كلمة الرئيس المنتدب عند الإعلان عن تأسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة

كلمة الرئيس المنتدب عند الإعلان عن تأسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة

هذا نص الكلمة الذي ألقاها الرئيس المنتدب لـمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بمناسبة الإعلان عن تأسيسها ليلة 26 رمضان 1436 موافق 13 يوليوز 2015.

كلمة الرئيس المنتدب لـمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بمناسبة الإعلان عن تأسيسها

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

وعلى آله وصحابته الأكرمين

مولاي أمير المؤمنين

يحضر أمام جنابكم الشريف، علماء وعالمات، من تسعة وعشرين بلدا إفريقيا، للمشاركة في مراسم الإعلان عن “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”، وللتعبير عن الابتهاج بقراركم السامي بإحداث هذه المؤسسة المباركة. لقد سبق لنخبة من هؤلاء العلماء، من عشرين بلدا، أن تعرفت على هذا المشروع، حيث ناقشته وأغنته بأفكارها، في اجتماع انعقد بالرباط في فاتح الشهر الماضي.

مولاي أمير المؤمنين

إن قراركم إحداث هذه المؤسسة ليس وليد ظرفية خاصة أو فكرة طارئة، بل هو عمل في العمق، يعتمد على علاقات المملكة المغربية بهذه البلدان في الماضي، كما يستند إلى جملة من الاهتمامات المتصلة بالحاضر والمستقبل.

أما وشائج الماضي، فتتمثل في اللحمة البشرية بين المملكة المغربية وبين العمق الإفريقي جنوبي الصحراء، كما تتمثل في تراث حضاري وثقافي مشترك،  يتجلى على الخصوص في وحدة المقوم الديني، بأبعاده العقدية والمذهبية والروحية،  تراث مادي وروحي، عقلاني وعاطفي، صمد  وما يزال يصمد للأطماع والدسائس ولإغراء الإيديولوجي المتنوع المصادر.

وفي ضوء هذا السياق، يمكن لكل متتبع، أن يتأكد أن إنشاء “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة” مشروع في إطار الاستمرارية التاريخية، والتعهد المتجدد للأمانة التي تتحملونها في رعاية هذه العلاقات، ولاسيما في جانب حماية الملة والدين، المنوطة بإمارة المؤمنين. ومن تجليات هذا التعهد في العقود الأخيرة، إقامة مساجد في بعض البلدان، والحضور المستمر للعلماء الأفارقة في الدروس الحسنية، وتأسيس رابطة علماء المغرب والسينغال، وإنشاء معهد الدراسات الإفريقية، واحتضان لقاءات للطرق الصوفية. وتفعيل عدد من اتفاقيات التعاون في الشئون الإسلامية.

أما علاقة إحداث هذه المؤسسة باهتمامات الحاضر والمستقبل، فتتمثل على الخصوص في أمرين مشهودين، أولهما انتظارات معبر عنها رسميا من جانب بلدان إفريقية، وتتجلى على الخصوص في  الطلبات الموجهة إليكم، يا مولاي، بخصوص تكوين الأئمة والمرشدات، اقتناعا من الدول بضرورة تأطير سليم للتدين، وفق تقاليد السماحة والاعتدال، وثانيهما تشوف العلماء الأفارقة إلى التعاون، وهي رغبة ملحة صادرة عن وفائهم لأسلافهم الذين تنتهي معظم أسانيدهم في العلم والسلوك إلى مشيخات في المملكة المغربية، إنها حقيقة لا يشوبها من ولا أذى، ولا أحد تخفى عليه اليوم الأهمية الكبرى التي يكتسيها استثمار هذا الرأسمال المشترك، ووجاهة إقامة إطار عقلاني علمي وتدبيرى لعمل حكيم مستدام لهذا الاستثمار، وهو ما وفقكم الله إليه يامولاي بإحداث هذه المؤسسة، علما بأن خدمة الدين على هذا المنوال، لا يمكن أن تكون لها أهداف مبطنة، إذ هي مبنية على الإخلاص لله تعالى في حسن التبليغ الذي هو المهمة النبيلة للعلماء، مهمة لا يمكن تسخيرها إلا لما ينفع الناس في الأرض، وأساس ما ينفع الناس هو المحجة البيضاء في بناء السلام والاستقرار والعمل الصالح الذي تعبئ له قيم الدين، إذا حفظ فهمه وصينت ممارسته من الجهل والزيف والتطرف.

مولاي أمير المؤمنين

لقد أقمتم هذه المؤسسة لتكون فضاء لبذل الاجتهاد المطلوب الذي يتيح الاستفادة المكيفة وبالقدر الممكن، من نموذج تدبير الشأن الديني الذي بنيتموه في مملكتكم الشريفة، سواء في جانبه الفكري أوالتأطيري أوالخدماتي، ولا يتعلق الأمر بتصدير نموذج أو استيراده ، وإنما يتعلق باغتنام ما يوفره النموذج المذكور، بحكم قيامه على نفس الثوابت المشتركة، من فرص حماية الدين في انسجام مع الاختيارات الحديثة في الجوانب السياسية والحقوقية، وفي مراعاة تامة لما هو قطعي من أحكام الشريعة السمحة، وهذه هي أمنية المسلمين في الوقت الحاضر.

وحيث إن المرأة والرجل في النموذج المغربي، يشاركان سواء بسواء، في الالتزام بالدين، وفي المسئولية عن حفظه، وفي الحياة الكريمة وفق هديه، فقد أبيتم إلا أن تحضر المرأة العالمة الإفريقية في هذا اللقاء بنسبة لافتة، استشرافا لما سيكون لها، إن شاء الله، من دور مشرق في نشاط المؤسسة وفعالياتها.

مولاي أمير المؤمنين

لقد جاءت مقتضيات الظهير المحدث للمؤسسة واضحة في الحيثيات والأهداف بما ينسجم مع المعطيات التي أشرنا إليها، كما نصت على أن تكوين فروع المؤسسة في البلدان يخضع بالضرورة للقوانين الجاري بها العمل في كل بلد،  ويفهم من هذا المعطى بشكل واضح، أن المؤسسة لا تقوم بديلا لأي مؤسسة رسمية أو خاصة كيفما كانت، وأنها، في إطار التواصل المشروع، مدعوة إلى التعاون مع كل من يقوم على مهام مماثلة، ويسعى إلى خير البلدان وسعادتها.

مولاي أمير المؤمنين

عملا بتوجيهاتكم السامية من أجل تفعيل دور المؤسسة في اقرب وقت ممكن، سينعقد بحول الله اجتماعان قبل نهاية السنة، اجتماع لإرساء هياكل المؤسسة، وللتداول في كيفية تفعيل آلياتها،ووضع استرتيجية عملها في المدى القريب والمتوسط، واجتماع مع الفروع التي تكون قد استكملت تدابير قيامها في بلدانها، و ذلك من اجل وضع برامج العمل برسم السنة الموالية.

بارك الله في أعمالكم يا مولاي، وسدد خطاكم، وتقبل منكم، والسلام على مقامكم الشريف،  ورحمة الله تعالى وبركاته.