عناية المغاربة بالقرآن الكريم وحفظه

عناية المغاربة بالقرآن الكريم وحفظه

عناية المغاربة بالقرآن الكريم
عناية المغاربة بالقرآن الكريم

 

عناية المغاربة بالقرآن الكريم

برز المغاربة، منذ فجر التاريخ الإسلامي، في ميدان حفظ القرآن الكريم ، وأحرزوا قصب السبق في إتقان علومه، والحذق البليغ في رسمه وضبطه وقواعد تجويده وأدائه، والمعرفة بطرقه ورواياته.

وقد جاءت هذه الخصيصة ثمرة طبيعية لما تميزوا به من العناية به، والحفاوة بتعلمه وتعليمه، حتى أفتى علماؤهم من أمثال أبي عمران الفاسي (ت430هـ/1039م) بإجبارية إقامة “الحضار”[1]، قال في كتاب التعاليق: “الذي يعقد “الحِضار” هو السلطان أو القاضي وجماعة من الناس، فإذا عقدوه فـ”الشرط”[2] لازم لجميع أهل الموضع، ويُنَكَّل[3] بمن امتنع من تسليم ولده للمكتب، ويُجبر على ما ينوبه من أجر المعلم، ومن أبى طُرد ونُفي إن قُدر عليه، لهدمه ركنا من أركان الدين، ولا تجوز شهادته، ويُؤدب أدبا وجيعا.”[4]

قال ابن خلدون (ت808هـ/1406م): “فأما أهل المغرب فمذهبهم في الوِلدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذُهم أثناء الدراسة بالرسم ومسائله، واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواهُ في شيء من مجالس تعليمهم، لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب، إلى أن يحذَق فيه أو ينقـطع دونه، فيكون انقطاعه في الغالب انقطاعا عن العلم بالجملة، وهذا مذهب أهل الأنصار بالمغرب ومن تبعهم من قرى البربر أمم المغرب في ولدانهم، إلى أن يجاوزوا حدَّ البلوغ إلى الشبيبة، وكذا مذهبهم في الكبير إذا راجع مدارسة القرآن بعد طائفة من عمره، فهم لذلك أقومُ على رسم القرآن وحفظِه من سواهم”[5].

ومن المقولات الشائعة في هذا الصدد، مما يسجل لهم هذه الخصيصة، قول من قال ممن عني برصد مظاهر التبريز والحذق عند الشعوب الإسلامية: “نزل القرآن بلسان العرب ففسَّره الفرس، وكتبه الترك، وقرأه المصريون، وحفظه المغاربة “.

ولا أدل على هذا النبوغ الخاص الذي عرفوا به من استعراض أسماء أكابر القراء خلال العصور، فإن الساحة مكتظة عبر القرون بأمثال أبي محمد مكـي بن أبي طالب القيرواني[6]، وأبي العباس المهدوي[7]، وأبـي عمرو الداني الحافظ[8]، وأبي داود بن نجاح تلميذه[9]، وأبي عبد الله بن شريح الإشبيلي[10]، وأبي القاسم الشاطبي[11] صاحب حرز الأماني في القراءات، وأبي الحسن الحصري[12]، وابن بري التازي[13]، وابن الصفار المراكشي[14]، وابن غازي المكناسي[15]، وابن القاضي الفاسي[16]، وإبراهيم الضيائي السوسي[17]، وأبي عبد الله أعجلي الباعمراني[18]، وأحمد الحبيب اللمطي السجلماسي[19] وسواهم كثير.

وإن إلقاء نظرة على ما تذيل به المصاحف المطبوعة في البلدان العربية والإسلامية من بيانات تكشف عن المصادر العلمية المعتمدة في تحريرها وتحقيق رسمها وضبطها وعدِّ آياتها، لهو أقرب شاهد ودليل على ما لأمتنا في الغرب الإسلامي من التميز والتفوق الذي ذكرناه.

فالمغاربة منذ نعومة أظافرهم (عادة عندما يبلغ الطفل أربع سنين) يدخلون المسجد لحفظ القرآن الكريم برواية ورش التي يقرأ بها العموم في المغرب، ثم طلب القراءات القرآنية بعد ذلك. والمقصود بالقراءات التي يجتهد المغاربة في تحصيلها وهي السبع أو العشر، وهي تلك القراءات التي تختلف إحداها عن الأخرى في أمور لا تنقص شيئا ولا تضيف شيئا لأحكام القرآن أو مجمل بيانه وتوجيهاته، وإنما هي اختلافات رواها أصحابها عن ناقليها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقلها عنه الصحابة رضوان الله عليهم، والرواة السبع هم:

1- نافع بن أبي نعيم، وهو مدني، وعنه روى ورش، تـ 169 هـ؛

2- عبد الله بن كثير المكي، 45-120 هـ؛

3- أبو عمرو بن العلاء المازني البصري، 70-154 هـ؛

4- عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي، 21-118هـ؛

5- عاصم بن أبي النجود الكوفي، 80-156 هـ؛

6- حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، 80-156 هـ؛

7- أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي الكوفي، تـ 189 ه.

ويضاف إليهم ثلاثة آخرون تكمل قراءاتهم القراءات العشر وهم:

8- أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني؛ تـ 130هـ؛

9- يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري، تـ 205 هـ؛

10- خلف بن هشام البغدادي، تـ 229 هـ.

وقد جمع القراءات السبع وألف فيها أبو بكر محمد بن مجاهد البغدادي المتوفى عام 324 هـ، وألف علماء القراءات فيما يمكن أن يكون لبعض القراءات من أثر توجيهي أو ترجيحي في التفسير.

والاختلاف في القراءات عامة يكون في:

– الأسماء من حيث الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والمبالغة؛

– في اختلاف تصريف بعض الأفعال؛

– في بعض وجوه الإعراب؛

– في التقديم والتأخير على وجه محدود؛

– في القلب والإبدال؛

– في بعض اختلاف في اللغات من حيث الإمالة والتفخيم والترقيق.

كان سبب تعدد القراءات مع أن القرآن واحد، أن الله سبحانه تيسيرا منه على الأمة أنزله على نبينا، محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان قريش أولا، ثم أذن له أن يقرئ أمته بما يسلس على لسانها وتطوع به، مما تتكلم به غير لسان قريش، في أحوال الهمز والتسهيل، والفتح والإمالة، والإدغام والإظهار، والترقيق والتفخيم، والتذكير والتأنيث، والإفراد والتثنية والجمع، وغير ذلك مما يسوغ في العربية، ويدخل ضمن ما يعرف عند العلماء بالأحرف السبعة، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن الجزري الدمشقي (تـ 833 هـ) في أرجوزته طيبة النشر في القراءات العشر في قوله في أولها:

وأصل الاختلاف أن ** ربنا أنزله بسبعة مُهَوِّنا

 

*أ.د. عبد الهادي حميتو

من كتاب حمل القرآن الكريم ونشره في المملكة المغربية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، 1434 هـ/2013م. (بتصرف)

الهوامش

[1] الحضار هو اسم المكتب أي الكتَّاب أو المسيد الذي يجتمع فيه الصبيان لتعلم القرآن، وما يزال معروفا في الحواضر بهذا الاسم إلى اليوم ويسمى في بعض الجهات بالمحضرة، وربما أطلق على القسم المتعلق بالصبيان من المسجد.

[2] الشرط هو نصيب الشخص مما اتفقت عليه الجماعة مع معلم القرآن يؤدى شهريا أو سنويا أو حسب الحذقات.

[3] يُعاقب.

[4] انظر النص في كتاب الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة لحُسين بن علي بن طلحة الشوشاوي. ص291-292. بتحقيق الأستاذ عزوزي إدريس، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

[5] مقدمة ابن خلدون ص 538-539. طبعة دار الفكر.

عناية المغاربة بالقرآن الكريم

[6] مقرئ للسبع قيرواني انتقل إلى قرطبة وأقرأ بها وألف كتاب التبصرة في القراءات. توفي سنة 437هـ ــ1046م.

[7] مقرئ للسبع قيرواني انتقل إلى دانية بشرق الأندلس وأقرأ بها وألف كتاب الهداية في القراءات السبع، توفي حول سنة 440هـ ــ1049م.

[8] هو عثمان بن سعيد الدانــي حافظ القراءات ومؤلــف كتاب التيسيــر في القراءات السبع، انتقــل من قرطبة إلى دانيــة واشتهر بها وانتشر تلاميـذه فنسب إليها. توفي سنة 444هـ ــ1052م.

[9] هو تلميذ أبي عمرو الداني: سليمان بن نجاح البلنسي صاحب كتاب التنزيل في رسم المصحف؛ مات ببلنسية سنة 495هـ ــ1046م.

[10] هو محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي مقرئ دولة ابن عباد بإشبيلية وصاحب كتاب الكافي في القراءات السبع توفي سنة 476هـ ــ1084م.

[11] هو أبو القاسم بن فيره الرعيني الشاطبي الأندلسي صاحب قصيدة حرز الأماني (الشاطبية) في القراءات السبع، رحل من شاطبة بشرق الأندلس وأقام بمصر حتى توفي بها سنة 590 هـ ــ1194م.

[12] هو أبو الحسن علي بن عبد الغني الحصري القيرواني الضرير صاحب القصيـدة الرائية (الحصرية) في قراءة نافع نزل سبتة وتوفي بطنجة سنة 468هـ ــ1076م.

[13] هو أبو الحسن علي بن محمد بن برى التازي، قرأ ببلده وأقرأ بها ثم انتقل إلى فاس فتولى كتابة الديوان المريني إلى أن توفي بها سنـة 730هـ ــ1330م. وهو صاحب أرجوزة الدرر اللوامع في قراءة الإمام نافع.

[14] هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم التينمللي المراكشي الصفار صاحب كتاب الزهـر اليانع في قراءة نافع انتقل من مراكـش إلى فاس، وكان يقرئ السلطان أبا عنان المريني ويصلي به إلى أن توفي بقاس سنة 762هـ ــ1361م.

[15] هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن غازي المكناسي نزيل فاس وشيخ الجماعة بها وصاحب أرجوزة تفصيل عقد الدرر في طرق القـراءات العشر النافعية، توفي سنة 919هـ ــ1513م.

[16] هو إمام القراء وشيخ الجماعة بفـاس أبو زيد عبد الرحمن بن القاضي صاحب كتاب الفجر الساطع في شــرح الدرر اللوامع، توفي سنــة 1672هـ ــ1082م.

[17] هو إبراهيم الضيائي السوسي تلميذ أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي، توفي في صدر القرن الثاني عشر الهجري.

[18] هو صاحب كتاب الهــداية لمـــن أراد الكفاية في ضبط أواخر الكلم مما صح بالرواية (مخطوط بالخزانة العامة بالرباط). توفي سـنة 1852هـ ــ1268م.

[19] هو أبو العباس أحمد الحبيب اللمطي مقرئ أهل سجلماسة وصاحب مدرسة التجويد بها، توفي سنة 1165هـ ــ1752م.