  28.  عبد المجيد الصغيـر: من أجل إعادة تقويم الحدث الصوفي بالمغرب، ضمن «الرباطات والزوايا في تاريخ المغرب، منشورات كلية الآداب ـ الرباط، سلسلة ندوات ومناظرات، رقم 69، تنسيق نفيسة الذهبي، ط1: 1997م.
  29. عبد الوهاب الفيلالي: الأدب الصوفي في المغرب إبان القرنيـن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة، ظواهر وقاضيا منشورات مركز دراس بن إسماعيل، الرابطة المحمدية للعلماء، ط.1: 1435هـ/2014 م.
  30. عبد الوهاب الفيلالي: التصوف الإسلامي في المغرب، مرحلة ما قبل تشكل المدارس الكبـرى، مجلة الغنية، العدد 1،ربيع الثاني 1432هـ / أبـريل 2011م.
  31. عبد الوهاب الفيلالي: شعر التصوف في المغرب خلال القرن الثالث عشر للهجرة، تفاعل بيـن الكتابة والسلوك، مركز الإمام الجنيد للدراسات والأبحاث الصوفية المتخصصة ـ الرابطة المحمدية للعلماء، ط. 1: 1435هـ/2014م.
  32.  علال الفاسي: التصوف الإسلامي في المغرب إعداد: عبد الرحمان بن العربي الحريشي، مط. الرسالةـ الرباط: 1998م.
  33. علي الجزنائي: جنى زهرة الآس في بناء مديـنة فاس، تح. عبد الوهاب بنمنصور، المط. الملكية ـ الرباط، ط2: 1411هـ/1991م.
  34. علي حرازم بـراد: جواهرالمعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني، دار الفكر: 1383هـ.
  35. عمر بن محمد شهاب الديـن السهروردي: عوارف المعارف (ملحق بالاحياء للغزالي) دار المعرفة ـ بيـروت (ب. ت.)
  36. فتح الله بناني: إتحاف أهل العناية الربانية في اتحاد طرق أهل الله وإن تعددت مظاهرها.
  37. محمد بن جعفر الكتاني: سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبـر من العلماء والصلحاء بفاس، تحقيق: عبد الله الكامل الكتاني، حمزة بن محمد الكتاني، محمد حمزة بن علي الكتاني، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط.1، 1425هـ/2004م.
  38. ماء العيـنيـن: مبصر المتشوف على منتخب التصوف، تح: محمد الظريف ومحمد عيـناق، منشورات مركز الإمام الجنيد ـ وجدة، الرابطة المحمدية للعلماء، ط1.ماء العيـنيـن: مفيد الراوي على أني مخاوي، تحقيق: محمد الظريف، منشورات مؤسسة مربيه ربه لإحياء التـراث والتبادل الثقافي. ط.1: 1999م.
  39.  مأمون غريب: أبو الحسن الشاذلي، حياته.. تصوفه.. تلاميذه.. وأولاده، دار غريب القاهرة: 2000م.
  40. محمد الظريف: الحركة الصوفية وأثرها في أدب الصحراء المغربية (1800 – 1956م) منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانيةـ المحمدية، ط1: 2002م.
  41. محمد بن عبد الهادي المنوني: «الإمام إدريس الأول من خلال سيـرته وأهداف دعوته» مجلة دعوة الحق، عدد 267 / صفر 1408 هـ/ شتنبـر ـ أكتوبـر 1987م.
  42. محمد بن المختار الكنتي: الطريفة والتالدة في كرامات الشيخيـن الوالد والوالدة، مخطوط المكتبة الوطنية: ك 2294.
  43. مولاي جمال الديـن القادري بوتشيش: مؤسسة الزاوية بالمغرب بيـن الأصالة والمعاصرة، أطروحة دكتوراه الدولة: 1421هـ/2000م، دار الحديث الحسنيةـ الرباط.
  44. أبو نصر السراج الطوشي: اللمع/توثيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور، دار الكتب الحديثة ـ مصرـ مكتبة المثنى ـ بغداد:1380هـ /1960م.
  45. يوسف التادلي ابن الزيات: التشوف إلى رجال التصوف، تح: علي عمر، مكتبة الثقافة الديـنيةـ القاهرة، ط.1: 1427هـ/2007م.
  46.  يوسف بن يحيى التادلي (ابن الزيات): التشوف إلى رجال التصوف، تحقيق أحمد التوفيق، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط. 2، 1997م.
  47. Abdallah Laroui: Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain  Maspero 1912 – 1830
كلمات مفتاحية : ,