إمارة المؤمنين ودورها في حفظ كليات الدين وقيمه

إمارة المؤمنين ودورها في حفظ كليات الدين وقيمه

الأستاذة عائشة طه عبد الجليل أستاذة الشريعة في جامعة الملك فيصل في تشاد
الأستاذة عائشة طه عبد الجليل أستاذة الشريعة في جامعة الملك فيصل في تشاد

مقدمة

الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم أما بعد،

فإن المتتبع والدارس للشريعة الإسلامية بجد وتمعن، يجد أنها مبنية على جلب المصالح ودفع المضار، وتحقيق سعادة الإنسان في الدارين، لكن كان الإنسان ظلوما جهولا، ترك ثوابت الشريعة الحنيفة وتشبت بنظريات وأفكار خارجة عن الشرع، مما أدى بالبشرية إلى خلافات وعدوان، وظهر الظلم بين المسلمين وغيـرهم لأسباب دينية نتيجة لغياب الوعي عن العقيدة الصحيحة، والجهل.

ففرضت أفكار جمة وجاء الغزو الثقافي، واستقل بعضهم موقف العوام، فبدأ انتهاك الأصل، وأدخل في الدين ما ليس منه، وظهرت خلافات تطرفية غيـر مثمرة، مع أن شريعتنا الحنيفة قابلة للثبات والاستمرار، مواكبة لحياة الإنسان مهما كان وفي أي عصر كان، لقول النبي صلي  ﷲ عليه وسلم: «بعثت بالحنفية السمحة»[1] .

وإن مقاصد الشريعة المقررة أساسها المنطلق الرئيسي لإنسانية الإنسان لقوله تعالي:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِےٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِے اِ۬لْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ اَ۬لطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَيٰ كَثِيرٖ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاًٗ﴾.[2]

و قوله تعالى:﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ا۟خْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ اِ۬لْمُنكَرِ وَتُومِنُونَ بِاللَّهِۖ وَلَوَ اٰمَنَ أَهْلُ اُ۬لْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْراٗ لَّهُمۖ مِّنْهُمُ اُ۬لْمُومِنُونَۖ وَأَكْثَرُهُمُ اُ۬لْفَٰسِقُونَۖ﴾.[3]

فمن هذا المنطلق بنت المملكة المغربية أساسا وجسرا وطيدا عبر التاريخ إلى يومنا هذا بإمارتها الرشيدة وعلمائها الأجلاء، في نشر الدين وحفظ ثوابته والتعايش السلمي بين الأفراد والجماعات. فجعلها ﷲ سببا في إسلام وتدين الكثيـر من الأمم الأفريقية وتمسكها بالثوابت الدينية؛ وإن منهج المملكة المغربية في مجال تدبيـر الشأن الديني مستمدة من طبيعة النظام المغربي الذي دام ملتزما بحماية ووقاية الثوابت الأصيلة، فكانت تعد حالة مثالية في ثبوت المشروعية الدينية للحاكم، لأن إمارة المؤمنين لها أفاق بعيدة المدى بمنظور شرعي على وحدة الأمة الإسلامية وحفظ كليات الدين الخمس، وهذه تشمل ضمان كل الحقوق التي تنص عليها الدساتيـر الحديثة وتضاف عليها حماية الدين وفق ما تتطلبه المستجدات. فإن المملكة المغربية غنية بتجربة تاريخية وحسن التواصل العقلاني والعاطفي مع الأمم، نظام له بعد روحي كما له رصيد في الحفاظ على الوحدة والسلام، والالتزام بالكليات مستمر إلى اليوم في أعمال الإصلاح التي تتحقق بها، من ضمنها الأمن والعدل. والتدابيـر التي تعزز المشروعية والإصلاح أساسها العقيدة الأشعرية التي لا تكفر أحدا ولا تقبل حكم القتل بالمخالفات في حقوق ﷲ تعالى، والمذهب المالكي الغني بأساليب استخراج الأحكام من مصادرها، المرنة المراعية لمصلحة الإنسان ،بالتصوف السني فهو البعد الروحي الإسلامي القائم على تربية النفس ومحاسبتها. وقد أولى أميـر المؤمنين نصره  ﷲ أهمية خاصة في هذا الجانب، وصارت الإنجازات الميدانية المتعلقة بالدين جزءا بارزا في برامجه الإصلاحية؛ منها مبادرته القيمة في إنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات على يد علماء متخصصين، تعتبر صحوة إسلامية في هذا العصر، وبناء المساجد وترميمها في أغلب بلدان أفريقيا وتنظيم العلاقات الأخوية الدينية بين الدول الأفريقية، وضمان الخدمات الدينية وفتح أبوابها للعلماء الأفارقة للمشاركة في الدروس الحسنية، والندوات العلمية، وتوزيع المصحف الكريم في البلدان الأفريقية، وفتح مجال للطلبة الأفارقة في المسابقات القرآنية.

فهذا يدل على حكمة رجال أساسهم الهمة في إيصال الخيـر للغيـر، وحمل مسؤولية الدين على أحسن وجه، مبنى على الوسطية والاعتدال.

أولا: مهام إمارة المؤمنين المتعلقة بحفظها للكليات الشرعية[4]

المقصود بحفظ كليات الشريعة الأساسية مراعاتها في تشريع الأحكام بما يقيم أركان تلك الكليات، ويثبت قواعدها؛ واشتهرت لدى الأصوليين بكليات الشريعة. وهي المعروفة بكلية الدين والنفس والنسل والعقل والمال.

وهذه الكليات الضرورية تقوم عليها الحياة الإنسانية، بحيث إذا اختلت واحدة منها عادت عليها بالإخلال، واستمرت الحياة على الفساد في الدنيا والخسران في الآخرة، يقول أبو إسحاق الشاطبي: «فأما الضرورية: فمعناها أنها لابد منها في قيام مصالح الدارين ،بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين»، لذلك، فإن في إقامة تلك الكليات واعتبارها استقامة للدنيا، وجريان مستمر لوجودها، وتلك هي فكرة حفظ الكليات المتعلقة بأساسيات الدين.

وسأتكلم بالتفصيل عن السبيل الذي سلكته إمارة المؤمنين لتحقيق حفظ هذه الكليات الضرورية:

إن منهج المملكة المغربية في مجال تدبيـر الشأن الديني مستمد من طبيعة النظام المغربي، الذي دام ملتزما بحماية ووقاية الثوابت الأصيلة، فكانت تعد حالة مثالية في ثبوت المشروعية الدينية للحاكم، لأن إمارة المؤمنين لها آفاق بعيدة المدى، بمنظور شرعي على وحدة الأمة الإسلامية وحفظ كليات الدين الخمس، وكونه رمزا للوحدة، وكونه حاميا لمقومات الدين و الساهر على تلبية الحاجات الدينية للناس باعتبارها حاجات ذات مغزى محافظ علي منهج التدين (من مساجد ومؤطرين دينيين وغيـر ذلك).

وهذه تشمل ضمان كل الحقوق التي تنص عليها الدساتيـر الحديثة، أساسها حماية الدين وفق ما تطلبه المستجدات مراعاة للإسلام الوسطي المعتدل، بعيدة عن التطرف والغلو في الدين، ويؤيد ذلك الدورات العلمية والمشاركات الدولية التي تحث فيها إمارة المؤمنين على التعايش السلمي والاسلام الوسطي، أبرزها: الندوة العلمية الدولية التي أقيمت في نوفمبر 2018 بمراكش عن الظاهرة السلفية الدلالات والتداعيات ووضحت صورة الإسلام الحقيقي.

وتضاف إليها الأمن ما يلزم بحماية النفس وصيانة الأموال، والأعراض، والعقول كونها الضامن للتطابق بين قوانين الدولة وأحكام الدين، بما يتضمن تنظيم الاجتهاد واستيفاء التشريع للمصالح وحماية قوميات الدين(مختلف طرق التربية الدينية) في وحدة تتضمن السكينة داخل المجتمع.

قال الغزالي رحمه ﷲ: «إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة»[5].

ثانيا: مهام إمارة المومنين المتعلقة بحفظ للقيم الإنسانية المنبثقة من الكليات الشرعية

تعد جهود إمارة المؤمنين الغنية بتجربة تاريخية بحسن التواصل العقلاني والعاطفي مع الأمم، نظام له بعد روحي كما له رصيد في الحفاظ على الوحدة والسلام والالتزام بالكليات مستمرة إلى اليوم في أعمال الإصلاح التي تتحقق بها، من ضمنها الأمن والعدل ،والتدابيـر التي تعزز المشروعية والإصلاح أساسها العقيدة الأشعرية التي لا تكفر احد ولا تقبل حكم القتل بالمخالفات في حقوق  ﷲ تعالى، والمذهب المالكي الغني بأساليب استخراج الأحكام من مصادرها، المرنة المراعية لمصلحة الإنسان، وبالتصوف السني فهو البعد الروحي الإسلامي القائم على تربية النفس ومحاسبتها، ومعلوم أن هذه الثوات في العقيدة والمذهب والسلوك الروحي ثوابت مشتركة بين المغرب وبين بلدان غرب إفريقيا، يـرعاها ويدرسها العلماء ويعمل بمقتضاها الأئمة ويستمد منها القضاة الأحكام.

وتأصيلا لهذه المسألة قوله عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضوا تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى».

وقد أولى أميـر المؤمنين نصره ﷲ أهمية خاصة في هذا الجانب وصارت الإنجازات الميدانية المتعلقة بالدين والعلم جزءا بارزا في برامجه الإصلاحية منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • مبادرته القيمة في إنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، يتكاثف فيها العلماء ورجال الدين علي كلمة سواء وتبادل الآراء والافكار النبيلة.
  • تأسيس معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، على يد علماء متخصصين تعتبر صحوة إسلامية لما يقوم به من دور فعال في تخريج جيل موجه، عالم، يقوم فكره علي الوسطية والاعتدال في هذا العصر ،
  • بناء المساجد وترميمها في أغلب بلدان أفريقيا
  • تنظيم وتعزيز العلاقات الأخوية الدينية بين الدول الأفريقية وغيـرها،
  • ضمان الخدمات الدينية، وفتح أبوابها للعلماء في شتى أنحاء العالم للمشاركة في الدروس الحسنية، والندوات العلمية ،
  • توزيع المصحف الكريم المحمدي في البلدان الأفريقية،
  • فتح مجال للطلبة الأفارقة وغيـرهم في المسابقات القرآنية.

ثالثا: جهود أميـر المومنين حفظه ﷲ في إرساء السلم والأمن في إفريقيا وبعض مبادراته الإنسانية لدعم البلدان الإفريقية في الكوارث الطبيعية

فبالنسبة لإمارة المؤمنين السعي لإرساء قواعد الأمن والأمان لها أهمية خاصة، إذ لا يمكن تحقيق التنمية دون أمن، والعكس صحيح، حيث لا يمكن إرساء الأمن والسلم المستدامين دون تنمية. فالتنمية البشرية والسلوكية في إفريقيا رهينة بتحقيق المبادئ الأساسية التالية:

  • تعزيز السلم والاستقرار والأمن في كل مناطق القارة.
  • دعم الديمقراطية وتشجيع المسار التشاركي.
  • وتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة،
  • احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية وتماسكها الاجتماعي،
  • حل النزاعات بالسبل السلمية والتوافقية المبنية على احترام مبادئ حسن الجوار والأخوة[6] .

ومن هذا المنطلق، فإن استقرار المؤسسات الذي ينعم به العديد من الفرقاء الأفارقة ،ومن ضمنهم المغرب، يشكل من كل نواحيه ميزة حقيقية وعنصرا أساسيا من شأنه دعم دينامية الاستقرار والسلام المشتركة في قارتنا.

ويتمثل الدور القيم للمغرب في عدد من عمليات حفظ السلام من أجل دعم استقرار دول إفريقية شقيقة مثل (كوت ديفوار، جمهورية الكونغو الديموقراطية، جمهورية إفريقيا الوسطى…)، أو في وساطات مثل (في منطقة نهر مانو، ومؤخرا في ليبيا وفي مسلسل إعادة إعمار غينيا وفي مالي. )…

ولا شك أن مساهمة المملكة المغربية في الأمن والسلام الإفريقية كثيـرة أبرزها:

مبادرة الملك محمد السادس، في خدمة مبادئ الأمن والسلام والعمل الإنساني في إفريقيا، من خلال تسجيلات سمعية بصرية تبين مختلف مساهمات التجريدات المغربية والمستشفيات التابعة للقوات المسلحة الملكية، وتخلد العمل الأمني، وأيضا العمل الإنساني الذي تقوم به المملكة لفائدة سكان البلدان الإفريقية.

ومن بينها 11 مستشفى ميدانيا التي أقامتها المملكة في إفريقيا، حظيت سبع مستشفيات بشرف زيارة الملك حفظه ﷲ، فضلا عن تقديم المساعدات الإنسانية لفائدة بعض البلدان الإفريقية.

و في الندوة العالمية التي نظمت في أديس أبابا 18ينايـر 2018 نوه المتدخلون بالمساهمة المستمرة من البعثة الدائمة للمملكة المغربية لدى الاتحاد الإفريقي وأكدوا أن المغرب يطلع بدور هام في مجال الوقاية من النزاعات والحفاظ على السلام، وأوضحت مبادراته في دعم الشرعية الدولية، و تعزيز المبادئ والقيم العالمية للسلم والأمن والتضامن.[7]

هذا فضلا عن مبادرة إمارة المؤمنين الإنسانية لدعم بعض البلدان الإفريقية في الكوارث الطبيعية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه ﷲ، من أجل تطويـر علاقات الشراكة المغربية الإفريقية في مختلف القطاعات، ومنها:

  • الجهود الكبيـرة المبذولة في مجال الهجرة والتي مكنت من تسوية وضعية عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة، وكذا المساعدة التي ما فتئ يقدمها لتحسين الحكامة بالبلدان الإفريقية.
  • وأيضا الدور البارز الذي يلعبه المغرب في ميدان مكافحة التغيـرات المناخية وتنمية الطاقات المتجددة، بحيث لم تذخر المملكة جهدا في الدفاع عن قضايا ومصالح الشعوب الإفريقية في العديد من المناسبات الدولية مثل قمة المناخ (كوب 22) التي نظمت بمراكش.

وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على حكمة رجال نهجهم الهمة في إيصال الخيـر للغيـر وحمل مسؤولية الأمة على أحسن وجه وأكملها ومسؤولية الدين المبني على الوسطية والاعتدال.

لقوله تعالى:﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمُۥٓ أُمَّةٗ وَسَطاٗ لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَي اَ۬لنَّاسِ وَيَكُونَ اَ۬لرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداٗۖ﴾[8]، وقوله تعالى:﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ا۟خْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ اِ۬لْمُنكَرِ وَتُومِنُونَ بِاللَّهِ[9].

وفي الأخيـر أود أن أرسل شكري وامتناني لمنحكم لي هذه الثقة، للمشاركة في هذه الندوة العلمية القيمة والجلسة الطيبة جعله ﷲ في ميزان حسناتكم.

الهوامش

[1] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى(1/192)من طريق برد الحريـري عن حبيب بن أبي ثابت

[2] سورة الإسراء الآية 70

[3] سورة ال عمران الآية 110

[4] الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، بيـروت: دار الكتب العلمية ،لبنان ،1414هـ/1994م  ،2/7.

[5] المستصفى، الغزالي، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1413هـ/1993م، رقم الطبعة: ط1، ص:174

[6] نقل من موقع يوسف عمراني: (www.youssef-amrani.ma )

[7] موقع البوابة الوطنية المغربية 18/1/2018.

[8] سورة البقرة، آية: 142.

[9] سورة آل عمران، آية: 110.

كلمات مفتاحية :