إقرار خطة علمية لفهرسة التراث الإسلامي المخطوط وتحقيقه ونشره ودراسته

إقرار خطة علمية لفهرسة التراث الإسلامي المخطوط وتحقيقه ونشره ودراسته

إقرار خطة علمية لفهرسة التراث الإسلامي المخطوط وتحقيقه ونشره ودراسته، الدكتور محمد الفران مدير الخزانة الوطنية بالرباط بالمملكة المغربية
إقرار خطة علمية لفهرسة التراث الإسلامي المخطوط وتحقيقه ونشره ودراسته، الدكتور محمد الفران مدير الخزانة الوطنية بالرباط بالمملكة المغربية

ألقيت المداخلة في الندوة العلمية الدولية التي نظمتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع “التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ” أيام 22-23-24 ربيع الأول 1443 هـ الموافق لـ 29-30-31 أكتوبر 2021 م في العاصمة النيجيرية أبوجا.

ملخص البحث

لا يخفى على أحد من الباحثين والمهتمين، أهمية التراث الإسلامي الإفريقي، وارتباطه بالحضارة الإسلامية منذ القدم. ولعل المخطوطات الإفريقية سواء من حيث عددها أو من حيث قيمتها العلمية تقوم حجة في وجه الناكرين للبعد الإسلامي في حضارة أمتنا الإفريقية، وجاحدين لما تزخر به من زخم وثراء، علاوة على القواسم المشتركة الموحدة والموحدة.

من هذا المنطلق تكمن الحاجة الشديدة لفهرسة مخطوطات التراث الإسلامي الإفريقي ودراستها ونشرها فيما بعد. وهو ما سنحاول تبيانه في المحاضرة، من خلال الوقوف على حصيلة المنجز في هذا المجال الذي يمكن تصنيفه في خمسة أصناف. كما سنحاول الوقوف على كل صنف بالدرس والتحليل للخلوص لخطة استشرافية تبرز المحطات الكبرى لتحقيقه ونشره أولا ثم لدراسته وتحليله في إطار تصور شمولي يربطه بالتراث الإسلامي، ويلقي الأضواء الكاشفة على أعلامه من العلماء والمصنفين الأفارقة.

نص المداخلة

 مدخل

لا يخفى على أحد من الباحثين والمهتمين، أهمية التراث الإسلامي الإفريقي، وارتباطه بالحضارة الإسلامية منذ القدم. ولعل المخطوطات الإفريقية سواء من حيث عددها أو من حيث قيمتها العلمية تقوم حجة في وجه الناكرين للبعد الإسلامي في حضارة أمتنا الأفريقية، وجاحدين لما تزخر به من زخم وثراء، علاوة على القواسم المشتركة الموَحَّدة والموحِّدة.

تشكل المخطوطات الإفريقية إرثا ثقافيا عربيا إسلاميا. كما تمثل أيضا الذاكرةَ العلمية والثقافية للقارة برمتها، وذلك قبل أن يحط الاستعمار الغربي رحاله بها، ويعمل على طمس هويتها ومحو مرجعيتها الثقافية.

لقد كانت القارة الإفريقية تعج بالمدارس العلمية والعلماء والفقهاء. فلقد أحصت بعض المصادر أكثر من مائة وثمانين مدرسة في تنبكتو وحدها. وذكر المؤرخون أنه في القرن السادس الهجري عرفت مدينة جني وحدها حوالي أربعة آلاف ومئاتي فقيه وعالم.

لقد عمل هؤلاء العلماء والفقهاء الأفارقة على تشييد خزائن الكتب ودور التعليم في الجوامع والزوايا، فكانوا يحملون الكتب على ظهور الجمال أثناء ظغنهم. كما عمل ملوك إفريقيا وسلاطينها في العصر الوسيط على تأسيس خزانات في قصورهم وجلب المخطوطات النفيسة والنادرة في مختلف العلوم والفنون. وما يدل على هذا الاهتمام والعناية بالكتب في قارتنا الإفريقية ما قاله العلامة أحمد بابا التنبوكتي في كتابه “تطريز الديباج” متحدثا عن خزانته التي توافر فيها كم هائل من المخطوطات، وبأنه أقل عشيرته من حيث عدد الكتب التي نهبت له.

كما كان الشيخ العلامة سيدي المختار الكبير الكنتي يرسل مع قافلة تمر إلى بلاد المغرب من يشتري له الكتب التي يحتاجها. كما كان يراسل سلاطين المغرب وبعض أمرائه وأقرانه من العلماء وكذلك بعض مريديه طالبا منهم تزويده بما جد في عالم الكتب والمصنفات. فلا غرو بعد هذا التاريخ الحافل بالإقبال على الكتب والولع بها، أن نجد هذا الكم الهائل من المخطوطات الإفريقية رغم ما عرفته بلدانها من صروف الدهر وتقلبات الطبيعة وجورها وقسوتها أحيانا، ناهيك عن حملات النهب والسطو التي طالتها على يد المستعمر الغاشم.

من هذا المنطلق تكمن الحاجة الشديدة لربط الحاضر بالماضي التليد وفهرسة مخطوطات التراث الإسلامي الإفريقي ودراستها ونشرها فيما بعد. وهو ما سنحاول تبيانه من خلال الوقوف على حصيلة المنجز في هذا المجال. وتسليط الأضواء الكاشفة على كل صنف من هذه الأصناف بالدرس والتحليل للخلوص لخطة استشرافية تبرز المحطات الكبرى لتحقيقه ونشره أولا، ثم لدراسته وتحليله في إطار تصور شمولي يربطه بالتراث الإسلامي، ويعرف بأعلامه من العلماء والمصنفين الأفارقة.

الوضعية الحالية لفهرسة الرصيد الإفريقي المخطوطات

يمكن الوقوف على الرصيد الوثائقي في الخزانات الإفريقية العامة والخاصة والتي تعنى بمعالجة المخطوط العربي والعجمي وصيانته والحفاظ عليه. وتحتوي من جهة أخرى على عدد لا يستهان به من ذخائر المخطوطات التي لا تزال تنتظر الجرد الدقيق والتام. لقد حفلت الساحة العلمية الإفريقية ومنذ ستينات القرن الماضي، بزمرة من الباحثين المرموقين عملوا على الإسهام في تدبير هذا الرصيد من المخطوطات وكذا التشجيع على ترجمة كشافاته ودلائله إلى لغات أخرى، كما قادت حملةً لاسترجاع الضائع والمفقود منها وتصويره في ميكروفيلمات بل ورقمنته أيضا كلما توافرت الإمكانات وظهر استعداد الجهات المانحة للدعم ورصد مايلزم إن على المستوى المادي أو اللوجستي.

ولقد لعبت مراكز البحث في إفريقيا وفي بعض الدول الغربية دورا كبيرا في تحقيق ما تحقق، والطموح لإنجاز ما تم تقديمه من مشاريع بحثية ميدانية وغيرها بهذا الخصوص. إن ما تم اكتشافه من مخطوطات على هذا المستوى، فتح الباب على مصراعيه لجيل جديد من الباحثين الأفارقة، وأمدهم بأدوات جديدة وآفاق رحبة لإعادة النظر في تاريخ التراث الإسلامي الإفريقي لا كما أراد له المستشرقون ذوو النزعة الاستعمارية البغيضة بل كما تعكسه المخطوطات العلمية والوثائق الاجتماعية من عقود وشهادات تدون كل ما هو شفهي سواء كان بالعربي أو العجمي.

إن التراث الإفريقي المخطوط لا يخرج عن أحد نوعين:

أحدهما مخطوطات مكتوبة باللغة العربية وهي الكثيرة الغالبة، وتتمثل في مؤلفات العلماء المحليين في شتى العلوم والفنون، وأغلبها منسوخة من الكتب المدرسية للمدارس القرآنية التقليدية، ومن الزوايا العلمية الإسلامية قبل الاستعمار وبعده.

والثاني: مخطوطات في اللغات الإفريقية بالحرف العربي (العجمي)، على النحو الذي كان يستخدم من طرف سكان البلدان الإفريقية قبل الاستعمار في إدارة شؤون الدولة من مراسلات ومعاهدات ووصايا وغيرها.

رصيد الخزانات العمومية

  • رصيد مركز أحمد بابا بتنبوكتو

لقد أنشأت دولة مالي بإعانة من اليونسكو سنة 1973 مركز أحمد بابا التنبوكتي الذي يضم قرابة 20.000 مخطوط، جمعها عن طريق الهبات والاقتناء أيضا. وقد نشرت سنة 1990مؤسسة الفرقان بلندن والتي تعنى بالتراث الإسلامي، خمسة فهارس شملت ما يربو على النصف من رصيد مخطوطات المركز.

  • رصيد معهد البحوث في العلوم الإنسانية بنيامي

يصل رصيد شعبة المخطوطات في معهد البحوث في العلوم الإنسانية بنيامي إلى 4000 مخطوط. نواة هذا الرصيد هبة من المكتبة الخاصة للمرحوم بوب هاما رئيس البرلمان النيجيري ما بين 1958-1974. بعد ذلك عمل المعهد على اقتناء المخطوطات بدعم مالي من بعض الشركات الوطنية، وكذلك منظمة اليونسكو التي ساعدت المعهد باقتناء مجموعة من الآلات والمعدات.

  • رصيد معهد الدراسات الإفريقية بجامعة غانا
  • مخطوطات نيجيريا
  • رصيد خزانة المعهد الفرنسي لإفريقيا بداكار
  • رصيد المكتبة العمرية في خزانة المعهد الوطني للفنون في إفريقيا والساحل بباريز، وكذا المكتبة الوطنية بباريز
  • مكتبة الكونكريس بواشنطن وهارفارد ورصيد خزانة افريكانا بجامعة شيكاغو
  • مجموعة جامعة كيب تاون في جنوب إفريقيا
  • مجموعة جون نابير بادين
  • مجموعة عمر فولكي
  • مجموعة ميرفين هيسكيت
  • مجموعة جون هونويك

رصيد الخزانات الخاصة

هذه الخزانات الخاصة تعج بها البلدان الإفريقية وأهمها هلى سبيل المثال لا الحصر:

  • خزانة ماما حيدرة بتنبوكتو
  • خزانة محمود فوندو كاتي
  • خزانة الونكري
  • خزانة محمد طاهر

ولا تزال هذه الخزانات تلعب دورها المهم فيما يتعلق بصيانة المخطوطات الإفريقية وكذا التعريف بها، علاوة على تصنيفها وحفظها في أماكن مناسبة وحوامل ملائمة.

أما فيما يخص المحتوى العلمي للمخطوطات العربية التي تضمها هذه المجموعات والخزانات فينقسم إلى:

  • مصاحف مخطوطة بعضها كامل وبعضها ناقص، وكتبت بخط مغربي صحراوي،
  • العلوم الشرعية: وتشمل: التفسير، وعلوم القرآن، وأصول الدين، وأصول الفقه، والأذكار والأدعية، والسياسة الشرعية، والتربية والتعليم،
  • اللغة العربية وآدابها: وتشمل النحو والصرف والبلاغة والشعر والعروض،
  • العلوم الاجتماعية وتشمل السيرة النبوية والتاريخ والتراجم والأنساب،
  • مخطوطات علمية خصوصا في علم الطب وعلم الفلك،
  • مخطوطات في التصوف.

وفيما يخص المحتوى العلمي للمخطوط العجمي الذي ألف باللغات العجمية المحلية وكتب بالحرف العربي، فيتوزع من جهة على اللغات الآتية:

  • مخطوطات باللغة الفلانية وعددها،
  • مخطوطات بلغة الهوسا،
  • مخطوطات بلغة سنغاي/زرما،
  • مخطوطات باللغة الطوارقية،
  • مخطوطات بلغة ولوف.

ومن جهة أخرى، تختلف موضوعات هذه المخطوطات باختلاف الهدف من التأليف، ففيها مخطوطات تخص تعليم الناشئة اللغات المحلية، ومخطوطات تتعلق بتعليم مبادئ الدين الإسلامي، ومخطوطات تختص بمدح الرسول والترغيب في الجنة.

فهرسة التراث المخطوط الإفريقي بين المنجز والمأمول

إن المنجز فيما يتعلق بفهارس هذا الرصيد من المخطوطات الإفريقية، لا يزال ناقصا يحتاج إلى إعادة النظر من جهة، واستكمال ما هو ناقص بسبب الإهمال غير المقصود أو السهو والخلط، أو بسبب ما تم اكتشافه من مخطوطات جديدة تم العثور عليها عند بعض الخواص ضمن مجموعات بعض المكتبات الوطنية العالمية.

إن الخزانات التراثية وغيرها تقوم بالبحث والتنقيب عن المخطوطات التراثية وتعمل على صيانتها وحفظها من الضياع، وإبراز أهميتها من خلال العمل على تحقيقها ونشرها. ولهذا السبب يبدو من الأليق في هذا السياق العمل على:

  • تنظيم دورات تدريبية في قضايا علم المخطوط، وقواعد التحقيق، ومناهج البحث في العلوم الإنسانية وتاريخها يستفيد منها العاملون في الخزانات والمكتبات الإفريقية،
  • العمل على تنظيم الندوات والأيام الدراسية على غرار ما هو قائم في مراكز البحث لمناقشة وضعية المخطوط الإسلامي الإفريقي، وتبني التوصيات والقرارات التي تُتَّخذ في تلك اللقاءات العلمية،
  • تنظيم ورشات عمل وحلقات دراسية في تحقيق المخطوطات والوقوف على النوادر والذخائر من أجل إخراجها ليستفيد منها الطلبة والباحثون،
  • إبرام اتفاقيات مع مراكز البحث ذات الصلة والهيئات العلمية التي تُعنى بالتراث في مختلف البلدان الإفريقية والعربية والغربية،
  • العمل على إنجاز فهرس شامل لكل المخطوطات الإفريقية،
  • تبادل البطاقات الببليوغرافية بين المكتبات الإفريقية على غرار المكتبات الأوروبية والأمريكية، مما سيساعد الباحثين والمختصين في التعرف على تعدد واختلاف نسخ الكتاب المخطوط،
  • نشر الذخائر وفق خطة تقوم على أولويات محددة يتم الاتفاق عليها سلفا بين مراكز البحث والمختصين معا.
كلمات مفتاحية :