إمارة المؤمنين ورعايتها للثوابت الدينية عبر التاريخ في السياق المغربي الإفريقي

إمارة المؤمنين ورعايتها للثوابت الدينية عبر التاريخ في السياق المغربي الإفريقي

الأستاذة رقية منية، محاضرة بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بنواكشوط
الأستاذة رقية منيه، محاضرة بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بنواكشوط

مقدمة

الحمد رب العالمين، حمدا طيبا كثيـرا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه. الحمد على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي لا تعد حمدا يليق بعظمته وجلاله.

الحمد القائل في كتابه العزيز: ﴿الحَمْدُ لِلِه الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلمَاتِ وَالنُّورَ ثمَّ الذِينَ كفَرُواْ بربهِّم يعَدِلوُنَ﴾[1].

وقال تعالى: ﴿ الحَمْدُ لِلِه الذِي أنَزَلَ عَلىَ عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلمْ يجْعَل لهَّ عِوَجَا﴾[2].

الحمد لله القائل: ﴿ الحَمْدُ لِله فَاطِرِ السَّماوَاتِ وَالْأرْضِ جَاعِلِ المَلَا ِئكَةِ رُسُلاً أوُلِي أجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثلُاثَ وَرُباَعَ يزَيدُ فِي الخَلقْ مَا يشَاءُ ِإِن اللَّه عَلىَ كلُّ شَيْءٍ قدِيـرٌ﴾[3] .

الحمد، والصلاة والسلام على رسول ﷲ المبعوث رحمة للعالمين؛ سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وإمام المتقين، بعثه ﷲ هداية إلى طريق النجاة، فجعله رحمة مهداة، ونعمة مسداة، أكرم خلق ﷲ عليه، وخيـر هاد إليه، وأعبد من قام بين يديه، وأحلم من دعا إليه، سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه رضوان ﷲ عليهم أجمعين، والتابعين رحمة ﷲ عليهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد؛

وقبل البدء في العرض المقرر ضمن المحور الثاني للندوة العلمية المباركة والمشاركة بموضوع تحت عنوان: «إمارة المؤمنين ورعايتها للثوابت الدينية عبر التاريخ في السياق المغربي الإفريقي».

لا بد أن أتقدم بالشكر الجزيل والعرفان بالجميل لأميـر المؤمنين محمد السادس نصره ﷲ وحفظه وأعزه؛ على ما يقدمه من جهود لخدمة الدين، ونشر العلم النافع والفكر السديد، والشكر موصول للرئيس المنتدب لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة الأستاذ أحمد التوفيق، والأمين العام للمؤسسة السيد د. محمد رفقي، والسيد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى د. محمد يسف، كما أشكر السيد رئيس الجلسة المحترم، وجميع الحاضرين من علماء وأساتذة وباحثين كل باسمه وصفته العلمية وما يليق به من عبارات الاحترام والتقديـر.

مدخل إلى الموضوع

إن المتفق عليه في الشرائع السماوية؛ حفظ الكليات الخمس؛ وهي: الدين، والنفس ،والنسل، والعقل، والمال، وهي الضرورية كما ذكر الإمام الشاطبي: فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة. وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين.[4] ولا جدال في أولوية حفظ الدين؛ باعتباره أصل الكليات، والحكمة من الخلق؛ قال ﷲ تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ اَ۬لدِّينِ مَا وَصّ۪يٰ بِهِۦ نُوحاٗ وَالذِےٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوس۪يٰ وَعِيس۪يٰٓ أَنَ اَقِيمُواْ اُ۬لدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَي اَ۬لْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمُۥٓ إِلَيْهِ اِ۬للَّهُ يَجْتَبِےٓ إِلَيْهِ مَنْ يَّشَآءُ وَيَهْدِےٓ إِلَيْهِ مَنْ يُّنِيبُ﴾[5]، يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن: «ومعنى﴿شرع ﴾ أي نهُج وأوضح وبين المسالك» .[6]

فالدين سبيل لمعرفة الخالق، وطريق للوصول لأحكام الشرع؛ الذي جاء ببيان ما تصلح به أحوال المكلف في العاجل والآجل؛ يقول صاحب المقاصد: «فالشرائع كلها – وبخاصة الإسلام- جاءت لما فيه صلاح البشر  في العاجل والآجل، أي في حاضر الأمور وعواقبها».[7] ولما كان المقصد من الخطاب التكليفي تحقيق العبودية الحقة لرب العالمين؛ كان لزاما أن يتناول القواعد المنظمة لشؤون الدين، جمعا بين الحسنتين في الدنيا والآخرة ،لذا يلاحظ عناية الشريعة الإسلامية ببناء الدولة ووجوب طاعة ولي الأمر؛ قال  ﷲ تعالى:﴿ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ اُ۬للَّهَ وَأَطِيعُواْ اُ۬لرَّسُولَ وَأُوْلِے اِ۬لَامْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِے شَےْءٖ فَرُدُّوهُ إِلَي اَ۬للَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُومِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِر ذَٰلِكَ خَيْرٞ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً﴾.[8]

ولهذا منع الخلاف المفضي إلى التدابر، ونبذ الفرقة، وحض على التلاحم واجتماع الكلمة؛ قال  ﷲ تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اِ۬للَّهِ جَمِيعاٗ وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اَ۬للَّهِ عَلَيْكُمُۥٓ إِذْ كُنتُمُۥٓ أَعْدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰناٗ وَكُنتُمْ عَلَيٰ شَفَا حُفْرَةٖ مِّنَ اَ۬لنّ۪ارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اُ۬للَّهُ لَكُمُۥٓ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[9].  ولهذا كان للإمام مكانة في السياسة الشرعية لكونه القائم على أمر الناس والمسؤول الأول عن حراسة الدين، والإمام في الاصطلاح: هو الذي له الرياسة العامة في الدين والدنيا جميعا[10] ، وطاعته واجبة حفاظا على مكانة الأميـر؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريـرة   عن النبي ﷺ قال: «من أطاعني فقد أطاع ﷲ، ومن يعصني فقد عصى ﷲ، ومن يطع الأميـر فقد أطاعني، ومن يعصي الأميـر فقد عصاني».[11]

المرتكز الأول: رعاية إمارة المؤمنين للمدرسة الأشعرية عبر التاريخ «منذ فتوى ابن رشد جوابا على سؤال الأميـر المرابطي، مرورا بنشرها وتعليمها في إفريقيا برعاية إمارة المؤمنين»

إن كيان الأمة؛ يحتاج لنظام يقوم بالحفاظ على الثوابت الدينية الجامعة لكل أفراده ،إقامة لدين  ﷲ على الأرض، وتحقيقا لمبدإ الاستخلاف، ولذلك شرعت البيعة للإمام؛ ففي الصحيح من حديث عبد  ﷲ بن عمر  يقول: سمعت رسول  ﷲ ﷺ يقول: «من خلع يدا من طاعة، لقي  ﷲ يوم القيامة، لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة ،مات ميتة جاهلية».[12]

وأوجب الشارع السمع والطاعة له في المنشط والمكره، ما لم يأمر بمعصية  ﷲ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

والعهد يكون بين الأمة وأميـر المؤمنين؛ الذي يسوس الرعية بموجب عقد البيعة الشرعي القائم على جوهر حراسة الدين، وتطبيق أحكام  ﷲ تعالى فوق أرضه وبين عباده، وقد عاش المسلمون تحت سلطان إمارة المؤمنين، منذ عهد الخليفة الراشد أميـر المؤمنين عمر بن الخطاب، ثم استمر نظام إمارة المؤمنين بصور متفاوتة القرب والبعد من حقيقة النظام بعد ذلك من قبل الخلفاء والأمراء والملوك، وقد ظهر هذا النظام مجددا في إفريقيا بعد أن دخل الأشراف الكرام أرض المغرب، وقدوم الذرية الطيبة من آل بيت رسول  ﷲ عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، ولقد تبنى المولى إدريس نظام إمارة المؤمنين بعد ما بايعه أهل المغرب، تأسيسا على البيعة الشرعية في المدينة المنورة مهاجر النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلوات  ﷲ وسلامه عليه .

وقامت إمارة المؤمنين في المغرب على أسس شرعية صحيحة، وتولى أمرها أهل العلم والورع ودوحة الشرف، وأقاموا أركان الدولة على ثوابت دينية تجمع الأمة عقيدة ومذهبا ومنهجا وسلوكا؛ فساد المذهب المالكي واستوطن إفريقيا، وتعلقت ساكنة هذه الأرض بالعقيدة الأشعرية الوسطية القائمة على تقديس النص واحترام العقل، وسلكوا طريق تزكية النفوس عبر التصوف السني بلا غلو  ولا تفريط، وشكلوا منهجا متوازنا يقوم على الثوابت الدينية المشتركة، والانفتاح على الآخر، دون تخل عن الأصول والمميزات للمجتمع المسلم.

ولقد استمرت إمارة المؤمنين ومنذ قيام دولة الأشراف العلويين في القيام بواجب حفظ الدين والملة على الأصول التي أجمع عليها السلف الصالح، وبيان سبل الهدى والخيـر ،وتحقيق العدل وتقديم النصح، وإرشاد الناس للسيـر على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وبذلت من أجل ذلك جهودا معتبرة؛ تبليغا وتعليما وإرشادا ونشرا للخيـر.

والثوابت الدينية المشتركة لساكنة المغرب وإفريقيا المسلمة؛ كانت الخيط الناظم لما قامت به إمارة المؤمنين من وظائف؛ لتحقيق الوحدة تجاه العناصر الأساسية المكونة للهوية الدينية؛ العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني الجنيدي؛ يقول ابن عاشر في نظمه[13] :

في عقد الأشعري وفقه مالك     وفي طريقة الجنيد السالك

وقد عرف المغاربة منذ الدولة الإدريسية، باستقرارهم السياسي، وتوجههم السني المعتدل، وخصوصا مع دخول المذهب المالكي، الذي وحد كلمتهم، وجمع صفهم، ولم شتاتهم عبر العصور، فتميزوا فيما بعد بوحدة العقيدة، والمذهب، والسلوك.[14]

وتولت دولة دوحة الشرف نشر المذهب الأشعري، وحمل لواء الفكر المعتدل، والمنهج الوسطي الذي اختارته إمارة المؤمنين، عامل وحدة يجمع أهل عقيدة الإيمان، ويـرتفع بالإنسان إلى مراتب الإحسان.

وقد عني المغاربة منذ تاريخ بعيد، بالبحث في حقيقة العقيدة الأشعرية، والتوصل لرأي شرعي في باب الاعتقاد، يعين على غلق باب الفساد، ويوصل أهل الحق إلى المراد، ولعل فتوى الإمام ابن رشد حول أئمة الأشاعرة، المرتكز الأول للتوصل لحكم شرعي حول تحديد الرأي الصواب نحو المنهج الأشعري السني.

1 – نص سؤال أميـر المسلمين يوسف ابن تاشفين حول الأشعرية[15] سؤال أميـر المسلمين  للقاضي أبي الوليد بن رشد:

ما يقول الفقيه، القاضي الأجل، الأوحد، أبو الوليد- وصل  ﷲ توفيقه وتسديده، ونهج إلى كل صالحه طريقه- في الشيخ أبي الحسن الأشعري، وأبي إسحاق الإسفراييني، وأبي بكر الباقلاني، وأبي بكر بن فورك، وأبي المعالي، وأبي الوليد الباجي ونظرائهم ممن ينتحل علم الكلام، ويتكلم في أصول الديانات ويصف الرد على أهل الأهواء، أهم أئمة رشاد وهداية، أم هم قادة حيـرة وعماية؟ وما تقول في قوم يسبونهم، وينتقصونهم، ويسبون كل من ينتمي إلى علم الأشعرية، ويكفرونهم ويتبرؤون منهم، وينحرفون بالولاية عنهم ،ويعتقدون أنهم على ضلالة، وخائضون في جهالة؟ ماذا يقال لهم، ويصنع بهم، ويعتقد فيهم؟ أيتركون على أهوائهم، أم يكف من غلوائهم؟ وهل ذلك جرحة في أديانهم، (ودخل في إيمانهم)، أم لا؟ بَيِّن لنا مقدار الأئمة المذكورين، ومحلهم من الدين، وأفصح لنا عن حال المنتقص لهم، والمنحرف عنهم، وحال المتولي لهم، والمحب فيهم مجملا مُفَصَّلا، ومأجورا إن شاء ﷲ تعالى.

وبعد الاطلاع على نص الفتوى، والوقوف لاحقا على الجواب عليها،يتضح جليا ما لعلماء المغرب من فضل، متمثل في المواقف الإيجابية من المذهب الأشعري منذ زمن المرابطين ،حيث أنصفت الفتوى المذهب الأشعري، وجعلته يحظى بالقبول في دوائر دولة المرابطين.[16]

2 – جواب ابن رشد على سؤال الأميـر المرابطي: الأشعرية هم العلماء على الحقيقة.

فأجابه ابن رشد ،رحمه  ﷲ: تصفحت -عصمنا  ﷲ وإياك- سؤالك هذا، ووقفت عليه.

وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خيـر، وممن يجب بهم الاقتداء، لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالة، وأوضحوا المشكلات، وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات، فهم بمعرفتهم بأصول الديانات العلماء على الحقيقة، لعلمهم بالله عز وجل، وما يجب له، وما يجوز عليه، وما ينتفي عنه، إذ لا تعلم الفروع إلا بعد معرفة الأصول.

فمن الواجب أن يعترف بفضائلهم، ويقر لهم بسوابقهم، فهم الذين عنى رسول  ﷲ ﷺ (والله أعلم) بقوله: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». فلا يعتقد أنهم على ضلالة إلا غبي جاهل ،أو مبتدع زائغ عن الحق مائل، ولا يسبهم، وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق ،وقد قال  ﷲ عز وجل:﴿ وَالذِينَ يُوذُونَ اَ۬لْمُومِنِينَ وَالْمُومِنَٰتِ بِغَيْرِ مَا اَ۪كْتَسَبُواْ فَقَدِ اِ۪حْتَمَلُواْ بُهْتَٰناٗ وَإِثْماٗ مُّبِيناٗ﴾[17].  فيجب أن يُبَصَّرَ الجاهل منهم، ويُؤَدَّبَ الفاسق، ويُسْتَتَابُ المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستسهلا ببدعته، فإن تاب وإلا ضُرِبَ أبدا حتى يتوب ،كما فعل عمر بن الخطاب  بصبيغ المتهم في اعتقاده، من ضربه إياه حتى قال: « يا أميـر المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضع الداء، وإن كنت تريد قتلي فأجهز علي» فخلى سبيله. والله أساله العصمة والتوفيق، برحمته، قاله محمد بن رشد .

المرتكز الثاني: رعاية إمارة المؤمنين للمذاهب الفقهية السنية عبر التاريخ: المذهب المالكي ومراعاة المشترك الأصولي والخلاف المذهبي السني

إن استحضار الدور الريادي لإمارة المؤمنين في رعاية التراث العلمي الإسلامي عبر العصور المتلاحقة للقارة الإفريقية الأم، والمحافظة على وحدة المشترك الأصولي، وترسيخ العمل بالمذهب المالكي وإعمال قاعدة مراعاة الخلاف، واعتبار المذاهب السنية المقررة لدى أهل السنة والجماعة؛ يستدعي أولا الوقوف على مدلولات؛ أصول المذاهب الفقهية السنية، ومصادر التشريع الجامعة لجميع المذاهب، والمشترك الأصولي.

أولا: أصول المذاهب الفقهية السنية

إن الحديث عن الأصول التي يـرجع إليها أئمة الهدى المجمع على علمهم، تعود في مجملها إلى أصول متفق عليها؛ الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وأصول مختلف فيها خاصة بكل مذهب؛ نشأت عن تباين طرق الترجيح، وأساليب فهم الرجال للأدلة الشرعية ،والبحث في مسالك العلة، وغيـر ذلك.

وكل المذاهب الفقهية السنية المعتمدة تنهل من معين الوحي الصافي، بنوعيه؛ الكتاب والسنة، وهو المشترك الأول الأصولي الجامع لها .

وقيد السنية اسم جامع لمعاني الأخذ بالكتاب والسنة، وما درج عليه سلف هذه الأمة مما نطق به القرآن أو ورد في بيان سيد المرسلين والعلماء الصالحين..، والمقصود بالمذاهب الفقهية المستحقة لهذه الصفة أيضا؛ المدارس التي شع سناها بفضل أعلام مبرزين أجمعوا على سنية العقيدة الأشعرية…[18]

  • أصول المذهب الحنفي

الإمام أبو حنيفة رحمه  ﷲ تعالى، تميز مذهبه بالاعتماد على الرأي، وإعمال الاجتهاد، مع تمسكه بالكتاب والسنة؛ يقول في بيان ذلك: «آخذ بكتاب  ﷲ فما لم أجد فبسنة رسول  ﷲ ﷺ، فإن لم أجد في كتاب  ﷲ ولا في سنة رسول  ﷲ ﷺ أخذت بأقوال الصحابة، آخذ بقول من شئت منهم وأدع من شئت منهم، لا أخرج عن قولهم إلى قول غيـرهم. أما إذا انتهى الأمر  إلى إبراهيم والشعبي وابن سيـرين وعطاء وسعيد بن المسيب فقوم اجتهدوا فأجتهد كما اجتهدوا».[19]

  • أصول المذهب المالكي

نشأ المذهب المالكي على يد الإمام مالك  في المدينة المنورة في القرن الثاني الهجري، وقد بنى أصوله رحمه  ﷲ على طريقة أهل المدينة،… ويتمثل منهج الإمام مالك رحمه ﷲ تعالى في الاعتماد على القرآن الكريم ثم حديث رسول  ﷲ ﷺ، فسنة أهل المدينة التي تأخذها كل طبقة عن الأخرى، وعلمهم المستمر المجمع عليه، من لدن عصر رسول ﷲ ﷺ، وهو ما يعبر عنه الإمام مالك في موطئه بـ: « السنة عندنا كذا»، أو « السنة التي لا خلاف فيها عندنا»، بالإضافة إلى ترجيحاتهم في مواطن الاختلاف.[20]  وقد سلك الإمام مالك رحمه  ﷲ تعالى، سبيل التحقيق في المرويات، ووضع منهجا متفردا في نقد الأخبار، وأحوال الرجال، واتفقت كلمة النقاد على التسليم له بمنهجه المتفرد في انتقاء الرجال وانتقادهم، وفيما تفقه فيه، وفيما أفتى به، لتحقيق علم الإسناد.[21] وثمرة ما سبق كانت قوة في الآراء، وتـأصيلا للفتاوى، وجمعا بين الحديث وفقهه.

  • أصول المذهب الشافعي

الإمام الشافعي يتمسك في مذهبه بالأصول المجمع عليها عند أئمة العلم، ويعتمد مذهبه في القديم على فقه شيخه الإمام مالك رحمه  ﷲ، وفي الجديد على القياس إعمالا للاجتهاد، يقول رحمه ﷲ تعالى: « ليس لأحد أن يقول في شيء حل ولا حرم إلا من جهة العلم، وجهة العلم: الخبر  في الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس».[22]

  • أصول المذهب الحنبلي

الإمام أحمد بن حنبل رحمه  ﷲ تعالى، لقب بإمام الحديث، وإمام أهل السنة لشدة تمسكه بالحديث ولو كان ضعيفا، ذكر له ابن القيم خمسة أصول يـرجع إليها مذهبه وفتاويه:[23]

  1. الأصل الأول: النصوص، فإذا وجد النص أفتى بموجبه..
  2. الأصل الثاني: فتاوى الصحابة.
  3. الأصل الثالث: الاختيار من أقوال الصحابة إذا اختلفوا.
  4. الأصل الرابع: الأخذ بالحديث المرسل والضعيف، إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه..
  5. إعمال القياس للضرورة.

ثانيا: مصادر التشريع الجامعة لجميع المذاهب

إن الحديث عن مصادر التشريع لدين الإسلام، يتوجه إلى أصول الدين وأصول الفقه؛ لأن لفظ الأصولي شامل لكليهما، وسنتحدث بإذن  ﷲ تعالى عن ذلك، مستفتحين بتناول الوحيين الربانيين القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، ومن المعلوم أن أصول الدين تقوم على أساس استمداد النور الرباني من هذين الأصلين.

  • القرآن الكريم

إن من فضل  ﷲ على أمة الإسلام أن حفظ دينها وجعل له قواعد وأصولا ثابتة لا تتغيـر بتغيـر الزمان والمكان؛ فخصها بكتابه العزيز، وتعهد سبحانه بحفظه، فحفظ الشريعة من خلاله، فله الحمد والفضل والمنة.

إن هذا القرآن المكتوب في المصاحف الذي أوله سورة الفاتحة وآخره سورة الناس، هو كلام  ﷲ تعالى بألفاظه ومعانيه، كما صرح تعالى بأنه هذا المسموع هو كلام  ﷲ في قوله: ﴿ إِنَ اَحَدٞ مِّنَ اَ۬لْمُشْرِكِينَ اَ۪سْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّيٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ اَ۬للَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَامَنَه ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٞ لَّا يَعْلَمُونَ﴾[24]   فصرح بأن هذا الذي يسمعه المشرك المستجيُـر هو كلام  ﷲ، فالكلام كلام الباري، والصوت صوت القاري.[25]

القرآن: هو المنزل على الرسول ﷺ المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة.[26]

فالحاصل أن هذا القرآن المحفوظ في الصدور، المقروء بالألسنة المكتوب في المصاحف هو كلام  ﷲ تعالى بألفاظه ومعانيه تكلم به  ﷲ تعالى فسمعه جبريل منه وتكلم به جبريل فسمعه النبي ﷺ منه، وتكلم به النبي ﷺ فسمعته منه أمته وحفظته عنه.[27]

يقول صاحب مراقي السعود في تعريف القرآن الكريم: وقد عرفه صاحب مراقي السعود بقوله: « اللفظ المنزل على محمد لأجل الإعجاز  وللتعبد».[28]

ويعني أن القرآن هو اللفظ المشتمل على المعاني الباهرة، المنزل على محمد ﷺ لأجل إظهار عجز الخلائق عن الإتيان بسورة مثله، ولأجل التعبد بقراءته….[29]

والقرآن عند علماء العربية والفقه وأصوله هو: «اللفظ المنزل على محمد ﷺ لأجل الإعجاز بسورة منه ولأجل التعبد بتلاوته؛ أي: طلبه تعالى إياها من العباد لما فيها من الثواب لفاهم معناه وغيـره بل هو أفضل العبادات بعد الفرائض».[30]

والقرآن: «هو المنزل على الرسول محمد ﷺ، المكتوب في المصاحف، والمنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة».[31]

والقرآن الكريم: «هو كلام  ﷲ تعالى المنزل على نبيه محمد ﷺ، المعجز بأقل سورة منه، المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا تواترا[32]، ولا خلاف عند أهل العلم في حجيته، وإليه يـرجع كل الأئمة الهداة في الاستدلال كما رأينا سابقا».

  • السنة النبوية المطهرة

منذ ظهور رسالة النبي ﷺ، والاحتجاج بالسنة النبوية قائم، والعمل بها محل إجماع ،وفق ضوابط معلومة عند علماء المسلمين، فقد انبرى من الجهابذة من تصدى لوضع القواعد والضوابط لحفظ السنة، ونقلها عبر العصور، بالسند المتصل إلى خيـر البشرية محمد ﷺ، وحجية السنة معلومة ؛ لأنها التفسيـر العملي للقرآن الكريم والتطبيق الواقعي للرسالة الخاتمة.

إن السنة هي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام اهتم أئمة الدين وأعلام الأمة بتدوين السنة، فألفوا في ذلك الكتب القيمة الحافلة والموسوعات الضخمة، فكان منها المعاجم والصحاح والسنن والمسانيد[33]، وذلك لأهميتها.

والسنة في اصطلاح الشرع: هي ما قاله رسول  ﷲ ﷺ أو فعله أو قرر عليه.[34]

فالسنة النبوية إذن: هي المنهاج التفصيلي لحياة الفرد المسلم والمجتمع المسلم… فقد كان الرسول ﷺ هو المبين للقرآن الكريم، بقوله وعمله وسيـرته كلها.[35]

يقول صاحب إعلام الموقعين: «أمر  ﷲ تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا».[36]

ثم أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل، ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه، ولم يكتف أيضا منهم بذلك حتى يسلموا تسليما، وينقادوا انقيادا[37] ، قال تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِمُومِنٖ وَلَا مُومِنَةٍ اِذَا قَضَي اَ۬للَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْراً اَن تَكُونَ لَهُمُ اُ۬لْخِيَرَةُ مِنَ اَمْرِهِمْۖ وَمَنْ يَّعْصِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَد ضَّلَّ ضَلَٰلاٗ مُّبِيناٗ﴾[38] .

وحجية السنة لا خلاف فيها، يقول صاحب إرشاد الفحول: «الحاصل أن ثبوت حجية السنة، واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام».[39]

  • علم أصول الفقه

علم أصول الفقه؛ له أهمية كبيـرة، وأدرج الحديث عنه هنا؛ لأنه الطرف الثاني للتأصيل، وبه عرفت حجية الأصول الأخرى كالإجماع والقياس؛ ولذلك عده أهل الفن قطعيا: إن أصول الفقه في الدين قطعية لا ظنية، والدليل على ذلك أنها راجعة إلى كليات الشريعة، وما كان كذلك فهو قطعي.[40]

علم أصول الفقه مركب إضافي من كلمتين:

الأصل: وهو ما يبنى عليه غيـره، والأصل: واحد الأصول، يقال: أصل مؤصل[41]، والأصول: جمع أصل، وهو في اللغة: عبارة عما يفتقر إليه، ولا يفتقر هو إلى غيـره. وفي الشرع: عبارة عما يبنى عليه غيـره، ولا يبنى هو على غيـره، والأصل ما يثبت حكمه بنفسه، ويبنى عليه غيـره.[42] والأصل في الاصطلاح هو: الدليل أو الأمر الراجح..، والدليل الإجمالي هو الذي لا يعين مسألة جزئية كقاعدة مطلق الأمر  والنهي، وفعله ﷺ، والإجماع والقياس والاستصحاب والعام  والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والظاهر والمؤول، والناسخ والمنسوخ، وخبر الآحاد. [43]  وقد يطلق على الأصل القاعدة، والقواعد الأصولية خاصة بالمجتهد، يستعملها عند استنباط الأحكام الفقهية، ومعرفة حكم الوقائع والمسائل المستجدة في المصادر الشرعية.[44]

الفقه: هو في اللغة: عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه[45]. وفي الاصطلاح: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية؛ والمراد بالأحكام: النسب التامة التي هي ثبوت أمر لآخر إيجابا أو سلبا…[46] . وقيل: هو الإصابة، والوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به الحكم، وهو علم مستنبط بالرأي والاجتهاد ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل.[47]

وأصول الفقه: هو العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى الفقه، والمراد من الأصول في قولهم: هكذا في رواية الأصول…[48]. لذلك فقد ترك لنا علماء الشريعة من خلال الحقب الزمنية المتلاحقة تراثا زاخرا من العلوم والمعارف التي تستمد قوتها من الأصول الشرعية.

وتوارث هذا التراث الأجيال المتلاحقة من الأمة، ولم تقف همم أهل العلم عند حد التأصيل، بل تعدت ذلك إلى البحث في الكليات الحاملة لأسرار الشريعة وحكمها، وتوارث هذا التراث الأجيال المتلاحقة من الأمة، فمنهم من حاول تنزيل النصوص على الوقائع ،ومنهم من وقف موقف الشارح المقلد، ومنهم من أخذ بطريق التحقيق والتدقيق ومنهم من سلك طريق تدبر المعاني والغوص في المضامين…

ثالثا: المشترك الأصولي والاختلاف الفقهي المذهبي ومذهب الإمام مالك

إن المشترك الأصولي الذي نعني هنا، لا يختلف عن مصادر التشريع التي تحدثنا عنها سابقا، وحرص ولاة الأمور على التمسك بالكتاب والسنة؛ قوى هذا التوجه؛ الخطاب الذي وجهه المولى إدريس الأول (المتوفى سنة 177هـ) إلى المغاربة وفيه ما يدل على ما ذكر: «أدعوكم إلى كتاب  ﷲ وسنة نبيه ﷺ، وإلى العدل في الرعية، والقسم بالسوية، ورفع المظالم والأخذ بيد المظلوم، وإحياء السنة وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد».[49]

ولكن تنزيل الأدلة على ميدان العمل الفقهي الواقعي؛ خلف حقيقة توحي بظاهر الاختلاف بين المذاهب الفقهية السنية، ولا يعني هذا التفريق بين المذاهب الفقهية السنية السديدة، ولا حمل الناس على مذهب واحد، ولا تفريق جماعة مذهب معين، ولا رميهم بما لا يليق بحاملي العلم، يقول الإمام ابن عبد البر: « فكل قوم ينبغي لهم امتثال طريق سلفهم فيما سبق إليهم من الخيـر، وسلوك مناهجهم فيما احتملوا عليه من البر  وإن كان غيـره مباحا مرغوبا فيه».[50]

وجوهره تمايز الأصول الفرعية لكل مذهب، ولتقريب ما قيل للفهم؛ نختار أصلا من أصول المختلف فيها، وهو حجة عند الإمام مالك؛ ألا وهو عمل أهل المدينة، وقد انبنى رأي الإمام مالك- – في عمل أهل المدينة على تقديـر من تقدمه من الصحابة للمدينة، والأصل فيه ما ذكر القاضي عياض وغيـره، قال في المدارك: « ولفقه رجالها، وعمل صالح أهلها من المهاجرين والأنصار، ثم لمدارك الأئمة الذين كانوا بها، وكانوا مرجع الناس في نوازلهم..، وقال ابن مهدي:(السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خيـر من الحديث ،وقال أيضا إنه ليكون عندي في الباب الأحاديث الكثيـرة، فأجد أهل العرصة على خلافه فيضعف عندي أو نحوه)، وقال ربيعة: (ألف عن ألف أحب إلي من واحد عن واحد)… .[51] ومع الخلاف بالأخذ بعمل أهل المدينة عند الأئمة الثلاثة، فقد اتفقوا على اعتبار ما يجري مجرى النقل عن النبي ﷺ، مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد، وكترك صدقة الخضروات والأحباس، فهذا مما هو حجة باتفاق العلماء؛ أما الشافعي وأحمد وأصحابهما، فهذا حجة عندهم بلا نزاع كما هو حجة عند مالك وذلك مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وقد رجع إليه أبو يوسف…[52]

وقد أفصح الإمام أبو الحسن الأشعري- رحمه  ﷲ- عن رأي الأشاعرة  في عمل أهل المدينة بقوله: « مذهب أهل المدينة ينسب إلى مالك بن أنس، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك  إنما جرى على سنن من كان قبله، وكان كثيـر الاتباع لهم» ….[53]

إن جمع المذهب المالكي بين الثبات من جهة والتمسك بعمل أهل المدينة، والمرونة من جهة أخرى في أخذه بالمصالح المرسلة، كان سببا في تلقيه بالقبول في بلاد المغرب ،منذ قيام الدولة الإدريسية، وكانت علاقة الإمام مالك بالإمام عبد  ﷲ الكامل وبأبنائه خاصة منهم محمد النفس الزكية- جد الأسرة العلوية-، ودعوة إدريس بن عبد ﷲ الكامل المغاربة إلى مذهب مالك وقراءة الموطأ…[54]

المرتكز الثالث: رعاية إمارة المؤمنين للتصوف السني بمدارسه السلوكية المتنوعة عبر التاريخ

إن إمارة المؤمنين كما كانت وعاء جامعا للمذاهب السنية، كانت سندا قويا للتصوف السني عبر التطور التاريخي لتشكل طرقه في المغرب وإفريقيا، منذ الإمام أبي القاسم الجنيد الملقب بشيخ الصوفية الذي قال ابن كلاب في حق كلامه: «هذا كلام لا يمكن فيه المناظرة» واعترف بفضله.[55]  فهو الجامع بين الحقيقة والشريعة، والواضع للمريدين أصول الطريقة…فمدرسة الإمام الجنيد هي قلب التصوف ولسانه وبيانه…[56] ، وامتدت تلك العناية لبقية المدارس الصوفية خصوصا المشربين القادري والشاذلي؛ الذي تفرعت عنه عدة طرق.[57]

ومحاولة لكشف الغطاء عن الجهود القيمة واللمسات الطيبة والمحطات المشرقة، لإمارة المؤمنين عبر التاريخ، في ترسيخ التصوف السني في بلاد المغرب وإفريقيا، نحاول التطرق للمنهج الصوفي الذي اختاره المغاربة، وزرعت بذرته في أرض معطاءة، ورعت نبتته يدا مباركة، وصارت شجرته طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وأثمرت وسطية واعتدالا، وحبا وسموا بالنفس، وصل إشعاعه الروحي ربوع إفريقيا.

أولا: التصوف في المغرب

إن طريقة تربية النفس وتزكيتها، مسلك اختاره المغاربة منذ أن ذاقوا حلاوة الشعور بالمحبة الصافية، وانتهجوا المنهج الصوفي ونحوا صوب عالم المعرفة، وتعلقت نفوسهم بالأسلوب الروحي القوي والأصيل لدى الإمام الجنيد، وقد لاقىقبولا منقطعا ،لتمسكه بأصول الشريعة؛ فالإمام الجنيد هو أول- أئمة التصوف- من نادى صراحة بالتمسك بالكتاب والسنة، واتباع الشريعة في ميدان التصوف. فهو القائل: « الطريق إلى  ﷲ تعالى مسدود على خلق  ﷲ عز  وجل، إلا على المقتفين آثار رسول  ﷲ -ﷺ- والتابعين لسنته».[58]  وقد أدرك المغاربة سريعا، حقيقة التصوف باعتباره جوهر الإسلام وروحانيته؛ لأنه يحقق مقام الإحسان، ويقوي مبدأ تهذيب السلوك، ويمكن المجتمع من التعايش بمختلف طوائفه ومكوناته ومشاربه…

وقد ساعد على انتشار التصوف في بلاد المغرب، رعاية دولة العلويين الأشراف، للمنهج السني في السلوك، والعناية بالثوابت الدينية الأخرى؛ كالعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي، وقد ساد التصوف السني بلاد المغرب في فترة وجيزة، وانتقل من مرحلة الاحتضان، إلى مرحلة الانتشار، وتمايزت مدارس صوفية أساسية، ترجع كلها لطريقة الإمام الجنيد ،من أهم هذه المدارس نذكر ما يلي:

الطريقة القادرية أو المدرسة القادرية؛ مدرسة سنية تنتهج طريق التربية الروحية للنفس ،وتقوم على إصلاح القلب، وتخليته من الشواغل عن  ﷲ تعالى، وتحليته بذكر  ﷲ تعالى ،والتخفيف من مغريات الحياة الدنيا، وهي أول مدرسة صوفية دخلت المغرب، وتنسب المدرسة القادرية إلى الإمام أبي صالح محيي الدين عبد القادر الجيلاني. والمدرسة الصوفية الشاذلية؛ تميزت بانتشارها الواسع في ربوع المغرب، ولها فروع متعددة ،وتنسب إلى الإمام أبي الحسن الشاذلي. والمدرسة الصوفية التيجانية الواسعة الانتشار، وتنسب إلى الإمام أبي العباس أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم الشريف الحسني الكاملي التيجاني، يـرفع نسبه إلى الإمام محمد النفس الزكية ابن عبد ﷲ الكامل بن سالم.

ثانيا: دور المغرب في تدعيم المدارس الصوفية في إفريقيا

التصوف السني في إفريقيا، يمثل المعين النابض لحياة قلوب ملايين الأفارقة، المتعلقين باتباع السنة المطهرة، والسيـر على خطى الرعيل الأول، من الصحابة الكرام المتربين في مدرسة الحضرة النبوية الشريفة، والشاربين من نبع العقيدة الصافي، وما يـرمز إليه من معاني الزهد والورع، وما تستدعيه الذاكرة التاريخية للأمة حال الحديث عن أهل الصفة، وهذا لمحاولة الابتعاد عن ما يـرمى به أهل التصوف، مما ليس فيهم، وقد رأينا سابقا في جواب الإمام ابن رشد، الأميـر المرابطي يوسف بن تاشفين، ما يستدل به على خطأ القائلين بخروج الأشعرية عن جادة الطريق، وليست هذه الفتوى بدعا من القول، فقد زكى أهل العلم وحواضره، الثوابت الدينية لأهل التربية؛ التصوف السني، وسموه بتسميات متعددة؛ مقام الإحسان، سبيل أهل المعرفة، مقامات المقربين، صفاء السريـرة، تحلية القلب بمحبة  ﷲ…

وقد انتقل المنهج الصوفي السني، من بلاد المغرب إلى إفريقيا، مرورا بمحطة العبور وجسر التواصل، بلاد شنقيط، حيث تلقفته الحواضر العلمية هناك، واطمأنت نفوس علماء شنقيط، بعلم السلوك والتربية، وسلموا رايته لأهل السنغال، ومن ثم انتشر  في إفريقيا، برعاية كريمة من الدولة العلوية الشريفة.

وقد دخلت عدة طرق صوفية بلاد شنقيط، قادمة من حاضرة علم التربية والسلوك؛ مدينة فاس وأخواتها من مدن المغرب العريقة، والتحم في بلاد شنقيط التصوف بالعلم في رحاب المحاضر الشنقيطية العتيقة؛ فتم تدريس التصوف الجنيدي مقرونا بالعقد الأشعري  وفقه مالك، رحمه  ﷲ تعالى، وكانت الزوايا بالبلاد سندا للمحاضر  في تدريس علوم القرآن والحديث والفقه المالكي أصولا وقواعد وفروعا، والعقائد الأشعرية والتصوف والسيـرة النبوية العطرة، والتاريخ الإسلامي، وعلم اللغة العربية، وعلوم أسرار الحروف ،وعلم المنطق…[59]  وتعتبر هذه المدرسة الصوفية، امتدادا للمدرسة المغربية، ونشرا للمدارس الصوفية في شنقيط؛ القادرية، التيجانية، البكائية، الفاضلية، الشاذلية.

لقد نجحت الحواضر العلمية والزوايا الصوفية، في تقديم نماذج كان لها السبق، في تقوية وشائج الأخوة الدينية بين أبناء القارة الإفريقية، وبث روح الوئام والتآلف والتآخي ،في قلوب الشعوب الإفريقية المسلمة، وتقوية الجانب الروحي القائم على التعلق بالله تعالى، وحب الخيـر  لبني الإنسان، وبث روح السلام والاستقرار، ونبذ الكراهية والبغضاء.

وهذا الاستقرار الروحي هو الدعامة الأساسية لتحقيق الأمن الحضاري وهو ما يقوم عليه المنظور الصوفي الذي يجمع بينهما في توافق وترابط وتلازم وتكامل[60] ..

وعرفت عدد من الطرق الصوفية انتشارا واسعا في ربوع إفريقيا انطلاقا من المغرب، وأبرز هذه الطرق وأكثرها انتشارا القادرية والتيجانية. ومع كون منبع القادرية من المشرق، إلا أنها لم تنتشر في مناطق إفريقيا إلا عن طريق المغرب. أما التيجانية فتأسست بفاس ،ومنها عرفت انتشارا كبيـرا نحو مناطق عديدة بالربوع الإفريقية، حتى صار أتباعها يعدون بعشرات الملايين، كلهم يهفون بقلوبهم نحو  فاس، ويعتبرون مبايعة شيخهم سيدي أحمد التيجاني للسلطان مولاي سليمان، مبايعة لازمة لأتباعه مع الدوحة العلوية الشريفة ،فلا يخاطبون ملوك المغرب المتعاقبين إلا بصفة «أميـر المؤمنين».[61]

ثالثا: من مظاهر رعاية إمارة المؤمنين للمدارس الصوفية في إفريقيا

لقد تولت إمارة المؤمنين، منذ استقرارها في بلاد المغرب، القيام بوظيفة حفظ الدين والملة على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة، وانطلقت في نشر الدعوة السمحة في ربوع إفريقيا، قياما بواجب الذود عن الثوابت الدينية، وإشاعة لروح السلام والمحبة ،وصولا إلى الدور الريادي الذي صارت تقوم به المؤسسات الدينية في المحافظة على التصوف السني، ونشر مفهومه الصافي، وتوجيه الوعي السلوكي الجامع، نحو الفكر الراقي والفهم السليم لجوهر الدين، وحقيقة الشعور الوجداني القائم على السماحة والرحمة بالكائنات، والخضوع والاستسلام لرب الأرض والسماوات، والجمع بين الظاهر والباطن ،والعلم بالأصول وفهم الوقائع، وحقيقة الدين وفقه الشريعة، والإيمان بالغيب واليقين بعالم الشهادة، والتحلي بالأخلاق المحمدية- ﷺ- الفاضلة المتممة للمكارم، وتوجيه النفس نحو محبة الخالق، والإحسان للخلق.

  • الاعتماد على الكتب والأسانيد الصوفية المغربية:

إن انتشار الكتب الصوفية المغربية في إفريقيا، واعتماد الحواضر العلمية الإفريقية على تدريس مصنفات المغاربة وشروحهم، وتلقي الأسانيد للطرق المختلفة؛ كسند الطريقة الناصرية الشاذلية على يد الشيخ الدرعي محمد بن ناصر وازدادت إشعاعا على يد ابنه أحمد بن ناصر الدرعي(المتوفى سنة 1129هـ)، وقد كان لهذه الأسرة الفضل في الجمع بين العلم والتصوف وتنقية موارده من الشوائب، فلاقت بهذا إقبالا كبيـرا واستحسانا واسعا في المغرب والبلاد الإفريقية.[62]

  • إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة:

وقد توجت إمارة المؤمنين، جهودها في حفظ الثوابت الدينية، وجوهرها التصوف السني ،ومهمتها الكبيـرة في نشره في ربوع إفريقيا، وتوحيد مدارس التصوف السني؛ بإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة؛ سعيا لتوحيد جهود علماء المغرب وباقي الدول الإفريقية لخدمة مصالح الدين الإسلامي، وفي مقدمتها التعريف بقيمه السمحة ونشرها، وتشجيع الأبحاث والدراسات في مجال الفكر والثقافة الإسلامية.[63]

إن ما يقدمه صاحب الجلالة أميـر المؤمنين، أيده  ﷲ ونصره، في هذا العصر من خدمة للإسلام والأمة الإسلامية، بل والإنسانية جمعاء في مجالات متعددة، يستحق الوقوف عنده والإشادة، واعتباره نموذجا يستحق الدراسة….[64]

إن رعاية المعاني السامية الموصلة إلى صفاء الروح، ونقاء السريـرة وتخلية القلب من أمراض القلوب، وتحليته بالإيمان الصادق، وحب الخيـر للعالم، وتوحيد الجهود سبيلا إلى الرفع من سلوكيات المجتمعات الإفريقية وحماية ثوابتها الدينية؛ هو الهدف الأساسي لإمارة المؤمنين، وقد نجحت بصفة موفقة في تحقيق التكامل بين المغرب كمنطلق وإفريقيا كمستقر، ومخرجات ذلك النجاح بادية للعيان، ولعلنا نقطف الآن ثمرة من ثمارها اليانعة.

خاتمة

هذا ما وفقني إليه ﷲ تعالى جل في علاه، أسأله أن يسامحني بعفوه، ويمدني بعونه، ويسددني بحوله، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبحانه وبحمده، كما أنني أعتذر لكل السامعين من علماء وشيوخ وأساتذة وباحثين عن التقصيـر، فما كان من توفيق فمن ﷲ جل وعلا، وما كان من نقص فمن نفسي والشيطان، والله المستعان، وصلى  ﷲ على سيدنا محمد رسول ﷲ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيـرا.

وآخر دعوانا أن الحمد  رب العالمين.

الهوامش

[1] سورة الأنعام، الآية:1

[2]سورة الكهف، الآية:1

[3] سورة فاطر الآية:1

[4] الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، الموافقات في أصول الشريعة، شرحه وخرج أحاديثه عبد الله دراز، وضع تراجمه محمد عبد الله دراز، خرج آياته وفهرس موضوعاته عبد السلام عبد الشافي محمد، الطبعة السابعة ،دار الكتب العلمية، بيـروت ،1426هـ/5002-م، المجلد الأول، القسم الثالث،كتاب المقاصد، ص 7.

[5] سورة الشورى، الآية 13.

[6] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، المجلد الثامن، ص427.

[7] ابن عاشور، محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، الطبعة الرابعة، نشر مشترك؛ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس ،1430هـ/ 9002-م، ص 14.

[8] سورة النساء، الآية 59.

[9] سورة آل عمران، الآية 103

[10] الجرجاني، علي بن محمد بن علي، التعريفات،  ضبط نصوصها وعلق عليها: محمد علي أبو العباس، الطبعة الأولى، دار الطلائع ،القاهرة ،2014م، باب الألف، فصل الميم، الإمام، ص 42.

[11] مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيـري النيسابوري، صحيح مسلم، بدون رقم الطبعة، دار صادر، بيـروت،المجلد الثالث ،-33- كتاب الإمارة،  باب وجوب طاعة الأمراء في غيـر معصية وتحريمها في المعصية ،رقم الحديث:4768، ص 712.

[12] مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيـري النيسابوري، صحيح مسلم، بدون رقم الطبعة، دار صادر، بيـروت،المجلد الثالث ،-33- كتاب الإمارة،  باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة ،رقم الحديث:4814، ص 718.

[13] ابن عاشر، أبو محمد عبد الواحد، متن ابن عاشر المسمى المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، صححه وراجعه: محمد خالد، دار الفكر، بيـروت ،1414ه3991-م، مقدمة لكتاب الاعتقاد، ص 3.

[14] شاوف، أحمد، وسطية العقيدة الأشعرية وأثرها في صد النزعات المتطرفة،  ص 63.

[15] ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد (الجد)، البيان والتحصيل؛ مسائل أبي الوليد بن رشد (الجد)، تحقيق المخطوط؛ محمد الحبيب التجكاني، مخطوطة رقم 934، مكتبة العهد الديني، تطوان، النسخة المحققة، الطبعة الثانية، دار الجيل ،بيـروت، دار الآفاق الجديدة، المغرب ،1414هـ/1993-م، ص 716-717.

[16] ذ. عبد القادر بطار، تاريخ العقيدة الأشعرية في المغرب وإفريقيا، المحور الأول، ثوابت النموذج الديني المغربي والمشترك الإفريقي، العقيدة الأشعرية التاريخ والقواعد، محاضرة، الدورة التكوينية التواصلية الأولى، التعريف بالنموذج المغربي في تدبيـرالشأن الديني،12/16/فبرايـر/2018م، فاس، ص 5.

[17] سورةالأحزاب، الآية 58.

[18] العلمي، عبد الحميد، المشترك الأصولي لدى المذاهب السنية، مشاركة في المحور الأول، ثوابت النموذج الديني المغربي والمشترك الإفريقي، المذاهب الفقهية السنية والمشترك الأصولي،  ص 2.

[19] الذهبي، شمس الدين محمد بن قايماز، مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه، تحقيق محمد زاهد الكوثري، الطبعة الثالثة ،لجنة إحياء المعارف النعمانية، حيدر أباد، الهند، الجزء الأول، ص 34.

[20] الإمام مالك بن أنس، المدونة الكبرى، رواية سحنون بن سعيد التنوخي، ضبط نصها وأخرج أحاديثها؛ محمد محمد تامر ،مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة ،2004م، الجزء الأول،ص 20.

[21] الإمام مالك بن أنس، كتاب الموطأ، رواية يحيى بن يحيى الليثي، الطبعة الأولى، منشورات المجلس العلمي الأعلى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ،1434هـ/2013-م، القسم الأول، تقديم،ص 15.

[22] الشافعي، محمد بن شافع المطلبي، الرسالة، تحقيق؛ محمد أحمد شاكر،كتب أبو الأشبال ،1939م، ص 39.

[23] ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق وتعليق؛ عصام الدين الصبابيطي، دار الحديث، القاهرة، 1427هـ/2006-م، الجزء الأول، ص 34.

[24] سورة التوبة، الآية 6.

[25] الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار، مذكرة أصول الفقه، جمع، عطية محمد سالم،دار الإتقان، الإسكندرية، ص 64.

[26] الجرجاني، علي بن محمد بن علي، التعريفات، ضبط نصوصها وعلق عليها، محمد علي أبو العباس،دار الطلائع، القاهرة، 2014م، باب القاف، فصل الراء، ص174.

[27] الشنقيطي، مذكرة أصول الفقه، مرجع سابق، ص64.

[28] ابن الحاج إبراهيم، سيدي عبد الله، متن مراقي السعود، دار الآثار للطباعة والنشر والتوزيع ،2002م، كتاب القرآن ومباحث الأقوال التي هي . الأمر والنهي والعلم إلى غيـر ذلك، ص 25.

[29] الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار «صاحب أضواء البيان»، نثر الورود على مراقي السعود، تحقيق: محمد ولد سيدي ولد حبيب الشنقيطي.

[30] العلوي، سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم، نشر البنود على شرح مراقي السعود، تحقيق محمد الأمين بن محمد بيب، الطبعة الأولى، حقوق الطبع للمحقق ،1426هـ/ 2005-م، الجزء الأول، ص238-239.

[31] الجرجاني، علي بن محمد بن علي، التعريفات،  ضبط نصوصها وعلق عليها: محمد علي أبو العباس،الطبعة الأولى، دار الطلائع ،القاهرة ،2014م، باب القاف، فصل الراء، القرآن، ص 174.

[32] الطبري، أبو يحيى محمد بن صمادح التجيبي، مختصر تفسيـر الطبري، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى ،1430هـ/ 2009م،ص11.

[33] ابن دقيق العيد، تقي الدين، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، حققه وراجع نصوصه، حسن أحمد إسبر، دار ابن حزم ، 1430هـ/2009م، ص8.

[34] الشنقيطي، مذكرة أصول الفقه،ص 107.

[35] ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام، ص6.

[36] ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق وتعليق، عصام الدين الصبابيطي، دار الحديث، القاهرة، 1427هـ/2006 م – الجزء 1 ص 48.

[37] المرجع السابق.

[38] سورة الأحزاب، الآية 36.

[39] الشوكاني، محمد علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، دار المعرفة، بيـروت، ص 29.

[40] الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، الموافقات في أصول الشريعة، شرحه وخرج أحاديثه ،عبد الله دراز، وضع تراجمه، محمد عبد الله دراز، خرج آياته وفهرس موضوعاته، عبد السلام عبد الشافي محمد، الطبعة السابعة، دار الكتب العلمية، بيـروت ،1426هـ/2005-م، المجلد الأول، الجزء الأول، ص 19.

[41] الرازي، محمد ابن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، دار الحديث، القاهرة ،1429هـ/2008م،، باب الهمزة،(أ ص ل) ،ص 17.

[42] الجرجاني، التعريفات، مرجع سابق، باب الألف، فصل الصاد، أصول الفقه، ص 34.

[43] العلوي، نشر البنود شرح مراقي السعود، مرجع سابق،الجزء الأول، ص 60.

[44] الزحيلي، محمد مصطفى، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، الطبعة الأولى، دار الفكر، دمشق ،1428هـ/2007م ،الجزء الأول، ص 24.

[45] الجرجاني، التعريفات، مرجع سابق،باب الفاء، فصل القاف، ص 169.

[46] العلوي، نشر البنود شرح مراقي السعود، مرجع سابق، الجزء الأول، ص 67.

[47] الجرجاني، التعريفات، مرجع سابق، باب الفاء، فصل القاف، ص 169.

[48] الجرجاني، التعريفات، مرجع سابق، باب الألف، فصل الصاد، أصول الفقه، ص 35.

[49] العلمي، عبد الحميد، المشترك الأصولي لدى المذاهب السنية، مشاركة في المحور الأول، ثوابت النموذج الديني المغربي والمشترك الإفريقي، المذاهب الفقهية السنية والمشترك الأصولي، مرجع سابق،  ص 3.

[50] المغراوي، فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر، الطبعة الأولى، مجموعة التحف النفائس الدولية، الرياض،1416هـ/1996م المقدمة، ص 30

[51] اليحصبي، عياض ابن موسى، ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، مطبعة فضالة، المحمدية ،المغرب ،1390هـ/1970م، الجزء الأول، ص 38.

[52] الشنقيطي، محمد الشيباني بن محمد بن أحمد، تبيين المسالك شرح تدريب السالك إلى أقرب المسالك، تقديم أحمد بن عبد العزيز آل مبارك، الطبعة الثالثة، دار ابن حزم ،1420هـ/1991م، الجزء الأول، ص 22.

[53] ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، الطبعة الثانية ،دار الكتاب العربي، ص 118.

[54] ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، تحقيق، عبد الواحد الوافي ،طبعة نهضة مصر، 2004م، ص449.

[55] ابن العماد الحنبلي،  أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد الصالحي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، مكتبة القدسي، القاهرة، 1350هـ ، ص 2292

[56] البكاري عبد السلام محمد، العقيدة-الشريعة-التصوف عند الإمام الجنيد، الطبعة الأولى، مركز التراث المغربي، الدار البيضاء ،1429هـ/2008م، ص 22.

[57] درنيقة محمد، الطريقة الشاذلية وأعلامها، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،1990م، ص 14-19 بتصرف

[58] البكاري عبد السلام محمد، العقيدة-الشريعة-التصوف عند الإمام الجنيد، الطبعة الأولى، مركز التراث المغربي، الدارالبيضاء ،1429هـ/2008م، ص 28.

[59] النحوي الخليل، بلاد شنقيط المنارة والرباط، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس ،1987م، ص 120 ومابعدها، بتصرف

[60] بوعمري كريمة، التصوف والاستقرار الروحي في المغرب وإفريقيا، المحور الأول؛ ثوابت النموذج الديني المغربي والمشترك الإفريقي، محاضرة،الدورة التكوينية التواصية الأولى، التعريف بالنموذج المغربي في تدبيـر الشأن الديني،12/16/فبرايـر/2018م ،فاس، ص 49.

[61] مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، تقديم، منشورات المؤسسة، وثيقة مقدمة للمشاركين في اجتماع المجلس العلمي الأعلى الأول، المنعقد بفاس ،19-20-21 ربيع الأول 1439هـ الموافق 8-9-10 دجنبر 2017م، ص 28.

[62] أكونين، وديع، فيح الشكور في معرفة أعيان علماء تكرور، التصوف السني وامتداده الإفريقي، بحث منشور في مجلة دعوة الحق، العدد 415، ص 50 وما بعدها.

[63] الظهيـر الشريف رقم 1.15.75، الصادر في 7 رمضان 1436ه /24 يونيو 2015م، المتعلق بإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.

[64] الحسيني، الشريف إبراهيم صالح، كلمة باسم السادة العلماء الأفارقة، اجتماع المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، الجمعة والسبت والأحد 19-20-21 ربيع النبوي 1439هـ- موافق 8-9-10 دجنبر 2017م، قراءة في الصحافة، ص 15.

كلمات مفتاحية :